ليبيا: انتقادات واسعة للدبيبة بعد كشف بنود اتفاق موقّع مع تركيا

البعض عدّه إذعاناً لأنقرة... ومطالبة بالتحقيق

مناورات بحرية تركية سابقة أمام سواحل ليبيا (وزارة الدفاع التركية)
مناورات بحرية تركية سابقة أمام سواحل ليبيا (وزارة الدفاع التركية)
TT

ليبيا: انتقادات واسعة للدبيبة بعد كشف بنود اتفاق موقّع مع تركيا

مناورات بحرية تركية سابقة أمام سواحل ليبيا (وزارة الدفاع التركية)
مناورات بحرية تركية سابقة أمام سواحل ليبيا (وزارة الدفاع التركية)

تصاعدت حدة الانتقادات الموجهة لرئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، عقب الكشف عن بنود «مذكرة تفاهم» جرى توقيعها مع تركيا في مارس (آذار) الماضي.

وكشفت وسائل إعلام تركية عن بنود المذكرة الموقعة قبل قرابة 6 أشهر بين الدبيبة وأنقرة، تتعلق بوضعية القوات التركية في ليبيا، مشيرة إلى أن الرئيس رجب طيب إردوغان، تقدم بها إلى البرلمان في 12 أغسطس (آب) الحالي.

وتتكون المذكرة من 24 بنداً، وتتمحور حول «مزايا واسعة ممنوحة، وحصانة قانونية» للقوات التركية في غرب ليبيا، وصفها ليبيون بأنها «إذعان كامل» لأنقرة، من بينها، أن «أي جرائم يرتكبها أفراد عسكريون أتراك في أثناء أداء واجباتهم الرسمية ستخضع للقانون التركي، وإذا ارتكبوا أي جرائم - خارج الواجب تخضع للقوانين الليبية أو تطبق العقوبات المتفق عليها في تشريعات كلتا الدولتين».

وفور تداول بنود المذكرة، تصاعدت الانتقادات التي وجهت للدبيبة، ووصفها البعض بــ«اتفاقية الخزي والعار»، بينما عدّها المحلل السياسي الليببي العربي الورفلي، كفيلة «بإشعال المدن الليبية ضد الاستعمار التركي».

من لقاء سابق بين إردوغان والدبيبة (حكومة الوحدة)

وتضمنت بنود الاتفاقية، «التزام حكومة غرب ليبيا بتغطية احتياجات الوقود واللوجيستيات الأخرى لجميع مركبات القوات التركية مجاناً»، و«يحق للقوات التركية توقيع عقود مع مقاولين في ليبيا لتوفير البضائع؛ وفي حال عدم تأمينها محلياً يجري التعاقد مع مقاولين خارجيين، وتتكفل الحكومة الليبية بالمصاريف».

ويعتقد المحلل السياسي أحمد أبو عرقوب، أن بنود الاتفاقية «تجعل من ليبيا قاعدة عسكرية لتركيا، كما أنها تتيح للأخيرة الوصول إلى المجال الجوي والبحري الليبي من دون قيود؛ وهذا الأمر قد يتسبب في ارتفاع مستوى التوتر الإقليمي».

ويرى أبوعرقوب في حديث إلى «الشرق الأوسط» أنه «في حال جرى اعتماد هذه الاتفاقية ودخولها حيز التنفيذ؛ فهذا يعني أن ليبيا أصبحت رسمياً تحت الاحتلال التركي؛ بل مطالبة أيضاً بدفع ثمن الاحتلال أيضاً».

رئيس أركان الجيش التركي الجنرال متين غوراك على سفينة حربية تركية بميناء مصراتة الليبي (أرشيفية - وزارة الدفاع التركية)

وسبق أن أبدت أطراف سياسية امتعاضها من المذكرة، وسط صمت حكومة «الوحدة الوطنية» على ما يجري تداوله من تقارير بشأنها. وعدّ متابعون كثيرون الاتفاقية «تمس سيادة ليبيا وتهدد أمنها القومي»، وطالبوا بالتحقيق فيما تضمنته من بنود.

