​خلافات أفرقاء ليبيا «لا تزال تعرقل» التوصّل لـ«ميزانية موحدة»

سياسيون يربطون إقرارها بتوحيد السلطة التنفيذية

جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي (المجلس)
جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي (المجلس)
TT
20

​خلافات أفرقاء ليبيا «لا تزال تعرقل» التوصّل لـ«ميزانية موحدة»

جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي (المجلس)
جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي (المجلس)

يتصاعد الجدل في ليبيا حالياً بشأن مدى إقرار «ميزانية موحدة» لضبط الإنفاق بين الحكومتين المتنازعتين على السلطة، فيما يتحدث سياسيون عن وجود «عراقيل» لا تزال تحول دون التوصل لذلك.

بداية، استبعد عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي «وجود أي فرصة للتوافق على الميزانية الموحدة»، مرجعاً ذلك إلى «تعمق الانقسام السياسي، وعدم إنهاء الخلاف بشأن قضايا رئيسة، من بينها نظام الحكم وإدارة الموارد، والتوزيع العادل للثروة، والتخلي عن السلاح».

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية (الوحدة)
عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية (الوحدة)

وقال التكبالي لـ«الشرق الأوسط» إن البرلمان هو الجهة المسؤولة عن إقرار مشروع الميزانية، «فكيف سيسمح لحكومة عدّها غير مشروعة أن تتسلم أي حصة من تلك الميزانية؟». في إشارة إلى حكومة الوحدة التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة.

ويرى التكبالي أن الحل لمعالجة الوضع الاقتصادي «لن يتحقق إلا بتوحيد السلطة التنفيذية لتضطلع بوضع ميزانية، تحدد بها أولويات الإنفاق من واقع الإيرادات التي تحصل عليها؛ والحيلولة دون محاولة أي طرف توظيف سلاحه لفرض أمر واقع يعارض هذا».

وخلال اجتماع مع أعضاء حكومته، حمّل الدبيبة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ونائب محافظ مصرف ليبيا المركزي مرعي البرعصي، ورئيس صندوق إعادة الإعمار بلقاسم حفتر، مسؤولية «الإنفاق الموسع» الذي اشتكى منه المصرف المركزي، واتهمهم بـ«تدمير كيان الدولة الليبية».

عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (رويترز)
عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (رويترز)

كما طالب الدبيبة النائب العام، المستشار الصديق الصور، بالتحقيق فيما كشف عنه بيان «المركزي» بصرف 59 مليار دينار نتيجة «الإنفاق الموازي»، في إشارة لمصروفات حكومة أسامة حماد.

وقال عضو المجلس الأعلى للدولة، سعد بن شرادة، إن المصرف المركزي عقد أكثر من جولة مفاوضات بين لجان مالية ممثلة للحكومتين، بهدف التوصل لتلك الميزانية الموحدة «إلا أنها انتهت بالإخفاق». وتوقع في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تكون الخلافات بين ممثلي الحكومتين حول مخصصات الباب الثالث في تلك الميزانية، المتعلقة بالتنمية، في ظل استمرار التنافس بينهما في مشاريع إعادة الإعمار.

ويلفت مراقبون إلى تبادل الاتهامات بين الحكومتين، حول توظيف مخصصات باب التنمية في مشاريع تخدم مصالح اقتصادية لقيادات كل حكومة وحلفائها، إلى جانب تعزيز شعبية هؤلاء السياسية في مناطق سيطرتهم.

واجهة البنك المركزي بطرابلس (رويترز)
واجهة البنك المركزي بطرابلس (رويترز)

ولم يتردد بن شرادة، في التعبير عن مخاوفه من استمرار الوضع الراهن وعدم الالتفاف لتحذيرات المصرف المركزي من وجود عجز مالي، وارتفاع الدين العام، وتراجع احتياطي البلاد من العملة الأجنبية.

من جانبه، استبعد أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي، أيوب الفارسي «وجود أي فرصة لوضع ميزانية موحدة حتى نهاية العام الحالي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الحاجة لتلك الميزانية انتفت مع صدور قرار تخفيض سعر صرف الدينار»، مشيراً إلى أن المصرف المركزي كان يطالب بها لتفادي اللجوء لهذا القرار، «لكنّ الحكومتين لم تلتفتا لهذه التحذيرات»، عادّاً أن «كل حكومة ستحاول امتصاص غضب الشارع بإلقاء مسؤولية تردي الأوضاع على خصومها، والاستمرار في الإنفاق عبر ما سيصل للدولة من إيرادات، خصوصاً من حصيلة ضريبة بيع العملة الأجنبية».

ويعتقد الفارسي أن «دور الأمم المتحدة والدول الغربية المتدخلة بالساحة الليبية قد يقتصر على جمع أفرقاء الأزمة على طاولة واحدة، دون أن يمتد ذلك للقدرة على فرض توافق بينهم على أي صيغة للإنفاق المالي».

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان؛ الأولى «الوحدة الوطنية» التي تتخذ من العاصمة طرابلس في غرب البلاد مقراً لها، وأخرى مكلفة من البرلمان، وتحظى بدعم قائد «الجيش الوطني» خليفة حفتر، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق جنوب البلاد.

أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان (الاستقرار)
أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان (الاستقرار)

بالمقابل، يرى عضو «الأعلى للدولة»، علي السويح، أن «هناك فرصة للوصول لتلك الميزانية حال إصرار المركزي عليها». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «قد يتم التوافق حولها ما بين مجلسي النواب و(الدولة)، وليس بين الحكومتين... والبرلمان أنهى حكومة الوحدة، لكنها تظل أمراً واقعاً، وتسيطر على مساحات من المنطقة الغربية، وتباشر صرف الرواتب للعاملين في عموم ليبيا».

كما يرى السويح أن مقترح المجلس الرئاسي الليبي بإعادة تفعيل «اللجنة المالية العليا»، التي شكلها منتصف عام 2023 بوصفها آلية تفاهم مرحلية لتوزيع الثروة «قد يكون خياراً إذا فشلت تفاهمات مجلسي النواب و(الأعلى للدولة)، حول تلك الميزانية». ولفت إلى أن عمل تلك اللجنة «جُمد من فترة، لكن إذا حصل المجلس الرئاسي على دعم محلي ودولي فقد يُعاد دورها، والجميع بات ينشد وقف هذا الإنفاق الموسع، دون حسيب أو رقيب».


مقالات ذات صلة

انتقادات برلمانية تلاحق عروض التنقيب عن النفط الليبي

شمال افريقيا عامل ليبي في موقع إنتاج بأحد الحقول النفطية (المكتب الإعلامي للمؤسسة الوطنية للنفط)

انتقادات برلمانية تلاحق عروض التنقيب عن النفط الليبي

تتصاعد الانتقادات البرلمانية في ليبيا لعروض التنقيب عن النفط التي أعلنت عنها «المؤسسة الوطنية للنفط» وسط مطالب بتأجيلها لحين انتخاب «حكومة موحدة».

علاء حموده (القاهرة)
شمال افريقيا رئيس حكومة «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة في اجتماع مع عضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي مساء الأحد (المجلس الرئاسي)

«قلق وترقب» في طرابلس الليبية غداة اغتيال قائد عسكري

طالب رئيس الحكومة الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، الادعاء العام العسكري بفتح تحقيق «عاجل وشامل» لكشف ملابسات مقتل العميد علي الرياني في هجوم مسلح.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا قوات تابعة للحدود في مناطق الحدود بليبيا (وزارة الداخلية)

تجدد الاشتباكات في ليبيا واغتيال مسؤول عسكري

تصاعَد التوتر الأمني في ليبيا، وشهدت مدينة الزاوية إلى الغرب من العاصمة، أمس (الأحد)، اشتباكات مسلحة بين مجموعات متنازعة على النفوذ، مما أدى إلى سقوط قذائف.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مهاجرون غير نظاميين من نيجيريا قبيل ترحيلهم (جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة)

السلطات الليبية تعلن عن ترحيل المزيد من المهاجرين غير النظاميين

أعلن جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة في ليبيا ترحيل 70 مهاجراً غير نظامي من جنسيات مصرية وسودانية وتشادية، عبر منافذ برية وجوية مختلفة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صدام حفتر نجل المشير خليفة حفتر يتفقد وحدات الجيش على الحدود (القوات البرية)

​اشتباكات مسلحة في ليبيا واغتيال مسؤول عسكري

تجددت صباح الأحد الاشتباكات المسلحة بين مجموعات مسلحة متنازعة على النفوذ في مدينة الزاوية بغرب ليبيا وتحدثت وسائل إعلام عن اغتيال مسؤول عسكري بطرابلس

خالد محمود (القاهرة)

انتقادات برلمانية تلاحق عروض التنقيب عن النفط الليبي

عامل ليبي في موقع إنتاج بأحد الحقول النفطية (المكتب الإعلامي للمؤسسة الوطنية للنفط)
عامل ليبي في موقع إنتاج بأحد الحقول النفطية (المكتب الإعلامي للمؤسسة الوطنية للنفط)
TT
20

انتقادات برلمانية تلاحق عروض التنقيب عن النفط الليبي

عامل ليبي في موقع إنتاج بأحد الحقول النفطية (المكتب الإعلامي للمؤسسة الوطنية للنفط)
عامل ليبي في موقع إنتاج بأحد الحقول النفطية (المكتب الإعلامي للمؤسسة الوطنية للنفط)

تلاحق انتقادات برلمانية عروضاً للتنقيب عن النفط والغاز في ليبيا أعلنت عنها المؤسسة الوطنية للنفط، بعدما أطلقت مطلع العام الحالي مجموعة تراخيص للتنقيب، هي الأولى منذ 17 عاماً.

وتتضمن تلك التراخيص عطاءً عاماً في 22 منطقة استكشافية برية وبحرية، أُتيح أمام الشركات العالمية، بما فيها التركية، قبل إجراء مناقصات وتوقيع العقود في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وبدأت الانتقادات تتصاعد عقب تصريحات لوزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، نقلتها وسائل إعلام عديدة، تحدث فيها عن «اتفاقيات تنقيب عن النفط في ليبيا من المتوقع إبرامها قريباً».

