انقسام حول «مبادرة» لإعادة النازحين إلى ديارهم بشرق ليبيا

أُخرجوا منها عام 2014... وأعدادهم تتراوح ما بين 4 و6 آلاف

جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي في بنغازي (الصفحة الرسمية للمجلس)
جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي في بنغازي (الصفحة الرسمية للمجلس)
TT

انقسام حول «مبادرة» لإعادة النازحين إلى ديارهم بشرق ليبيا

جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي في بنغازي (الصفحة الرسمية للمجلس)
جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي في بنغازي (الصفحة الرسمية للمجلس)

تباينت آراء ليبيين نازحين من شرق البلاد عام 2014 بين مؤيد ومعارض لمبادرة برلمانية، تروم إعادتهم إلى ديارهم؛ حيث عدَّها البعض بادرة «حسن نية» تفتح باب الأمل لعائلات تغربت عن ديارها، في حين عدّها معارضون «صفقة سياسية دعائية غير مأمونة العواقب».

وتواصلت لجنة المصالحة في مجلس النواب، في وقت سابق من الشهر الحالي، مع نازحين من مدن بنغازي وأجدابيا ودرنة، وطلبت منهم تقديم طلبات لتسوية أوضاعهم، بما يشمل إمكانية عودتهم إلى منازلهم بعد أكثر من عقد على نزوحهم.

وأطلقت القيادة العامة لـ«الجيش الوطني»، بقيادة المشير خلفية حفتر «عملية الكرامة» في 16 مايو (أيار) 2014 بمدينة بنغازي (شرق)، استهدفت «جماعات إرهابية».

وبدأ الجدل حول «المبادرة» المقترحة، عقب لقاء بين عدد من المتضررين ورئيس «لجنة العدل والمصالحة» بالبرلمان ميلود الأسود، والنائب عبد الهادي الصغير للاتفاق على مبادرة يقودها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، حسبما أكد الأسود لـ«الشرق الأوسط».

عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (المكتب الإعلامي لصالح)

ويقول عادل الزوي، وهو أحد النازحين الذين شاركوا في الاجتماع لـ«الشرق الأوسط» إنه قدَّم للأسود 7 مطالب، من بينها «إصدار تشريعات تضمن سلامة النازحين بعد عودتهم، وحقهم في جبر الضرر والتعويضات، تمهيداً لاجتماع آخر بين رئيس مجلس النواب وفريق من النازحين يعقد خارج ليبيا».

لكن برز على مدى أيام تيار رافض لهذه المبادرة، قام مؤخراً بوقفة احتجاجية في طرابلس، وصف منظموها مبادرة البرلمان بـ«صفقة لإزهاق أرواح جديدة»، حسب تعبيرهم، وطالبوا ببادرة حسن نية، تتمثل في الإفراج عن كل الذين اعتقلوا إثر انطلاق «عملية الكرامة» عام 2014، بالإضافة إلى «وقف الخطاب التحريضي؛ وأن تكون العودة بضمانة دولية من قبل البعثة الأممية».

من جانبه، عبَّر «مجلس حكماء بنغازي» في المنطقة الغربية، في بيان له، عن الاستغراب من «طرح مجلس النواب للمصالحة، في ظل الانقسام السياسي والاجتماعي ووجود حكومتين»، داعياً البرلمان إلى «تحمل المسؤولية القانونية في حال عودة النازحين دون ضمانات قانونية واجتماعية، تحفظ لهم سلامتهم وحقوقهم». وذهب البعض إلى المطالبة بمحاكمات تطول «منتهكي حقوق النازحين»، حسب صفحات تواصل ليبية.

المشير خليفة حفتر (الجيش الوطني)

من جهته، شكَّك نائب رئيس «منظمة مهجّري بنغازي»، عمر المغربي، في نجاح هذه «المبادرة»، بحجة أنها «تهدف إلى التفريق والاستعراض الإعلامي».

وأوضح المغربي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن المبادرة يجب الإعلان عنها من طرف المشير خليفة حفتر، أو عقيلة صالح من دون وسطاء، وتقديم بادرة حسن نية ملموسة، مثل الإفراج عن المعتقلين.

