ليبيا: إطالة مفاوضات أزمة «المركزي» تزيد الضغوط على سلطات طرابلس

وسط تخوفات من تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية

الإدارة الجديدة لمصرف ليبيا المركزي (المصرف)
الإدارة الجديدة لمصرف ليبيا المركزي (المصرف)
TT

ليبيا: إطالة مفاوضات أزمة «المركزي» تزيد الضغوط على سلطات طرابلس

الإدارة الجديدة لمصرف ليبيا المركزي (المصرف)
الإدارة الجديدة لمصرف ليبيا المركزي (المصرف)

رغم كثرة التحذيرات التي يطلقها خبراء بشأن تداعيات الصراع الراهن بين سلطتَي شرق ليبيا وغربها حول إدارة «المصرف المركزي»، تبرز تساؤلات حول أسباب إطالة أمد مفاوضات حل هذا الصراع، ومن هي أكثر الأطراف تضرراً.

ووفقاً لرؤية بعض المراقبين، فإن السلطة التنفيذية بطرابلس ممثلة بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، قد تكون هي وشريكها «المجلس الرئاسي» هما «الأكثر تضرراً»؛ نظراً لإلقاء قطاعات عديدة اللوم عليهما.

وكان «المجلس الرئاسي» عيّن محافظاً جديداً للمصرف، بدلاً من المحافظ الصديق الكبير، في إجراء وُصف بـ«التجاوز الواضح» لصلاحيات كل من مجلسَي النواب و«الأعلى للدولة»، مما دفع بسلطات شرق ليبيا إلى إغلاق النفط.

ويشير المحلل السياسي الليبي محمد محفوظ، إلى أن الأوساط الشعبية قد تحمّل جانباً كبيراً من المسؤولية لحكومة الدبيبة و«الرئاسي»؛ لكونهما من استهل التصعيد منذ البداية، و«بالتالي فعليهما تحمّل النتائج».

وسلط محفوظ في تصريح لـ«الشرق الأوسط» الضوء على التصريحات الأخيرة للكبير التي أكد فيها «توقف البنوك العالمية عن التعامل مع المصرف المركزي الليبي، مما يعني توقف دخول العملة الأجنبية للبلاد وانحصار الموجود منها بما يتم تداوله بالسوق الموازية، ما يؤدي إلى شلل حركة النظام المالي بين ليبيا وشركائها الدوليين».

ويرى محفوظ أن ذلك يؤدي إلى «تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ما يضع حكومة الدبيبة في مأزق مع قطاعات عدة بالشارع»، وقال: «المواطن بات غير مبالٍ بصراع الأفرقاء على السلطة، ولكنه مترقب للغاية إذا لامست هذه الصراعات قدرته على تأمين قوت يومه ومعيشته، وهو يعاني منذ شهور من أزمة سيولة».

الكبير في اجتماع سابق للمصرف المركزي (إدارة المصرف في طرابلس)

ورغم الصورة المتفائلة التي يحاول مجلس إدارة المصرف الذي عيّنه «المجلس الرئاسي» تصديرها للرأي العام المحلي، بأن الأوضاع «تحت السيطرة»، يشير كثير من الخبراء إلى احتمالية مواجهة البلاد مشاكل اقتصادية غير هينة. ويرجع ذلك إلى عدم قدرة هذا المجلس على الوصول للاحتياطات الخاصة الموجودة ببنوك خارجية، فضلاً عن توقف النفط في المنطقة الشرقية الذي يمثل نحو ثلثَي الإنتاج العام.

ويرى محفوظ أن إطالة أمد المفاوضات حول أزمة «المصرف المركزي» لا تستهدف إزاحة حكومة الدبيبة، بقدر ما تعبر عن «صعوبة التوافق بين الأفرقاء».

ووفقاً لرؤيته، فإن «التنازع في قضية (المركزي)؛ المؤسسة المالية الكبرى بالبلاد، يعد بمثابة معركة كسر عظم وقياس للأوزان بين الأطراف التي تتفاوض بشكل غير معلن عليها، والجميع لا يريد الخروج منها خاسراً».

من جهته، يتهم الباحث بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة، جلال حرشاوي، أطراف الأزمة الليبية بـ«بعض المماطلة»، وقال عبر حسابه بمنصة «إكس» إن بعض اللاعبين يدركون أن «مرور الوقت من دون تحقيق تقدم قد لا يكون أمراً سيئاً بالنسبة لهم، ولديهم من الأسباب ما يجعلهم يفترضون أن الشعب سوف يلقي اللوم على الدبيبة وليس عليهم بشأن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة».

