«الرئاسي» الليبي يتحدّى «نزع صلاحياته»... ويدعو لتوحيد المؤسسة العسكرية

الإفراج عن موظف «المركزي» بعد تهديد المصرف بوقف أعماله كافةً

«الرئاسي» الليبي يتحدّى «نزع صلاحياته»... ويدعو لتوحيد المؤسسة العسكرية
TT

«الرئاسي» الليبي يتحدّى «نزع صلاحياته»... ويدعو لتوحيد المؤسسة العسكرية

«الرئاسي» الليبي يتحدّى «نزع صلاحياته»... ويدعو لتوحيد المؤسسة العسكرية

تجاهل محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، قرار مجلس النواب، بإنهاء ولايته وحكومة «الوحدة» المؤقتة، ونزع صلاحياته بصفته «قائداً أعلى للجيش»، وشدّد فى أول ظهور له منذ صدور هذا الإعلان على ضرورة الاستمرار في دعم توحيد المؤسسة العسكرية؛ لحماية ليبيا، بينما توعّد «مصرف ليبيا المركزي» بوقف أعماله وإداراته ومنظوماته، بسبب خطف أحد موظفيه، قبل أن يتم الإفراج عنه لاحقاً.

المنفي ونائباه خلال اجتماع عسكري بطرابلس (المجلس الرئاسي الليبي)

وقال المنفي الذي ما زال يَعدّ نفسه «القائد الأعلى» للجيش الليبي، في اجتماع عقده الأحد بالعاصمة طرابلس، بمقر «اللواء 111 مجحفل»، إن «توحيد المؤسسة العسكرية ليس خياراً، وإنما ضرورة مُلِحّة، لتأسيس جيش قوي ومتماسك، وركيزة أساسية لضمان استقرار الوطن».

وطالب في الاجتماع الذي يُعقَد لأول مرة بهذا المستوى، مع رؤساء الأركان النوعية، وآمِري المناطق العسكرية، بضرورة «زيادة العمل لمواجهة التحديات التي تعيق عمل المؤسسة العسكرية في منع التهديدات التي تمسّ الأمن القومي لليبيا»، موضحاً أن توحيد المؤسسة العسكرية سيُسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية الشاملة.

وأكّد أن «الدولة تُبنى بالجيش فقط؛ لأنه صمام الأمان للدفاع عن الوطن، والمحافظة على وحدته، وتحقيق استقراره»، مسترشداً بالدول «التي سقطت أنظمتها وبقيت مؤسساتها العسكرية متماسكةً، فحافظت على وحدة الوطن وسيادته».

من جهة أخرى، التزم «المجلس الرئاسي» الصمتَ حيال تسريبات عن اتخاذه قراراً بتعيين محافظ جديد لـ«مصرف ليبيا المركزي»، بدلاً من رئيسه الحالي، الصديق الكبير، وإعادة تشكيل مجلس إدارته.

ونقلت تقارير عن المكتب الإعلامي للمجلس أن هذه الخطوة تأتي في إطار «تعزيز الحوكمة والاستقرار المؤسسي في ليبيا»، في إطار ما وصفته برسالة للمجتمع الدولي.

مصعب مسلم مدير إدارة تقنية المعلومات بالمصرف المركزي الليبي (حسابات موثوقة على مواقع التواصل الاجتماعي)

في غضون ذلك، قالت وسائل إعلام محلية إنه تم إطلاق سراح مصعب مسلم، مدير إدارة تقنية المعلومات بالمصرف المركزي، بعد ساعات من إعلان المصرف خطفه من قِبل جهة مجهولة، من أمام بيته، صباح الأحد، لافتاً إلى أنه تم أيضاً تهديد بعض المسؤولين الآخرين بالخطف.

وكانت «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان» بليبيا قالت، الأحد، إنها من خلال التواصل مع رئاسة جهاز الأمن الداخلي تبيّن أنه «ليس مخطوفاً، وإنما موقوف على ذمة التحقيق بشأن تُهم منسوبة إليه»، وبعد استيفاء إجراءات التحقيق معه تم إطلاق سراحه.

