التوترات الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا تزداد اشتعالاً

الشرطة في المطارات الباريسية تُثير غضب المسافرين الجزائريين

مسافرون جزائريون بمطار شارل ديغول (صحيفة الوطن الجزائرية)
مسافرون جزائريون بمطار شارل ديغول (صحيفة الوطن الجزائرية)
TT

التوترات الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا تزداد اشتعالاً

مسافرون جزائريون بمطار شارل ديغول (صحيفة الوطن الجزائرية)
مسافرون جزائريون بمطار شارل ديغول (صحيفة الوطن الجزائرية)

تزداد الغيوم تراكماً في سماء العلاقات الجزائرية - الفرنسية وتتجه المطبات بها بخطى سريعة نحو القطيعة الدبلوماسية... فقد رفع رعايا جزائريون ترددوا في الأيام الأخيرة على مطارات باريس، إلى حكومتهم، احتجاجهم على «معاملة مهينة» تعرَّضوا لها على يد شرطة الحدود الفرنسية. وبالنسبة للجزائر، هناك رجل واحد مسؤول عما حصل، هو وزير الداخلية برونو روتايو.

و أكد مسافرون عائدون من فرنسا، الاثنين الماضي، لـ«الشرق الأوسط»، أنهم واجهوا وضعاً غير اعتيادي فور وصولهم إلى شرطة الحدود بمطاري شارل ديغول وأورلي الباريسيين. فبينما تتم إجراءات التفتيش عادة بسرعة، كانت كل نوافذ مراقبة جوازات السفر مغلقة إلا واحدة، مخصصة للمسافرين الجزائريين.

نوافذ التفتيش بمطار العاصمة الفرنسية (متداولة)

وقال عمر لبيك، وهو جزائري مقيم بفرنسا منذ 30 سنة، إنه شهد حادثة «غريبة» حسب وصفه، بمطار شارل ديغول. «فقد منحت شرطة الحدود أفضيلة لركاب من جنسيات أخرى في النافذة نفسها المخصصة لنا؛ ما تركنا في حال انتظار دام ساعات طويلة». مؤكداً أن «كل المسافرين الجزائريين رأوا في ذلك حركة مقصودة ضدهم، وقلة اعتبار واضحة». ووصفوا إجراءات التفتيش بأنها «كانت طويلة بشكل مفرط، متجاوزة بكثير مدة الرحلة من الجزائر».

وكتب المخرج السينمائي الشهير بشير درايس، عن حادثة شبيهة عاشها، بحسابه بالإعلام الاجتماعي، فقال: «تدهورت الأوضاع في مطار شارل ديغول، عندما أغلقت شرطة الحدود معظم شبابيك المراقبة، وتركت شباكاً واحداً فقط مفتوحاً للركاب الجزائريين. ومن المثير للدهشة أن هذا الشباك خُصص للمسافرين من جنسيات أخرى؛ ما دفع الجزائريين إلى الوقوف في طابور طويل لا نهاية له، وأحدث ذلك جواً من الفوضى والاحتجاجات».

ومن بين ضحايا هذه الأحداث، كان هناك كبار في السن ومرضى ومتقاعدون على كراسي متحركة، لم يتحملوا التعب و«الإهانة» التي قالوا إنهم شعروا بها. كما تسببت هذه التأخيرات في تعطيل ارتباطات الكثير من المسافرين، وفق شهادات بعضهم.

كاتب الدولة الجزائري مكلف الجالية الوطنية بالخارج (وزارة الخارجية)

وأمام تفاقم الاحتقان وسط المسافرين المتنقلين بين مطارات العاصمة الفرنسية، والمدن الجزائرية، خصوصاً العاصمة، استدعى كاتب الدولة لدى وزير الخارجية، المكلف المهاجرين الجزائريين، سفيان شايب، الثلاثاء، السفير الفرنسي ستيفان روماتي، لإبلاغه «احتجاج الحكومة الجزائرية الشديد ضد المعاملات المستفزة، التي تعرض لها مواطنون جزائريون في مطارات باريس»، وفق ما جاء في بيان لوزارة الخارجية، تضمن أيضاً «قلق الجزائر من المعاملات المهينة والتمييزية التي تعرَّض لها جزائريون من طرف شرطة الحدود في مطاري رواسي شارل ديغول، وأورلي».