ويشير إلى أنهم «يفترضون أنه مع تفاقم الصعوبات، فإن طرابلس سوف تعاني أكثر من بنغازي. هم يهدفون لاستغلال الأمر عبر عدم المساعدة في حل أزمة (المركزي) لتقويض صورة الدبيبة ومكانته». وهذه الاتهامات من حرشاوي سبق أن ردت عليها السلطات في شرق ليبيا بأن «الرئاسي» منح لنفسه صلاحيات ليست له.

وعلى الرغم من رعاية البعثة الأممية للمفاوضات بين مجلس النواب و«الأعلى للدولة» من جهة، والمجلس الرئاسي من جهة ثانية، خلال الأسبوعين الماضيين، فإنه لم يتم التوصل لأي اتفاق نهائي لحسم إدارة المصرف.

أما رئيس حزب «التجمع الوطني الديمقراطي» الليبي، أسعد زهيو، فيرى أن «أزمة المصرف المركزي قد تشكل طريقاً يؤدي لإطلاق حوار سياسي يدفع لتشكيل حكومة جديدة بديلة لحكومتَي الدبيبة وأسامة حماد».

ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «عدم اتفاق مجلسَي النواب و(الأعلى للدولة) على قرار بشأن المصرف، أمر طبيعي يتلاءم مع عدم توافقهما خلال السنوات الماضية».

وقلّل زهيو من احتمال وجود «توترات شعبية جراء الوضع الاقتصادي»، لافتاً إلى «حرص إدارة المصرف الجديدة على صرف الرواتب في موعدها».

وانتهى إلى أن إطلاق البعثة الأممية لحوار سياسي «سوف يقطع الطريق على استمرار انفراد مجلسَي النواب و(الأعلى للدولة) في حسم كثير من الملفات، وحينها قد يؤدي هذا لحكومة جديدة».

ووفقاً لوسائل إعلام محلية، فقد قدمت لجنة الاقتصاد في مجلس النواب، لكل من البعثة الأممية وسفراء والمؤسسات المالية الدولية، مقترحاً يتضمن ثماني خطوات لحل الأزمة، من بينها «عودة المحافظ الكبير ونائبه مرعي البرعصي، واستئناف إنتاج وتصدير النفط الخام، وتشكيل حكومة موحدة».


مقالات ذات صلة

هل يعمّق تنقيب تركيا عن النفط الخلافات الليبية الداخلية؟

شمال افريقيا خطوط الأنابيب ورصيف التحميل بميناء مرسى الحريقة النفطي في مدينة طبرق شرق طرابلس بليبيا (رويترز)

هل يعمّق تنقيب تركيا عن النفط الخلافات الليبية الداخلية؟

أعاد حديث وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، بشأن تلقي بلده عرضاً للتنقيب عن الطاقة من سلطات طرابلس قبالة سواحل ليبيا، الجدل ثانية، وطرح تساؤلات عدة.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جسر جوي خصصه «الجيش الوطني» الليبي لنقل مساعدات إلى مناطق السيول بجنوب البلاد (القوات البرية)

سلطات ليبيا المنقسمة لاحتواء تداعيات السيول بالجنوب

وسط غياب التنسيق بينها، تعمل السلطات الليبية على تقديم المساعدات العاجلة لسكان المناطق المنكوبة بالسيول جراء الأمطار الغزيرة في جنوب البلاد.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا سوء طقس الصيف «يراوغ» ليبيا... وجنوبها الأكثر تضرراً

سوء طقس الصيف «يراوغ» ليبيا... وجنوبها الأكثر تضرراً

تداهم موجات من الطقس السيئ ليبيا منذ بدايات أشهر الصيف، مخلفة آثاراً تدميرية بفعل الأمطار الغزيرة والسيول التي توصف بأنها «غير مسبوقة»، خصوصاً على مدن الجنوب.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وزير الخارجية التونسي خلال اجتماعه مع القائمة بأعمال رئيس البعثة الأممية في ليبيا (وزير الخارجية التونسي)

«المركزي» الليبي يعلن «تصفير» الدين العام... والمحافظ السابق يدّعي عودته

ادّعى المحافظ السابق لمصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، أنه «متأكد من رجوعه مجدّداً إلى ممارسة عمله في المصرف».

