السودان: «سلطة موازية» في مناطق «الدعم السريع» خلال أيام

زعيم «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» (أرشيفية - الشرق الأوسط)
زعيم «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

السودان: «سلطة موازية» في مناطق «الدعم السريع» خلال أيام

زعيم «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» (أرشيفية - الشرق الأوسط)
زعيم «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» (أرشيفية - الشرق الأوسط)

تترقب الساحة السودانية في الساعات المقبلة الإعلان عن سلطة سياسية في مناطق «قوات الدعم السريع» تكون موازية للحكومة التي يقودها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وتعمل من مدينة بورتسودان.

بعد أشهر من المحادثات المكثفة، والتجاذبات والخلافات، اتفقت قوى سياسية وحركات مسلحة بمشاركة «الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي» على توقيع وثيقة الميثاق السياسي، يوم الثلاثاء، بالعاصمة الكينية نيروبي، بما يؤسس للسلطة الموازية، ومرحلة جديدة في البلاد.

وقالت مصادر قيادية في «الدعم السريع» لــ«الشرق الأوسط»، إن الرجل الثاني في القيادة عبد الرحيم دقلو (شقيق حميدتي)، سيحضر مراسم توقيع الميثاق السياسي، إلى جانب رئيس وفد التفاوض عمر حمدان، وقيادات أخرى.

وتوقعت «الإعلان رسمياً عن تشكيل الحكومة (الموازية) في غضون أسبوع أو أكثر، بعد التوقيع على الميثاق، غداة انتهاء اللجان المشكلة من الأطراف المعنية من الاتفاق على اختيار الوزراء والمسؤولين في مستويات الحكم الثلاثة».

وحسب المصادر نفسها، يشارك في مراسيم التوقيع «أكثر من 500 شخص يمثلون الطيف السياسي والمجتمعي والقوى المدنية والمسلحة، من بينهم 50 من زعماء وقيادات الإدارات الأهلية في دارفور وكردفان ووسط البلاد».

وينص «الإطار الدستوري» للحكومة على أن تتألف من 3 مستويات حكم: مجلس السيادة، ومجلس وزراء يمثل السلطة التنفيذية، وبرلمان يمثل سلطة الشعب في الرقابة.

مشهد من معارك جنوب الخرطوم (أ.ف.ب)

وأطلقت المجموعات التي أعلنت مشاركتها في الإطار الموازي الجديد على نفسها مسمى «تحالف السودان التأسيسي»، لتكوين «حكومة السلام والوحدة»، ومن شأن هذا الإعلان السياسي أن يحدد الملامح العامة للسلطة، التي من المقرر إعلانها من الخرطوم، وفقاً لتصريحات سابقة من المشاركين.

وضم التحالف الذي كان جزءاً من «تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية» (تقدم سابقاً)، قبل فك الارتباط بالمجموعة الرافضة للحكومة، «حركة العدل والمساواة»، جناح سليمان صندل، «تجمع قوى تحرير السودان»، بقيادة الطاهر حجر، بالإضافة إلى «حركة تحرير السودان - المجلس الانتقالي»، بزعامة الهادي إدريس، و«قوات الدعم السريع»، وعدد من القوى السياسية والمدنية وزعماء الإدارات المدنية.

وقبل أشهر، نشبت خلافات داخل «تنسيقية تقدم»، وخرجت إلى العلن، بعدما تبنت فصائل مسلحة وقوى سياسية موقفاً واضحاً بتشكيل حكومة موازية في المناطق التي تخضع لسيطرة «الدعم السريع».

حمدوك رئيس تنسيقية «تقدم» خلال أحد الاجتماعات في لندن أكتوبر الماضي (فيسبوك)

وحسب إفادات أنصار هذه الحكومة الموازية، فإن مهامها «تقديم الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم واستخراج الأوراق الثبوتية، وتنظيم التجارة العابرة للحدود، وحماية المدنيين في مناطق سيطرة (قوات الدعم السريع)، لنزع الشرعية من الحكومة المدعومة من الجيش».

