يتصاعد الجدل في ليبيا حالياً بشأن مدى إقرار «ميزانية موحدة» لضبط الإنفاق بين الحكومتين المتنازعتين على السلطة، فيما يتحدث سياسيون عن وجود «عراقيل» لا تزال تحول دون التوصل لذلك.
بداية، استبعد عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي «وجود أي فرصة للتوافق على الميزانية الموحدة»، مرجعاً ذلك إلى «تعمق الانقسام السياسي، وعدم إنهاء الخلاف بشأن قضايا رئيسة، من بينها نظام الحكم وإدارة الموارد، والتوزيع العادل للثروة، والتخلي عن السلاح».

وقال التكبالي لـ«الشرق الأوسط» إن البرلمان هو الجهة المسؤولة عن إقرار مشروع الميزانية، «فكيف سيسمح لحكومة عدّها غير مشروعة أن تتسلم أي حصة من تلك الميزانية؟». في إشارة إلى حكومة الوحدة التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة.
ويرى التكبالي أن الحل لمعالجة الوضع الاقتصادي «لن يتحقق إلا بتوحيد السلطة التنفيذية لتضطلع بوضع ميزانية، تحدد بها أولويات الإنفاق من واقع الإيرادات التي تحصل عليها؛ والحيلولة دون محاولة أي طرف توظيف سلاحه لفرض أمر واقع يعارض هذا».
وخلال اجتماع مع أعضاء حكومته، حمّل الدبيبة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ونائب محافظ مصرف ليبيا المركزي مرعي البرعصي، ورئيس صندوق إعادة الإعمار بلقاسم حفتر، مسؤولية «الإنفاق الموسع» الذي اشتكى منه المصرف المركزي، واتهمهم بـ«تدمير كيان الدولة الليبية».

كما طالب الدبيبة النائب العام، المستشار الصديق الصور، بالتحقيق فيما كشف عنه بيان «المركزي» بصرف 59 مليار دينار نتيجة «الإنفاق الموازي»، في إشارة لمصروفات حكومة أسامة حماد.
وقال عضو المجلس الأعلى للدولة، سعد بن شرادة، إن المصرف المركزي عقد أكثر من جولة مفاوضات بين لجان مالية ممثلة للحكومتين، بهدف التوصل لتلك الميزانية الموحدة «إلا أنها انتهت بالإخفاق». وتوقع في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تكون الخلافات بين ممثلي الحكومتين حول مخصصات الباب الثالث في تلك الميزانية، المتعلقة بالتنمية، في ظل استمرار التنافس بينهما في مشاريع إعادة الإعمار.
ويلفت مراقبون إلى تبادل الاتهامات بين الحكومتين، حول توظيف مخصصات باب التنمية في مشاريع تخدم مصالح اقتصادية لقيادات كل حكومة وحلفائها، إلى جانب تعزيز شعبية هؤلاء السياسية في مناطق سيطرتهم.

ولم يتردد بن شرادة، في التعبير عن مخاوفه من استمرار الوضع الراهن وعدم الالتفاف لتحذيرات المصرف المركزي من وجود عجز مالي، وارتفاع الدين العام، وتراجع احتياطي البلاد من العملة الأجنبية.
من جانبه، استبعد أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي، أيوب الفارسي «وجود أي فرصة لوضع ميزانية موحدة حتى نهاية العام الحالي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الحاجة لتلك الميزانية انتفت مع صدور قرار تخفيض سعر صرف الدينار»، مشيراً إلى أن المصرف المركزي كان يطالب بها لتفادي اللجوء لهذا القرار، «لكنّ الحكومتين لم تلتفتا لهذه التحذيرات»، عادّاً أن «كل حكومة ستحاول امتصاص غضب الشارع بإلقاء مسؤولية تردي الأوضاع على خصومها، والاستمرار في الإنفاق عبر ما سيصل للدولة من إيرادات، خصوصاً من حصيلة ضريبة بيع العملة الأجنبية».
ويعتقد الفارسي أن «دور الأمم المتحدة والدول الغربية المتدخلة بالساحة الليبية قد يقتصر على جمع أفرقاء الأزمة على طاولة واحدة، دون أن يمتد ذلك للقدرة على فرض توافق بينهم على أي صيغة للإنفاق المالي».
وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان؛ الأولى «الوحدة الوطنية» التي تتخذ من العاصمة طرابلس في غرب البلاد مقراً لها، وأخرى مكلفة من البرلمان، وتحظى بدعم قائد «الجيش الوطني» خليفة حفتر، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق جنوب البلاد.

بالمقابل، يرى عضو «الأعلى للدولة»، علي السويح، أن «هناك فرصة للوصول لتلك الميزانية حال إصرار المركزي عليها». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «قد يتم التوافق حولها ما بين مجلسي النواب و(الدولة)، وليس بين الحكومتين... والبرلمان أنهى حكومة الوحدة، لكنها تظل أمراً واقعاً، وتسيطر على مساحات من المنطقة الغربية، وتباشر صرف الرواتب للعاملين في عموم ليبيا».
كما يرى السويح أن مقترح المجلس الرئاسي الليبي بإعادة تفعيل «اللجنة المالية العليا»، التي شكلها منتصف عام 2023 بوصفها آلية تفاهم مرحلية لتوزيع الثروة «قد يكون خياراً إذا فشلت تفاهمات مجلسي النواب و(الأعلى للدولة)، حول تلك الميزانية». ولفت إلى أن عمل تلك اللجنة «جُمد من فترة، لكن إذا حصل المجلس الرئاسي على دعم محلي ودولي فقد يُعاد دورها، والجميع بات ينشد وقف هذا الإنفاق الموسع، دون حسيب أو رقيب».