الديون والأعطال والرواتب... أزمات متراكمة تحاصر شركات الطيران الليبية

متابعون أرجعوها إلى الانقسام السياسي والانفلات الأمني

طائرة تابعة للخطوط الجوية الليبية قيد الصيانة في مايو الماضي (الصفحة الرسمية للشركة)
طائرة تابعة للخطوط الجوية الليبية قيد الصيانة في مايو الماضي (الصفحة الرسمية للشركة)
TT

الديون والأعطال والرواتب... أزمات متراكمة تحاصر شركات الطيران الليبية

طائرة تابعة للخطوط الجوية الليبية قيد الصيانة في مايو الماضي (الصفحة الرسمية للشركة)
طائرة تابعة للخطوط الجوية الليبية قيد الصيانة في مايو الماضي (الصفحة الرسمية للشركة)

تكبّد الطيران المدني الحكومي في ليبيا نصيباً باهظاً من فاتورة الانقسام السياسي والحروب الأهلية التي شهدتها البلاد منذ عام 2011، مع خروج طائرات من الخدمة وارتفاع الديون وانقطاع رواتب العاملين في القطاع، وفق تقرير رقابي حديث ومسؤولين؛ مما استدعى تدخلاً تشريعياً يتداوله مجلس النواب راهناً.

ويدرس أعضاء بمجلس النواب في شرق ليبيا تشريعاً جديداً وآلية اعتمادات مالية إضافية، لحل مشكلة ديون شركتي الطيران الحكوميتَين المتعثرتَين، وفق ما صرّح به عضو مجلس النواب إسماعيل الشريف لـ«الشرق الأوسط».

وفي ليبيا شركتان حكوميتان، هما: «الخطوط الجوية الليبية» التي مضت 60 عاماً على تأسيسها هذا الشهر، و«الخطوط الأفريقية» التي تأسّست عام 2007، علاوة على بضع شركات خاصة.

وقدّر تقرير حديث صادر عن هيئة الرقابة الإدارية إجمالي ديون «الخطوط الليبية» بنحو 1.12 مليار دينار؛ لعدة أسباب، من بينها: انخفاض عدد الطائرات قيد الخدمة من 24 طائرة عام 2011 إلى 3 طائرات فقط، نتيجة لحربي عامي 2014 و2019. (الدولار الأميركي يساوي 4.84 دينار ليبي في السوق الرسمية).

وتعرّضت الكثير من الطائرات في «مطار طرابلس الدولي» للتدمير خلال حربين شهدتهما البلاد في 2014 و2020.

وإلى جانب مديونيات شركتي الطيران الناجمة في جانب منها عن الحربين، فقد توسعت الفجوة بين مصروفات وإيرادات «الخطوط الليبية»، ورأسمال الشركة «الورقي» و«المُسيّل فعلياً»، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية عن مدير العلاقات الدولية في الشركة، نوري المروش.

ولم تكن «الخطوط الأفريقية» أفضل حالاً؛ إذ خسرت خدمات 7 طائرات من إجمالي 13 طائرة تضرّرت في أعوام 2011 و2014 و2019، حسب مدير قطاع العلاقات الدولية في الشركة، المعز بن إسماعيل.

لكن المسؤول في الشركة تحفّظ عن تأكيد أو نفي تقارير إعلامية عن خسارة نصف رأسمال الشركة البالغ نحو ملياري دينار، نظراً إلى «عدم إقفال الميزانيات بسبب الحروب».

اجتماع بين وكيل وزارة المواصلات الليبي خالد سويسي ومسؤولين بـ«الخطوط الأفريقية» (وزارة المواصلات في حكومة الدبيبة)

وترافقت أزمة الديون المتراكمة مع تضخم أعداد الموظفين في «الخطوط الليبية»؛ حيث قفزت وفق تقرير جهاز الرقابة الإدارية، من 2191 موظفاً في عام 2022 إلى 4105 موظفين عام 2023؛ لكن مدير العلاقات الدولية في الشركة قال: إن أعدادهم لا تتجاوز 3300 موظف، مقراً بأن بعض الموظفين لم يتقاضوا رواتبهم منذ قرابة 20 شهراً. أما في «الخطوط الأفريقية» فقد بلغ عددهم 1700 موظف، وفق مسؤول في الشركة.