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا موسى المقريف وزير التربية بحكومة الوحدة الوطنية الليبية المؤقتة (الوزارة)

ليبيا تستعد للعام الدراسي وسط تحديات اقتصادية وسياسية

ينطلق العام الدراسي الجديد بليبيا في 17 سبتمبر (أيلول) الحالي، وسط تحديات سياسية واقتصادية تعاني منها البلاد، وشكاوى مواطنين من ارتفاع أسعار السلع.

جاكلين زاهر (القاهرة)

مسؤولة الشؤون الإنسانية في السودان: القتال في الفاشر يجب أن يتوقف

المنسقة المقيمة للشؤون الإنسانية في السودان كليمنتاين نكويتا سلامي (مواقع التواصل)
المنسقة المقيمة للشؤون الإنسانية في السودان كليمنتاين نكويتا سلامي (مواقع التواصل)
TT

مسؤولة الشؤون الإنسانية في السودان: القتال في الفاشر يجب أن يتوقف

المنسقة المقيمة للشؤون الإنسانية في السودان كليمنتاين نكويتا سلامي (مواقع التواصل)
المنسقة المقيمة للشؤون الإنسانية في السودان كليمنتاين نكويتا سلامي (مواقع التواصل)

أعربت المنسقة المقيمة للشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتاين نكويتا سلامي، عن «حزنها العميق» إزاء العنف المسلح المستمر والدمار بمدينة الفاشر في شمال دارفور، إثر تجدد الاشتباكات العنيفة والقصف المدفعي بين الأطراف المتحاربة داخل المدينة.

وقالت في بيان الاثنين إن «هذا أمر مفجع ويجب أن يتوقف».

وأضافت: «لا يوجد عذرٌ للهجمات المباشرة على المدنيين وأصولهم والمرافق الأساسية مثل المستشفيات، يجب على أطراف النزاع الامتناع عن استهداف المدينة».

دخان كثيف يتصاعد في مدينة الفاشر بإقليم دارفور إثر معارك سابقة بين الجيش و«الدعم السريع» (أرشيفية - د.ب.أ)

ووفقاً للمسؤولة الأممية، فإن التقارير الأولية «تشير إلى تصاعد القتال على نطاق واسع في مدينة الفاشر، ما يهدد حياة الآلاف من الأشخاص، خصوصاً في مخيمات النازحين داخلياً، كما تأثرت المرافق الصحية، ولم يتم تحديد عدد الضحايا المدنيين بعد».

ووفق البيان، فإن النزاع المستمر «يدمر الأرواح وسبل العيش والبنية الأساسية في الفاشر التي تعد موطناً لمئات الآلاف من النازحين داخلياً المعرضين لخطر المجاعة، بما في ذلك بمخيم زمزم حيث تم تأكيد المجاعة».

وقالت منسقة الشؤون الإنسانية «إن الصراع المستمر دمر نظام الصحة العامة في السودان، ما ترك أكثر من 5 ملايين شخص بدون إمكانية الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية... تُظهر هذه الهجمات المشينة عدم جدوى العنف المسلح في الفاشر»، وحضت «جميع أطراف النزاع على الوفاء بالتزاماتها تجاه القانون الإنساني الدولي، وضمان حماية المدنيين من الأذى، ووقف الهجمات في الفاشر التي تنتهك كل مبدأ إنساني».

ولليوم الثالث على التوالي تتواصل المعارك العنيفة بين الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه، وقوات «الدعم السريع»، في الفاشر، عاصمة ولاية شمال، وسط أنباء خسائر كبيرة في صفوف الأطراف المتحاربة.

والفاشر هي المدينة الوحيدة في ولايات دارفور الخمس التي لم تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» رغم محاصرتها منذ مايو (أيار).

ومن جهة ثانية قالت منصات إعلامية موالية لـ«قوات الدعم السريع»، إن الطيران الحربي للجيش السوداني شن الاثنين غارات جوية مكثفة على مدينة نيالا في ولاية جنوب دارفور، أدت إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين.

ووفقاً للأمم المتحدة وشركاء العمل الإنساني في السودان، فقد قتل أكثر من 188 ألف شخص، وأصيب أكثر من 33 ألفاً منذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في أبريل (نيسان) 2023.