أصغر روبوت طائر لاسلكي في العالم... كحبّة رمل!

الروبوت مُستلهَم من النحل الطنّان

يعتمد الروبوت على مجال مغناطيسي خارجي لتوليد الطاقة والتحكم ما يلغي الحاجة إلى بطارية أو دوائر إلكترونية معقدة (بيركلي)
يعتمد الروبوت على مجال مغناطيسي خارجي لتوليد الطاقة والتحكم ما يلغي الحاجة إلى بطارية أو دوائر إلكترونية معقدة (بيركلي)
TT

أصغر روبوت طائر لاسلكي في العالم... كحبّة رمل!

يعتمد الروبوت على مجال مغناطيسي خارجي لتوليد الطاقة والتحكم ما يلغي الحاجة إلى بطارية أو دوائر إلكترونية معقدة (بيركلي)
يعتمد الروبوت على مجال مغناطيسي خارجي لتوليد الطاقة والتحكم ما يلغي الحاجة إلى بطارية أو دوائر إلكترونية معقدة (بيركلي)

في خطوة استثنائية نحو تطوير الروبوتات المصغّرة، نجح مهندسون في جامعة كاليفورنيا في بيركلي بتطوير أصغر روبوت طائر لاسلكي في العالم. استُلهم تصميم هذا الجهاز الصغير من مرونة وكفاءة النحل الطنّان؛ إذ لا يتجاوز قطره سنتيمتراً واحداً، ويزن فقط 21 ملليغراماً. ورغم صغر حجمه، يمتلك القدرة على التحليق والثبات في الجو، وتغيير الاتجاه، واستهداف أجسام محددة بدقة!

يعالج هذا الابتكار تحديات كبيرة متأصلة في عالم الروبوتات الدقيقة، لا سيما تلك المتعلقة بتوفير الطاقة وآليات التحكم. فعادةً ما تعتمد التصاميم التقليدية على بطاريات داخلية وأنظمة إلكترونية معقدة، ما يُعد غير عملي على هذا المقياس الصغير. لتجاوز هذه العقبة، ابتكر فريق «بيركلي» نهجاً جديداً يتمثل في استخدام مجال مغناطيسي خارجي لتوفير الطاقة والتحكم في حركة الروبوت في الوقت نفسه.

تصميم خفيف مبسّط

يشبه هيكل الروبوت مروحة صغيرة مزوّدة بمغناطيسين دقيقين. وعندما يتعرض لمجال مغناطيسي خارجي، تُولّد هذه المغناطيسات قوى تجعل المروحة تدور وتُنتج قوة رفع كافية للتحليق. ومن خلال تعديل شدة واتجاه المجال المغناطيسي، يمكن للباحثين توجيه مسار الروبوت بدقة عالية.

هذا الأسلوب في الدفع والتحكم لا يُقلل فقط من وزن الجهاز، بل يبسّط تصميمه بالكامل، حيث يُلغي الحاجة إلى مصادر طاقة داخلية أو دوائر إلكترونية معقدة. والنتيجة هي روبوت يتمتع بدرجة عالية من المناورة، وقادر على التنقل في مساحات ضيقة ومعقدة يصعب على الطائرات المسيّرة التقليدية الوصول إليها. يفتح هذا المجال أمام العديد من التطبيقات مثل التلقيح الصناعي، ومراقبة البيئة، وفحص الأماكن التي يصعب الوصول إليها، كتلك التي داخل الأنابيب أو الماكينات الصناعية. ورغم نجاح النموذج الحالي في الطيران ضمن بيئات مضبوطة، فإنه يعمل فقط في ظل ظروف طيران سلبية، أي من دون حساسات داخلية للكشف عن موقعه أو تعديل مساره في الوقت الفعلي. ما يجعله عرضة للتأثر بالعوامل البيئية كهبّات الرياح. ويُعد تطوير أنظمة تحكم نشطة أحد أهم أولويات الفريق، لتمكين الروبوت لاحقاً من ضبط وضعه وتوازنه تلقائياً أثناء التحليق.

يمثل هذا الابتكار نقلة نوعية في الروبوتات الدقيقة فاتحاً آفاقاً واعدة في مجالات الزراعة والصناعة والإنقاذ والمراقبة البيئية (بيركلي)

تحديات متكررة

يمثّل تطوير هذا الروبوت الطائر المصغّر تقدماً كبيراً في مجال الروبوتات الدقيقة. لطالما شكّلت مسألة توفير الطاقة والتحكم والثبات تحدياً كبيراً لهذا النوع من الأجهزة. وعلى سبيل المثال، حقق مشروع «روبو بي» (RoboBee ) في جامعة هارفارد طيراناً محدوداً باستخدام أسلاك للتغذية والتحكم، لكنه لم يصل إلى مستوى التشغيل اللاسلكي الكامل. كما قدم مشروع «دلفلاي» (DelFly) في جامعة «دلفت» الهولندية طائرات مجنحة بحجم أكبر، لكنها لا تضاهي هذا الابتكار من حيث الحجم والدقة. من خلال الاعتماد على المجالات المغناطيسية الخارجية للطاقة والتحكم، يقدّم فريق «بيركلي» نموذجاً جديداً في عالم الطيران الآلي المصغّر، يتغلب على قيود الوزن والتعقيد، ويمنح دقة عالية في الحركة، ما يجعله مثالياً للمهام التي تتطلب دقة متناهية.