ويُرجع عضو مجلس النواب، إسماعيل الشريف، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أزمات شركتي الطيران إلى «الانقسام السياسي والتوترات الأمنية التي ألقت بظلالها على الشركتين، وعلى الإفراط في تعيين كوادر غير مؤهلة صارت عبئاً على الميزانية».

ولم يستبعد النائب الليبي «حسم هذا الملف خلال الفترة المقبلة عبر تشريع يصدره المجلس»، مشيراً إلى مقترح «إعادة تنسيب الكوادر غير المؤهلة في قطاع الطيران إلى وظائف إدارية أخرى تتناسب مع تخصصاتهم».

وفي فبراير (شباط) 2023 هدّدت نقابة العاملين بمصلحة الطيران المدني بالدخول في اعتصام مفتوح عن العمل «إذا لم تستجب حكومة (الوحدة الوطنية) برئاسة عبد الحميد الدبيبة لتطبيق الجدول الموحد للمرتبات الذي أقره البرلمان».

ويلخص المدير السابق للخطوط الجوية الليبية الطيار محمد مختار ابسيم، مشكلة شركات الطيران، وتحديداً «الخطوط الليبية»، في أنها «دفعت جانباً لا بأس به من فاتورة الصراع السياسي في البلاد».

وإلى جانب تدمير وإعطاب طائرات في حربي 2014 و2019، يشير ابسيم، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى «ممارسات إدارية خاطئة أدت إلى تضخم العمالة»، علاوة على «دخول القطاع الخاص بشكل غير مجهز؛ مما زاد من المشكلات الليبية وخسارة أسواقها».

ومنذ عام 2000، بدأت ليبيا تجربة شركات القطاع الخاص بـ«شركة البراق»؛ لتتأسس عدة شركات، بعضها يعمل، والآخر توقف عن العمل مثل «الراحلة»، وقد تكون هناك شركات تحت الإنشاء، لكنها غير معروفة بعد، وفق ابسيم.

ومن بين الشركات الخاصة: «أويا»، و«الأجنحة»، و«الليبية للشحن الجوي»، و«برنيق»، و«البراق»، و«العالمية»، و«ليبيا للطيران»، و«غدامس» للنقل الجوي، و«سكاي ليبيا».

طائرة تابعة للخطوط الجوية الليبية (الصفحة الرسمية للشركة)

ويلحظ متابعون صمتاً حكومياً من جانب حكومة «الوحدة» منذ صدور تقرير «الرقابة الإدارية»، واكتفت وزارة المواصلات باجتماع في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي مع مسؤولين في «الخطوط الأفريقية»، تمحور حول تسوية ديون شركة الخدمات الأرضية مع «الخطوط الأفريقية».

ويلقي المدير السابق للخطوط الجوية الليبية باللائمة على «الدولة التي لم تعوّض الخطوط عن خسائرها، وتركت إدارتها تعاني، إلى أن تراكمت الديون وتوقفت الطائرات، في ظل نقص المعدات، وشدة المنافسة واضطرار بعض العاملين إلى مغادرتها نحو القطاع الخاص».

ولم يكن قطاع الأعمال والتجارة في ليبيا بعيداً عن أزمة شركات الطيران التي أثرت في أعماله. فقد حمّل رئيس «الاتحاد العام لغرف صناعة وتجارة وزراعة ليبيا» محمد الرعيض، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، مجلس إدارة «المصرف المركزي» السابق المسؤولية؛ «بفعل سياسات ضاعفت ديون شركات الطيران».

