معركة الخرطوم تلحق دماراً بمصفاة رئيسية للنفط

استعادها الجيش من «الدعم السريع» في يناير... والخسائر تقدر بـ1.3 مليار دولار

منشأة رئيسية محروقة ومتضررة بشدة في مصفاة الجيلي (أ.ف.ب)
منشأة رئيسية محروقة ومتضررة بشدة في مصفاة الجيلي (أ.ف.ب)
TT
20

معركة الخرطوم تلحق دماراً بمصفاة رئيسية للنفط

منشأة رئيسية محروقة ومتضررة بشدة في مصفاة الجيلي (أ.ف.ب)
منشأة رئيسية محروقة ومتضررة بشدة في مصفاة الجيلي (أ.ف.ب)

على مسافة نحو 70 كيلومتراً، شمال الخرطوم، توجد خزانات نفط ضخمة تصل سعتها إلى 1.2 مليون برميل، لكنها أصبحت مغطاة بآثار الحرائق ويعلوها الدمار؛ بسبب الحرب المستمرة في السودان منذ عامين.

وكانت «قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ«حميدتي» سيطرت على مصفاة الجيلي في أبريل (نيسان) 2023، بعد أيام من اندلاع الحرب مع الجيش. وتوقَّفت المنشأة التي بنتها الصين، عن العمل في يوليو (تموز) من العام ذاته، واستعاد الجيش السيطرة عليها في يناير (كانون الثاني) الماضي.

ويقول سراج الدين محمد، نائب مدير مصفاة الجيلي ومسؤول قسم الصيانة، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «في يوليو 2023، تم إطفاء المصفاة وتوقفنا عن العمل».

يضيف، وهو يقف أمام بعض المعدات التي دُمِّرت تماماً: «بعض الوحدات دُمِّرت بالكامل وأصبحت خارج الخدمة، و(هناك) أجزاء تحتاج لاستبدالها بالكامل».

خزانات ضخمة محروقة ومتضررة في مصفاة الجيلي (أ.ف.ب)
خزانات ضخمة محروقة ومتضررة في مصفاة الجيلي (أ.ف.ب)

وزار فريق من «وكالة الصحافة الفرنسية»، الثلاثاء الماضي، هذه المصفاة الرئيسية للخرطوم برفقة قوة من الجيش. وشاهد الصحافيون في طريقهم عدداً كبيراً من الأحياء المهجورة والمركبات المُدمَّرة، قبل أن تلاقيهم رائحة النفط المحترق على مدخل المصفاة التي يغلب عليها اللون الأسود؛ بسبب حرائق متكررة طالت حتى الأشجار المزروعة على الجانبين.

على الأرض، تركد كمية كبيرة من المياه التي تم استخدامها في إطفاء الحرائق، كما يمكن رؤية صهاريج منفجرة وبقايا نفط متسرب، والحطام والأنابيب المهشمة.

ولم يتمكَّن فريق «وكالة الصحافة الفرنسية» من دخول غرفة التحكم بسبب احتراقها كلياً.

خسائر هائلة

مع اقتراب الجيش من المنشأة قبل شهرين، اندلع حريق ضخم اتهمت القوات الحكومية «الدعمَ السريع» بإشعاله عمداً «في محاولة يائسة لتدمير» البنية التحتية. من جانبها، اتهمت «قوات الدعم» الجيشَ بإلقاء «البراميل المتفجِّرة» على المصفاة من الطائرات الحربية.

عربة للجيش تمر بالقرب من منشأة متضررة بشدة في مصفاة الجيلي (أ.ف.ب)
عربة للجيش تمر بالقرب من منشأة متضررة بشدة في مصفاة الجيلي (أ.ف.ب)

ويقول سراج الدين محمد: «بلغ حجم الخسائر 1.3 مليار دولار»، موضحاً أنه يصعب تحديد مدى زمني لعودتها للعمل؛ حيث لا بد من إعادة تصنيع بعض الأجزاء «في دولة المنشأ وهي من تحدد الزمن الذي يستغرقه ذلك، إضافة لزمن الشحن من الصين إلى هنا».