في مقابل هذا التيار الرافض، قال رئيس «لجنة العدل والمصالحة» إن المبادرة «لا تزال قائمة، ونحن نتفهم كل المطالب ووجهات النظر حول مسار المصالحة»، مبرزاً أن «الباب ليس مغلقاً أمام أحد، ومجلس النواب مؤسسة تُمثل كل الليبيين، ومبادرته التي يقودها رئيسه شخصياً تأتي في إطار دوره ومسؤولياته».

ودافع الزوي، وهو أحد النازحين، بقوة عن حضوره اللقاء مع عضوي البرلمان بصفته الشخصية ودون تمثيل لأحد، ورأى أن ما تتمسك به شريحة من النازحين «مطالب تعجيزية». وقال موضحاً: «لقد انقسمت آراء النازحين بين معارضين يطالبون بالعدالة الانتقالية ومحاكمات لمنتهكي حقوقهم، ومؤيدين يرغبون في العدالة التصالحية، وطي صفحة الماضي، وتعويض المجني عليهم».

ويضيف الزوي موضحاً أنه «لا يمكن معاقبة الجاني، سواء في الشرق أو الغرب، ولا بد من التنازلات لصالح الوطن من جانب النازحين، الذين أنهكوا خلال السنوات الماضية».

وفي معسكر المؤيدين أيضاً كان «حراك شباب بنغازي المهجّرين»، الذي قال: «تعبنا من الغربة ومن ضنك العيش، ومن أراد البقاء في المهجر فله مطلق الحرية».

ولا تتوفر أرقام رسمية موثقة لأعداد الأسر النازحة، في حين تذهب تقديرات منظمات حقوقية، ومطلعين على القضية، إلى تقديرها بين 4 آلاف و6 آلاف نازح من مدن بنغازي وأجدابيا، والمرج والبيضاء، ودرنة، فيما وصفتها «المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين» بأنها «حالة من النزوح المعقد».

وسبق أن أشار تقرير البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في عام 2023 إلى تمكن بعض النازحين (أكثرهم من بنغازي) من العودة إلى مدنهم، في حين «لا يزال البعض الآخر يواجه تحديات في العودة بسبب خطر الاضطهاد أو الانتقام».

ومن منظور الناشط السياسي، خالد السكران، فإن الحل الوحيد هو «إفساح الطريق أمام المصالحة»، وقال بهذا الخصوص: «لا ينصلح حال البلدان إلا بالتسامح»، ضارباً المثل «بتجارب جنوب أفريقيا والجزائر ولبنان ورواندا، التي توفرت فيها الإرادة وحسن النية والابتعاد عن المصالح الشخصية، وإنهاء خطاب الكراهية».

ويفسر مراقبون وحقوقيون هذا الجدل بأنه ترجمة لأزمة «عدم ثقة» بمفهوم المصالحة في ليبيا، وهو ما يفسره ناصر الهواري رئيس المنظمة الليبية «ضحايا لحقوق الإنسان»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأنه نتيجة «تعدد القوانين والجهات واللجان المنوطة بالمصالحة، دون أثر ملموس على المتضررين، إلى جانب انتهاكات حقوقية واسعة من قبل السلطات في شرق البلاد وغربها».


مقالات ذات صلة

«الرئاسي» الليبي يطلق آلية لتثبيت الهدنة في طرابلس

شمال افريقيا اجتماع «الرئاسي» الليبي مع البعثة الأممية وقيادات عسكرية بغرب البلاد (الرئاسي الليبي)

«الرئاسي» الليبي يطلق آلية لتثبيت الهدنة في طرابلس

أطلق المجلس الرئاسي في ليبيا، بحضور رئيس الأركان العامة، ورؤساء الأركان النوعية للجيش في غرب البلاد آلية لتثبيت الهدنة، لتعزيز الاستقرار في العاصمة طرابلس.

