«حقوق الإنسان» في ليبيا... ملف شائك يستتبع انتقادات دولية

سلطات بنغازي تتحدث عن حملاتٍ خارجيةٍ لـ«تشويه المؤسسات»

النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور (مكتب النائب العام)
النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور (مكتب النائب العام)
TT

«حقوق الإنسان» في ليبيا... ملف شائك يستتبع انتقادات دولية

النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور (مكتب النائب العام)
النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور (مكتب النائب العام)

تركت الفوضى الأمنية، التي عاشتها ليبيا منذ رحيل نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011 بصماتها على ملف حقوق الإنسان، في ظل شيوع حالة «إفلات للجناة من المحاسبة» تسعى النيابة العامة إلى التصدي لها.

وترصد منظمات وجمعيات حقوقية ليبية ارتكاب أفراد أمن وعناصر تشكيلات مسلحة «انتهاكات واسعة» بحق مواطنين ومهاجرين غير نظاميين، فيما تكشف النيابة العامة الليبية عن اضطلاعها بعديد القضايا الجنائية.

ويرى حقوقيون ليبيون متابعون لملف حقوق الإنسان أنه خلال العقد الماضي «تراكمت جرائم كثيرة لم يتم محاسبة مرتكبيها نظراً لانقسام البلاد سياسياً، وعدم وجود سلطة للدولة بالشكل المتعارف عليه».

ولا يزال العديد من سكان مدينة ترهونة، الواقعة غرب ليبيا، يطالبون السلطات الأمنية والقضائية بكشف مصير ذويهم «الذين اختفوا منذ سنوات دون معاقبة الجناة»، متهمين ميليشيا «الكانيات» بتصفيتهم.

وتقدّر منظمة محلية ودولية من بينها «هيومن رايتس ووتش» أن ما لا يقل عن 338 شخصاً اختطفوا أو أُبلغ عن فقدانهم خلال فترة سيطرة «الكانيات» على ترهونة التي استمرت 5 سنوات.

وتكونت ميليشيا «الكانيات» في ترهونة، وسيطرت عام 2015 على المدينة الواقعة على بعد نحو 80 كيلومتراً جنوب طرابلس ويزيد سكانها عن 40 ألف نسمة.

ويرى الباحث الليبي في قضايا حقوق الإنسان، محمود الطوير، أن عمليات الإخفاء القسري المنتشرة في ليبيا «قد ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، بموجب ما نص عليه القانون الدولي الإنساني والقانون الليبي».

وسبق للمحكمة الجنائية الدولية أن أصدرت في الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي مذكرات توقيف بحق 6 ليبيين يشتبه في انتمائهم لميليشيا «الكانيات» التي ارتكبت جرائم وحشية في مدينة ترهونة.

وقال المدعي العام للمحكمة كريم خان إن 3 من المشتبه بهم أعضاء بارزون في ميليشيا «الكانيات» التي سيطرت لسنوات على ترهونة وروعت سكانها، ولفت إلى أن الثلاثة الآخرين كانوا مرتبطين بالميليشيا ذاتها التي أعدمت معارضين لها بشكل منهجي وقتلت عائلاتهم بالكامل.

ومن بين المشتبه بهم عبد الرحيم الكاني، أحد الإخوة الذين قادوا الميليشيا التي كانت تجوب المدينة في استعراض للقوة، مستخدمة أيضاً أسدين مقيدين لبث الرعب في النفوس.

وفور انتهاء الحرب التي شنها «الجيش الوطني» على طرابلس العاصمة مطلع يونيو (حزيران) 2020، عثر المواطنون في ترهونة على مقابر، ضمت مئات الجثث من مختلف الأعمار، كما أظهرت مقاطع فيديو عمليات الكشف وانتشال عشرات الجثث لأشخاص، بعضهم مكبل اليدين، بينهم أطفال، من مواقع بصحراء ترهونة، وحاوية حديدية، وبئر معطلة بالقرب من ترهونة، الأمر الذي أحدث ردود فعل محلية ودولية واسعة.

وتنظر السلطات الحاكمة في ليبيا إلى الانتقادات الدولية لملف حقوق الانسان الشائك بحساسية شديدة، وتعدها في كثير من الأحيان «تدخلاً في شؤون البلاد».

