ازدياد أعداد السودانيين المغادرين مصر مع توالي «انتصارات الجيش»

«آلاف» يعودون في رحلات برية يومية بدعم جمعيات خيرية

رحلات عودة السودانيين من القاهرة (صفحة الجالية السودانية- فيسبوك)
رحلات عودة السودانيين من القاهرة (صفحة الجالية السودانية- فيسبوك)
TT

ازدياد أعداد السودانيين المغادرين مصر مع توالي «انتصارات الجيش»

رحلات عودة السودانيين من القاهرة (صفحة الجالية السودانية- فيسبوك)
رحلات عودة السودانيين من القاهرة (صفحة الجالية السودانية- فيسبوك)

تزداد أعداد السودانيين المغادرين مصر، مع توالي انتصارات الجيش السوداني، عائدين إلى بلادهم في رحلات برية يومية، تشرف على تسييرها مبادرات «تطوعية» من أعضاء الجالية السودانية في مصر.

وزاد الطلب على الحجز في رحلات العودة إلى السودان مؤخراً، وفق مشرفين على تلك المبادرات، أشاروا إلى أن «انتصارات الجيش السوداني الأخيرة، وصعوبات الإقامة في مصر، دفعت آلافاً للعودة».

ويشهد السودان حرباً داخلية، منذ منتصف أبريل (نيسان) عام 2023، بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، تسببت في أزمة إنسانية كبيرة، وفرار ملايين السودانيين داخل البلاد وخارجها.

ومؤخراً، حقق الجيش السوداني تقدماً لافتاً في عدد من المدن الرئيسية، كانت تسيطر عليها «قوات الدعم السريع»؛ حيث استعاد مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة (جنوب الخرطوم)، وبعض مناطق رئيسية في العاصمة الخرطوم، من بينها مقر «القيادة العامة للجيش»، وفق مصادر محلية.

سودانيون قبل بدء رحلة العودة من القاهرة (مبادرة راجعين المدعومة من السفارة السودانية بالقاهرة)

ودشن سودانيون مبادرات لدعم راغبي العودة، بمساهمات من رجال أعمال ومشاهير ومؤسسات خيرية، وفق رئيس لجنة العلاقات الخارجية بـ«جمعية الصداقة السودانية- المصرية»، محمد جبارة، الذي أكد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «ازدياد الطلب على هذه الرحلات، بعد انتصارات الجيش في الخرطوم وولاية الجزيرة، وعودة خدمات المرافق ومنها الكهرباء داخل السودان».

وتعمل تلك المبادرات على نقل راغبي العودة برحلات برية مجانية، تنطلق من القاهرة إلى أسوان (جنوب مصر)، ومنها إلى المنافذ البرية الحدودية بين البلدين، وصولاً إلى أقرب المدن السودانية، مثل وادي حلفا، وفق جبارة.

ويربط مصر والسودان منفذان بريان، هما «أرقين» و«أشكيت» (ميناء قسطل)، ويعتمد البلدان على المعبرين في التبادل التجاري ونقل الأفراد.

وتشير إحصاءات رسمية إلى استقبال مصر نحو مليون ومائتي ألف سوداني، بعد الحرب، إلى جانب ملايين السودانيين الذين يعيشون في مصر منذ سنوات.

ونقلت وكالة الأنباء السودانية، عن مصادر في معبر «أشكيت» الحدودي مع مصر: «ازدياد تدفقات وإقبال الأسر السودانية، ضمن مبادرات العودة الطوعية»، وأشارت في تقرير لها نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إلى أن «هناك رحلات يومية، تضم ما بين 500 و600 شخص، أغلبهم من الأسر»، وأن «إجراءات عبور العائدين تتم بتنسيق تام مع السلطات المصرية».

وتدعم السفارة السودانية بالقاهرة مبادرة «راجعين للبلد الطيب»، حسب المشرف عليها، علاء الدين صالح؛ مشيراً إلى أن «المبادرة تستهدف نقل غير القادرين على تحمل تكلفة السفر، بتذاكر مجانية، وبدعم من رجال أعمال ومساهمات من رموز الجالية»، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «طلبات العودة زادت أخيراً، لتصل إلى نحو ألف شخص أسبوعياً».