جمال جوهر (القاهرة)
تحليل إخباري الدبيبة مستقبلاً في مكتبه وفداً من الهيئة الطرابلسية السبت (مكتب الدبيبة)

تحليل إخباري تساؤلات حول مستقبل «الوحدة» الليبية

يعتقد سياسيون ومراقبون أن بقاء الدبيبة في السلطة لم يعد ممكناً بعد الحراك الشعبي الليبي ضد حكومته، متحدثين عن احتمالات عدة بشأن حكومته في الأيام المقبلة.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا رئيس حكومة «الوحدة» الليبية عبد الحميد الدبيبة مستقبلاً وفداً من أعيان ووجهاء مدينة صبراتة... الأحد (حكومة «الوحدة»)

الدبيبة يتهم صالح والمشري وحفتر بـ«إغراق طرابلس في الفوضى»

دعا عبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة المؤقتة في العاصمة الليبية، الميليشيات إلى «الانضمام لمؤسسات الدولة»، موجهاً اتهامات للأطراف السياسية المعارضة له.

خالد محمود
شمال افريقيا واحدة من الجثث الـ9 التي كشف عثر عليها جهاز المباحث الجنائية بغرب ليبيا (وزارة الداخلية بحكومة الوحدة)

ما حقيقة العثور على 45 جثة لجنود تابعين لحفتر في طرابلس؟

كشف جهاز أمني تابع لحكومة طرابلس الليبية عن وجود 9 جثث داخل ثلاجة مهجورة بأحد المشافي، بينما سارعت ميليشيات للحديث عن أن عددها 45 جثة وتعود لـ«الجيش الوطني».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا صورة متداولة لإغلاق طرق رئيسية في طرابلس

محتجّون يصعّدون ضد حكومة الدبيبة بإغلاق طرق وشوارع في طرابلس

أغلق محتجون طرقاً رئيسية بالعاصمة الليبية طرابلس في محاولة لإسقاط حكومة «الوحدة»، بينما تشير الأخيرة إلى انتهاء المظاهرات الشعبية ضدها.

خالد محمود (القاهرة)

محادثات السيسي ومستشار ترمب... هل تعيد «الدفء» للعلاقات المصرية - الأميركية؟

الرئيس المصري خلال استقبال مستشار ترمب (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري خلال استقبال مستشار ترمب (الرئاسة المصرية)
TT

محادثات السيسي ومستشار ترمب... هل تعيد «الدفء» للعلاقات المصرية - الأميركية؟

الرئيس المصري خلال استقبال مستشار ترمب (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري خلال استقبال مستشار ترمب (الرئاسة المصرية)

وسط تباين في الرؤى بشأن التعامل مع أزمات إقليمية مشتعلة، وغياب لأي حديث عن قمة رئاسية قريبة، يأتي استقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لكبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والشرق أوسطية والشؤون الأفريقية مسعد بولس، بالقاهرة الأحد، ليؤكد «أهمية الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن، وحتمية التشاور المستمر في قضايا المنطقة»، وفق برلمانيين وسياسيين مصريين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».

وفي لقاء هو الأول مع مسؤول أميركي منذ انتهاء جولة ترمب للمنطقة، الجمعة، نقل بولس للرئيس المصري تأكيدات ترمب على «عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين»، مع تناول سبل استعادة الاستقرار الإقليمي، والعمل على الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، وفق بيان الرئاسة المصرية.

وبدوره، ثمّن السيسي الجهود المشتركة بين مصر والولايات المتحدة وقطر للوساطة في غزة، مؤكداً حرص مصر على استمرار هذا التنسيق في المرحلة المقبلة، مطالباً بالعمل على الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، وإنفاذ المساعدات الإنسانية.

اللقاء عُقد بحضور وزير الخارجية ومدير المخابرات المصري (الرئاسة المصرية)

ومطلع فبراير (شباط) الماضي، أصدرت الرئاسة المصرية بياناً رسمياً قالت فيه إن السيسي تلقى اتصالاً هاتفياً من ترمب، وإن الأخير «وجَّه دعوة مفتوحة إلى الرئيس المصري لزيارة واشنطن ولقائه في البيت الأبيض»، وإن السيسي «وجَّه الدعوة إلى ترمب لزيارة مصر في أقرب فرصة ممكنة، لتعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، والبحث في القضايا والأزمات المعقدة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، مما يسهم في دعم استقرار المنطقة، وكذا للمشاركة في افتتاح المتحف المصري الجديد». لكنَّ البيت الأبيض أصدر بياناً مقتضباً حول الاتصال نفسه، ولم يتضمن الإشارة إلى أي دعوة للزيارة سواء من السيسي أو من ترمب، حسب نص بيان البيت الأبيض، وفق الترجمة الرسمية الأميركية المعتمدة.