الفريق المشكل من البرلمان لدرس تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (البرلمان)

وقال مجلس النواب الليبي إن رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس يوسف العقوري، التقى أعضاء الفريق المشكل من المجلس لدرس تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وإعداد الرد بهذا الشأن.

وفيما شدد العقوري، في تصريح نقله المتحدث باسم المجلس عبد الله بليحق، اليوم (الاثنين)، على عمل الفريق بالنظر لأهمية ملف حقوق الإنسان، وتحدث عن «وجود حملات دولية ممنهجة لتشويه صورة المؤسسات الليبية من خلال نشر تقارير غير موضوعية ومعلومات مبالغ فيها حول ليبيا».

ولم يحدد العقوري ملامح هذه الحملة ولا القائمين عليها، لكنه قال إن «هناك عدداً من الإشارات الإيجابية التي تتجاهلها التقارير الدولية مثل الاستثمار الوطني المتزايد في التنمية، واستقبال الأشقاء من السودان على الأراضي الليبية».

كما تحدث العقوري عن «معالجة أوضاع العديد من المهاجرين غير النظاميين، ومنحهم فرصة للعمل في البلاد»، لافتاً إلى الحملات الأمنية ضد مهربي البشر.

وانتهى العقوري متحدثاً عن دعم مجلس النواب لملف المصالحة الوطنية من خلال العمل على التشريعات ذات العلاقة ومساعدة القوات المسلحة للمتضررين من الكوارث الطبيعية ودعم الاستجابة الإنسانية للمهاجرين.

وفي تقريرها الأخير عن حقوق الإنسان في ليبيا، عدّت «رايتس ووتش» أن 2024 «عام مضطرب، قمعت فيه السلطتان المتنافستان في الشرق والغرب المنظمات غير الحكومية، كما تمادت الجماعات المسلحة والميليشيات في شرق ليبيا وغربها بارتكاب انتهاكات ضد الليبيين والمهاجرين بلا رادع». وهو التصريح الذي ترفضه السلطتان.

المهدي البرغثي وزير الدفاع في حكومة «الوفاق» الليبية السابقة (أرشيفية من وسائل إعلام ليبية)

وعلى الرغم من دفاع السلطة الحاكمة في ليبيا بوجود إصلاحات تتعلق بحقوق الإنسان، فإن هذا الملف لا يزال يجتذب انتقادات المنظمات والجهات الدولية، من بين ذلك مطالبة منظمة العفو الدولية للسلطات في شرق ليبيا بضرورة الإفصاح عن مصير ومكان وزير الدفاع الأسبق المهدي البرغثي و18 من أقاربه ومؤيديه، قالت إنهم خطفوا على أيدي مسلحين في مدينة بنغازي. وجاء تصريح المنظمة بمناسبة مرور عام على الاختفاء القسري لأولئك الأشخاص.

كان البرغثي قد انشق عن «الجيش الوطني»، الذي يقوده المشير خليفة حفتر، ليتولى حقيبة الدفاع في حكومة فائز السراج السابقة بالعاصمة طرابلس، وأمضى عدة سنوات بعيداً عن بنغازي، لكن فور عودته إليها مساء السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 محاطاً بعدد من المسلحين، اندلعت اشتباكات واسعة في المدينة مع قوات تابعة للجيش، واختفى على أثرها.

النائب الليبي المخطوف إبراهيم الدرسي (صفحته على «فيسبوك»)

ولم يتوقف الخطف على مدنيين من ترهونة، لكن تعدى ذلك إلى نواب برلمانيين، من بينهم النائب إبراهيم الدرسي، الذي اقتاده مجهولون من منزله في 17 من مايو (أيار) الماضي، ومن قبله النائبة سهام سرقيوة التي خُطفت من منزلها أيضاً ولم تظهر حتى الآن.

وتقول «منظمة رصد الجرائم في ليبيا» في تقريرها الشهري عن انتهاكات حقوق الإنسان، إن شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، شهد زيادة ملحوظة في انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم في جميع أنحاء ليبيا.