وتنطلق رحلات المبادرة من حي «فيصل» بمحافظة الجيزة المصرية، بواقع رحلتين أسبوعياً، يومي الثلاثاء والجمعة، وفق صالح؛ مشيراً إلى أن «الرحلات تحظى بتسهيلات عدة، بينها تنسيق أمني من السفارة مع السلطات المصرية لعبور رحلات العائدين من الحدود الجنوبية».

وإلى جانب مبادرة السفارة السودانية، تأتي مبادرة «الانصرافي» التي يشرف عليها نشطاء ومتطوعون من الجالية السودانية بمصر، وحسب أحد المتطوعين المشاركين فيها، خليل إمام: «تضاعفت أعداد راغبي العودة خلال الأسابيع الأخيرة»؛ مشيراً إلى أن «المبادرة تنظم رحلات يومية، بواقع 15 حافلة، على وقع ازدياد طلبات الحجز من الأسر التي نزحت بسبب الحرب، وتواجه صعوبات في تدبير تكاليف الإقامة بالقاهرة».

وقال إمام في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن المبادرة نقلت نحو 21 ألف سوداني منذ منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، مؤكداً أن «الأولوية في العودة للأسر غير القادرة، بنقلهم عبر رحلات مجانية، تدعمها مساهمات من رجال أعمال وسودانيين مقيمين في دول الخليج وأوروبا وأميركا».

وتنطلق رحلات المبادرة اليومية من حي «عابدين»، وسط القاهرة، وصولاً إلى معبر «أرقين» الحدودي، ومنها إلى مدن بشمال السودان، مثل وادي حلفا ودنقلا، وفق إمام الذي تحدث أيضاً عن تسهيلات تقدمها السلطات المصرية للعائدين.

وأعلنت الحكومة السودانية، الأسبوع الماضي، عن حوافز للعائدين، تشمل «الإعفاء الجمركي عند نقل الأثاث والأدوات المنزلية والأجهزة الخاصة بالاستخدام الشخصي».

ويدفع التقدم الميداني للجيش السوداني أخيراً، في مواجهة «قوات الدعم السريع»، كثيراً من النازحين للعودة للبلاد مرة أخرى، وفق مدير وحدة العلاقات الدولية بـ«المركز السوداني للفكر والدراسات الاستراتيجية»، مكي المغربي؛ مشيراً إلى أن «استعادة الجيش غالبية ولاية الجزيرة (جنوب الخرطوم)، وأجزاء من العاصمة الخرطوم، كانت نقطة فارقة في بدء عودة النازحين».

وأشار المغربي -في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»- إلى أن «ولاية الجزيرة تستطيع استيعاب غالبية النازحين من الحرب، بحكم مساحتها الواسعة، وقدراتها الاقتصادية والإنتاجية؛ حيث تضم مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية مع وفرة من المياه»، وقال إن «قيام الحكومة السودانية باستعادة خدمات المرافق ومنها الكهرباء، يشجع كثيراً من الأسر التي تركت منازلها وممتلكاتها على العودة».

وحسب المنظمة الدولية للهجرة، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فإن «30 في المائة من سكان السودان نزحوا بسبب الحرب، بينهم 3 ملايين إلى دول الجوار».

وبالعودة إلى محمد جبارة، يرى أن من أسباب ازدياد أعداد السودانيين العائدين طوعياً من مصر: «صعوبات توفير تكاليف الإقامة بالقاهرة، بسبب ارتفاع قيمة الإيجارات السكنية، ونفاد المدخرات المالية لكثير من الأسر».


مقالات ذات صلة

نائب البرهان يحدد نهاية أبريل موعداً للقضاء على «الدعم السريع»

شمال افريقيا  سيريل رامافوزا رئيس جنوب أفريقيا (يمين) لدى استقباله نائب رئيس «مجلس السيادة» السوداني، مالك عقار (منصة إكس) play-circle 00:42

نائب البرهان يحدد نهاية أبريل موعداً للقضاء على «الدعم السريع»

قال نائب رئيس مجلس «السيادة» بالسودان، مالك عقار، إن السودان يتطلّع إلى القضاء على «قوات الدعم السريع» بنهاية أبريل (نيسان) المقبل في معظم ولايات البلاد

شمال افريقيا أطفال سودانيون في معسكر للنازحين بولاية جنوب كردفان (أرشيفية - رويترز)