وكان المصرف، الذي أكّد رفضه لما وصفه بـ«الأساليب الغوغائية» التي تُمارسها بعض الأطراف خارج إطار القانون، والتي تُهدّد سلامة موظفيه، واستمرار عمل القطاع المصرفي، قد أعلن «إيقاف أعماله وإداراته ومنظوماته كافةً حتى يتم الإفراج عن مسلم، وعودته للعمل، ووقف هذه الممارسات».

وفي شأن مختلف، قالت السفارة الأميركية، إن القائم بأعمالها جيريمى برنت، ناقش في طرابلس، مع رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، عماد السايح، سبل تعزيز الدعم الفني الذي تقدّمه بلاده للمفوضية، من خلال «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية»، بالإضافة إلى التقدم الذي أحرزته المفوضية في التحضير لإجراء الانتخابات البلدية.

وذكر أن «الانتخابات المحلية المقبلة تشكّل فرصة مهمة للشعب الليبي لاختيار قادته المحليين، وتعزيز الحكم البلدي المسؤول في جميع مناطق ليبيا».

صورة وزّعتها السفارة الأميركية لاجتماع القائم بأعمالها مع السايح في طرابلس

بدوره، أدرج السايح اللقاء في إطار «دعم الانتخابات في ليبيا»، لافتاً إلى مناقشة الإجراءات المتعلقة بالتحضير لانتخابات المجالس البلدية، ومواقف الأطراف السياسية من العملية الانتخابية، وتأثيرها على إمكانية تنفيذها، وفرص نجاحها.

ونقل رئيس المفوضية عن برنت إشادته بجهود المفوضية «في سبيل توفير ظروف مثالية لإجراء انتخابات حرة وذات مصداقية، تعبّر عن إرادة الليبيين والليبيات، وتطلعاتهم إلى دولة ديمقراطية مستقرة».

وكانت السفارة الأميركية نفت صحة بيان منسوب إليها بشأن قرار مجلس النواب إنهاء مدة ولاية السلطة التنفيذية، وعَدّته «وثيقة مزوّرة، ولا أساس له من الصحة».

وقالت السفارة الأميركية في بيان، مساء السبت، عبر منصة «إكس»، إن «موقف الولايات المتحدة من العملية السياسية الليبية لم يتغير»، وإنها تواصل دعمها الكامل لتيسير الأمم المتحدة لعملية سياسية شاملة، تقوم على الحوار والتسوية بين جميع الأطراف الليبية، وعلى أساس مبادئ الاتفاق السياسي الليبي وعملية جنيف.

وفى شأن آخر، قالت حكومة «الوحدة»، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، إن الفِرق الفنية للشركة العامة للكهرباء شرعت في أعمال صيانة خطوط الشبكة الكهربائية بمدينة الكفرة، المتضررة من السيول التي تسببت في تهالك عدد من الكابلات، وخطوط نقل الجهد المنخفض.

بدورها، قالت «شركة البريقة لتسويق النفط»، إنها سيّرت قوافل شحنات الوقود وغاز الطهي من مستودع مصراتة النفطي، باتجاه مناطق الجنوب الغربي المتضررة من السيول والأمطار، وأكّدت توافر الوقود في مختلف المحطات والمستودعات التابعة لها، وعَدّت في بيان أنه ليس هناك مبرّر لمظاهر الازدحام على هذه المحطات، وطمأنت المواطنين بتوافر الوقود، وقالت إن محطات الوقود التابعة لها وتحمل شعارها تعمل بشكل طبيعي على مدار 24 ساعة.

من جانبه، أعلن مكتب منظمة «اليونيسيف» إرسال شحنة من المواد الإغاثية، تشمل مواد غذائية ومواد نظافة، بالتعاون مع شريكها «الهلال الأحمر» الليبي، لسكان بلديّتَي تهالا وغات في الجنوب، لمواجهة تداعيات الفيضانات التي اجتاحت المنطقة.