وقال رئيس «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان» بليبيا أحمد عبد الحكيم حمزة، إن بنود مذكرة التفاهم بمثابة اتفاقية «إذعان وإذلال»، معتقداً أنه «لو أن دولة احتلت دولة أخرى بالقوة لكانت أرحم بها كثيراً من هذه الاشتراطات المهينة».

وبين تركيا وسلطات غرب ليبيا علاقات تعاون واسعة ممتدة منذ مساندة أنقرة طرابلس عسكرياً في الحرب التي سبق أن شنتها قوات «الجيش الوطني» على العاصمة في أبريل (نسيان) 2019.

وفي يونيو (حزيران) الماضي، قالت وزارة الدفاع التركية، عبر حسابها الرسمي في «إكس»،إن الفرقاطة «تي جي جي كمال رئيس»، المشاركة في عملية لمجموعة المهام البحرية التركية، نفذت تدريبات على هبوط وإقلاع المروحيات وإطلاق النار قبالة السواحل الليبية، بموجب مذكرات التفاهم والاتفاقات الموقعة مع حكومتي «الوفاق الوطني» السابقة برئاسة فائز السراج، و«الوحدة الوطنية» (المؤقتة) الحالية برئاسة الدبيبة.

ويرى الأكاديمي الليبي عقيلة دلهوم، في تصريح صحافي، أن هذه الاتفاقية «المخزية» ليست وليدة اللحظة، بل نتيجة «سلسلة من الأخطاء الكارثية التي يتحمل مسؤوليتها عدد من الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي الليبي».

وقال دلهوم: «يبدو واضحاً أن الطريق نحو التبعية في اتفاقية أمنية لهيمنة عثمانية لها أسبابها المؤسفة»، ويرجع ذلك إلى أن ليبيا «تتأرجح اليوم بين الغباء السياسي والخوف الذي دفع إلى توقيع اتفاقية أمنية مع تركيا، والتي ستجعل طرابلس في الواقع ولاية عثمانية».

وفي مطلع مارس (آذار) الماضي، أعلنت حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية، أن رئيسها وقّع «بصفته وزيراً للدفاع في حكومته مذكرة تفاهم عسكرية مع وزير الدفاع التركي ياشار غولر».

من مباحثات بين الدبيبة ورئيس الأركان التركي (أرشيفية - وزارة الدفاع التركية)

وجرى التوقيع خلال زيارة للدبيبة إلى مدينة أنطاليا جنوب تركيا للمشاركة في اجتماعات الدورة الثالثة لأعمال «منتدى أنطاليا الدبلوماسي» بدعوة من الرئيس التركي. وأوضحت الحكومة أن توقيع هذه المذكرة يندرج ضمن «متابعة التعاون العسكري بين ليبيا وتركيا» الذي بدأ بتوقيع اتفاقيتين أمنية وبحرية مع حكومة «الوفاق الوطني» الليبية السابقة في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.

كما تضمنت بنود المذكرة، «دفع ليبيا تكاليف أي عقود وعمليات شراء من قبل القوات التركية للوفاء بمهامها». وصلاحية المذكرة 3 سنوات من دخولها حيز التنفيذ، وتمدد تلقائياً لسنة واحدة ما لم يرغب أحد الأطراف بإنهائها.

وبينما رفضت حكومة «الوحدة الوطنية» التعقيب على ما تضمنته المذكرة من بنود، قال مصدر مقرب منها لـ«الشرق الأوسط» إن هناك «جملة من المغالطات المتعلقة ببنود الاتفاقية»، من دون مزيد من التوضيح.


مقالات ذات صلة

مصر تؤكد ضرورة خروج المقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا

شمال افريقيا وزير الخارجية المصري خلال محادثات مع المبعوثة الأممية (الخارجية المصرية)

مصر تؤكد ضرورة خروج المقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا

أجرت رئيسة بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا، هانا تيتيه، مشاورات في القاهرة، باجتماعين مع وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، والأمين العام لجامعة الدول العربية.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا صورة جماعية لأعضاء اللجنتين الاستشارية و«6+6» قبيل اجتماعهما في بنغازي (البعثة الأممية)

تفاؤل ليبي بقرب تجاوز معضلة قانونَي الانتخابات

أنعش اجتماع لجنتي «6+6» و«الاستشارية» الأممية، في مدينة بنغازي (شرق البلاد) آمال الليبيين، وأعطى جرعة تفاؤل بإمكانية تجاوز معضلة قانونَي الانتخابات العامة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
رياضة عربية السنغالي أليو سيسيه مدربا لمنتخب ليبيا (رويترز)

السنغالي أليو سيسيه مدرباً لمنتخب ليبيا

عيّن الاتحاد الليبي لكرة القدم السنغالي أليو سيسيه المتوج بلقب كأس الأمم الأفريقية، مدرباً جديداً للمنتخب الوطني.