وأضافت أن الأجهزة الأمنية والعسكرية، إلى جانب الجماعات المسلحة، «واصلت ارتكاب الانتهاكات والجرائم ضد المدنيين، بينما أخفقت السلطات الليبية في الشرق والغرب في الوفاء بالتزاماتها باحترام حقوق الإنسان وحمايتها».

وقالت المنظمة إن فريقها الميداني وثّق 27 حالة حبس تعسفي في زليتن وطرابلس وبني وليد وصبراتة وترهونة والمرج وبنغازي. شملت هذه الاعتقالات مدنيين وقاصرين وصحافيين. وتعرضت بعض عائلات ومنازل الضحايا للاعتداء والتهديد والتخويف.

ويجرم القانون الليبي عمليات الخطف وجميع الممارسات المشابهة بالقانون رقم 10 بشأن تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز. وتقول البعثة الأممية إنها وثّقت حالات احتجاز ما لا يقل عن 60 فرداً بسبب انتمائهم السياسي الفعلي أو المُتصور. لكن يرجح أن يكون العدد الفعلي للأشخاص المحتجزين بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم السياسية أعلى بكثير.


مقالات ذات صلة

ليبيا: تجدد أزمة رئاسة «الأعلى للدولة» بعد تحرك قضائي

شمال افريقيا اجتماع المنفي مع لجنة متابعة أوضاع المعتقلين السياسيين (المجلس الرئاسي)

ليبيا: تجدد أزمة رئاسة «الأعلى للدولة» بعد تحرك قضائي

تجددت أزمة رئاسة المجلس الأعلى للدولة الليبي، بعدما أودعت محكمة استئناف جنوب طرابلس أسباب الحكم المستعجل، القاضي بوقف ما ترتب عن جلسة انتخاب مكتبه السياسي.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا اجتماع الدبيبة مع سفير ألمانيا في طرابلس (حكومة الوحدة)

الدبيبة يبحث التعاون مع ألمانيا في «الطاقة البديلة»

سيطر ملف «الطاقة البديلة» على لقاء رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، مع السفير الألماني الجديد رالف طراف لدى ليبيا.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا وفد الاتحاد الأفريقي بقيادة الرئيس الموريتاني في اجتماع مع «الرئاسي» بطرابلس (المجلس الرئاسي)

​«المصالحة الليبية»… مسار يعترضه الانقسام و«الحسابات الجهوية»

يعتقد أحد المعنيين بملف «المصالحة الوطنية» في ليبيا أن الحسابات الشخصية لغالبية ساسة البلاد تحول دون نجاحها وسط مساعٍ أفريقية لتحريك هذا المسار

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا خوري أمام مجلس الأمن الدولي (البعثة الأممية)

ليبيا: ترقّب لتدشين خوري «ملتقى الحوار السياسي»

عكست الإحاطة الأخيرة للمبعوثة الأممية إلى ليبيا بالإنابة ستيفاني خوري، نوعاً من الترقب لجهة إعلانها قريباً عن تدشين «ملتقى للحوار السياسي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا المنفي خلال لقائه الوفد الأفريقي (المجلس الرئاسي)

تركيا تجري مناورات بحرية بسواحل ليبيا... والدبيبة يعد بـ«إنجازات كبيرة»

أكد رئيس حكومة «الوحدة المؤقتة» في ليبيا، عبد الحميد الدبيبة، أن حكومته «تواصل السعي نحو تحقيق إنجازات كبيرة».

خالد محمود (القاهرة )

وزير الخارجية السوداني يعلن الاستعداد للتفاوض «سعياً للسلام»

أرشيفية لقوة من الجيش السوداني في أحد شوارع العاصمة الخرطوم (أ.ف.ب)
أرشيفية لقوة من الجيش السوداني في أحد شوارع العاصمة الخرطوم (أ.ف.ب)
TT

وزير الخارجية السوداني يعلن الاستعداد للتفاوض «سعياً للسلام»

أرشيفية لقوة من الجيش السوداني في أحد شوارع العاصمة الخرطوم (أ.ف.ب)
أرشيفية لقوة من الجيش السوداني في أحد شوارع العاصمة الخرطوم (أ.ف.ب)

أعلنت الحكومة السودانية استعدادها للتفاوض والجلوس مع أي جهة سعياً للسلام العادل، مشترطة في ذلك «الالتزام بأحكام منبر جدة، وتكوين حكومة مدنية متوافق عليها من الطيف السياسي كافة»، ونفت مجدداً قصف مقر سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في الخرطوم، وقالت إنها تملك «أدلة» على عدم تعرض المقر لاعتداء من قبلها.