وقال بيان للمنظمة إن الأحوال الجوية القاسية، التي أصبحت أكثر تكراراً من أي وقت مضى، تُجبرها على اتخاذ إجراءات عاجلة، لحماية الأطفال من تأثيرات وأخطار التغير المناخي.

مساعدات لسكان المناطق المنكوبة بالسيول في الجنوب (القوات البرية بـ«الجيش الوطني»)

وقالت القوات البرية بـ«الجيش الوطني»، إنها نقلت عبر جسر جوي مساعدات إنسانية لسكان بلديّتَي غات وتهالا، بعد السيول التي غمرت أحياءً من المدينة نتيجة للأمطار، مشيرةً إلى أن هذا الجسر سيستمر أياماً محمّلاً بالأغذية والأدوية، والأغطية والخيام، وغيرها من المواد اللوجيستية.


مقالات ذات صلة

انتقادات واسعة في ليبيا لاتفاقية الدبيبة ــ إردوغان

شمال افريقيا 
من لقاء سابق بين إردوغان والدبيبة (حكومة الوحدة)

انتقادات واسعة في ليبيا لاتفاقية الدبيبة ــ إردوغان

تصاعدت حدة الانتقادات الموجهة لرئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، عقب الكشف عن «مذكرة تفاهم» جرى توقيعها مع تركيا في مارس (آذار).

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا لقاء سابق يجمع الكبير والمبعوث الأميركي (المصرف المركزي بطرابلس)

«الرئاسي» الليبي يقرر تعيين محافظ جديد لـ«المصرف المركزي»

قال المجلس الرئاسي الليبي مساء الأحد إنه قرر تعيين محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي وإعادة هيكلة مجلس إدارة المصرف، وذلك في تحد لمجلس النواب.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا مناورات بحرية تركية سابقة أمام سواحل ليبيا (وزارة الدفاع التركية)

ليبيا: انتقادات واسعة للدبيبة بعد كشف بنود اتفاق موقّع مع تركيا

تصاعدت حدة الانتقادات الموجهة لرئيس حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، عقب الكشف عن بنود مذكرة تفاهم مزعومة تم توقيعها مع تركيا في مارس (آذار).

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مصرف ليبيا المركزي (مواقع التواصل)

مصرف ليبيا المركزي يعلق أعماله بعد خطف أحد مسؤوليه

قال السفير ريتشارد نورلاند مبعوث الولايات المتحدة إلى ليبيا إنه قد تؤدي محاولة استبدال قيادة المصرف بالقوة إلى فقدان ليبيا الوصول إلى الأسواق المالية الدولية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا حفتر يتوسط المنفي وصالح في لقاء سابق بالقيادة العامة (القيادة العامة)

لماذا تصاعد الخلاف بين «الرئاسي» و«النواب» الليبيَّين؟

تعقّدت الأزمة السياسية في ليبيا، عقب إعلان مجلس النواب إنهاء ولايتَي المجلس الرئاسي وحكومة «الوحدة» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة.

جاكلين زاهر (القاهرة )

هل تحكم «قوات الدعم السريع» السودان بسيطرتها على الأرض؟

صورة أرشيفية تظهر عناصر من «قوات الدعم السريع» بالعاصمة السودانية الخرطوم في 18 يونيو 2019 (رويترز)
صورة أرشيفية تظهر عناصر من «قوات الدعم السريع» بالعاصمة السودانية الخرطوم في 18 يونيو 2019 (رويترز)
TT

هل تحكم «قوات الدعم السريع» السودان بسيطرتها على الأرض؟

صورة أرشيفية تظهر عناصر من «قوات الدعم السريع» بالعاصمة السودانية الخرطوم في 18 يونيو 2019 (رويترز)
صورة أرشيفية تظهر عناصر من «قوات الدعم السريع» بالعاصمة السودانية الخرطوم في 18 يونيو 2019 (رويترز)