نزوح جديد لآلاف القرويين السودانيين إلى مدينة الرهد أبو دكنة بشمال كردفان

إثر استرداد الجيش منطقة الرهد أبو دكنة، انتشرت قوات متفلتة من «الدعم السريع» في مناطق غرب المدينة، وهاجمت عشرات القرى والبلدات التي يسكنها مزارعون بسطاء.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا فريق «الهلال الأحمر السوداني» يحمل بقايا الجثث التي استُخرجت من حفرة الصرف الصحي (أ.ف.ب)

رائحة الموت تنبعث من أحد أحياء الخرطوم على وقْع المعارك بين الجيش و«الدعم السريع»

تنبعث رائحة كريهة من حفرة للصرف الصحي بحي دمّرته الحرب بالخرطوم، بينما ينهمك عناصر «الهلال الأحمر» في انتشال جثة منتفخة من تحت الأرض.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا عناصر من الدفاع المدني السوداني ينقلون جثثاً عثر عليها في بئر في الخرطوم (أ.ف.ب)

مقتل 6 مدنيين بقصف لـ «قوات الدعم السريع» في السودان

قُتل 6 مدنيين بينهم طفلان وجُرح 36 آخرون في قصف لـ«قوات الدعم السريع» على أم درمان شمال الخرطوم، بحسب ما أفاد مصدر طبي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

«الشرق الأوسط» (أم درمان)
شمال افريقيا زعيم «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» (أرشيفية - الشرق الأوسط)

«حميدتي» يلمّح إلى تصعيد عسكري في السودان

خرج قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، على الناس بعد انقطاع، وهو يرتدي عمامة القبائل الصحراوية المعروفة محلياً بـ«الكدمول»، وللمرة الأولى تخلي…

أحمد يونس (كمبالا)

نائب البرهان يحدد نهاية أبريل موعداً للقضاء على «الدعم السريع»

TT

نائب البرهان يحدد نهاية أبريل موعداً للقضاء على «الدعم السريع»

 سيريل رامافوزا رئيس جنوب أفريقيا (يمين) لدى استقباله نائب رئيس «مجلس السيادة» السوداني، مالك عقار (منصة إكس)
سيريل رامافوزا رئيس جنوب أفريقيا (يمين) لدى استقباله نائب رئيس «مجلس السيادة» السوداني، مالك عقار (منصة إكس)

قال نائب رئيس «مجلس السيادة الانتقالي» بالسودان، مالك عقار، إن السودان يتطلّع إلى القضاء على «قوات الدعم السريع» بنهاية أبريل (نيسان) المقبل في معظم ولايات البلاد، في حين تواصلت معارك الكر والفر العنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في محيط مركز العاصمة الخرطوم، لليوم الثالث على التوالي، وسط أنباء عن وقوع خسائر في صفوف الطرفين.

وقال عقار في بيان عقب لقاء مع سيريل رامافوزا، رئيس جنوب أفريقيا، أنه أطلع رامافوزا على «خطة حكومة السودان الإصلاحية واستراتيجيتها في تعزيز المصالح بين المكونات المجتمعية فور الانتهاء من الحرب بالتزامن مع عملية الإعمار». وندد عقار، بما قال إنه «دعم الحكومة الكينية لمساعي (قوات الدعم السريع) لتشكيل حكومة موازية». ووصف ذلك بأنه «انتهاك واضح للقوانين الدولية ومواثيق الاتحاد الأفريقي، ويعدُّ تحركاً معادياً للسودان واستهدافاً صريحاً لوحدته وسيادة أراضيه».

تقدم للجيش في الخرطوم

إلى ذلك، أعلن الجيش السوداني أنه نفذ عمليات اقتحام وتسلل وصفها بالناجحة، مشيراً إلى أن قوات العمل الخاص والنخبة بسلاح المدرعات عبرت جسر المسلمية وسط مدينة الخرطوم، والتحمت مع قواته المتمركزة في مقر القيادة العامة (وسط العاصمة)، فيما تعمل قوات النخبة التابعة لـ(الدعم السريع) على قطع الطريق أمامه من الوصول إلى القصر الرئاسي والمواقع المهمة بالمدينة.

والاثنين الماضي أعلن الجيش السوداني أن قواته تقترب من إطباق الحصار الكامل على «قوات الدعم السريع»، بعدما أحرزت «تقدماً مهماً» بالسيطرة على بعض المواقع على بعد أقل من كيلومترين جنوب القصر الجمهوري. وأفادت مصادر في «الدعم السريع»، بأنها أوقفت كل عمليات التسلل والاختراق التي نفذتها قوات الجيش مسنودة بكتائب الحركة الإسلامية التي تقاتل في صفوفه، وتم طردها من المواقع التي دخلتها في وقت سابق.

