السودان... حزب البشير يواجه انقساماً جديداً

صراع محتدم بين «مجموعة تركيا» و«السجناء السياسيين»

عمر البشير حكم السودان بقبضة من حديد وأطيح به بعد 30 عاماً (أ.ف.ب)
عمر البشير حكم السودان بقبضة من حديد وأطيح به بعد 30 عاماً (أ.ف.ب)
TT

السودان... حزب البشير يواجه انقساماً جديداً

عمر البشير حكم السودان بقبضة من حديد وأطيح به بعد 30 عاماً (أ.ف.ب)
عمر البشير حكم السودان بقبضة من حديد وأطيح به بعد 30 عاماً (أ.ف.ب)

تضاربت البيانات المنذرة بانشقاق كبير بين قيادات حزب «المؤتمر الوطني» الإسلامي الذي حكم السودان برئاسة عمر البشير لثلاثين عاماً، قبل إسقاطه بثورة شعبية في أبريل (نيسان) 2019. وقالت مصادر إن خلافاً خرج إلى العلن بين مجموعة «السجناء السياسيين» بقيادة أحمد هارون ومجموعة (تركيا) بزعامة رئيس الحزب إبراهيم محمود. وكان الحزب قد انشق للمرة الأولى إبان سنواته في الحكم، عندما تصارعت مجموعة بقيادة البشير ومجموعة عراب الحركة الإسلامية في السودان الراحل حسن الترابي. وعُرف ذاك الانشقاق حينها بـ«المفاصلة».

غير أن المجموعتين المتصارعتين الآن تتفقان في دعمهما للجيش في حربه ضد «قوات الدعم السريع»، في حين يرى الكثيرون أن حزب «المؤتمر الوطني» الإسلامي هو العقبة الرئيسية أمام التفاوض من أجل وقف الحرب، وهو يرغب في العودة إلى السلطة مجدداً عبر تحالف مع الجيش. وكان الحزب قد وصل إلى الحكم أصلاً في عام 1989 عبر انقلاب عسكري نفته مجموعة الضباط الإسلاميين داخل الجيش، عندما انقلبوا على حكومة منتخبة ديمقراطياً.

وبعد عودة رئيس الحزب إبراهيم محمود من تركيا، برزت الصراعات بين رؤساء الحزب السابقين؛ إذ اتهم مكتب الحزب القيادي، الموالي لإبراهيم محمود، في بيان مساء الأربعاء، «قيادات»، لم يُسمّها، بالضلوع في مؤامرة أدت إلى سقوط حكم الحزب في عام 2019، وأيضاً بالسعي لشق صف الحزب بالدعوة لعقد اجتماع لـ«مجلس شورى الحزب»، في مخالفة لنظام الحزب الداخلي وقرارات مؤسساته.

«شق صف الحزب»

أعضاء جدد في القوات المسلحة السودانية يعرضون مهاراتهم خلال حفل تخرج في مدينة القضارف بشرق البلاد (أ.ف.ب)

وقرر المكتب القيادي، كما جاء في بيان اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، عدم الاعتراف بأي قرارات تصدر عن اجتماع مجلس الشورى، واعتبرها مخالفة للنظام الأساسي، وطالب أعضاء مجلس الشورى بعدم الاستجابة للدعوة، لتجنب «شق صف الحزب».

ويضم فصيل إبراهيم محمود، كلاً من القيادي السابق نافع علي نافع وما يُعرف بـ«مجموعة تركيا»، إضافة إلى عدد من القادة، أبرزهم نائب البشير الأسبق الحاج آدم. أما المجموعة الثانية فعلى رأسها رئيس الحزب الذي كلفه البشير نائباً له قبيل أيام عدة من سقوط نظام حكمه، وهو أحمد محمد هارون، وتضم كلاً من الأمين العام للحركة الإسلامية علي أحمد كرتي، وعمر البشير نفسه، ويطلق عليهم مجموعة «السجناء السياسيين» الذين أُلقي القبض عليهم بعد سقوط نظام البشير، ثم خرجوا من السجون بعد اشتعال الحرب في 15 أبريل (نيسان) 2023.

من جانبها، دعت مجموعة «السجناء السياسيين» إلى عقد اجتماع لمجلس الشورى، لكن مجموعة إبراهيم محمود رأت أن الاجتماع ينعقد دورياً، واستثنائياً بطلب ثلث أعضائه، وهذا غير ممكن بسبب الحرب، وأن المكتب التنفيذي يعتمد ما يصدر عن مجلس الشورى.

واشترطت هذه المجموعة تنقيح العضوية وإسقاط عضوية من انتموا إلى حزب آخر، خصوصاً «حزب حركة المستقبل»، الذي أنشأه أعضاء في «المؤتمر الوطني» ليكون واجهة جديدة لهم، مدعية أن الوقت غير مناسب لانعقاد مجلس الشورى؛ لأن عضويته منشغلة بالقتال إلى جانب الجيش، وأن عقد الاجتماع سيخلق استقطاباً حاداً بين العضوية، بما يهدد وحدة الحزب.