وتؤيد الخطوة المنتظرة شخصيات سياسية شغلت مناصب في فترة الحكومة الانتقالية التي أنهاها الجيش، أبرزها وزير العدل السابق نصر الدين عبد الباري، وأعضاء من مجلس النواب السابق، وهم الهادي إدريس ومحمد حسن التعايشي والطاهر حجر، إلى جانب رئيس «حزب الأمة القومي» فضل الله برمة ناصر.

البرهان وحميدتي يحضران حفل تخريج عسكري للقوات الخاصة في الخرطوم 22 سبتمبر 2021 (أرشيفية - غيتي)

وتوصلت القوى المشاركة في الحكومة الموازية إلى اتفاق كامل على الميثاق السياسي التأسيسي، والدستور الحاكم للنظام السياسي الجديد في البلاد.

وتنتظر الكيان الموازي تحديات مهمة أكبرها هو الحصول على اعتراف من الدول والحكومات، إضافة إلى مخاوف من أن تؤدي تقسيم البلاد.

وتسيطر «الدعم السريع» على معظم المناطق في إقليم دارفور، غرب السودان، وعلى مساحات واسعة من ولاية كردفان، لكنها فقدت في الأشهر الماضية ولاية الجزيرة وسط البلاد ومناطق أخرى في مدن العاصمة الخرطوم، حيث لا تزال تدور اشتباكات بين الطرفين.


مقالات ذات صلة

رائحة الموت تنبعث من أحد أحياء الخرطوم على وقْع المعارك بين الجيش و«الدعم السريع»

شمال افريقيا فريق «الهلال الأحمر السوداني» يحمل بقايا الجثث التي استُخرجت من حفرة الصرف الصحي (أ.ف.ب)

رائحة الموت تنبعث من أحد أحياء الخرطوم على وقْع المعارك بين الجيش و«الدعم السريع»

تنبعث رائحة كريهة من حفرة للصرف الصحي بحي دمّرته الحرب بالخرطوم، بينما ينهمك عناصر «الهلال الأحمر» في انتشال جثة منتفخة من تحت الأرض.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا عناصر من الدفاع المدني السوداني ينقلون جثثاً عثر عليها في بئر في الخرطوم (أ.ف.ب)

مقتل 6 مدنيين بقصف لـ «قوات الدعم السريع» في السودان

قُتل 6 مدنيين بينهم طفلان وجُرح 36 آخرون في قصف لـ«قوات الدعم السريع» على أم درمان شمال الخرطوم، بحسب ما أفاد مصدر طبي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

«الشرق الأوسط» (أم درمان)
شمال افريقيا زعيم «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» (أرشيفية - الشرق الأوسط)

«حميدتي» يلمّح إلى تصعيد عسكري في السودان

خرج قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، على الناس بعد انقطاع، وهو يرتدي عمامة القبائل الصحراوية المعروفة محلياً بـ«الكدمول»، وللمرة الأولى تخلي…

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا جنود من الجيش السوداني شمال الخرطوم (رويترز)

الجيش السوداني يحرز تقدماً مهماً في وسط الخرطوم

يتوقع أن تشهد الأيام المقبلة مواجهات عنيفة، بعد حديث «حميدتي» عن أن قواته «لن تخرج من القصر الجمهوري ومنطقة المقرن، وستقاتل داخل الخرطوم حتى الانتصار».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا صورة من الدمار الذي خلّفه القتال في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أرشيفية - أ.ف.ب)

سكان مدينة الفاشر السودانية المحاصرة يحتمون من القصف داخل ملاجئ حفروها بأيديهم

«سيخلف سوء التغذية المزمن الذي يعاني منه الأطفال آثاراً طويلة الأمد على حياتهم، سيستغرق الشفاء منها عقوداً».