وبحسب محمد، قامت الصين ببناء مصفاة الجيلي على مرحلتين، عامي 2000 و2006 بتكلفة 2.7 مليار دولار. وتحتفظ بكين بنسبة 10 في المائة من ملكية المصفاة، بينما تملك الحكومة السودانية 90 في المائة.

ويقول مهندس في المنشأة، طلب عدم ذكر اسمه، إنه في حال توافر التمويل: «سوف يستغرق الأمر 3 سنوات لعودة العمل في المصفاة» التي تُزوِّد السودان بأكثر من نصف استهلاكه من النفط، كما تنتج الغازولين وغاز الطهي.

وتُقدَّر الطاقة الاستيعابية للمصفاة بمائة ألف برميل يومياً من نفط دولتَي السودان وجنوب السودان. وتَسبَّب توقفها عن العمل بتداعيات على الطرفين.

أزمة اقتصادية

منذ انفصالهما في 2011، تعتمد جنوب السودان، التي لا تمتلك أي منفذ على البحر، على دولة السودان في تكرير النفط وتصديره عبر ميناء بورتسودان.

ويقول الخبير الاقتصادي خالد التجاني، إن توقف مصفاة الجيلي عن العمل أضرّ كثيراً بالاقتصاد السوداني، إذ كانت «توفر 50 في المائة من استهلاك البنزين، و40 في المائة من استهلاك الغازولين، و50 في المائة من غاز الطهي».

منشأة متضررة بشدة في مصفاة الجيلي (أ.ف.ب)
منشأة متضررة بشدة في مصفاة الجيلي (أ.ف.ب)

يضيف: «بتوقفها، اضطر السودان إلى الاستيراد لسد الفجوة... يتم الاستيراد عبر القطاع الخاص بالعملات الصعبة؛ مما تسبب في تراجع قيمة العملة السودانية».

ويوضح التجاني أن نقص الغازولين له التأثير الأكبر، حيث يعتمد عليه قطاع الزراعة والقطاع العسكري، بالإضافة لاستخدامه في توليد الكهرباء.

لعقود طويلة، شكَّلت عائدات النفط مصدر دخل رئيسياً للسودان، ولكن مع انفصال جنوب السودان، انتقل نحو 75 في المائة من احتياطي النفط للدولة الجديدة.

ومع ذلك، استمرَّت جوبا في الاعتماد على المنشآت السودانية لنقل وتكرير الغاز، مقابل رسوم كانت تُشكِّل جزءاً كبيراً من دخل الخرطوم بالعملة الصعبة.

ومنذ بدء الحرب، واجه هذا الاتفاق تحديات كبيرة، منها تلف أنبوب رئيسي من أنابيب نقل النفط جراء الاشتباكات بين الجيش السوداني و«الدعم السريع»؛ ما أدى لتوقف التصدير لقرابة عام.

ومع صعوبة تصدير النفط وتوقف المنشآت المحلية عن العمل والاضطرار لاستيراد الوقود، تلقى الاقتصاد السوداني ضربات متتالية أدت لارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة الوطنية من 600 جنيه سوداني مقابل الدولار الواحد قبل الحرب، إلى 2400 جنيه للدولار حالياً.

واليوم يعاني نحو 25 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد في جميع أنحاء السودان، وفقاً للأمم المتحدة. كما يواجه أكثر من 8 ملايين شخص خطر المجاعة، وفق التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي المدعوم من الأمم المتحدة.

وتسببت الحرب التي تتم عامها الثاني، الشهر المقبل، في أزمة إنسانية هي الأكبر في العالم.


مقالات ذات صلة

عاملات صحة في الخرطوم يخاطرن بحياتهن من أجل المرضى

شمال افريقيا مستشفى الشهداء التعليمي في الخرطوم نوفمبر 2024 (رويترز)

عاملات صحة في الخرطوم يخاطرن بحياتهن من أجل المرضى

كان العاملون في المجال الصحي السوداني ضحية اتهامات متكررة من المقاتلين بالتعاون مع العدو أو التقصير في علاج رفاقهم.

