هل يعمّق تنقيب تركيا عن النفط الخلافات الليبية الداخلية؟

بعد إعلان تلقيها عرضاً من حكومة طرابلس لاستكشافات جديدة

خطوط الأنابيب ورصيف التحميل بميناء مرسى الحريقة النفطي في مدينة طبرق شرق طرابلس بليبيا (رويترز)
خطوط الأنابيب ورصيف التحميل بميناء مرسى الحريقة النفطي في مدينة طبرق شرق طرابلس بليبيا (رويترز)
TT

هل يعمّق تنقيب تركيا عن النفط الخلافات الليبية الداخلية؟

خطوط الأنابيب ورصيف التحميل بميناء مرسى الحريقة النفطي في مدينة طبرق شرق طرابلس بليبيا (رويترز)
خطوط الأنابيب ورصيف التحميل بميناء مرسى الحريقة النفطي في مدينة طبرق شرق طرابلس بليبيا (رويترز)

دفع حديث تركي يتعلق بالتنقيب عن النفط الليبي بالبحر المتوسط، هذا الملف إلى واجهة الأحداث في البلد المنقسم سياسياً، يأتي ذلك في ظل سعي أنقرة والقاهرة لإعادة تشغيل النفط المُعطل.

وسبق لوزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، القول الأسبوع الماضي، إن أنقرة «مهتمة» بعرض من طرابلس للتنقيب عن الطاقة قبالة سواحل ليبيا، الأمر الذي يجدد التساؤل حول موقف جبهة شرق البلاد، التي سبق أن عارضت هذا التوجه.

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ورئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة أبريل 2021 (إ.ب.أ)

وأبرمت سلطات طرابلس مع أنقرة اتفاقية لترسيم الحدود البحرية في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2019، أثارت حينها خلافاً مع مصر واليونان. وفي 2022، وقعت أنقرة وطرابلس اتفاقاً مبدئياً بشأن استكشاف الطاقة، وقبول ذلك بمعارضة من القاهرة وأثينا أيضاً.

وفي أول رد فعل على تصريحات الوزير التركي، قال ميلود الأسود، عضو لجنة الطاقة بمجلس النواب الليبي، إن «استخدام الموارد الوطنية، خصوصاً النفط، ورقة سياسية لصالح أي طرف من أجل البقاء في السلطة أو الحصول على الدعم الدولي، أمر مرفوض قطعاً».

ومن دون أن يأتي النائب البرلماني، على ذكر سلطات طرابلس، التي أبرمت الاتفاق السابق، قال في حديث إلى «الشرق الأوسط» الاثنين، إن ليبيا «بحاجة إلى الخبرات العالمية في مجال التنقيب عن النفط والغاز براً وبحراً، وبحاجة إلى تطوير مواردها النفطية والرفع من الطاقة الإنتاجية»، لكنه شدد على «عدم الإخلال بالقوانين، مع ضرورة تحقيق مصلحة ليبيا».

ميلود الأسود عضو لجنة الطاقة بمجلس النواب الليبي (الشرق الأوسط)

وتتنافس حكومتان على السلطة في ليبيا راهناً؛ الأولى هي «الوحدة» التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة، والثانية يقودها أسامة حمّاد بشرق ليبيا. ويسود خلاف بينهما بشأن «إبرام الصفقات» من دون موافقة مجلس النواب. وينظر إلى هذا الإعلان التركي بشأن التنقيب على أنه قد «يزيد الخلاف» بين جبهتي شرق ليبيا وغربها، علماً بأن غالبية الحقوق النفطية مغلقة إثر صراع على إدارة «المصرف المركزي».

وهنا، يربط سياسي مقرب من حكومة شرق ليبيا، تصريح الوزير التركي بالتقارب الحاصل بين أنقرة والقاهرة، وتُرجم ذلك مؤخراً بتبادل الزيارات الرسمية بين الرئيسين رجب طيب إردوغان، وعبد الفتاح السيسي، مذكراً باعتراض مصر السابق على توقيع طرابلس وأنقرة اتفاقية لترسيم الحدود البحرية.

ويرى السياسي الليبي - الذي رفض ذكر اسمه، أن «التوافقات السياسية بين الجانبين احتوت مثل هذه الخلافات في إطار المصالح المشتركة بينهما»، لكنه لمح إلى رفض حكومة حمّاد «أي اتفاقيات أو قرارات تتخذها سلطات طرابلس بعيداً عن البرلمان تتيح لتركيا التنقيب عن النفط في ليبيا».

