موائد إفطار قادة ليبيا تتحول إلى فرصة للتوظيف السياسي

المنفي دعا في مأدبة أقامها بطرابلس لإجراء «استفتاء تديره هيئة محايدة»

قادة الجيش الوطني الليبي على مائدة إفطار القيادة العامة (الجيش الوطني)
قادة الجيش الوطني الليبي على مائدة إفطار القيادة العامة (الجيش الوطني)
TT
20

موائد إفطار قادة ليبيا تتحول إلى فرصة للتوظيف السياسي

قادة الجيش الوطني الليبي على مائدة إفطار القيادة العامة (الجيش الوطني)
قادة الجيش الوطني الليبي على مائدة إفطار القيادة العامة (الجيش الوطني)

خلال هذا الشهر الفضيل، حرص أغلب أفرقاء المشهد الليبي على تنظيم موائد إفطار رمضانية، لكنها لم تخلُ من توجيه عدد من الرسائل السياسية.

ووفقاً لمراقبين، فإن إقامة هذه الموائد، وإن كانت تقليداً سنوياً لبعض الشخصيات المتصدرة للمشهد السياسي؛ فإن وضعية الانقسام السياسي والحكومي بالساحة الليبية ألقت بظلالها على هذا النشاط عبر توظيفه سياسياً.

وخلال كلمته بمأدبة الإفطار التي أقامها بأحد فنادق العاصمة طرابلس، دعا رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، إلى إجراء «استفتاء تديره هيئة محايدة ذات مصداقية لحسم الخلاف على بعض القضايا بالقوانين الانتخابية».

وعَدّ العضو بالمجلس الأعلى للدولة، علي السويح، أن حفلات الإفطار توصف دائماً بأنها عرف اجتماعي ودبلوماسي لاستضافة بعض المسؤولين، خاصة من ضيوف البلاد، «وليست بأي حال مجالاً لممارسة العمل السياسي».

وقال السويح لـ«الشرق الأوسط» إن «بعض المروجين لمبادرتهم أو خططهم السياسية، عبر تلك الموائد، ربما يهدفون لاستقطاب شخصيات من خارج صفوف المؤيدين لهم من النخب السياسية والإعلامية البارزة، أو تصدير صورة انفتاحهم بالحوار على خصومهم، لوسائل الإعلام والرأي العام».

الدبيبة في حفل إفطار لأفراد الشرطة (حكومة الوحدة)
الدبيبة في حفل إفطار لأفراد الشرطة (حكومة الوحدة)

وأضاف السويح موضحاً: «بمجرد التقاط الصور التذكارية للفعالية وانتهائها، يعود الجميع لخندقه وقناعاته السياسية، وللأسف لا يزال التفكير غائباً بأن يتم استغلال أجواء الشهر الكريم للدعوة لموائد إفطار يكون عنوانها الرئيسي تحقيق المصالحة الوطنية».

وتتنازع حكومتان على السلطة في ليبيا: الأولى «الوحدة الوطنية» المؤقتة، وتتخذ من العاصمة بالغرب الليبي مقراً لها، والثانية مكلفة من البرلمان، وتحظى أيضاً بدعم قائد «الجيش الوطني»، المشير خليفة حفتر، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب.

ورغم إشادته بلقاء الدبيبة برجال المرور، ومشاركته لهم مائدة إفطار تقديراً لدورهم، وتفهمه أيضاً لمشاركته مؤخراً أهالي مصراتة مسقط رأسه إفطاراً آخر، فإن السويح قلل من «إمكانية أن تسهم أي مشاركة لأي مسؤول في تلك الفعاليات في تعزيز حضوره أو شعبيته».

وبفارق يوم واحد عن فعالية المنفي، شارك حفتر كعادته السنوية في مأدبة إفطار جماعي، أقيمت في مقر القيادة العامة للجيش بمنطقة الرجمة في مدينة بنغازي (شرق)، بحضور آمري الوحدات، ومديري الإدارات، وبعض الضباط، وأكد خلال كلمة له بها أهمية «الوحدة والتعاون بين مختلف الوحدات العسكرية من أجل تعزيز قدراتها لمواجهة التحديات».

