«تحالف السلام» في السودان... هل يصبح مقدمة لتدخل عسكري؟

خبراء يشيرون إلى فرضية استخدام «الفصل السابع» من ميثاق الأمم المتحدة

صورة نشرها الموفد الأميركي في «فيسبوك» لجلسة من المفاوضات حول السودان في جنيف (الشرق الأوسط)
صورة نشرها الموفد الأميركي في «فيسبوك» لجلسة من المفاوضات حول السودان في جنيف (الشرق الأوسط)
TT

«تحالف السلام» في السودان... هل يصبح مقدمة لتدخل عسكري؟

صورة نشرها الموفد الأميركي في «فيسبوك» لجلسة من المفاوضات حول السودان في جنيف (الشرق الأوسط)
صورة نشرها الموفد الأميركي في «فيسبوك» لجلسة من المفاوضات حول السودان في جنيف (الشرق الأوسط)

انفضّت مباحثات جنيف الخاصة بوقف الحرب في السودان، دون أن تشفي أشواق السودانيين المُلحة لوقف الاقتتال واستعادة حياتهم التي تسرّبت من بين أيديهم فجر 15 أبريل (نيسان) من العام الماضي. ورغم ذلك، فقد تركت محادثات جنيف ضوءاً خافتاً تمثَّل في الاتفاق على إيصال المساعدات الإنسانية عبر منفذين. كما أعلنت عن بديل أطلقت عليه «التحالف الدولي من أجل السلام وإنقاذ الأرواح في السودان»، وتركته غامضاً لم ترسم له دوراً واضحاً، أو تُحدد آليات عمله، أو ماذا سيقدِّم للسودانيين الذين دمرت الحرب حياتهم.

وفي بيانهم الختامي، أقر أعضاء منبر جنيف تشكيل تحالف لإنهاء الحرب في السودان، يضم كلاً من الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.

واكتفى المؤتمرون بالقول إن التحالف الجديد سيعمل مع المجتمع الدولي لإقرار إجراءات أكبر لإنقاذ الأرواح والسعي لتحقيق السلام في السودان، ووضع قواعد سلوك جديدة للأطراف المتحاربة، والالتزام بمواصلة العمل على حماية المدنيين، والامتثال للالتزامات السابقة، دون توضيح كيفية التوصل لآليات تنفيذ هذه الأهداف.

ودفع تمسك الجيش السوداني وحلفائه باستمرار القتال -مواطنين وقادة سياسيين- للمطالبة بحظر الطيران، خصوصاً مع سقوط عدد من المدن والحاميات العسكرية في يد «قوات الدعم السريع»، واحتمالات تصعيد جديد للقتال، ما قد يترتب عليه مزيداً من الأضرار الجسيمة التي تلحق بالمدنيين.

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري بمناسبة يوم الجيش في القضارف 14 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

تسليح المدنيين

وطالب أكثر من 60 تجمعاً مدنياً وسياسياً، يغلب عليها الطابع النسوي، في بيان منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، بالوقف الفوري لتسليح المواطنين، وفرض حظر على طيران الجيش، ووقف استخدام البراميل المتفجرة، وممارسة الضغوط على الطرفين لإنهاء الصراع، وإدخال قوات أممية للمراقبة وحماية المدنيين، وفي حال رفْض الطرفين وقف القتال، يتم فرض عقوبات عليهما وإحالة جرائمهما لمحكمة الجنايات الدولية.

بيد أن محللين سياسيين رأوا في إعلان التحالف الدولي «بذرة تحول لتحالف عسكري»، أمام صعوبة اتخاذ قرار دولي من مجلس الأمن، في ظل الانقسام الحاد بين أطراف المجتمع الدولي والدول دائمة العضوية في المجلس.

وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي والمحامي حاتم إلياس لـ«الشرق الأوسط»، إن التحالف يستند إلى شرعية أممية قديمة، وهي «التدخل لأغراض إنسانية» التي أعيد طرحها بقوة إبان فترة قيادة كوفي عنان للأمم المتحدة، الذي دعا حينها إلى تبني الأمم المتحدة فكرة «التدخل لأغراض إنسانية وحماية المدنيين، وهو من المفاهيم القديمة في القانون الدولي الذي ارتبط بالتدخل في المستعمرات التركية لحماية الأقليات المسيحية».