حقل «الشرارة» النفطي في جنوب ليبيا (الاتحاد العام لعمال النفط والغاز)

وأمام ما تعانيه ليبيا من انقسام سياسي وعدم وجود سلطة موحدة، يرى عضو لجنة الطاقة البرلمانية أن الظروف السياسية والأمنية التي تمر بها بلاده «جعلتها في موقف تفاوضي ضعيف أمام شركات عالمية»، كما تحدث عن دول «تسعى بكل جهدها لاستغلال هذا الوضع للحصول على عقود طويلة الأجل بشروط هزيلة لا تحقق مصلحة ليبيا»، دون إشارة إلى تلك الدول.

وتابع: «لهذا السبب، أصدر مجلس النواب القرار رقم (15) لسنة 2023 بمنع المساس بالثروات السيادية إلى حين انتخاب حكومة من الشعب الليبي».

وسبق للرئيس التركي القول في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، إن بلاده ستبدأ استكشاف النفط والغاز في المياه الليبية، بموجب مذكرة تفاهم تم توقيعها مع رئيس حكومة «الوفاق الوطني» السابقة، برئاسة فائز السراج في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.

وكانت تركيا ومصر على جانبين متعارضين في الحرب التي شنها «الجيش الوطني» على طرابلس عام 2019، لكن تركيا زادت مؤخراً اتصالاتها مع سلطات بنغازي، وتسعى إلى إعادة تشغيل قنصليتها المغلقة هناك.

ويتوقع الدكتور صقر الجيباني أستاذ الاقتصاد في جامعة درنة، أن ينعكس التقارب المصري - التركي «إيجابياً» على الأوضاع السياسية والاقتصادية بليبيا، «في ظل ما نسمع به من صفقات» في مجال النفط، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن هذه التفاهمات «سيكون لها مردود على العلاقات الداخلية الإقليمية، على عكس التوتر الذي كان سائداً بينهما».

وكان الاتفاق البحري السابق الموقع بين طرابلس وأنقرة أكد حقوق الأخيرة في مناطق واسعة بشرق البحر المتوسط، الأمر الذي أثار حينها استياء اليونان والاتحاد الأوروبي أيضاً.

وتطرق الأسود إلى «التعاقدات المباشرة» في مجال النفط، وذهب إلى أنها «سياسة انتهجتها المؤسسة الوطنية للنفط بضغوط من حكومة الدبيبة».

ويرى أنه «إذا كانت هناك حاجة للتطوير النفطي أو الغازي، فالأولى أن يكون بعطاء مفتوح وفق القوانين؛ ولو كانت هناك ضرورة لعطاء مباشرة في حالة محددة، فعلى المؤسسة مخاطبة مجلس النواب لتوضيح الأمر لتحصل على استثناء من قرار المنع».

وتسببت النزاعات حول التنقيب عن الطاقة في توتر العلاقات بين أنقرة وأثينا والاتحاد الأوروبي، لكن العلاقات تحسنت في السنوات القليلة الماضية مع انحسار التوتر.

ليبيون غاضبون يغلقون حقل «108» النفطي في منتصف يوليو 2023 (جهاز حرس المنشآت النفطية بالجنوب الشرقي)

وانتهى عضو لجنة الطاقة إلى أن مجلسه «لن يكون ضد مصلحة ليبيا، شرط أن تكون العقود مدروسة وعادلة وتحقق مصلحة ليبيا».

ويشار إلى أن تركيا ومصر تسعيان راهناً للضغط على حكومتي «الوحدة الوطنية» المؤقتة، والمكلفة من مجلس النواب، للتوصل إلى اتفاق ينهي حصار تصدير النفط في ليبيا، وفق وكالة «بلومبرغ» الاقتصادية.

وأقدمت حكومة حمّاد على وقف إنتاج وتصدير النفط الليبي، رداً على تعيين «المجلس الرئاسي» بقيادة محمد المنفي، إدارة ومحافظ جديدين لـ«المصرف المركزي» خلفاً للصديق الكبير وإدارته.