«الشرق الأوسط» (الفاشر (السودان))

رائحة الموت تنبعث من أحد أحياء الخرطوم على وقْع المعارك بين الجيش و«الدعم السريع»

فريق «الهلال الأحمر السوداني» يحمل بقايا الجثث التي استُخرجت من حفرة الصرف الصحي (أ.ف.ب)
فريق «الهلال الأحمر السوداني» يحمل بقايا الجثث التي استُخرجت من حفرة الصرف الصحي (أ.ف.ب)
TT

رائحة الموت تنبعث من أحد أحياء الخرطوم على وقْع المعارك بين الجيش و«الدعم السريع»

فريق «الهلال الأحمر السوداني» يحمل بقايا الجثث التي استُخرجت من حفرة الصرف الصحي (أ.ف.ب)
فريق «الهلال الأحمر السوداني» يحمل بقايا الجثث التي استُخرجت من حفرة الصرف الصحي (أ.ف.ب)

تنبعث رائحة كريهة من حفرة للصرف الصحي في حي دمّرته الحرب في الخرطوم، بينما ينهمك عناصر «الهلال الأحمر» في انتشال جثة منتفخة من تحت الأرض. ويقول المتطوعون إن 14 جثة أخرى لا تزال تحت الأرض.

وقال مدير الطب العدلي بولاية الخرطوم هشام زين العابدين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، في الموقع، إن بعض الجثث «عليها آثار إطلاق نار على رؤوسها وهي مهشّمة الجماجم».

وأضاف أن الضحايا إما أُطلق عليهم الرصاص أو ضُربوا حتى الموت قبل إلقائهم في الحفرة.

وخلفه كان صندوق شاحنة يمتلئ بالجثث المُنتشَلة من حفرة الصرف الصحي في منطقة شرق النيل، إحدى المناطق الشرقية للخرطوم، والتي باتت، الآن، أنقاضاً.

وألحقت الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، أضراراً كبيرة بمساحات واسعة من الأراضي.

ومنذ اندلاع الحرب، فرَّ أكثر من 3.5 مليون شخص من سكان الخرطوم، التي كانت، ذات يوم، مدينة تنبض بالحياة، وفق الأمم المتحدة.

ويعيش ملايين آخرون ممن هم غير قادرين أو غير راغبين في المغادرة، بين مبان مهجورة وهياكل سيارات وما يطلق عليه الجيش مقابر جماعية مخفية.

مدينة مدمَّرة

تتواصل الحرب بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ونائبه السابق قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو، منذ أبريل (نيسان) 2023.

وأسفرت المعارك عن مقتل عشرات الآلاف، وتهجير أكثر من 12 مليون شخص، وفق أرقام الأمم المتحدة، يعيش كثيرون منهم في مخيمات مؤقتة، بينما فرّ أكثر من 3.5 مليون شخص عبر الحدود.

واستولت قوات «الدعم السريع»، في البداية، على الخرطوم، لكن، في الأشهر الأخيرة، استعاد الجيش السيطرة على مناطق؛ من بينها بحري، المعروفة بالخرطوم شمال، ومنطقة شرق النيل الواقعة شرقاً.

وحالياً لا تفصل وحدات الجيش في وسط الخرطوم عن القصر الرئاسي الذي سيطرت عليه قوات «الدعم السريع» في بداية الحرب، سوى أقل من كيلومتر واحد.

ورغم تلك المكاسب، لا يزال دقلو على تحديه، إذ توعَّد بألا تنسحب قواته من العاصمة. وتعهّد، في كلمة عبر تطبيق «تلغرام»، بأن قواته «لن تخرج من القصر الجمهوري». وأضاف: «نحن قادمون إلى بورتسودان» الواقعة على البحر الأحمر، وحيث تتمركز الحكومة منذ سقوط الخرطوم.

