طرحت الأجواء التي أحاطت بإطلاق السلطات الإيطالية سراح الليبي، آمر جهاز الشرطة القضائية، أسامة نجيم، الذي كان موقوفاً لديها أخيراً، تساؤلات عن شكل العلاقة بين روما وبعض قيادات الميليشيات في ليبيا، لا سيما أن نجيم مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية لاتهامه بـ«ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في ليبيا».
عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أشار إلى أن روما تمتلك عبر شركة «إيني» مصالح واسعة بقطاع النفط والغاز الليبي، مرجحاً «رغبتها في حماية هذه المصالح، عبر تفادي أي توترات مع قادة المجموعات المسلحة؛ الذين يعرف الجميع أنهم أصحاب التأثير الحقيقي على الأرض».
![أسامة نجيم (حسابات موثوقة على وسائل التواصل)](https://static.srpcdigital.com/2025-01/938194.jpeg)
وقال التكبالي لـ«الشرق الأوسط»: «بعيداً عن الحديث عن حقوق الإنسان؛ فإن الدول كلها، بما فيها إيطاليا، تبحث عن مصالحها»، وربما تخوفت السلطات في روما من أن «يؤدي استمرار اعتقال نجيم أو قيامها بتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، إلى ردود أفعال غاضبة من قِبَل أنصاره من قيادات وعناصر المجموعات المسلحة».
وكان نجيم، الذي يرأس «مؤسسة الإصلاح والتأهيل»، التابعة لحكومة «الوحدة» قد اعتقل قبل أسبوع في إيطاليا، بموجب مذكرة صادرة من المحكمة الجنائية الدولية، بتهم تتعلق بـ«ارتكابه جرائم تعذيب واغتصاب وقتل واختفاء قسري وانتهاك لحقوق الإنسان بمراكز الاحتجاز الليبية، قبل أن تُطلق السلطات الإيطالية سراحه».
وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان؛ الأولى «الوحدة الوطنية»، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من العاصمة طرابلس بالغرب مقرّاً لها، والثانية مكلفة من البرلمان، وتُدير المنطقة الشرقية برئاسة أسامة حمّاد.
![مقر «المحكمة الجنائية الدولية» في لاهاي (متداولة)](https://static.srpcdigital.com/2025-01/938199.jpeg)
الأمين العام لـ«المنظمة العربية لحقوق الإنسان» في ليبيا، الدكتور عبد المنعم الحر، رأى أن على الحكومة والسلطات الإيطالية «تقديم مزيد من التوضيح عن أسباب إطلاق سراح نجيم، رغم وجود مذكرة توقيف بحقه من قبل الجنائية الدولية، لما تُمثله تلك الخطوة من شكوك حول التزام روما قانون تلك المحكمة الذي تم اعتماده بالأساس على أراضيها».
وأعرب الحر عن قناعته، بأن «المصالح التي تربط بين إيطاليا والغرب الليبي، الذي ينطلق من شواطئه، الجانب الأكبر من قوافل الهجرة غير المشروعة عبر المتوسط، تأتي في مقدمة الأسباب التي تُشكك في صحة ما تسرده الحكومة الإيطالية من مبررات للدفاع عن نفسها بمواجهة ما يطولها من انتقادات بعرقلة إجراءات القضاء الدولي، ومساعدة متهم بالتورط في جرائم القتل والاغتصاب على الإفلات من العقاب»، وهو ما «قد يُشجع على زيادة هذه الجرائم»، على حد قوله.
![مهاجرون تم اعتراض قاربهم بعد انطلاقهم من شواطئ ليبيا (أ.ب)](https://static.srpcdigital.com/2025-01/938195.jpeg)
وكان وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو بياناتي دوزي، قد برر إطلاق سراح نجيم بأن «الإجراء المعتاد لاعتقال شخص مطلوب بموجب مذكرة من المحكمة الجنائية الدولية لم يتم اتباعه، ما دفع محكمة الاستئناف في روما، المتخصصة في مثل هذه الحالات، إلى الإفراج عنه»، مؤكداً أن «خطورته»، كانت وراء العمل على إعادته سريعاً لليبيا بطائرة خاصة.
وسلّط الحر الضوء في هذا السياق على «الاتفاقيات التي عقدتها روما مع حكومة (الوفاق الوطني) برئاسة فايز السراج عام 2017 بشأن (مكافحة الهجرة وتهريب البشر)».
وكانت منظمة العفو الدولية قد نددت في مارس (آذار) 2020 بتجديد تلك الاتفاقية، التي ترى أن بموجبها «وافقت إيطاليا على تدريب وتجهيز ودعم خفر السواحل الليبي والسلطات الأخرى المعنية؛ بهدف السماح باعتراض الأشخاص في البحر، وإعادتهم إلى ليبيا؛ حيث يتم احتجازهم بصورة غير قانونية، ويتعرضون لانتهاكات جسيمة».
ووفقاً للحر، فإن «المتاجرة والتوظيف بملف الهجرة مستمر منذ عقود»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «ملف الهجرة يحتل أولوية في سياسات روما الخارجية، ويمكن وصفه بالكابوس الذي أرّق كل الحكومات الإيطالية في العقود الأخيرة، لتداعياته على الصعيد الاقتصادي والأمني والسياسي، خصوصاً مع دأب المعارضة توظيف أي حادث يتعلّق به».
![مهاجرون غير شرعيين بأحد مراكز الاعتقال في طرابلس (رويترز)](https://static.srpcdigital.com/2025-01/938202.jpeg)
وعبّرت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا عن انزعاجها واستيائها من التّهم المنسوبة إلى نجيم. ودعت في مذكرة، السلطات الليبية، لـ«تسليمه إلى العدالة»، في حين عبّر نشطاء ليبيون عن «انتقادهم خطوة إيطاليا»، وتداولوا صوراً ومقاطع فيديو «تظهر احتفاء أنصار نجيم من عناصر مسلحة بوصوله إلى ليبيا».
الحقوقي الليبي، طارق لملوم، لم يبتعد بدوره عن الآراء السابقة، مشيراً إلى تفضيل «أغلب قيادات المجموعات المسلحة حتى توقيف نجيم، السفر لإيطاليا، مقارنة بباقي الدول الأوروبية».
وذهب لملوم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «ترجيح أن هؤلاء لا تقوم روما بتسليمهم أو إيقافهم على أراضيها لتخوفها على مصالحها في ليبيا، ولضمان استمرار سريان عدد من اتفاقيات التعاون الاقتصادية والأمنية التي عقدتها مع المسؤولين بحكومة الدبيبة أخيراً، وربما تفاهمات متعددة مع الأخيرة، ومع سلطات الشرق أيضاً بشأن ملف الهجرة غير المشروعة».