التآمر على الحزب

مفاوضات جنيف لحل الأزمة في السودان (أرشيفية - حساب المبعوث الأميركي للسودان توم بيرييلو)

ووجَّه البيان اتهاماً مبطناً للمجموعة الأخرى بالتآمر على الحزب انتهى بسقوط حكمه وزج قياداته في السجون، ومنعه من الوصول لموارده المالية، قائلاً: «هم الذين يعملون الآن لشق وحدة صف الحزب بالإصرار على إقامة اجتماع لمجلس الشورى»، ودعاهم إلى التركيز على المعركة ضد «قوات الدعم السريع»، متوعداً بعدم الاعتراف باجتماع لمجلس الشورى.

وعلى ما يمكن وصفه بأنه «انحناءة للريح»، أعلن رئيس مجلس الشورى عثمان محمد يوسف كبر تأجيل انعقاد اجتماع المجلس بسبب ما أسماه الاستقطاب والخلافات وسط العضوية، وتحت ذريعة أن الظرف يتطلب وحدة الصف وتوحيد الجهود لدعم الجيش. لكن تسريبات على صفحة القيادي الإسلامي عمار السجاد، ذكرت أن مجلس الشورى عقد بسرية تامة اجتماعه واختار أحمد هارون رئيساً، واعتبر بيان المكتب القيادي خروجاً على التراتبية الحزبية.

ويرجع رئيس تحرير جريدة «الجريدة» الصحافي أشرف عبد العزيز، وهو إسلامي سابق، الصراع داخل حزب «المؤتمر الوطني» إلى اختلالات تنظيمية بدأت منذ الأيام الأخيرة لحكم البشير، الذي كلف أحمد هارون نائباً لرئيس الحزب. وبعد سقوط حكم البشير ودخوله السجن، كلف مجلس الشورى وزير الخارجية الأسبق إبراهيم غندور رئاسة الحزب، وبُعيد اعتقاله هو الآخر كلف المجلس إبراهيم محمود رئاسة الحزب.

خروج قيادات من السجن

دخان يتصاعد نتيجة القتال في العاصمة السودانية (أرشيفية - أ.ف.ب)

وقال عبد العزيز لـ«الشرق الأوسط» إن الصراع على رئاسة الحزب بدأ منذ خروج أحمد هارون وبقية القيادات المعتقلة من سجن بعد اندلاع الحرب. ومع اختفاء البشير عن الواجهة، فإن نائبه أحمد هارون هو الرئيس الفعلي للحزب، بينما يتمسك إبراهيم محمود بأنه مكلف من مجلس الشورى، أعلى هيئة حزبية.

وفي تفسيره لأسباب الصراع، يرى عبد العزيز أن تيار إبراهيم محمود يريد «التخلص من الحمولة الثقيلة» للمجموعة التي تواجه «اتهامات جنائية» داخلية وخارجية؛ إذ إنهم يواجهون المحاكمة بتدبير انقلاب يونيو (حزيران) 1989، وثلاثة منهم هم - عمر البشير، وأحمد هارون وعبد الرحيم حسين - مطلوب القبض عليهم من قِبل المحكمة الجنائية الدولية، إلى جانب الاتهامات الداخلية.


مقالات ذات صلة

مقتل 14 في جنوب ولاية الجزيرة السودانية

شمال افريقيا امرأة مريضة تستريح في حضن قريبتها في مستشفى الشهداء التعليمي في الخرطوم بالسودان في 9 نوفمبر 2024 (رويترز)

مقتل 14 في جنوب ولاية الجزيرة السودانية

اتهمت منظمة «مؤتمر الجزيرة» الحقوقية «قوات الدعم السريع» بالسودان، اليوم (الخميس)، بقتل 14 شخصاً وإصابة 30 آخرين بإحدى قرى جنوب ولاية الجزيرة.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري يستقبل المبعوث الشخصي لسكرتير عام الأمم المتحدة للسودان (الخارجية المصرية)

مصر قلقة من تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان

أعربت مصر، الخميس، عن قلقها من تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان، وأكدت حرصها على الانخراط بفاعلية في مختلف الجهود الإقليمية والدولية الرامية لوقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جنديان من الجيش السوداني خلال تنفيذ دورية في الخرطوم (أ.ف.ب)

باحثون: قتلى حرب السودان أعلى بكثير من المسجَّل على الأرجح

أظهر تقرير جديد أصدره باحثون في بريطانيا والسودان أن التقديرات تشير إلى أن أكثر من 61 ألفاً قُتلوا في ولاية الخرطوم خلال أول 14 شهراً من الحرب في السودان.