«الشرق الأوسط» (طرابلس)
شمال افريقيا من عملية ترحيل مهاجرين غير شرعيين من تشاد (جهاز مكافحة الهجرة في ليبيا)

دعوات ليبية لطرد «المهاجرين» مع تصاعد المخاوف من «التوطين»

يرى خالد المشري المتنازع على الأعلى للدولة في ليبيا أن «هشاشة الوضع الأمني في ليبيا دفعت بعض المهاجرين للانخراط في عصابات إجرامية منظمة أو تشكيلات مسلحة محلية».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا اللجنتان الاستشارية و«6+6» في ختام اجتماعهما (البعثة الأممية)

ليبيا: حديث أممي عن اجتماع «مثمر» للجنتي «6+6» و«الاستشارية»

قالت البعثة الأممية في ليبيا إن المناقشات التي يسّرتها البعثة بين اللجنتين «الاستشارية» و«6+6» ستساهم، بشكل فعّال في النتائج النهائية لعمل اللجنة الاستشارية.

خالد محمود (القاهرة)

«هدنة غزة»: مساعٍ إلى «إطار انتقالي» يدفع نحو اتفاق أوسع

فلسطينية تنتحب حزناً على مقتل أحد أقاربها في غارة إسرائيلية جنوب مدينة غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)
فلسطينية تنتحب حزناً على مقتل أحد أقاربها في غارة إسرائيلية جنوب مدينة غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: مساعٍ إلى «إطار انتقالي» يدفع نحو اتفاق أوسع

فلسطينية تنتحب حزناً على مقتل أحد أقاربها في غارة إسرائيلية جنوب مدينة غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)
فلسطينية تنتحب حزناً على مقتل أحد أقاربها في غارة إسرائيلية جنوب مدينة غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)

يبذل الوسطاء جهوداً مكثفة لتثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة، كان أحدثها انضمام مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، لمحادثات الدوحة، وسط مساعٍ للذهاب لإطار جديد يدفع نحو اتفاق أوسع مستقبلاً، وهو توجُّه لا تزال «حماس» تقف أمامه، مشدَّدة على أهمية التحرك صوب المرحلة الثانية التي تشمل انسحابات إسرائيلية واسعة.

ويتوقع خبراء ومحللون أن تقود تلك المساعي المطروحة على طاولة «محادثات الدوحة» التي تتواصل الأربعاء إلى اتفاق على إطار انتقالي يمدد المرحلة الأولى لنحو 60 يوماً، مقابل إطلاق سراح رهائن وأسرى فلسطينيين.

وأشار الخبراء، الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «حماس» قد تقبل بهذا الإطار تحت ضغوط وحوافز، خاصةً أن وصول ويتكوف لقطر يعني أن هناك جدية في مسار المحادثات بعد أن أجَّل الحضور أكثر من مرة.

ووصل ويتكوف إلى الدوحة، الثلاثاء، مع استئناف المحادثات بهدف تمديد الهدنة الهشة في غزة، ولقاء رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بحسب ما نشرته «تايمز أوف إسرائيل» الأربعاء.

فلسطينية تغسل أطباقاً وبجانبها طفلة في مخيم البريج وسط قطاع غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)

وتحدثت «القناة 12» الإسرائيلية عن ضغوط يمارسها الوسطاء على «حماس» للإفراج عن 10 رهائن مقابل هدنة لمدة 60 يوماً لإثبات جديتها بقبول العرض، وبالتالي إتاحة مزيد من الوقت للتوصل إلى اتفاقات أوسع نطاقاً بشأن وقف إطلاق النار.