الحداد في إفطار رمضاني (الوحدة)
الحداد في إفطار رمضاني (الوحدة)

إلا أن الناشط السياسي الليبي، حسام القماطي، عدَّ أن الأحاديث التي ترددت أخيراً عن توجه البرلمان لتنصيب حفتر رئيساً للبلاد طغت على ما طرح خلال تلك الموائد.

وكان مقربون من حفتر ومصادر بمجلس النواب الليبي قد نفوا لـ«الشرق الأوسط»، ما تردد عن عقد جلسة برلمانية لتنصيب حفتر رئيساً مؤقتاً للبلاد.

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» سلَّط القماطي الضوء على ما عقدته قيادات عسكرية في الغرب الليبي من موائد إفطار، تنبئ بإعادة صياغة تحالفات السيطرة وفرض النفوذ هناك، وتحديداً بالعاصمة. وقال إن الصور التي أظهرت مشاركة رئيس أركان الجيش الليبي، التابع لحكومة «الوحدة الوطنية»، محمد الحداد، مأدبة إفطار رفقة وكيل وزارة الدفاع التابعة للحكومة، عبد السلام الزوبي، ومدير إدارة الاستخبارات العسكرية، محمود حمزة، «حظيت بكثير من الاهتمام».

ويرى القماطي أن الهدف من إقامتها هو «نفي أي توتر بين الحداد، الذي ينتمي للمؤسسة العسكرية النظامية، والزوبي وحمزة اللذين هما بالأساس قادة مجموعات مسلحة تم إدماج كياناتهم بوزارات وأجهزة الدولة، ورفع رتبهم العسكرية تدريجياً».

«وربما أيضاً قد تكون بمثابة إعلان عن تكتل جديد بمواجهة رئيس جهاز الردع، عبد الرؤوف كاره، والمتحالفين معه بهدف فرض سيطرتهم على العاصمة»، وفق القماطي.


مقالات ذات صلة

​خلافات أفرقاء ليبيا «لا تزال تعرقل» التوصّل لـ«ميزانية موحدة»

شمال افريقيا جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي (المجلس)

​خلافات أفرقاء ليبيا «لا تزال تعرقل» التوصّل لـ«ميزانية موحدة»

يتصاعد الجدل في ليبيا راهناً بشأن مدى إقرار «ميزانية موحدة» لضبط عملية الإنفاق المالي بين الحكومتين المتنازعتين على السلطة

جاكلين زاهر
شمال افريقيا جانب من محادثات المنفي وتيتيه (المجلس الرئاسي)

«الأوروبي» لدعم البعثة الأممية لتحقيق الاستقرار في ليبيا

بحث رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي مع رئيسة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا هانا تيتيه تكثيف المساعي الرامية إلى التوصل لتسوية سياسية شاملة بالبلاد

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا لجنة السياسة النقدية بالمصرف المركزي برئاسة عيسى (المصرف المركزي الليبي)

حجم إنفاق حكومتي ليبيا يثير تساؤلات حول إنجازاتهما

وسط مطالب بسرعة تشكيل «حكومة موحدة»، وإقرار ميزانية عامة لكل ليبيا، لا تزال صدمة «الإنفاق الكبير» للحكومتين تلقي بظلالها على البلاد.

جاكلين زاهر (القاهرة)
تحليل إخباري من اجتماع سابق للمشير خليفة حفتر مع المبعوث الأممي السابق عبد الله باتيلي وعقيلة صالح (الجيش الوطني)

تحليل إخباري ما أسباب تعقّد الأزمة الليبية رغم توالي المبعوثين الأمميين؟

منذ قدوم الخطيب وزير الخارجية الأردني الأسبق، إلى ليبيا مروراً بتسعة مبعوثين آخرين وصولاً إلى الدبلوماسية الغانية تيتيه، والليبيون يعتصرون الصبر علّهم يجدون حلا

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء الدبيبة مع تيتيه (حكومة «الوحدة»)

الدبيبة يتهم خصومه السياسيين بـ«تفجير الأزمة الاقتصادية» في ليبيا

وجّه الدبيبة حديثه لصالح والبرعصي وبلقاسم حفتر، ومن وصفه بـ«الكومبارس» الرابع المعروف، وقال: «حربكم على حكومتنا حرب على الدولة الليبية التي ستنهار بسببكم».

