لماذا يتجه بعض الليبيين للهروب إلى أوروبا عبر «المتوسط»؟

إحصائية غير رسمية تتحدث عن وصول 860 شخصاً منذ مطلع العام الحالي

عدد من مهاجرين غير نظاميين بعد تحريرهم من عصابة للاتجار بالبشر في جنوب شرقي ليبيا (جهاز البحث الجنائي)
عدد من مهاجرين غير نظاميين بعد تحريرهم من عصابة للاتجار بالبشر في جنوب شرقي ليبيا (جهاز البحث الجنائي)
TT

لماذا يتجه بعض الليبيين للهروب إلى أوروبا عبر «المتوسط»؟

عدد من مهاجرين غير نظاميين بعد تحريرهم من عصابة للاتجار بالبشر في جنوب شرقي ليبيا (جهاز البحث الجنائي)
عدد من مهاجرين غير نظاميين بعد تحريرهم من عصابة للاتجار بالبشر في جنوب شرقي ليبيا (جهاز البحث الجنائي)

في مشهد غير معتاد في ليبيا الغنية بثرواتها النفطية، اختار عبد الله (اسم مستعار) أن يواجه الموت مع 38 مهاجراً من ليبيا وجنسيات مختلفة، عبر رحلة هجرة غير نظامية إلى أوروبا من خلال البحر المتوسط.

وبرغم شبح الموت الذي طارد هذا الشاب الليبي، مع تعطل القارب الحديدي الذي كان يقله مع آخرين، فإن قناعته لم تتزحزح عن ضرورة الهجرة غير النظامية من بلده الثري... وهو ما عده متابعون تغيراً نوعياً طرأ على ملف الهجرة غير النظامية في ليبيا منذ عام 2011، مع تجدد التساؤلات حول دوافع بعض الليبيين للهروب إلى أوروبا عبر «المتوسط».

ومنذ سنوات، تتعالى أصوات التحذير من ارتياد شباب ليبيين قوارب الموت إلى الشواطئ الأوروبية، لكن الشاب الليبي، الذي وصل إلى هولندا قبل أشهر، ما زال يترقب قرار الجهات المعنية هناك لمنحه الإقامة أو منعها عنه... ويبدي في حديث مع «الشرق الأوسط» قناعته «بعدم وجود أي آمال قريبة بحدوث استقرار سياسي واقتصادي في ليبيا، يكفل تحقيق العدالة المجتمعية بالفرص والوظائف».

ولا تتوفر إحصائيات رسمية عن أعداد المهاجرين الليبيين غير النظاميين إلى أوروبا، إلا أن أرقاماً غير رسمية تقدر أعدادهم بنحو 870 ليبياً منذ مطلع العام الحالي، من بينهم نساء وأطفال، وفقاً للناشط الحقوقي الليبي طارق لملوم.

إنزال مهاجرين بميناء في غرب ليبيا بعد إنقاذهم من الغرق في وقت سابق (إدارة أمن السواحل)

وحسب لملوم، فقد جرى تسجيل نحو 300 مهاجر ليبي في ألمانيا، و250 في مراكز اللجوء الهولندية، و173 في إيطاليا، و150 في بريطانيا. ويستند لملوم في هذه الأرقام إلى تقديرات جهات رسمية في دول أوروبية وإفادات من بعض هؤلاء الشباب وبلاغات حررتها أسر المهاجرين في أجهزة الأمن الليبية.

ومنذ عام 2011، بات من المعتاد ضبط مهاجرين غير نظاميين من جنسيات أفريقية وآسيوية، علماً بأن أحدث أرقام المنظمة الدولية للهجرة تكشف ضبط 59889 مهاجراً غير نظامي وإعادتهم إلى ليبيا. لكن اللافت للمراقبين هو إقدام شباب ليبي على ارتياد أمواج الموت، هرباً من بلد ثري يتجاوز إنتاجه اليومي من النفط 1.3 مليون برميل، ويطمح لبلوغ حاجز مليوني برميل.

ومن بين تلك الحالات أيضاً عبد الله ابن مدينة بنغازي (شرق ليبيا)، الذي تمكن قبل قرابة العامين، من الوصول إلى سواحل أوروبا عبر ما يعرف بـ«قوارب الموت»، ولا يزال يتمسك بقناعته بصواب قراره، رغم ما انطوى عليه من مخاطر الموت غرقاً أو العودة لسواحل بلده مكبلاً لو تمكن خفر السواحل من إيقاف القارب.