وفي جولته بالمنطقة الأسبوع الماضي زار ترمب السعودية وقطر والإمارات. وبعكس الزيارة السابقة عام 2017، والتي شهدت قمة مصرية - أميركية في الرياض، لم يجتمع السيسي مع ترمب في أي لقاء هذه المرة.

ورفض الرئيس المصري عدة مرات بشكل واضح مقترح ترمب لتهجير الفلسطينيين من غزة، وتمسك السيسي بخطة إعادة الإعمار التي أعدتها مصر للقطاع وتبنتها الجامعة العربية.

وبينما ربط البعض بين تباين المواقف الأميركية - المصرية إزاء حرب غزة، خاصة مقترح التهجير، وبين عدم لقاء ترمب والسيسي حتى الآن، ترى وكيل لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب (البرلمان)، سحر البزار، أن زيارة مستشار ترمب للقاهرة تعكس وجود مساحات توافق بين القاهرة وواشنطن، وأهمية التنسيق المتبادل، رغم ما يبدو من تباينات سياسية، وما قد يصفه البعض بـ«عدم دفء» للعلاقات بين الجانبين في الوقت الراهن.

وتضيف لـ«الشرق الأوسط» أن القضايا المنخرط فيها البلدان بالمنطقة متعددة، ولا تقتصر على جهود الوساطة المشتركة مع قطر للتوصل لاتفاق تهدئة في غزة.

واعتبرت أن زيارة بولس «تمثل خطوة جديدة في بناء جسور الشراكة بين البلدين على أسس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة»، لافتة إلى أن قنوات التواصل الدبلوماسي والبرلماني بين البلدين مستمرة لتحقيق مصالح البلدين.

اللقاء المصري - الأميركي ناقش عدة قضايا إقليمية (الرئاسة المصرية)

وترى مساعدة وزير الخارجية الأسبق للشؤون الأميركية، هاجر الإسلامبولي، لـ«الشرق الأوسط» أن العلاقات والتعاون بين القاهرة وواشنطن ليست مرتبطة بزيارات على مستوى رئاسي أو لقاءات ثنائية فقط، وربما لم تسمح بها الظروف خلال الجولة الخليجية للرئيس الأميركي التي كان يسيطر الجانب الاقتصادي على جزء رئيسي فيها، مشيرة إلى وجود دعوات متبادلة للزيارات بين السيسي وترمب تنتظر الوقت المناسب.

وتشير الدبلوماسية المصرية السابقة إلى أن الزيارات الخارجية للرؤساء الأميركيين عادة ما يسبقها تحضيرات وترتيبات موسعة لتحقيق الأهداف المرجوة منها، وبالتالي لا يمكن النظر لغياب القاهرة عن أجندة محطات ترمب باعتباره تجاهلاً لدورها السياسي، أو انعكاساً لتوتر بالعلاقات في ظل تركيزه على الملف الاقتصادي، وليست الزيارة للانخراط في مفاوضات بشأن التهدئة التي تتشارك مصر مع الولايات المتحدة وقطر بجهود الوساطة فيها.

وعدّت عضوة لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان المصري، غادة عجمي، زيارة بولس بمثابة تأكيد على التشاور المستمر في قضايا المنطقة لوجود العديد من الملفات المفتوحة التي تدرك واشنطن دور القاهرة فيها. وأضافت عجمي لـ«الشرق الأوسط» أن واشنطن تدرك الدور الذي تلعبه مصر سياسياً، وقدرتها على الانخراط في حل أزمات المنطقة، لافتة إلى أن هذا الأمر يتضح بالملفات التي ناقشها بولس خلال لقائه مع الرئيس السيسي.