دأب قائد «قوات الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو، الشهير بـ«حميدتي»، على ترديد القول إن قواته ظلت منذ اندلاع الحرب «تقدم خيار السلام» رغم انتصاراتها الميدانية. وفي آخر خطاباته الأسبوع الماضي، اتهم ما أطلق عليها «أيادي الحركة الإسلامية» بعرقلة الوصول إلى السلام ومنع ذهاب الجيش للتفاوض، استجابةً للمبادرة الأميركية في جنيف. وظل يؤكد أنه «معنيّ باسترداد الحكم المدني الديمقراطي»، ويجدد اتهاماته لقيادة الجيش بأنها متشبثة بـ«السلطة على حساب الوطن»، فهل تخلو الساحة لـ«قوات الدعم السريع» لتحكم البلاد؟!

رئيس «مجلس السيادة» قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في آخر ما رشح عنه، أكد سردية القوات المسلحة أن «الحرب نتيجة انقلاب فاشل دبره قائد (قوات الدعم السريع)».

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان أيام تحالفهما (أرشيفية)

ظل طرفا الحرب في السودان يتبادلان اتهامات الانقلاب بعضهما على بعض، والقول إن إشعال شرارة الحرب كان بسبب «شهوة السلطة»، في حين يطرح كل منهما سردية مختلفة، فتأتي خلاصة ذلك لتؤكد أن الجنرالين يتصارعان على السلطة، وأنهما تبنيا دوافع مختلفة؛ فالبرهان وأنصاره من الإسلاميين من جهة، يعلنون عزمهم على القضاء على «الدعم السريع»، و«حميدتي» وأنصاره من جهة أخرى، يتوعدون بانتزاع النصر وإعادة السلطة للمدنيين، لكن الأطروحتين لا تُخفيان «صراع السلطة»، وتحديد مَن يحكم البلاد.

وتستند سردية الجيش إلى أن «قوات الدعم السريع» نفذت انقلاباً عسكرياً فاشلاً بالتعاون مع دولة أجنبية، ودعم سياسي من تحالف «الحرية والتغيير»، بهجومها على مقر قائد الجيش لقتله أو إلقاء القبض عليه، صبيحة اندلاع الحرب 15 أبريل (نيسان) 2023، ومن ثمَّ إذاعة بيان الانقلاب، في حين تقول سردية «قوات الدعم السريع»، إن قائد الجيش وحلفاءه «أرادوا التخلص من (قوات الدعم) للانفراد بالسلطة، وإعادة الإسلاميين للحكم مجدداً، بالتعاون أيضاً مع دول في الإقليم».

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري أقيم بمناسبة يوم الجيش في القضارف 14 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

في أيام الحرب الأولى، قال «حميدتي» إنه سيلقي القبض على البرهان، لتسليمه للعدالة أو قتله أثناء الحرب، وإن قواته لن تتوقف قبل تحقيق ذلك الهدف، لكن الرجل لاحقاً طور سرديته إلى أنه يريد «استعادة الانتقال المدني الديمقراطي»، خصوصاً بعد سيطرته على أجزاء واسعة من البلاد.

أما البرهان فقد ظل يؤكد مستنداً إلى جماعة الإسلام السياسي، وأنصار نظام «الإخوان» السابق، طروحه «انقلابه» الممثل في «إصلاح حال السودان، مقابل فوضى المدنيين وفشلهم»، لكنه ظل متمسكاً بكرسي «رئيس مجلس السيادة الانتقالي»، رغم الفراغ الذي تركه حل المجلس الشرعي وإبعاد المدنيين منه.

ولتكريس السلطة في يده، فإن البرهان، وبُعيد الانقلاب بقليل، عيّن «مدنيين» في المجلس العسكري، لكنه سرعان ما أقالهم، وبقي على رأس المجلس الذي كان يتكون من 11 عضواً، نصفهم مدنيون والنصف الآخر عسكريون، حسب الوثيقة الدستورية الحاكمة للبلاد، وأبقى على أربعة عسكريين بعد إقالة «حميدتي»، ثم بقرارات متباعدة عيَّن أعضاء جدداً بالمجلس من مؤيدي الجيش من الحركات المسلحة، لكن السلطة الفعلية بقيت بيده.