ويفصل الشاب الليبي مبررات قراره خوض هذه المغامرة، قبل أن يكمل 20 عاماً بسبب «عجز أشقائه الذكور الستة خريجي الجامعات عن الحصول على فرص عمل». ويقول إن عدم تمكنه من الإيفاء بالمتطلبات المالية للحصول على تأشيرة بعض الدول الأوربية كوجود حساب بنكي لا يقل عن 5000 دولار، زاد من تزكية خيار ركوب البحر، مشيراً إلى أنه بالمقابل لم تزد تكلفة رحلته لجنوب إيطاليا عن 600 دولار، اقترضها من صديق له.

من عملية سابقة لضبط مهاجرين في صبراتة قبل تهريبهم إلى أوروبا (مديرية أمن صبراتة)

ويعتقد عبد الله أن «التعيينات الحكومية قاصرة على من يملك أقارب نافذين بالجهاز الإداري، ولم أرغب بالانتساب إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية، فيما يفضل القطاع الخاص الاستعانة بالعمالة الوافدة لأنها تقبل برواتب ضئيلة».

وتقدر آخر أرقام رسمية نسبة البطالة في ليبيا بنحو 19 في المائة، فيما ترتفع نسبة الفقر إلى 40 في المائة عام 2023، بحسب النتائج الأولية للمسح الشامل للدخل والإنفاق الأسري 2023 - 2022، ودراسة لمصلحة الإحصاء والتعداد.

وفي بلد يعاني انقساماً سياسياً واعتقالات وإخفاء قسرياً في شرق البلاد وغربها، وفق إفادات أممية، فإن «التخوف من الاستهداف والاعتقال التعسفي من قبل قيادات أمنية بارزة أو مجموعات مسلحة بعموم البلاد» سبب آخر رئيسي عدّه لملوم إلى جانب البطالة، من العوامل التي دفعت بعض الليبيين لقبول المخاطرة بالهجرة عبر البحر.

ويعد «رفض دول الاتحاد الأوروبي نسبة غير هينة من طلبات الليبيين للحصول على تأشيرة سفر» من بين الأسباب التي رصدها الناشط الحقوقي لملوم، ملقياً باللائمة على ما رآه «تناقضاً وتصريحات الساسة الأوروبيين حول الشراكة مع ليبيا، ويعكس تعمق تخوفاتهم من طلب الليبيين حق اللجوء متى ما سمح لهم بالسفر لدولهم».

ورغم الإقرار بتدني أرقام الليبيين الذين يقدمون على الهجرة على متن قوارب الموت مقارنة ببقية الجنسيات، يحذر الناشط الحقوقي من «تزايد هجرة الشباب بأي وسيلة إذا استمرت حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني، وطبقت سياسات التضييق المجتمعي التي تلوح بها سلطات غرب البلاد كشرطة الآداب».

بالمقابل، قلّل عضو مجلس النواب الليبي، عصام الجهاني، من الأسباب التي يرددها من يلجأون للسفر لأوروبا عبر «المتوسط»، معتبراً «إياهم ضحايا الترويج للحلم الأوروبي». وقال الجهاني لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف كثير من الشباب الليبي يفضل العمل بالقطاع الحكومي لضمان الراتب دون بذل كثير من الجهد، وهو ما أدى لوجود أكثر من مليوني موظف بهذا القطاع، دون أن يكون هناك احتياج حقيقي لكل هذه الأعداد».


مقالات ذات صلة

تعهد أميركي بدعم القوات البحرية الليبية

شمال افريقيا مشاركون في المناورات البحرية التي نفذتها «أفريكوم» (السفارة الأميركية)

تعهد أميركي بدعم القوات البحرية الليبية

تعهدت واشنطن بمواصلة العمل لدعم القوات البحرية الليبية في تعزيز جهود الأمن البحري الموحدة.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا جانب من القوات المشاركة في التدريب العسكري بتونس (رئاسة أركان قوات غرب ليبيا)

مناورة بحرية تسلّط الضوء على ملف «توحيد الجيش الليبي»

أعادت مناورة بحرية إقليمية أجريت في تونس تسليط الضوء على ملف توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا، المتجمد منذ أعوام، بعد مشاركة قوتين من شرق ليبيا وغربها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي (إ.ب.أ)

​ما مغزى استحضار ليبيين ذكرى معمر القذافي؟

أعاد الهتاف للرئيس الليبي الراحل معمر القذافي طرح سؤال حول مغزى ذلك لا سيما بعد مرور 13 عاماً على مقتل الرجل الذي وُصف عهده بالديكتاتوري والقمعي

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا صورة وزعتها مفوضية الانتخابات لإحصاء نتائج البلديات (المفوضية)

الدبيبة يتجاهل حكماً قضائياً بإعادة وزير النفط إلى عمله

أعلنت المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا، أنها أوشكت على إعلان النتائج النهائية للانتخابات البلدية.