من جانبها، ترغب إسرائيل، بحسب ما نقلته «تايمز أوف إسرائيل» عن مسؤول سياسي، أن تتقدم الولايات المتحدة باقتراح لتمديد وقف إطلاق النار لمدة شهرين تقريباً، تفرج «حماس» خلاله عن نحو نصف الرهائن الأحياء مقدماً، وهو ما يتماشى مع الخطة الأصلية.

وترفض «حماس» حتى الآن الاقتراح، الذي عُرف باسم «خطة ويتكوف»، وتصر على التمسك بإطار الهدنة الذي بدأ سريانه في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، والمكون من 3 مراحل انتهت أولاها في الأول من مارس (آذار) دون التوصل إلى اتفاق على المرحلتين اللاحقتين اللتين يمكن أن تضمنا نهاية دائمة للحرب.

غير أن موقع «آي 24 نيوز» الإسرائيلي ذكر، الثلاثاء، أن «نسخة مصغرة لخطة ويتكوف» هي المطروحة بالنقاشات في قطر، مشيراً إلى اهتمام في إسرائيل بالانتقال إلى الاتفاق المقترح، وإلى أن فريق التفاوض في الدوحة «يحاول الترويج لمخطط ويتكوف، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فسوف يوافقون على تمديد المرحلة الأولى مقابل عدة دفعات إضافية».

«هناك جدية»

السفير الفلسطيني الأسبق، بركات الفرا، يعتقد أن انضمام ويتكوف للمحادثات بعد تأجيل زيارته للدوحة أكثر من مرة يعني أن «هناك جدية» وأن هناك تقدماً واحتمالات للذهاب لحلول وسط، مرجحاً أن يكون تمديد الفترة الأولى هو الأقرب حالياً على أن تليه مناقشات لاحقة بشأن اتفاق أكبر.

ويرى رئيس «منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية»، الدكتور سمير غطاس، أن السيناريو الأقرب هو الذهاب لخطة ويتكوف، سواء الأصلية بنصف عدد الرهائن أو المصغرة بإطلاق سراح 10 رهائن. غير أنه قال إن الأمر يتوقف على «حماس»، مشيراً إلى أن الضغوط والحوافز يمكن أن تدفع الحركة نحو قبول التمديد.

فلسطينيون يتجمعون على الشاطئ بالقرب من ملاجئ تضررت في الهجوم الإسرائيلي على مدينة غزة يوم الثلاثاء (رويترز)

بالمقابل، تتمسك «حماس» ببدء المرحلة الثانية؛ وقال المتحدث باسمها، حازم قاسم، إن جولة جديدة من مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة بدأت الأربعاء، مؤكداً أن الحركة تتعامل «بكل مسؤولية وإيجابية» في هذه المفاوضات، ومعبراً عن أمله في أن تسفر هذه الجولة عن «تقدم ملموس» نحو بدء المرحلة الثانية من المفاوضات.

وبالتزامن، بحث رئيس وزراء قطر ووزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأربعاء، بالدوحة «الجهود المبذولة لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والمحتجزين بقطاع غزة».

ويرى الفرا أنه قد يحدث تغيير في موقف «حماس» لتقبل مبدئياً بتمديد المرحلة الأولى، مشيراً إلى أن الحركة في الوقت الحالي ليست بقوتها السابقة، وأن ضغوط الوسطاء وصعوبة الظروف داخل القطاع قد تدفعها للقبول، خاصةً أن العودة للحرب ليست أولوية للجيش الإسرائيلي المنهك حالياً ومع عزوفه عن الدخول في أي معركة كبيرة جديدة.

ويتوقع غطاس أن تحاول «حماس» ربط التمديد بالمرحلة الثانية وإدخال المساعدات، مع إمكانية قبول حلول وسط بين مقترحي ويتكوف، موضحاً أن الحركة لا تتمسك بالمرحلة الثانية حال طرح شيء آخر مقبول، خاصة أنها طرحت في محادثاتها مع واشنطن قبل أيام عقد هدنة طويلة لسنوات.

وفي رأيه، لن يتجه نتنياهو لحرب حالياً، وستستمر حكومته في التلويح فقط بها، خصوصاً أنه يعمل في الفترة الراهنة على تمرير الموازنة حتى لا تسقط الحكومة.