وتحدث البيان عن «تصرفات غير المقبولة بتاتاً، ورفض الجزائر القاطع أي مساس بكرامة مواطنيها أو محاولة استغلالهم بأي شكل من الأشكال، وسيلةً للضغط أو الاستفزاز أو التهديد ضد بلدهم».

وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

ويفهم من ذلك، أن «المضايقات» التي يواجهها الجزائريون، مقصودة ومرتبطة بالتوترات الدبلوماسية الخطيرة التي تميز العلاقات بين البلدين، منذ نهاية يوليو (تموز) الماضي، عندما أعلنت باريس اعترافها بـ«سيادة المغرب على الصحراء». وزاد سجن الكاتب الجزائري - الفرنسي بوعلام صنصال، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، من توتر العلاقات.

وطالبت وزارة الخارجية من السفير الفرنسي، «إبلاغ حكومته بضرورة اتخاذ جميع التدابير اللازمة، لوضع حد، وبلا تأخير لهذه التصرفات والممارسات».

وهاجمت صحيفة «المجاهد» الحكومية، بشدة، وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، وحمَّلته مسؤولية الذي وقع للمسافرين؛ بسبب مواقفه المتشددة من الجزائر، في سياق الأزمة الحالية، ووصفته بـ«الحاقد» وبأنه «اتخذ إجراءات انتقامية بحق جزائريين».

ويقود روتايو حملة كبيرة لإلغاء اتفاق يسير مسائل الهجرة بين البلدين يعود إلى 1968. كما اتخذ إجراءات لترحيل «مؤثرين» جزائريين بسبب فيديوهات نشروها، حرَّضت على «قتل معارضين».


مقالات ذات صلة

الجزائر تسهّل عودة إسلامي بارز من المنفى ارتبط بـ«العشرية السوداء»

شمال افريقيا القيادي الإسلامي الجزائري البارز أنور نصر الدين هدام (متداولة)

الجزائر تسهّل عودة إسلامي بارز من المنفى ارتبط بـ«العشرية السوداء»

أرجع أنور نصر الدين هدام، الذي ارتبط اسمه بـ«العشرية السوداء»، عودته إلى بلاده بعد سنوات طويلة من المنفى، إلى «تسهيلات وتعهدات» من الحكومة الجزائرية والرئيس.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا تصريحات مكتب المدعي العام في باريس قد تفاقم الأزمة بين الجزائر وفرنسا (أ.ف.ب)

باريس تشتبه في تجسس موظف بوزارة المالية الفرنسية لحساب الجزائر

قال مكتب المدعي العام في باريس، الخميس، إن ممثلي ادعاء فرنسيين وضعوا موظفاً في وزارة المالية قيد تحقيق رسمي، وذلك للاشتباه في تجسسه لحساب الجزائر.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي الرئيسان الجزائري والفرنسي قبل تدهور العلاقات بين البلدين (الرئاسة الجزائرية)

تعليق جزائري للتعاون القنصلي مع فرنسا يعقّد عمليات «الترحيل»

قررت الجزائر تعليق تعاونها القنصلي في 3 مناطق فرنسية شهدت خلال الأسابيع الماضية ترحيل عدد من المهاجرين الجزائريين المقيمين فيها، بطريقة غير قانونية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
أوروبا وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)