«الشرق الأوسط» (أم درمان )
شمال افريقيا سودانيات ينتظرن في طابور للحصول على مساعدات بمدينة أدري التشادية بعد فرارهن من دارفور (رويترز)

​ما سر خلاف الجيش السوداني و«الدعم السريع» حول معبر «أدري»؟

أعلنت الحكومة السودانية التي تتخذ من مدينة بورتسودان الساحلية عاصمة مؤقتة الاستجابة لمطلب تمديد فتح معبر «أدري» الحدودي مع تشاد

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا صورة جرى توزيعها في يناير 2024 لنساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

شهادات «مروعة» لناجيات فررن من الحرب في السودان

نشرت «الأمم المتحدة»، الثلاثاء، سلسلة من شهادات «مروعة» لنساء وفتيات فررن من عمليات القتال بالسودان الذي يشهد حرباً منذ أكثر من عام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

سفارة أميركا تلتزم الصمت حيال اتهامها بـ«التدخل في الشأن الاقتصادي» الليبي

القائم بأعمال السفارة الأميركية في ليبيا يتوسط عادل جمعة وزير الدولة لشؤون حكومة «الوحدة» (يمين) وإبراهيم الدبيبة مستشار رئيس الحكومة (السفارة)
القائم بأعمال السفارة الأميركية في ليبيا يتوسط عادل جمعة وزير الدولة لشؤون حكومة «الوحدة» (يمين) وإبراهيم الدبيبة مستشار رئيس الحكومة (السفارة)
TT

سفارة أميركا تلتزم الصمت حيال اتهامها بـ«التدخل في الشأن الاقتصادي» الليبي

القائم بأعمال السفارة الأميركية في ليبيا يتوسط عادل جمعة وزير الدولة لشؤون حكومة «الوحدة» (يمين) وإبراهيم الدبيبة مستشار رئيس الحكومة (السفارة)
القائم بأعمال السفارة الأميركية في ليبيا يتوسط عادل جمعة وزير الدولة لشؤون حكومة «الوحدة» (يمين) وإبراهيم الدبيبة مستشار رئيس الحكومة (السفارة)

التزمت السفارة الأميركية في ليبيا الصمت حيال اتهامات وجّهها لها النائب الأول لرئيس مجلس النواب، فوزي النويري، «باستمرار تدخلاتها في الشأن الاقتصادي الليبي، وتقويض توحيد المصرف المركزي الليبي، ومحاولة تدوير أزمة المسار الاقتصادي بالبلاد».

ورأى النويري، في بيان رسمي، مساء الأربعاء، أن بعض اللقاءات والآراء التي تروجها السفارة الأميركية «تتعارض مع القوانين المالية السارية في ليبيا، مما يفرض واقعاً مخالفاً للقانون المحلي»، معتقداً أن هذه التدخلات «تهدف إلى تقويض نجاح المصرف، بعد توحيده وتشكيل مجلس إدارته، الأمر الذي يمكن أن يعرقل سير عمله، ويزيد من تعقيد المشهد السياسي والاقتصادي» برمته.

كانت السفارة قد ذكرت أن المبعوث الأميركي الخاص، ريتشارد نورلاند، استضاف، منتصف الأسبوع، محافظ مصرف ليبيا المركزي، ناجي عيسى، في مقر وزارة الخارجية الأميركية، ورحب بتعيين مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي مؤخراً.

وحذر النويري من أن استمرار هذه الأنشطة «قد يجعل المصرف المركزي طرفاً في المعادلة السياسية، ما يهدد استقرار الحوكمة في المصرف ويقوض شرعية إدارته»، داعياً إلى ضرورة «عدم تسييس» عمل المؤسسات المالية الوطنية.

عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (المركز الصحافي لصالح)

وطالب النويري بعثة الأمم المتحدة للدعم والمساعدة في ليبيا بأخذ دورها في الحد من هذه التدخلات، التي عدّها «مخالفة للقانون»، كما دعاها إلى توضيح موقفها أمام الشعب الليبي حول «مَن المسؤول عن تقديم الدعم والمساعدة؛ هل البعثة الأممية نفسها أم سفراء الدول الممثلين لدى ليبيا؟».

وكان القائم بالأعمال الأميركي جيريمي برنت، قد التقى في مقر إقامته بتونس، عادل جمعة، وزير الدولة لشؤون مجلس حكومة «الوحدة»، وإبراهيم الدبيبة، مستشار رئيس الوزراء. وقال بهذا الخصوص: «ناقشنا سبل تعزيز التعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة وليبيا، ودعم التنمية الاقتصادية والازدهار في ليبيا، بالإضافة إلى أهمية ضمان الاستقلالية والنزاهة التكنوقراطية لمصرف ليبيا المركزي، والمؤسسات الاقتصادية الليبية الأخرى».

وتتوسع السفارة الأميركية في لقاءاتها بالأطراف السياسية والاجتماعية في ليبيا؛ لمناقشة الأزمة الراهنة. وسبق أن قال رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، إن بلاده تعول على الدور الأميركي لحل أزمة الانقسام في ليبيا.

وجاءت تصريحات صالح خلال زيارته لواشنطن في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وقال إن الولايات المتحدة «تقوم بدور مهم في حل الأزمة الليبية».

يشار إلى أن السفارة الأميركية رحبت بتعيين مجلس إدارة لمصرف ليبيا المركزي، وعدّتها «خطوة تعزز حوكمة المصرف ومصداقيته لدى المجتمع المالي الدولي»، داعية في الوقت نفسه إلى «عدم تسييس المؤسسات التكنوقراطية في ليبيا، أو إخضاعها للضغوط».