ولا يمكن، وفقاً للمراقبين، إخفاء «الصراع على السلطة» بين الجنرالين، لكن من ينتصر ليحكم، هو أمر تحدده الأوضاع المدنية والعسكرية والسياسية والدولية المحيطة بالمشهد السياسي في البلاد. فرغم سيطرة «قوات الدعم السريع» على مناطق واسعة من البلاد كلياً وجزئياً، فإن الجيش لا يزال يتمسك بـ«السيادة» رغم تراجعه الكبير.

آلية للجيش السوداني في الخرطوم (أرشيفية - رويترز)

في رؤية استشرافية، توقع المفكر السوداني الحاج وراق، قبيل الانقلاب العسكري ضد الحكومة المدنية بقيادة عبد الله حمدوك، صراع الجنرالين على السلطة، وصدامهما على ما سماها «غنيمة السلطة» بقوله: «طبيعة الحكم العسكري الاستفراد. ولا يوجد حكم عسكري برأسين، وكل حكم عسكري له رأس واحد، لذلك فإنهما (حتماً) سيقتتلان».

صدقت توقعات الوراق، وانقلب الرجلان، مثلما صدقت توقعاته بفشل الانقلاب، وهنا بدأ حميدتي «يتملص» من الانقلاب، وكان قد ذكر في عدة أحاديث صحافية أنه «تورط» في الانقلاب الذي أعاد الإسلاميين الذين أبعدتهم الثورة الشعبية إلى السلطة، موجهاً اتهاماته لرفيق الانقلاب بأنه أعادهم للواجهة، فزادت الشُّقة بين الرجلين، ووصلت القطيعة بينهما إلى حدّ «عدم تبادل السلام».

فشل الانقلاب الثنائي نتيجة المقاومة الشعبية الواسعة والجسورة التي واجهته، ولم يفلح العنف اللافت الذي مارسه الانقلابيون إزاء المدنيين، وقتل العشرات وجرح الآلاف منهم. ثم فشل الانقلاب في الحصول على تأييد إقليمي أو دولي، بل جمّد «الاتحاد الأفريقي» عضوية السودان مما خنق الانقلاب، فطفت خلافات الرجلين على السطح مبكراً.

تصاعدت حدة التوتر بين «طرفي الانقلاب»، وتوترت العلاقة الاجتماعية بينهما، مما كان ينذر بصراع «مسلح» وشيك، وإزاء ذلك توافقت القوى المدنية وقتها في «تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير» وقوى أخرى رافضة للانقلاب من حيث المبدأ، مع قادة الطرفين، ووقعوا اتفاقاً «إطارياً» قضى بتوحيد الجيش وخروجه من السلطة وإبعاد العناصر الإسلامية داخله، ثم دمج «قوات الدعم السريع» في قطاعاته.

المتظاهرون المطالبون بحكومة مدنية خلال احتجاجات كبيرة في الخرطوم 30 يونيو 2019 (غيتي)

لكنّ شِقاً من «الحركة الإسلامية» وحزب «المؤتمر الوطني»، رأى في الاتفاق الإطاري خطراً يتهدده، ويتهدد التخطيط للعودة للسلطة، والمكتسبات التي جاءت مع الانقلاب، فعمل على «إجهاضه» واستغلال الصراع بين الجنرالين على مدة دمج القوات، والهياكل القيادية. ويقول المناصرون لـ«قوات الدعم السريع» إن «الإسلاميين ورَّطوا الجيش في حرب لم يكن مستعداً لها باستخدام بعض عناصرهم، لقطع الطريق أمام اتفاق تهدئة كانت القوى المدنية قد أوشكت على عقده مع الرجلين، بالهجوم على معسكر (الدعم السريع) في المدينة الرياضية».