باريس تأمل في تهدئة العلاقات مع الجزائر

أكد وزير الخارجية الفرنسي أن بلاده تريد إقامة «علاقات جيدة» مع الجزائر، معرباً عن أمله في أن «تبدأ السلطات الجزائرية مرحلة جديدة» في العلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا مراقبون عدُّوا موافقة باريس على فتح فروع لأهم بنك جزائري في فرنسا خطوة إيجابية لإخماد فتيل التوترات بين البلدين (أ.ف.ب)

باريس توافق على فتح فروع لأهم بنك جزائري في فرنسا

وافقت الحكومة الفرنسية على قرار «بنك الجزائر الخارجي» إطلاق 5 وكالات له، استجابة لطلب ملايين الجزائريين المقيمين في فرنسا.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

«هدنة غزة»: الاتفاق يدخل مرحلة «تبادل الضغوط»

فلسطينيون يتناولون إفطاراً جماعياً أمام مسجد مدمر في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتناولون إفطاراً جماعياً أمام مسجد مدمر في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: الاتفاق يدخل مرحلة «تبادل الضغوط»

فلسطينيون يتناولون إفطاراً جماعياً أمام مسجد مدمر في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتناولون إفطاراً جماعياً أمام مسجد مدمر في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

استهدافات إسرائيلية تعود بشكل لافت في قطاع غزة، وتحذيرات أميركية لحركة «حماس»، تتسارع مع بطء في محادثات بشأن مقترح مبعوث واشنطن للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، القاضي بتمديد اتفاق الهدنة، وسط اشتراط الحركة أن يكون بداية لمفاوضات المرحلة الثانية المعطلة منذ بداية مارس (آذار) الجاري.

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» يرون أن الاتفاق المتعثر دخل «مرحلة تبادل ضغوط»، الأولى يقودها ويتكوف ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالعودة للمفاوضات واستئناف الاستهدافات بالقطاع واستمرار منع المساعدات، والثانية تتمسك فيها «حماس» بورقة الرهائن الرابحة، والحرص على عدم فقدها دون اتفاق شامل. وتوقع الخبراء التوصل لتمديد المرحلة الأولى مع تغييرات بشكل المرحلة الثانية كحل وسط خلال 72 ساعة لو هناك إرادة أميركية.

وبعد محطات من المحادثات بين القاهرة والدوحة متواصلة منذ الأسبوع الماضي، أفاد ويتكوف، الأحد، في تصريحات لـ«سي إن إن» الأميركية، بأن الجواب الذي وصل من «حماس» على مقترح «إطلاق سراح 5 أسرى أحياء بينهم مواطن أميركي (...) غير مقبول على الإطلاق»، مشجعاً الحركة أن «تكون أكثر عقلانية مما كانت عليه، خاصة أن هناك فرصة لها؛ لكنها تتلاشى بسرعة».

وسبق أن أعلن ويتكوف في بيان، الخميس، أنه «قدم اقتراحاً لتضييق الفجوات لتمديد وقف إطلاق النار إلى ما بعد رمضان وعيد الفصح اليهودي، الذي ينتهي في 20 أبريل (نيسان) المقبل، وإتاحة الوقت للتفاوض على إطار عمل لوقف إطلاق نار دائم»، لافتاً إلى أن «(حماس) على علم بالموعد النهائي، والولايات المتحدة سترد بمقتضى ذلك إذا انقضى الموعد المحدد»، دون أن يذكره.

دخان تصاعد في وقت سابق خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم نور شمس للاجئين بالضفة الغربية (إ.ب.أ)

وذكرت «حماس» في بيان صحافي، الجمعة، أنها «تسلّمت، الخميس، مقترحاً من الوسطاء لاستئناف المفاوضات، وردت عليه موافقتها على إطلاق سراح الجندي عيدان ألكسندر، الذي يحمل الجنسية الأميركية، إضافة إلى جثامين 4 آخرين من مزدوجي الجنسية مع جاهزيتها التامة لبدء المفاوضات والوصول إلى اتفاق شامل حول قضايا المرحلة الثانية».