خالد محمود (القاهرة)
رياضة عربية منتخب ليبيا فشل في التأهل لنهائيات «أمم أفريقيا» (الشرق الأوسط)

بنين ترافق نيجيريا إلى نهائيات «أمم أفريقيا»

تأهلت بنين إلى نهائيات كأس أمم أفريقيا 2025 لكرة القدم المقررة في المغرب، بعدما تعادلت سلبياً مع ليبيا.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)

زيادة مرتقبة لأسعار خدمات الاتصالات تعمق أزمة الغلاء بمصر

جانب من قطاع الاتصالات في مصر (وزارة الاتصالات)
جانب من قطاع الاتصالات في مصر (وزارة الاتصالات)
TT

زيادة مرتقبة لأسعار خدمات الاتصالات تعمق أزمة الغلاء بمصر

جانب من قطاع الاتصالات في مصر (وزارة الاتصالات)
جانب من قطاع الاتصالات في مصر (وزارة الاتصالات)

أثار حديث مسؤول حكومي مصري عن زيادة مرتقبة في أسعار خدمات الاتصالات مخاوف لدى المصريين من موجة غلاء جديدة، وانتقادات على منصات التواصل الاجتماعي.

في حين يرى خبراء أن «الزيادة المرتقبة غير مبررة في ظل تحقيق شركات الجوال أرباحاً خلال الفترة الأخيرة»، وأشاروا إلى أن «زيادة خدمات الاتصالات ستعمق شكاوى المصريين من الغلاء في البلاد».

وأعلن الرئيس التنفيذي لـ«الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات» في مصر (جهاز حكومي تابع لوزارة الاتصالات)، محمد شمروخ «الموافقة المبدئية على رفع أسعار خدمات الاتصالات، بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل التي تواجه شركات الجوال». وقال خلال مشاركته في فعاليات معرض «القاهرة الدولي للاتصالات» أخيراً، إن «الجهاز يدرس حالياً التوقيت المناسب لتطبيق الزيادة».

وحال تطبيق الزيادة الجديدة هذا العام، ستكون الثانية في 2024، بعدما رفع «الجهاز» أسعار خدمات الجوال للمكالمات والبيانات بنسب تتراوح ما بين 10 و17 في المائة في فبراير (شباط) الماضي.

وبرّر «الجهاز» حينها تلك الزيادة بأنها «تعود إلى ارتفاع تكاليف التشغيل، وزيادة معدلات التضخم»، وفقاً لتصريحات إعلامية لمسؤولي شركات الجوال.

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي داخل مصنع إنتاج أجهزة جوال في مصر (مجلس الوزراء المصري)

وحذرت جمعية «مواطنون ضد الغلاء» (مؤسسة أهلية) من «تداعيات الزيادات المقترحة على أسعار خدمات الاتصالات»، وذكرت في إفادة، الأربعاء، أن «الحديث عن ارتفاع الأسعار إجراء غير مسؤول، نظراً لأن شركات الاتصالات حققت هذا العام نحو 164 مليار جنيه مبيعات، وفق البيانات المعلنة منها». (الدولار يساوي 49.70 جنيه في البنوك المصرية).

ودعت الجمعية الحكومة المصرية لإعادة النظر في أسعار خدمات الاتصالات، وتقليلها للتخفيف عن أعباء المستخدمين وليس زيادتها، كما طالبت مجلس النواب (البرلمان) بإجراء تعديل تشريعي يسمح لـ«جهاز حماية المستهلك» بتلقي الشكاوى الخاصة بالاتصالات، كونه جهازاً رقابياً محايداً.

ويشترط القانون المصري موافقة «الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات» قبل تطبيق شركات الاتصالات أي زيادة في الأسعار.