وقالت المصادر نفسها لــ«الشرق الأوسط» إن «أشاوس الدعم السريع نفذوا عدة هجمات على تلك القوات، وكبدتها خسائر كبيرة في صفوف مقاتليها، وأجبرت من تبقى على التراجع من تلك المواقع».

جنوب الخرطوم مسرحاً دموياً للمعارك بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)

ونعت حسابات على منصات التواصل الاجتماعي موالية للجيش السوداني وكتائب الإسلاميين التي تقاتل في صفوفه، عدداً من القتلى في صفوفها، من بينهم ضابط برتبة عقيد في سلاح المدرعات.

وتواصل قوات الجيش التي تنطلق من مقر القيادة العامة، التوغل من الجهة الشرقية باتجاه القصر الجمهوري، في حين تدور المواجهات بين الطرفين في مساحة جغرافية ضيقة في قلب مركز الخرطوم. وتداولت عناصر من الجيش السوداني مقاطع فيديو تظهر عمليات التسلل عبر جسر المسلمية إلى داخل مقر السيطرة في القيادة العامة. ويسعى الجيش من هذه العملية إلى قطع الطريق أمام حصول «قوات الدعم السريع» على أي إمدادات عسكرية أو تعزيزات من المقاتلين من المناطق التي يسيطر عليها في جنوب الخرطوم، وفرض حصار على قواتها في القصر الجمهوري.

وفي وقت سابق، أكد قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو «حميدتي» أن قواته لن تخرج من الخرطوم والقصر ومنطقة المقرن، وستقاتل حتى تحقيق الانتصار. ولا تزال قواته تحكم سيطرتها على أحياء شرق وجنوب الخرطوم، ومواقع سيادية مهمة في الخرطوم.

مقتل العشرات

وفي السياق، قتل 50 شخصاً في العاصمة السودانية خلال الأسبوع الماضي بينهم 10 متطوعين، بقصف من قِبَل «قوات الدعم السريع»، وفق بيان لغرفة طوارئ الخرطوم، الأربعاء. وأضاف البيان أنه «تم اختطاف واعتقال نحو 70 شخصاً، بينهم 12 متطوعاً، بينما يتعرض المواطنون في مناطق متعددة (من الخرطوم) لانتهاكات واسعة النطاق من قِبَل (قوات الدعم السريع) والميليشيات المتحالفة معها».

و«غرفة طوارئ» ولاية الخرطوم، هي مبادرة إغاثية مستقلة في العاصمة السودانية تقوم بالتنسيق بين غرف الطوارئ في الأحياء المختلفة.

ووفقاً لبيان «غرفة الطوارئ»، فقد «تم تسجيل عدة حالات اغتصاب»، إلا أن العدد الدقيق غير واضح «بسبب الخوف المجتمعي من الإفصاح عنها». وشهدت مناطق وسط وجنوب وشرق الخرطوم «عمليات تهجير قسري واسعة»، بحسب المصدر ذاته الذي تحدث عن «تزايد خطير» في سوء التغذية خصوصاً بين الأطفال وكبار السن والحوامل، ما أدى إلى وفاة 7 أطفال منذ بداية مارس (آذار).

جانب من حالة نزوح بسبب الحرب في غرب السودان (مفوضية اللاجئين)

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) قالت إن نحو 3.2 مليون طفل دون الخامسة يواجهون خطر الإصابة بسوء التغذية الحاد في السودان. وانتشرت المجاعة في خمس مناطق، وفقاً لوكالات أممية استندت إلى التقرير المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الذي تدعمه الأمم المتحدة. وطالب بيان «غرفة طوارئ» الخرطوم، «بالوقف الفوري لهذه الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين والمتطوعين وتحييد المواطنين عن دائرة الصراع». ومنذ أبريل 2023 تدور حرب في السودان بين الجيش بقيادة البرهان و«قوات الدعم السريع»، بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو، المعروف بـ«حميدتي»؛ وأسفرت المعارك عن مقتل عشرات الآلاف، ونزوح 12 مليون شخص، وتسببت في أزمة إنسانية حادة. ووصفت الأمم المتحدة ذلك بأنه «أكبر أزمة نزوح في العالم».