وتجاوزاً لورطة مغازلة «حماس» لواشنطن، أعلن مكتب نتنياهو في بيان، مساء السبت، أن الأخير «أوعز إلى فريق التفاوض بالاستعداد لمواصلة المحادثات على أساس رد الوسطاء على اقتراح (المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف) بالإفراج الفوري عن 11 رهينة أحياء ونصف الرهائن القتلى»، مستبعداً بذلك عرض «حماس» الإفراج عن رهينة إسرائيلي - أميركي وإعادة جثث 4 آخرين، ومخالفاً لمقترح ويتكوف.

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، يرى أننا «إزاء مرحلة يتبادل فيها الضغوط باحتراف، خاصة بعد عودة نتنياهو للمفاوضات ليفوت الفرصة على (حماس) التي قبلت بالإفراج عن رهينة أميركية، وتضغط في ظل إدراكها بوجود موجة داخلية عالية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي، سواء باستطلاعات للرأي العام التي تشير إلى أن 70 في المائة يطالبون بخروج الرهائن أو خلافاته مع الأجهزة الأمنية».

في المقابل، ستستمر واشنطن عبر ويتكوف في الضغط على «حماس»، بحسب تقدير أنور، مشيراً إلى أن مبعوث ترمب لا يعلي سقف التطلعات هكذا؛ إلا وهو يدرك أن هناك تقدماً بالمفاوضات، ويريد نسبته لإدارته وضغوطها.

وبحسب المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، فإن نتنياهو يحاول أن يرمي الكرة في ملعب «حماس» ويتهمها بأنها من تعطل تنفيذ الاتفاق ويبرر أي عودة مستقبلية للقتال، متوقعاً أن تستمر ضغوط ويتكوف لأجل إقرار مقترحه، خاصة أن هناك موعداً نهائياً من واشنطن لم يعلن لكن يبدو أنه قريب.

منازل ومبانٍ مدمرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية في جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

وسط تبادل الشد والجذب بين أطراف المحادثات، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في بيان، الأحد، وصول 29 قتيلاً و51 مصاباً إلى مستشفيات قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية، «جراء اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي»، فيما توقعت مصادر عسكرية في الجيش الإسرائيلي لصحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، أن تعطي حكومة نتنياهو الإذن باستئناف القتال «على مراحل»، إذا لم يحدث تقدم في مفاوضات استكمال صفقة إطلاق الرهائن.

وبعد انتهاء المرحلة الأولى مطلع الشهر الجاري وتعثر بدء المرحلة الثانية المعنية بانسحابات إسرائيلية كاملة، أوقفت حكومة نتنياهو دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع الفلسطيني المدمر، فيما لا تزال «حماس» تحتجز 59 إسرائيلياً، بينهم 24 على قيد الحياة و35 يُعتقد أنهم فارقوا الحياة، بعدما أتاحت أول مرحلة بالاتفاق إعادة 33 رهينة إلى إسرائيل بينهم 8 قتلى، في حين أفرجت إسرائيل عن 1800 معتقل فلسطيني من سجونها، وأفرجت الفصائل الفلسطينية عن 5 رهائن تايلانديين خارج إطار عمليات التبادل هذه.

ويتوقع أنور أن تتوقف عودة الاستهدافات والتلويح بالحرب حال وجود إرادة أميركية للضغط على إسرائيل والذهاب لحلول وسط، مرجحاً تغيير دراماتيكي خلال 72 ساعة نحو إبرام اتفاق، وتغييرات بشكل المرحلة الثانية حال توافرت الإرادة والتفاهمات الجادة.

وبتقديرات مطاوع فإن الضغوط المتصاعدة حالياً ستجبر «حماس» على قبول الاتفاق والتمديد خاصة، والحركة ليست لديها خيارات مع الوضع المتدهور في القطاع ومع الاستهدافات ومنع المساعدات.