وتوعد قادة الجيش بحسم المعركة ضد «قوات الدعم السريع» في غضون ساعات، لكن تقديراتهم للموقف لم تكن سليمة، فاستمرت الحرب، ولا تزال. بل نتجت عنها سيطرة «قوات الدعم السريع» على بعض ولايات البلاد، وحاميات، وفرق الجيش بما في ذلك العاصمة الخرطوم، في حين اضطرت قيادة الجيش لنقل العاصمة إلى بورتسودان بشرق البلاد، ووصلت الحرب إلى كل ولايات البلاد ما عدا ولايتين يسيطر عليهما الجيش كلياً هما «كسلا والبحر الأحمر» من جملة ولايات البلاد الـ18.

الواقع الميداني الذي نتج عن الحرب أثار التساؤلات عمّا إذا كان بمقدور «قوات الدعم السريع» حكم السودان، لكن الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها في مناطق سيطرتها، أضعفت الاحتمال.

الدخان يتصاعد في مدينة أم درمان بالخرطوم جراء عمليات القصف (رويترز)

واستبعد المحلل السياسي محمد لطيف بدوره في حديث لـ«الشرق الأوسط» ذلك الاحتمال، وقال: «بغضّ النظر عن الأحاديث عن الانتهاكات - وهي مؤثرة لا شك - فإن تجربة (الدعم السريع) الإدارية في مناطق سيطرتها، كشفت عن ضعف كبير وثغرات واضحة».

بيد أن لطيف لم يستبعد أن يخلق استمرار الحرب «سيطرة مطلقة لـ(الدعم السريع)، تضع بموجبها الجميع أمام أمر واقع جديد تماماً»، وقال: «أفريقيا عامرة بالنماذج الشبيهة، وأعني انهيار دولة بالمعنى السياسي، وقيام دولة جديدة مكانها».

أما المحامي والناشط في مجال الحقوق، حاتم إلياس، فقد وضع شرطاً لحكم «قوات الدعم السريع» للبلاد، يتمثل في استعادة ثقة الشعب السوداني، وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «ذلك رهن قدرتها على ضبط تفلتات قواتها»، وأوضح: «نقطة الضعف الوحيدة لـ(قوات الدعم السريع) هي عدم قدرتها على ضبط تفلتات قواتها».

وقال إلياس: «(قوات الدعم السريع) واقعياً تسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد، وإذا استطاعت مسح الصورة الكارثية التي رسمتها تلك الانتهاكات، يمكنها حينها أن تحكم البلاد، وأن يعود الناس إلى مدنهم».

ولحكم البلاد، اشترط إلياس «وجود حليف مدني ذي قاعدة كبيرة، يستولي على السلطة عبر اتفاق سياسي وفني، يحتفظ فيه لـ(قوات الدعم) بدورها العسكري وحفظ النظام، فيما يحتفظ المدنيون بإدارة السلطة»، وتابع: «هنا يمكن أن تتصدى تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) والقوى المدنية المناهضة للحرب لهذه المهمة».

مظاهرات صاخبة خرجت من الخرطوم احتفالاً بسقوط نظام البشير 2019 (إ.ب.أ)

وأمام تفريطها فيما سمّاها «المسؤولية التاريخية»، فإن القوى المدنية، حسب ظنه، تصبح «أقرب للجيش منها لـ(الدعم السريع)، على عكس ما يروج له بأنها حليف (الدعم السريع)»، وأوضح: «لو تبقت قرية واحدة في صحراء السودان تحت سيطرة الجيش، فإن (تقدم) ستظل تطالب بحضوره في أي اتفاق، لأنها تضمر أن أي شرعية أو اتفاق سياسي، لن يتم إلاّ بوجود الجيش السوداني، وأنه لو خرج من المعادلة تماماً، فهي ستذهب إليه وتستدعيه من الغياب كأن شرعية أي سلطة لا تكتمل إلا بحضوره».

فهل يستمر البرهان حاكماً للسودان تحقيقاً لـ«الأسطورة» المنسوبة لوالده بأنه «تنبأ له بحكم البلاد»، أم أن «المقاتل حميدتي» القادم من الصحراء، هو الذي سينقل مركز الحكم إلى مضارب البدو؟