ووفقاً لحاتم إلياس، فإن هذا المفهوم يثير جدلاً تاريخياً بين فقهاء القانون الدولي حول ما إذا كان هذا المبدأ بدعة قانونية أم أنه يتسق مع ميثاق الأمم المتحدة. ويرى إلياس في التحالف المذكور أكثر من مجرد تحالف سياسي، بل هو «في الواقع تحالف يعد العدة لتنفيذ مفهوم التدخل العسكري في السودان لأغراض إنسانية وحماية المدنيين. لكن هذا لا يعني أن الأمر سيجري مباشرة بل بعد عدة ترتيبات، واعتقد أن القرار سيكون من داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، لأن وجود روسيا والصين قد يعطل أي قرار في مجلس الأمن».

وأضاف أن «واقع الأمر يوضح أن الفاعلين الدوليين وأعضاء التحالف والمهتمين بقضايا السلام والأمن في السودان والإقليم، يرون أن الحكومة في بورتسودان فاقدة لأي استقلالية تمنحها قدرة اتخاذ القرار في اتجاه تحقيق السلام، والسبب في هذه المسألة أنها مشلولة بـ(فيتو إسلامي كارثي)، يعيق قدرتها على اتخاذ القرار بشكل مستقل عن سلطة التنظيم الإسلامي».

وتابع إلياس: «أن التحالف يمكن أن يفهم منه أن المجموعة التي تكوّنه، وصلت إلى طريق مسدودة في قضية السلام في السودان، وتريد أن تتخذ قرارها بنفسها لإنقاذ الشعب السوداني الذي تحاصره المجاعة والكوارث، وتقليل مخاطر تهديد حرب السودان لاستقرار الإقليم أيضاً».

لكن تجارب التدخل العسكري خارج مظلة مجلس الأمن، كما حدث في «تحالف الراغبين» الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق، و«التحالف الدولي العسكري» الذي قادته دول حلف «الناتو» في ليبيا، كانت نتائجها كارثية على العراق وليبيا، ولا تزال نتائجهما تؤثر على واقع الدولتين إلى اليوم.

«وسطاء جنيف» قالوا إن غياب الجيش السوداني أعاق محاولات وقف إطلاق النار (إ.ب.أ)

«الفصل السابع»

بيد أن المحلل السياسي، الجميل الفاضل، يرى في تصريح المبعوث الأميركي، توم بيرلليو، خلال مؤتمره الصحافي يوم الجمعة، أن دول التحالف لا ترغب في عودة الإسلاميين إلى الحكم في السودان، كما لا ترغب في وجود «قوات الدعم السريع»، وهذا ربما يكون «مقدمة لتدخل عسكري استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن تحقيق هذا الهدف بعد فشل المفاوضات لن يتم إلا بالقوة، إذ لم يعد أمام التحالف إلا استخدام القوة، لا سيما أن غايته في انسياب المساعدات واجهت ردّاً بقصف عسكري مباشر في دارفور، وهذه رسالة لمن يريدون إيصال المساعدات الإنسانية عبر إقليم دارفور».

وأشار الفاضل إلى أن «سيطرة الحركة الإسلامية على قيادة الجيش أقفلت المنافذ أمام التحالف الدولي لتحقيق أهدافه، ما يجعل الطريق الوحيدة أمامه فرض هذه الأهداف بالقوة».

وأضاف أن «مفاوضات جنيف ربما هي الفرصة الأخيرة، وأتوقع الانتقال للخطة (ب) التي جرى ترتيبها عبر مجلس السلم والأمن الأفريقي. وستكون المهمة هي القضاء على نظام الأمر الواقع الذي بدأ يهدد بعلاقته بروسيا وتعزيز علاقته مع إيران».

وقال رئيس حزب «المؤتمر السوداني» والقيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» عمر الدقير، في تغريدة على منصة «فيسبوك»، إن فشل المباحثات التي استمرت 10 أيام في جنيف يعني التحسب لاحتمال اشتداد المواجهات العسكرية.