«الشرق الأوسط» (أم درمان (السودان))
شمال افريقيا مخبأ حفره مدنيون في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور هرباً من الاشتباكات (أ.ف.ب)

45 قتيلاً بهجوم لـ«قوات الدعم السريع» في دارفور

قُتل 45 مدنياً على الأقل في السودان بهجوم لـ«قوات الدعم السريع» على مدينة المالحة في شمال دارفور، بحسب حصيلة أولية، السبت، لناشطين مؤيدين للديمقراطية.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يحيِّي مؤيديه في مدينة أم درمان غرب الخرطوم (أرشيفية - أ.ب)

الجيش السوداني يواصل السيطرة على مواقع استراتيجية في الخرطوم

بعد استعادة الجيش السوداني سيطرته على القصر الرئاسي، يوم الجمعة، واصلت قواته، السبت، التقدم في مناطق أخرى من العاصمة الخرطوم.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا جنود سودانيون داخل القصر الجمهوري في الخرطوم (أ.ف.ب) play-circle

مسؤول أممي: تقدم الجيش السوداني سيرغم «الدعم السريع» على الانسحاب لدارفور

صرح فولكر بيرتيس، المبعوث الأممي السابق إلى السودان، بأن النجاحات العسكرية التي حققها الجيش السوداني سوف ترغم «قوات الدعم السريع» على الانسحاب إلى معقلها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا الجيش السوداني يستعيد السيطرة على القصر الرئاسي play-circle

الجيش السوداني يستعيد السيطرة على القصر الرئاسي

أعلن الجيش السوداني، صباح الجمعة، أنه سيطر بالكامل على القصر الرئاسي في وسط الخرطوم، ما يعد أحد المكاسب الكبيرة في الصراع المستمر منذ عامين في البلاد.

أحمد يونس (كمبالا) محمد أمين ياسين (نيروبي)

مصر تشدد على ضرورة حماية حرية الملاحة في البحر الأحمر

حاويات تعبر قناة السويس (رويترز)
حاويات تعبر قناة السويس (رويترز)
TT
20

مصر تشدد على ضرورة حماية حرية الملاحة في البحر الأحمر

حاويات تعبر قناة السويس (رويترز)
حاويات تعبر قناة السويس (رويترز)

دعت مصر إلى ضرورة حماية حرية الملاحة في البحر الأحمر، وقال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إن «بلاده تكبدت خسائر اقتصادية كبيرة»؛ بسبب التوترات الأمنية في جنوب البحر الأحمر.

التأكيدات المصرية جاءت خلال اتصال هاتفي لعبد العاطي مع نظيره الإيراني عباس عراقجي، تناول التطورات في البحر الأحمر، حسب إفادة «الخارجية المصرية»، السبت.

وشدد وزير الخارجية المصري على «ضرورة حماية حرية الملاحة في البحر الأحمر»، وأشار إلى «الخسائر الكبيرة التي يتكبدها اقتصاد بلاده نتيجة انخفاض إيرادات قناة السويس، وعدم استقرار الأوضاع في المنطقة».

ودفعت هجمات جماعة الحوثيين اليمنية، ضد السفن المارة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، منذ نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2023، بدعوى التضامن مع الفلسطينيين في غزة، شركات الشحن العالمية الكبرى إلى إيقاف عملياتها في قناة السويس؛ ما تسبب في «تراجع إيرادات القناة إلى ما يزيد على 60 في المائة»، حسب تقديرات رسمية.

في السياق، أجرى وزير الخارجية المصري محادثات مع نظيره الإريتري، عثمان صالح محمد، بالقاهرة، السبت، تناولت أطر التعاون الثنائي، ومستجدات الأوضاع الإقليمية، لا سيما في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر.

وهناك تنسيق بين القاهرة وأسمرة، الفترة الأخيرة، بشأن تطورات الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي، من خلال «آلية التنسيق الثلاثي»، التي تضم الصومال بجانب البلدين، والتي جرى تدشينها في إريتريا، شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بحضور رؤساء الدول الثلاث.