وعادت شركات طيران عالمية عديدة إلى العمل في ليبيا. وأعلنت شركة الخطوط الإيطالية (إيتا) ترتيبات يُجرى تنسيقها بين مصلحة الطيران المدني الليبي ونظيرتها الإيطالية تتعلّق باستئناف رحلات الخطوط الإيطالية قريباً.


مقالات ذات صلة

ليبيون يأملون تفعيل قرار وقف تبادل النفط بالمحروقات

شمال افريقيا المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا أعلنت إيقاف العمل بآلية مقايضة النفط الخام بالوقود اعتباراً من مارس المقبل (الوطنية للنفط)

ليبيون يأملون تفعيل قرار وقف تبادل النفط بالمحروقات

تتجه ليبيا لتفعيل قرار يقضي بوقف تبادل النفط الخام مقابل المحروقات المستوردة؛ سعياً لتقليل الهدر في الدعم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا المبعوثة الأممية الجديدة لدى ليبيا هانا سيروا تيتيه (الأمم المتحدة)

ترحيب «أوروبي»... وصمت رسمي حيال تعيين مبعوثة جديدة إلى ليبيا

الاتحاد الأوروبي يؤكد دعم جهود بعثة الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي دائم عبر حوار شامل بين الليبيين.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا الغانيّة هانا سيروا تيتيه المبعوثة الأممية الجديدة لدى ليبيا (الأمم المتحدة)

تعيين مبعوثة أممية جديدة لدى ليبيا بعد شغور طويل

أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، الجمعة، تعيين الغانيّة هانا سيروا تيتيه مبعوثة للمنظمة الدولية لدى ليبيا، خلفاً للسنغالي عبد الله باتيلي الذي استقال في أبريل.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)
شمال افريقيا عائشة القذافي (وكالة الأنباء الليبية)

عائشة القذافي تناشد الرئيس اللبناني الإفراج عن شقيقها هانيبال

قالت عائشة معمر القذافي: «أعوِّل على الرئيس اللبناني وحكومة بلده وكل قواها الحية بالدفع باتجاه تطبيق العدالة والاستماع إلى لغة العقل، للإفراج عن أخي».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الحداد في أنقرة (رئاسة أركان حكومة «الوحدة»)

ليبيا: سلطات «الوحدة» تحتوي توتراً أمنياً غرب طرابلس

بعد ليلة من الاستنفار الأمني المسلَّح، تمكنت السلطات في غرب ليبيا من احتواء الوضع بمحيط «قرية المغرب العربي»، المعروفة بـ«الريقاتة» بغرب طرابلس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الجيش السوداني يعلن استعادة مصفاة الخرطوم

TT

الجيش السوداني يعلن استعادة مصفاة الخرطوم

صورة بالأقمار الاصطناعية لحريق يلتهم أكبر مصفاة نفط في السودان وسط معارك بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (أ.ب)
صورة بالأقمار الاصطناعية لحريق يلتهم أكبر مصفاة نفط في السودان وسط معارك بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (أ.ب)

أعلن الجيش السوداني، السبت، استعادة «مصفاة الجيلي» للبترول في شمال العاصمة الخرطوم، وهي أكبر مصفاة في البلاد، بعد حصار من عدة محاور استمر لأيام، فيما تراجعت «قوات الدعم السريع» التي كانت تتخذ المصفاة قاعدة عسكرية لها لأكثر من 21 شهراً.

وقال رئيس هيئة أركان الجيش، الفريق أول محمد عثمان الحسين، إن «هذا النصر التقت فيه جهود كل المتحركات العسكرية في المنطقة إلى أن وصلت إلى مقر القيادة العامة للجيش التي تمثل رمزية القوات المسلحة وسيادة السودان». وأضاف في تصريحات صحافية، من داخل مقر القيادة العامة في وسط الخرطوم، أن «الآلاف من الضباط وضباط الصف والجنود قبروا داخل القيادة».