وفي الأثناء، كثف الطيران الحربي التابع للجيش السوداني غاراته وطلعاته الجوية، ملحقاً خسائر فادحة بالمدنيين، بينما ازدادت هجمات قوات «الدعم السريع» في عدد من المناطق.

الوزير حسين عوض خلال مؤتمره الصحافي في بورتسودان (أ.ف.ب)

وقال وزير الخارجية المكلف حسين عوض في مؤتمر صحافي عقد بمدينة بورتسودان الاثنين: «إننا مستعدون للجلوس من أجل السلام، لكن شرطنا الوحيد، هو استصحاب ما توصلنا إليه في منبر جدة».

وأوضح الوزير أن حكومته «تملك الاستعداد للتواصل مع الشعب السوداني بأطيافه وأحزابه كافة، للوصول إلى رؤية واضحة تهيئ الأوضاع للمرحلة المقبلة، وتكوين حكومة مدنية برئاسة رئيس وزراء». وقال: «الحكومة راغبة في ذلك، وصولاً إلى تلاقي الأطراف السودانية السياسية والفئوية والقاعدة الجماهيرية كافة، على أن تكون الحكومة المؤقتة بر أمان يوصل إلى انتخابات تشريعية قومية، يختار فيها الشعب من يمثله، وستكون المؤسسة العسكرية هي الضامن لذلك».

وقال عوض: «سفارة الإمارات هي الوحيدة من بين المقرات الدبلوماسية التي لم تتعرض لها ميليشيا (الدعم السريع)، ولم يطالها تخريب ولا سرقة، كما حدث لبقية المقار الدبلوماسية على يد الميليشيا».

وتعهد الوزير بحماية بعثة دولة الإمارات العربية المتحدة الدبلوماسية في بورتسودان.

ميدانياً، ذكر شهود عيان أن الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، شن صباح الاثنين، غارة جوية على بلدة أبو حجار بولاية سنار، أدت لـ«مجزرة جديدة»، حصدت أرواح عشرات الأطفال والنساء وكبار السن، وفي الوقت ذاته، تواصلت هجمات قوات «الدعم السريع» على منطقة حجر العسل بولاية نهر النيل. واتهمت «لجان مقاومة حجر العسل»، قوات «الدعم السريع»، بارتكاب «سلسلة انتهاكات ضد المواطنين، بما في ذلك القتل والنهب».

ودعت المواطنين لإخلاء المنطقة، وقالت في نشرة على منصة «فيسبوك»: «بكل أسف وغصة وألم، ندعو مواطني وسط حجر العسل بالنزوح وإخلاء المنطقة فوراً».

وفي الخرطوم، تواصلت الاشتباكات في محور منطقة المقرن، دون أن يحقق أي من الطرفين اختراقاً كبيراً، وشهدت الحلفايا بمدينة بحري اشتباكات متقطعة يوم الأحد، تخللها قصف مدفعي متبادل، وحافظت قوات الطرفين على مواقعها دون تقدم يذكر.

ونقلت منصات على «فيسبوك»، أبرزها منصة «محمد خليفة» التي تتابع بدقة الأوضاع الميدانية، أن قوات سلاح المدرعات واستمراراً لتقدمها الأيام الماضية، وسعت مناطق سيطرتها في منطقة اللاماب جنوب الخرطوم.

ولم تحدث مواجهات كبيرة في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، بيد أن قوات «الدعم السريع» واصلت قصف معسكرات الفرقة السادسة التابعة للجيش، بينما واصل الطيران استهداف تجمعات «الدعم السريع» في أطراف المدينة، وعدد من المناطق في العاصمة والولايات.

وعادة يزعم كل من الجيش وقوات «الدعم السريع» استهداف تمركزات بعضهم، لكن «في الغالب» تسقط القنابل والمقذوفات على المواطنين المدنيين، وتحدث خسائر كبيرة في الأرواح والبنى المدنية.