وحظي حديث الزيادة المحتملة على خدمات الاتصالات بتفاعل على «السوشيال ميديا»، الأربعاء، وانتقد بعض المغردين تصريح المسؤول الحكومي، وعدّوا أن «جهاز تنظيم الاتصالات» يمنح الفرصة لشركات الجوال لرفع أسعارها.

ورأى حساب «حزب المحافظين» المصري (حزب معارض) على (إكس)، أن «الزيادة المرتقبة في أسعار الاتصالات تمثل عبئاً إضافياً على المواطن».

فيما اقترح البعض «مقاطعة شركات الجوال» حال تطبيق الزيادة الجديدة.

وأكد سكرتير «شعبة الاتصالات» بالاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، تامر محمد، أن «الزيادة المرتقبة على أسعار خدمات الجوال غير مبررة»، مشيراً إلى أنه «لا توجد حاجة لرفع الأسعار، خصوصاً وأن شركات الاتصالات بمصر حققت أرباحاً في الميزانيات الأخيرة لها»، وأضاف أن «طلب شركات الجوال رفع أسعار الخدمة يجب أن تسبقه المساءلة عن مستوى جودة خدماتها التي يشكو منها كثير من المستخدمين»، لافتاً إلى أن «أي زيادات جديدة على سلعة أو خدمة تعمق أزمة الغلاء في البلاد».

وحسب إفادة لوزارة الاتصالات المصرية في مايو (أيار) الماضي، حقق قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات «إيرادات بلغت 315 مليار جنيه في العام المالي الماضي (2023 - 2024) بنسبة نمو نحو 75 في المائة».

وأوضح سكرتير «شعبة الاتصالات» لـ«الشرق الأوسط» أنه «سبق وأن تم إقرار زيادة في أسعار خدمات الاتصالات بنسب وصلت إلى 30 في المائة قبل عامين، بهدف تحسين جودة الخدمات، ورغم ذلك ما زالت الشكاوى حاضرة من المستخدمين، بسبب ضعف تغطية شبكات الجوال والإنترنت»، ودلل على ذلك بـ«قرارات (جهاز تنظيم الاتصالات) العقابية تجاه بعض الشركات بسبب سوء خدماتها».

أجهزة الإنترنت المنزلي (جهاز تنظيم الاتصالات)

وقام «الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات» بتغريم بعض شركات مقدمي خدمات الجوال بنحو 33 مليون جنيه مصري في مايو الماضي، بسبب «تجاوز معايير ومحددات جودة خدمات الجوال خلال الربع الأول من عام 2024»، كما اعتمد 743 محطة جوال جديدة لتحسين جودة خدمات الاتصالات، وفق إفادة لـ«الجهاز».

وأدى قرار البنك المركزي المصري، في مارس (آذار) الماضي بتحديد سعر صرف الجنيه المصري، وفق آليات السوق (العرض والطلب)، إلى انخفاض قيمة العملة المحلية، إلى نحو 50 جنيهاً للدولار، بعدما كانت مستقرّة لأشهر عند حدود 30.85 جنيه للدولار.

ووفق وكيل «لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات» بمجلس النواب، النائب أحمد نشأت منصور، فإن «الزيادة المرتقبة على خدمات الاتصالات ما زالت محل دراسة من الحكومة»، مشيراً إلى أن «(لجنة الاتصالات بالبرلمان) تترقب قرار (جهاز تنظيم الاتصالات) للتدخل، ودراسة مبررات إقرار زيادات جديدة على أسعار الاتصالات».

وشدّد على أن «قرار رفع أسعار خدمات الاتصالات يجب أن يكون لأسباب واضحة ومبررة، في ظل تكرار الشكاوى من سوء الخدمة في مناطق كثيرة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «البرلمان سبق أن أجرى نقاشات كثيرة بسبب انقطاع خدمات الاتصالات في بعض الأماكن بالقاهرة والمحافظات المصرية لضعف شبكات التغطية»، مشيراً إلى أن «شركات مقدمي الخدمة تعهدت بتحسين جودة خدماتها، وبعضها التزم بتعهداته، والأخرى لم تلتزم».

ويقدر عدد شرائح اتصالات الجوال في مصر بـ107.74 مليون شريحة، فيما وصل عدد الاشتراكات النشطة لخدمة «إنترنت الجوال» نحو 77.68 مليون مستخدم، وسجلت اشتراكات خدمة «إنترنت الجوال» لغير الأجهزة المنزلية، نحو 2.76 مليون مشترك، وفقاً لوزارة الاتصالات المصرية في مايو الماضي.