مقالات ذات صلة

لبنان يردّ على ليبيا: إطلاق هنيبعل القذافي مشروط بكشف مصير موسى الصدر

المشرق العربي هنيبعل القذافي خلال احتفال في الذكرى الـ40 لـ«الثورة الليبية» في 2 سبتمبر 2009 (أ.ف.ب)

لبنان يردّ على ليبيا: إطلاق هنيبعل القذافي مشروط بكشف مصير موسى الصدر

رفض القضاء اللبناني التعاون مع الجانب الليبي فيما يخصّ توقيف هنيبعل معمّر القذافي ما لم تسلّم السلطات الليبية المعلومات الكافية في قضية موسى الصدر.

يوسف دياب (بيروت)
شمال افريقيا وصول قوات الجيش الوطني الليبي إلى منفذ الحدود مع تشاد (الجيش)

الجيش الليبي يعزز وجوده قرب الحدود مع تشاد

عزز «الجيش الوطني» الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر من وجوده قرب الحدود مع تشاد، فيما أعلنت قوات تابعة لـ«حكومة الوحدة» المؤقتة أنها بصدد تنفيذ «مناورة عسكرية».

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا الدبيبة خلال مشاركته في «منتدى الشباب» بطرابلس (حكومة الوحدة)

خلاف بين «الوحدة» الليبية و«جهاز الردع» بشأن ملف المعتقلين

تصاعدت الخلافات العلنية بين حكومة الوحدة الليبية «المؤقتة» و«جهاز الردع» بشأن أوضاع المحتجزين في سجون العاصمة طرابلس.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا مهاجرون غير شرعيين بعد ضبطهم على ساحل مدينة القرة بوللي الليبية (وزارة الداخلية الليبية) play-circle

سياسيون يستهجنون «ضغوطاً أوروبية» على ليبيا في ملف «الهجرة»

استهجن سياسيون ليبيون ما عدّوها «ضغوطاً أوروبية» تُمارس على بلادهم تحت ذريعة ارتفاع معدلات تدفقات الهجرة غير النظامية

علاء حموده (القاهرة)
شمال افريقيا أسامة حماد (المكتب الإعلامي لحكومة شرق ليبيا)

بنغازي تلغي على المطار زيارة وزراء داخلية إيطاليا واليونان ومالطا

أبلغت حكومة شرق ليبيا وفداً وزارياً أوروبياً عقب وصوله إلى «مطار بنينا الدولي» بمدينة بنغازي «بضرورة مغادرة الأراضي الليبية فوراً، باعتباره غير مرغوب فيه».

جمال جوهر (القاهرة)

مصر تبحث مع 7 دول عربية جهود وقف إطلاق النار في غزة

الدخان يتصاعد إثر غارة جوية إسرائيلية على شمال قطاع غزة (إ.ب.أ)
الدخان يتصاعد إثر غارة جوية إسرائيلية على شمال قطاع غزة (إ.ب.أ)
TT

مصر تبحث مع 7 دول عربية جهود وقف إطلاق النار في غزة

الدخان يتصاعد إثر غارة جوية إسرائيلية على شمال قطاع غزة (إ.ب.أ)
الدخان يتصاعد إثر غارة جوية إسرائيلية على شمال قطاع غزة (إ.ب.أ)

قالت وزارة الخارجية المصرية اليوم (الخميس)، إن وزير الخارجية بدر عبد العاطي بحث في اتصالات هاتفية مع نظرائه في 7 دول عربية جهود وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وأضافت الخارجية المصرية في بيان، أن الاتصالات الهاتفية مع وزراء خارجية قطر والأردن والبحرين والجزائر وعمان والكويت والمغرب، تناولت أيضاً الترتيبات الخاصة باستضافة مصر مؤتمر التعافي المبكر وإعادة الإعمار في غزة فور التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.

وأعلنت حركة «حماس» أمس (الأربعاء)، موافقتها على إطلاق سراح عشرة أسرى في بادرة تهدف إلى إنجاح المساعي الجارية بوساطة مصر وقطر والولايات المتحدة للوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.

وتسببت الحرب الإسرائيلية على غزة في مقتل نحو 60 ألف فلسطيني منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، حسب بيانات وزارة الصحة في القطاع، فضلاً عن آلاف الجثث التي يُعتقد أنها ما زالت تحت أنقاض المباني المدمَّرة في القطاع الذي سوَّت إسرائيل معظمه بالأرض.

واندلعت الحرب بعد هجوم شنته «حماس» على جنوب إسرائيل، مما أسفر عن مقتل 1200 وأسر أكثر من 250 رهينة، حسب الإحصاءات الإسرائيلية.