خالد محمود (القاهرة)

«هدنة غزة»... مؤشرات تتزايد بشأن «اتفاق قريب»

صبي فلسطيني يجلس على أنقاض مبنى في موقع غارة إسرائيلية على منطقة سكنية بحي الشجاعية بغزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يجلس على أنقاض مبنى في موقع غارة إسرائيلية على منطقة سكنية بحي الشجاعية بغزة (أ.ف.ب)
TT
20

«هدنة غزة»... مؤشرات تتزايد بشأن «اتفاق قريب»

صبي فلسطيني يجلس على أنقاض مبنى في موقع غارة إسرائيلية على منطقة سكنية بحي الشجاعية بغزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يجلس على أنقاض مبنى في موقع غارة إسرائيلية على منطقة سكنية بحي الشجاعية بغزة (أ.ف.ب)

جهود مكثفة من الوسطاء نحو استئناف اتفاق الهدنة في قطاع غزة، الذي انهار قبل 3 أسابيع، عبر تحركات واتصالات أميركية ومصرية بصورة أكبر، وسط تصعيد إسرائيلي يتسع، وحديث من «حماس» عن مساعٍ لـ«اتفاق قريب».

وبتقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن سياسة حافة الهاوية، التي ينتهجها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بالتصعيد في غزة منذ انهيار الهدنة في 18 مارس (آذار) الماضي، قد تصطدم بالتحرك نحو مفاوضات جديدة تقود لاتفاق قريب بناء على مؤشرات عديدة خلال الأيام الأخيرة.

وأكّد عضو المكتب السياسي لـ«حماس» حسام بدران، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، الأربعاء، «استمرار الاتصالات والمتابعات مع الوسطاء من أجل وقف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة»، مضيفاً: «نحن على تواصل وتشاور وتنسيق دائم مع الفصائل الفلسطينية الرئيسية لتوحيد المواقف حول مجمل الأمور، والجميع يدرك أن نتنياهو وحكومته هم من يعطلون أي اتفاق، خصوصاً بعد خرقهم الواضح لاتفاق 17 يناير (كانون الثاني) الماضي»، نافياً وجود وفد للحركة في القاهرة حالياً.

وفيما أفادت مصادر بحركة «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، الأربعاء، بأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب بنى تصريحاته خلال لقائه نتنياهو، في واشنطن، الاثنين، على «مواقف إيجابية خلال الأيام الأخيرة». وأشارت إلى أن «واشنطن عادت لتكثيف نشاطاتها بالملف، لمحاولة تحقيق اتفاق قريباً».

وخرج ترمب، في لقاء مع نتنياهو، الاثنين، متحدثاً عن أن العمل جارٍ لتحرير الرهائن، وتمنى أن «تتوقف الحرب قريباً»، فيما قال رئيس وزراء إسرائيل: «نحن نعمل حالياً على اتفاق آخر، نأمل أن ينجح، ونحن ملتزمون بتحرير جميع الرهائن».

فلسطينيون يتفقدون مدرسة تؤوي نازحين تعرضت في وقت سابق لضربة إسرائيلية في النصيرات (رويترز)
فلسطينيون يتفقدون مدرسة تؤوي نازحين تعرضت في وقت سابق لضربة إسرائيلية في النصيرات (رويترز)

وعلى مدار شهر مارس الماضي، تعثرت 3 مقترحات للتهدئة، أولها أميركي قدّمه مبعوث ترمب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في 13 من الشهر ذاته، لم تقبله «حماس»، وتلاه مقترح مصري، واختتم الشهر بثالث إسرائيلي، من دون أن تفلح الجهود في التوافق على أعداد المطلق سراحهم من الرهائن، ما أدّى إلى تعثر المفاوضات التي تحاول وقف انهيار اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 19 يناير الماضي، قبل أن تعلن «هيئة البثّ الإسرائيلية»، الجمعة، عن مقترح مصري جديد.