الخسائر الاقتصادية المصرية بسبب توترات البحر الأحمر أكد عليها أيضاً المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، تميم خلاف، عادّاً «بلاده من أكثر الدولة تأثراً بشكل مباشر من عدم الاستقرار في البحر الأحمر».

وأشار خلاف، في حديث لقناة «سي إن إن»، إلى أن «خسائر بلاده الشهرية بلغت 800 مليون دولار، وبإجمالي 8 مليارات دولار، منذ بداية العدوان على قطاع غزة»، وقال تعقيباً على الضربات الأميركية ضد الحوثيين في اليمن، إن «الطريقة التي يمكن من خلالها إنهاء تلك الهجمات هي إنهاء الصراع في قطاع غزة، ويجب إيجاد حل سياسي عبر المفاوضات لتوفير السلام في المنطقة».

وأمر الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الأسبوع الماضي، بإطلاق حملة عسكرية ضد الحوثيين، لإرغامهم على وقف تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

وبرأي عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير صلاح حليمة، فإن المحادثات المصرية مع المسؤولين في إيران وإريتريا، «تأتي للتنسيق المشترك في ضوء التطورات المتسارعة التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي، وضمان عودة الملاحة للبحر الأحمر»، إلى جانب «التوتر على الحدود بين إريتريا وإثيوبيا، بسبب تمسك أديس أبابا بالوصول إلى ساحل البحر الأحمر».

وزير الخارجية المصري يستقبل نظيره الإريتري (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يستقبل نظيره الإريتري (الخارجية المصرية)

وعدَّ رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، أن «الوصول إلى البحر الأحمر مطلب وجودي بالنسبة لبلاده»، وقال في كلمته أمام البرلمان الإثيوبي، الخميس، إن «بلاده لا تريد تحقيق ذلك عبر الحرب، بل بالحوار والسلم، مع إريتريا والصومال».

وأوضح حليمة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «التحركات الإثيوبية تُقابل بموقف مصري واضح، يتمثل في رفض أي وجود لدول غير مشاطئة على ساحل البحر الأحمر»، إلى جانب «تنسيق مستمر من القاهرة مع أسمرة ومقديشو وجيبوتي، لتأمين السلامة الملاحية».

وسبق أن أكد وزير الخارجية المصري، في أكثر من مناسبة، على موقف بلاده «الرافض لوجود أي دولة غير مشاطئة للبحر الأحمر على ساحله».

وتعوّل أسمرة على دعم القاهرة في مواجهة أي تهديد لسيادتها، وفق حليمة، الذي أشار إلى «أهمية التنسيق بين البلدين لدعم الصومال في مواجهة الهجمات الإرهابية الأخيرة»، إلى جانب «دعم السودان ومؤسساته الوطنية في ضوء الحرب الحالية بداخله».

وكان وزير «الخارجية المصرية» قد زار أسمرة، مطلع شهر مارس (آذار) الحالي، وناقش خلال الزيارة مع الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، «تعزيز العلاقات وتطويرها في مختلف المجالات»، إلى جانب مستجدات الأوضاع الأفريقية، لا سيما في الصومال والسودان، والبحر الأحمر، حسب «الخارجية المصرية».

ويشكل أمن البحر الأحمر أولوية بالنسبة للقاهرة وأسمرة، وفق الخبير المصري في الشؤون الأفريقية، رامي زهدي، الذي أكد على أهمية «التنسيق الأمني بين البلدين لحماية مصالحهما بالمنطقة»، إلى جانب «متابعة بوادر الصراع المتصاعدة في إقليم (التيغراي) في إثيوبيا، الذي يشكل تهديداً مباشراً لإريتريا».

ويعتقد زهدي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك فرصاً للتكامل بين القاهرة وأسمرة، في منطقة القرن الأفريقي»، إلى جانب «توحيد الرؤى بشأن تطورات إقليمية أخرى، مثل الوضع في السودان والصومال»، إضافة إلى «تبادل الدعم لمواقف البلدين في المؤسسات الدولية والإقليمية».