وعد الحسين وصول المتحركات العسكرية والتحامها مع القوات في القيادة العامة التي ظلت محاصرة من قبل «قوات الدعم السريع» منذ بداية الحرب في أبريل (نيسان) 2023، «بداية تاريخ جديد للقوات المسلحة والشعب السوداني الذي التف حول قواته منذ اندلاع حرب الكرامة». وأضاف رئيس هيئة الأركان أن «هذا النصر يشكل حافزاً للجميع للاندفاع لتطهير كل شبر متبقٍ من أرض السودان».

وتابع: «عهدنا مع إخواننا في القوات المسلحة وقيادتها والشعب السوداني أن ننزل إلى ساحة الحرب حتى نطهر كل شبر من أرض السودان من دنس هذه الميليشيا المتمردة الإرهابية»؛ في إشارة إلى طرد «قوات الدعم السريع» من المواقع التي تسيطر عليها.

مكاسب للجيش

من جانبه، قال المتحدث الرسمي باسم الجيش، نبيل عبد الله، في تدوينة على الصفحة الرسمية للجيش على موقع «فيسبوك» إن «قواتنا بسطت بالفعل سيطرتها الكاملة على مصفاة الخرطوم». وتعرضت المصفاة، يوم الخميس الماضي، إلى حريق ضخم دمر مستودعاتها الرئيسية، فيما تبادل الجيش و«قوات الدعم السريع» الاتهامات، بإحراقها.

وأظهر مقطع مصور عناصر من الجيش داخل المصفاة، وتحرير الأسرى والرهائن من الموظفين المحتجزين لقرابة العامين، فيما أعلن ضباط من غرفة السيطرة تحرير المصفاة ودحر «قوات الدعم السريع».

وحقق الجيش في الأيام الماضية مكاسب كبيرة في محيط العاصمة الخرطوم، إذ استطاعت قواته فك الحصار عن مقر «سلاح الإشارة» في مدينة بحري، ومقر «القيادة العامة» للجيش وسط الخرطوم. ولم يصدر أي تعليق رسمي من «قوات الدعم السريع» بشأن المصفاة.

وقبيل ساعات من إعلان استرداد المصفاة، أجرى رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، زيارة تفقدية لقواته في الخطوط الأمامية بمنطقة الجيلي، حيث المصفاة.

رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ف.ب)

ومنذ عدة أشهر يدور قتال بين طرفي الحرب في مدينة بحري، حقق خلاله الجيش تقدماً كبيراً في التوغل داخل الأحياء والسيطرة عليها، ومحاصرة «قوات الدعم السريع» التي كانت تسيطر على أجزاء كبيرة من المدينة.

وفي مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، غرب البلاد، قُتل وأُصيب العشرات جراء استهداف «قوات الدعم السريع» المستشفى السعودي بالمدينة. ونقلت «تنسيقية لجان مقاومة الفاشر»، وهي جماعة من نشطاء مدنيين، عن مصادر طبية قولها إن عدد الضحايا بلغ 67 قتيلاً على الأقل، وأصيب العشرات، نتيجة لقصف مسيرة تابعة لـ«قوات الدعم السريع» مستشفى، مساء الجمعة. وأضافت على موقع «فيسبوك»: «أدى القصف الصاروخي إلى تدمير كامل لقسم الحوادث في المستشفى، ما تسبب في خروجه عن الخدمة كلياً».

من جانبه، قال حاكم ولاية شمال دارفور، الحافظ محمد بخيت، إن «القوات المسلحة السودانية والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح والمستنفرين دحروا الهجوم الذي شنته ميليشيا (الدعم السريع) على مدينة الفاشر».

واعتبر الحافظ محمد بخيت في بيان نشرته وكالة السودان للأنباء «سونا» أن «المعركة من أعنف المعارك التي دارت في الفاشر عاصمة الولاية، وتكبدت خلالها الميليشيا خسائر فادحة في الأرواح والآليات والمعدات العسكرية». وأضاف أن «محاولة إسقاط الفاشر مؤامرة من بعض دول الجوار التي تقدم أشكال الدعم كافة لميليشيا (قوات الدعم السريع) المتمردة».