مقالات ذات صلة

البرهان يؤكد عدم المشاركة في محادثات جنيف: «سنحارب مائة عام»

شمال افريقيا قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (قناة مجلس السيادة الانتقالي عبر «تلغرام»)

البرهان يؤكد عدم المشاركة في محادثات جنيف: «سنحارب مائة عام»

أكد قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، عدم المشاركة في محادثات التي جرت في سويسرا برعاية أميركية لوقف الحرب في السودان.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)
شمال افريقيا محمد حمدان دقلو «حميدتي» (رويترز)

حميدتي يتعهّد بتنفيذ مخرجات جنيف

أكد قائد «قوات الدعم السريع»، الفريق محمد حمدان دقلو «حميدتي»، التزامه الكامل بتعهداته في محادثات سويسرا، وعلى رأسها الاستجابة لتسهيل تقديم المساعدات الإنسانية.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
الخليج علَم الإمارات (رويترز)

الإمارات: الوضع الإنساني بالسودان خرج عن مستوى التحمّل

قالت لانا نسيبة، مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية في الإمارات: «إن الوضع الإنساني في السودان خرج عن مستوى التحمّل، وإن الحاجة هائلة إلى المساعدات الإنسانية…

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
شمال افريقيا المبعوث الأميركي توم بيريللو (وسط) مع ممثلين للدول والمنظمات المشاركة في محادثات جنيف خلال مؤتمر صحافي في ختام الجلسات (إ.ب.أ)

«شركاء جنيف»: غياب الجيش السوداني أعاق محاولات وقف النار

عبّر الشركاء الدوليون في محادثات جنيف لمناقشة الوضع في السودان، عن أسفهم لغياب وفد الجيش السوداني عن المحادثات، ما أعاق محاولات وقف النار.

شمال افريقيا نازحون سودانيون من بلدة سنجة يصطفون في طوابير للحصول على حصص غذائية في مخيمهم المؤقت في مدينة القضارف بشرق السودان (أ.ف.ب)

السودان: طرفا الحرب يوافقان على توفير ممرين آمنين للمساعدات

وافق الجيش وقوات الدعم السريع في السودان على توفير ممرين آمنين للمساعدات الإنسانية للتخفيف من تداعيات الحرب الدائرة بينهما منذ نحو عام ونصف عام.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

البرهان يؤكد عدم المشاركة في محادثات جنيف: «سنحارب مائة عام»

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (قناة مجلس السيادة الانتقالي عبر «تلغرام»)
قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (قناة مجلس السيادة الانتقالي عبر «تلغرام»)
TT

البرهان يؤكد عدم المشاركة في محادثات جنيف: «سنحارب مائة عام»

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (قناة مجلس السيادة الانتقالي عبر «تلغرام»)
قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (قناة مجلس السيادة الانتقالي عبر «تلغرام»)

أكد قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، السبت، عدم المشاركة في المحادثات التي جرت في سويسرا برعاية أميركية لوقف الحرب في السودان.

وقال البرهان، في لقاء مع صحافيين في مدينة بورتسودان في شمال البلاد، بينهم مراسل «وكالة الصحافة الفرنسية»: «لن نذهب إلى جنيف وليس لنا علاقة بها».

وأضاف قائد الجيش السوداني: «سنحارب مائة عام»، في إشارة إلى الحرب الدائرة بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» منذ أكثر من 16 شهراً.
وأوضح البرهان أن اعتراض الجيش على المشاركة كان مدفوعا بـ«رغبة أميركية بأن نرسل وفداً من الجيش وليس من الحكومة».
وقال «نعمل على تشكيل حكومة مرحلية لقيادة الفترة الانتقالية».

واندلعت المعارك منتصف أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة والحاكم الفعلي للبلاد، و«قوات الدعم السريع» بقيادة حليفه ونائبه السابق محمد حمدان دقلو، المعروف بـ«حميدتي».

واتسع نطاق الحرب لتطول مناطق واسعة من البلاد، وتتسبب في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم.

وبدأت مباحثات الأسبوع الماضي في جنيف برعاية الولايات المتحدة والسعودية وسويسرا، وحضرها ممثلون لـ«قوات الدعم السريع»، في حين غاب عنها الجيش، واكتفى الوسطاء بالتواصل مع ممثليه عبر الهاتف. وهدفت المباحثات التي حضرها خبراء وأفراد من المجتمع المدني، إلى تحقيق وقف للقتال وضمان إيصال المساعدات الإنسانية وتطبيق تفاهمات يوافق عليها الطرفان.