وأمام هذه الانتقادات، قال مدير إدارة التواصل في المؤسسة الوطنية للنفط عيسى رشوان لـ«الشرق الأوسط»: «لم يتم الإعلان من الجانب الليبي عن إبرام أي اتفاقية نهائية مع الجانب التركي حتى الآن».

وأشار إلى وجود مباحثات أولية ومشاورات فنية جارية مع العديد من الشركات العالمية، بما فيها التركية، وذلك لتقييم فرص الاستثمار المتاحة.

وتحفظ رشوان عن الخوض في تفاصيل المفاوضات الجارية، لكنه أكد «التزام المؤسسة الوطنية للنفط بالشفافية والإفصاح عن أي اتفاقيات يتم إبرامها في حينه، وفقاً للإجراءات القانونية المتبعة».

ونقل المسؤول الليبي ترحيب مؤسسة النفط «بأي تعاون استثماري في قطاع النفط والغاز مع الشركات العالمية، بما فيها الشركات التركية، بما يتماشى مع القوانين واللوائح الليبية المنظمة لهذا القطاع».

لكن الحديث عن تراخيص نفطية، في هذه المرحلة التي تشهد فيها ليبيا انقساماً حكومياً، قوبل بانتقادات برلمانية؛ خصوصاً من أعضاء في لجنة الطاقة بمجلس النواب أعادوا التذكير بقرار سابق لمجلسهم «يحظر المساس بثروات البلاد السيادية، وأهمها النفط، إلى حين انتخاب حكومة جديد واحدة».

دول «تطمع في الثروات»

وتحدثت النائبة عائشة الطبقلي، العضو بلجنة الطاقة، عن «دول تطمع بثروات الشعب الليبي»، دون أن تسميها، وقالت: «نأمل عدم استغلال الوضع غير المستقر بسبب تعدد وانقسام المؤسسات».

وأضافت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «الوقت غير مناسب للتعاقدات والاتفاقات والعطاءات»، مشيرة إلى أن لجنة الطاقة «سيكون لها موقف بهذا الشأن»، دون مزيد من التفاصيل.

وانضم عضو لجنة الطاقة بالبرلمان، علي التكبالي، إلى الأصوات المنتقدة لمجموعة التراخيص النفطية، مشككاً في أي اتفاق يخص المال العام خصوصاً «مع حالات الفساد والإثراء غير المشروع في ليبيا»، حسبما ذكر لـ«الشرق الأوسط».

والثروة النفطية هي إحدى معضلات ليبيا التي تعيش انقساماً حكومياً وأمنياً منذ عام 2011. وتتنازع إدارتها حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية في شرق البلاد التي يرأسها أسامة حماد والمدعومة من البرلمان.

حالة «اللادولة»

أما من وجهة النظر الفنية، فقد استبعدت رئيسة قسم العقود السابقة بالمؤسسة الوطنية للنفط، نجوى البشتي، أن تستقطب العطاءات شركات عالمية كبرى ذات ثقل في ظل الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا.

وتساءلت في حديثها لـ«الشرق الأوسط» عما يمكن أن يضمن «عدم لجوء بعض الشركات الأجنبية الصغيرة التي ربما يرسو عليها العطاء إلى الانخراط في شراكات مع شخصيات محلية نافذة في ظل السطوة المعروفة للميليشيات».

واستناداً لعملها السابق في مجال التعاقدات النفطية، تعتقد نجوى البشتي أنه «لا وجه للمقارنة بين التعاقدات قبل 2011 التي تواكبت مع استقرار الدولة الليبية وفرض هيبتها، وما بين أي تعاقدات محتملة في ظل حالة (اللادولة) الحاصلة حالياً».

وتطرح جولة التراخيص النفطية تساؤلات حول مدى قانونية أي اتفاق ينبثق عنها، في غياب برلمان وحكومة منتخبة.

وهنا يستعرض الدبلوماسي وأستاذ القانون الدولي محمد الزبيدي، رؤيته القائمة على «قاعدة راسخة بالقانون الدولي بأن أي معاهدة دولية لا يصدق عليها البرلمان تعتبر كأنها لم تكن».

وهو لا يستبعد أن «يراجع البرلمان والحكومة المنتخبان مستقبلاً المعاهدات أو الاتفاقيات المبرمة، وإلغاءها تحت بند أنها تضيف أعباء اقتصادية أو تمس سيادة الدولة».

وسبق لوزير الطاقة التركي الحديث في سبتمبر (أيلول) الماضي عن اهتمام بلاده بعرض من طرابلس للتنقيب عن الطاقة قبالة سواحل ليبيا.

وكان البلدان قد وقعا اتفاقاً مبدئياً بشأن استكشاف الطاقة في عام 2022 بعد ثلاثة أعوام من اتفاق لترسيم الحدود البحرية.

ويبلغ إنتاج ليبيا الحالي من النفط 1.4 مليون برميل يومياً حسب أحدث أرقام رسمية، وتعفيها منظمة (أوبك) من قرار تخفيض الإنتاج. ويعتمد تمويل الميزانية بنسبة 90 في المائة على مبيعات النفط.