وبحسب تقديرات عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، فإن هناك مؤشرات تتصاعد نحو إعادة تثبيت الهدنة قريباً، منها حديث ترمب ونتنياهو بالبيت الأبيض، ورغبة «حماس» في إتمام ذلك لإدخال المساعدات الإغاثية للقطاع في أسرع وقت وجهود متواصلة من القاهرة والوسطاء، مشيراً إلى أن هناك إيقاعاً أميركياً مختلفاً هذه المرة، ويبدو أنه «سيكبح سياسة حافة الهاوية الإسرائيلية بضغوط جديدة قبل زيارة ترمب إلى المنطقة».

السفير الفلسطيني الأسبق لدى مصر، بركات الفرا، أضاف مؤشراً إضافياً متعلقاً بالضغوط والخلافات التي يواجهها نتنياهو في داخل إسرائيل، والتي قد تجعله يقبل بهدنة مؤقتة للهروب منها وتهدئة الرأي العام، موضحاً: «لكن هذا يتوقف على ضغط أميركي، خاصة أن طريقة استضافة ترمب لنتنياهو تعبر عن جفاء، وبالتالي قد نرى ضغطاً منه نحو اتفاق قريب للتهدئة بغزة».

ورغم تلك المؤشرات التي تتصاعد، فإنه لا يزال الجيش الإسرائيلي يواصل ميدانياً التصعيد في غزة. وأعلن، الأربعاء، أنه يواصل العملية البرية في قطاع غزة، وقالت القوات الإسرائيلية إنها استهدفت «قيادياً بارزاً في حركة حماس» من دون ذكر اسمه.

نساء وأطفال نازحون يركبون على ظهر سيارة مع أمتعتهم أثناء عبورهم ممر نتساريم من جنوب القطاع إلى الجزء الشمالي في وقت سابق (أ.ف.ب)
نساء وأطفال نازحون يركبون على ظهر سيارة مع أمتعتهم أثناء عبورهم ممر نتساريم من جنوب القطاع إلى الجزء الشمالي في وقت سابق (أ.ف.ب)

وتصعّد تل أبيب من هجماتها منذ استئناف الحرب على غزة، في 18 مارس الماضي، وأسفرت الغارات منذ ذلك الوقت عن مقتل 1482 شخصاً وإصابة 3688 آخرين، وفقاً لوزارة الصحة في القطاع.

ووسط ذلك التصعيد العسكري الإسرائيلي، بحث وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع ستيف ويتكوف، الجهود المشتركة التي تقوم بها مصر والولايات المتحدة وقطر لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وضمان بدء المرحلة الثانية، وتحقيق الهدوء وخفض التصعيد، مشيراً إلى «أهمية تضافر الجهود في سبيل خفض التصعيد في المنطقة، وتجنب توسيع رقعة الصراع بالنظر للعواقب الوخيمة على شعوب المنطقة»، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية»، الأربعاء.

ويرجح أنور أن تكون زيادة وتيرة التصعيد في غزة من جانب إسرائيل بداية للذهاب لمفاوضات واتفاق كعادتها في كل مرة منذ الحرب، تصعد بطريقة كبيرة للغاية، قبل كل تفاوض أو تهدئة، مشيراً إلى أن الدور المصري مهم للغاية، سواء بتحركاته أو اتصالاته أو مقترحاته، وسيكون أحد أسباب إبرام اتفاق قريب حال ضغطت واشنطن بقوة على نتنياهو لوقف سياسة حافة الهاوية التي يتبعها بالحرب.

ولا يستبعد الفرا أن يكون هناك حلّ قريب، تتوصل فيه أطراف الحرب مع الوسطاء لتهدئة مؤقتة، في ظل مشكلات نتنياهو الداخلية وضغوط واشنطن والحراك المصري المتصاعد الساعي بقوة للعودة لاتفاق الهدنة.