وعَبَر فريق من «وكالة الصحافة الفرنسية»، بمواكبة عسكرية، من أم درمان، المدينة التوأم للخرطوم، والتي استعادها الجيش، العام الماضي، إلى بحري وضواحيها التي مزّقتها الحرب.

ومرّ الموكب في أحياء مهجورة ومُوحشة؛ بما فيها حي الحاج يوسف، حيث تمتد هياكل المتاجر المغلقة والأرصفة المتداعية على طول الشوارع.

وتنتشر الأنقاض والحطام والإطارات المتروكة في الشوارع.

وتجلس مجموعات صغيرة من الناس بين كل بضعة شوارع أمام مبانٍ ومتاجر فارغة منخورة بالرصاص.

وتوقفت المستشفيات والمدارس عن العمل. ويقول الجيش إنه عثر على عدد من المقابر الجماعية، إحداها في محكمة أم درمان.

وتبدو على المدنيين الذين ما زالوا في المدينة، صدمة الحرب.

وقالت صلحة شمس الدين، التي تسكن قرب الحفرة؛ حيث ألقت قوات «الدعم السريع» جثثاً: «سمعت أصوات الرصاص، ليلاً، عدة مرات كما شاهدتهم يُلقون جثثاً في البئر».

عملية انتشال الجثث من الحفرة قرب شرق النيل بالخرطوم (رويترز)

جوع

وبالنسبة لمن نجوا وشاهدوا استعادة الجيش للمنطقة، مطلع الشهر، لا تزال الحياة تطرح صعوبات مستمرة. فالكهرباء مقطوعة، والمياه النظيفة والطعام شحيحان.

في شارع هادئ في بحري، يجلس نحو 40 امرأة تحت خيمة مؤقتة يُحضّرن وجبات الإفطار في مطبخ مجتمعي، وهو واحد من عدد من المطابخ التي عانت في ظل سيطرة قوات «الدعم السريع».

وتقوم النسوة بتحضير العصيدة والعدس في أوان كبيرة على نار الحطب.

والغاز لم يعد متوافراً، وشاحنات المياه تأتي، الآن، من أم درمان، وهو تحسُّن ملحوظ، مقارنة بالفترة عندما كان السكان يخاطرون تحت نيران القناصة للوصول إلى نهر النيل، الذي بدوره يمثل مخاطر صحية في ظل غياب خدمات الصرف الصحي.

وأصبحت المطابخ المجتمعية خط الدفاع الأخير للمدنيين الذين يعانون الجوع، وفقاً للأمم المتحدة. لكنها عانت صعوبات طوال الحرب للصمود.

ومع قطع طرق وتدمير أسواق وسلب مقاتلي قوات «الدعم السريع» للمتطوعين تحت تهديد السلاح، أصبح إطعام المحتاجين شبه مستحيل.

وقال مؤيد الحاج، أحد المتطوعين في مطبخ مجتمعي بحي شمبات: «أيام سيطرة (الدعم السريع)، كانت لدينا مشكلة في التمويل لأنهم يصادرون الأموال التي يجري تحويلها عبر التطبيقات البنكية». وأضاف: «لكن، الآن، الوضع اختلف، شبكات الهواتف تعمل، كما أننا، كل أسبوعين، نذهب إلى أم درمان لجلب احتياجات المطبخ».

وما بدأ نزاعاً على السلطة بين البرهان ودقلو، تحوّل إلى أكبر أزمة نزوح وجوع في العالم.

وأدت الحرب إلى تدمير البنية التحتية للسودان، وانهيار اقتصاده الضعيف أصلاً، ودفعت بالملايين إلى حافة الجوع.

وأُعلنت المجاعة في ثلاثة مخيمات للنازحين، وفق التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي المدعوم من الأمم المتحدة.

وفي الخرطوم وحدها، يعاني ما لا يقل عن 100 ألف شخص ظروف مجاعة، وفقاً للتصنيف المرحلي المتكامل.