التطبيقات المحتملة

مستقبلاً، يعد هذا النوع من التطبيقات التكنولوجية واعداً للغاية. ففي الزراعة، يمكن استخدام هذه الروبوتات للمساعدة في عمليات التلقيح الصناعي، وبالتالي تخفيف آثار تراجع أعداد النحل. وفي البيئات الصناعية، يمكنها التنقل داخل الماكينات لفحص أو صيانة الأجزاء دون الحاجة لتفكيكها، مما يقلل وقت التوقف. كما أن قدرتها على دخول المساحات الضيقة يجعلها مفيدة جداً في عمليات الإنقاذ والمراقبة البيئية والأمن.

بعض التحديات التقنية

ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تقنية يجب التغلب عليها قبل اعتماد هذه الروبوتات في العالم الواقعي. من أهم هذه التحديات دمج الحساسات وأنظمة التحكم الذاتي بالإضافة إلى تطوير وسائل لتوليد والتحكم في المجالات المغناطيسية ضمن بيئات مختلفة. ولتحقيق ذلك، يتطلب الأمر تعاوناً متعدد التخصصات يجمع بين علوم المواد والأنظمة الذكية ونظريات الكهرومغناطيسية.

الاعتبارات الأخلاقية والعملية

كما هو الحال مع أي تكنولوجيا ناشئة، هناك مخاوف تحتاج إلى معالجة. تأتي الخصوصية في المقدمة، حيث يمكن إساءة استخدام الروبوتات الدقيقة في المراقبة غير المشروعة. كما يجب تطوير أطر تنظيمية لضمان نشرها بشكل مسؤول. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال متانة الروبوتات وعمرها التشغيلي في الظروف الواقعية من الأمور التي تحتاج إلى تطوير.

يُعد تطوير أصغر روبوت طائر لاسلكي في العالم إنجازاً لافتاً في عالم التكنولوجيا الدقيقة. من خلال محاكاة حركة الحشرات واستغلال القوى المغناطيسية الخارجية، يمهّد هذا الابتكار الطريق أمام جيل جديد من الأجهزة المصغّرة، التي قد تُحدث تحوّلاً جذرياً في الزراعة والصناعة والبحث والإنقاذ.


مقالات ذات صلة

روبوت «أخطبوطي» يقطف الفاكهة ولا يُتلفها

يوميات الشرق مستوحى من الجهاز العصبي للأخطبوط (جامعة بريستول)

روبوت «أخطبوطي» يقطف الفاكهة ولا يُتلفها

ابتكر باحثون في جامعة بريستول البريطانية روبوتاً مرناً مستوحى من الجهاز العصبي للأخطبوط، قادراً على التفاعل مع بيئته المحيطة واتخاذ قرارات بالحركة...

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
تكنولوجيا 
يتميز «E-BAR» بقدرته على التقاط المستخدم في حال فقدان التوازن عبر وسائد هوائية مدمجة دون الحاجة إلى أحزمة (MIT)

روبوت ذكي يساعد كبار السن على التنقل ويمنعهم من السقوط

الروبوت الذكي الذي يُدعى «E-BAR» يدعم كبار السن، ويمنع سقوطهم، بهدف تعزيز استقلاليتهم في المنزل، وتحسين جودة حياتهم بأمان، وابتكار.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا لقطة من الفيديو تُظهر خروج الروبوت عن السيطرة

شاهد... روبوت يخرج عن السيطرة ويهاجم «بعنف» عمال مصنع صيني

أظهر مقطع فيديو، جرى تداوله على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي، وقيل إنه صُوّر في مصنع صيني، روبوتاً يُهاجم العمال بعنف.

«الشرق الأوسط» (بكين)
تكنولوجيا أحد الطرود لدى مركز توزيع يتبع «أمازون» في نيويورك (رويترز)

«أمازون» تُطلق روبوتاً بقدرات حسيّة

كشفت شركة «أمازون» عن روبوت جديد يُدعى «فولكان» (Vulcan) يتمتع بقدرة غير مسبوقة على الإحساس باللمس.

«الشرق الأوسط» (لندن)
تكنولوجيا هل يصبح «كورليو» الروبوت الحصان وسيلتنا للتنقل في المستقبل؟ (فيديو)

هل يصبح «كورليو» الروبوت الحصان وسيلتنا للتنقل في المستقبل؟ (فيديو)

روبوت يمكن ركوبه كالحصان، يُتوقع أن يُحدث نقلة نوعية في وسائل التنقل المستقبلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الذكاء الاصطناعي بين الحوكمة والحرية... من يكبح من؟

«ساس»: الشفافية وبناء الثقة عنصران أساسيان لحماية سمعة المؤسسات في ظل الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي (شاترستوك)
«ساس»: الشفافية وبناء الثقة عنصران أساسيان لحماية سمعة المؤسسات في ظل الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي (شاترستوك)
TT

الذكاء الاصطناعي بين الحوكمة والحرية... من يكبح من؟

«ساس»: الشفافية وبناء الثقة عنصران أساسيان لحماية سمعة المؤسسات في ظل الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي (شاترستوك)
«ساس»: الشفافية وبناء الثقة عنصران أساسيان لحماية سمعة المؤسسات في ظل الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي (شاترستوك)

بينما تتسارع وتيرة نشر الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، من قرارات الائتمان إلى التوائم الرقمية، لم تكن الحاجة إلى الحوكمة الواعية والمسؤولة أكثر إلحاحاً من اليوم. على هامش مؤتمر «SAS Innovate 2025» الذي استضافته مدينة أورلاندو الأميركية هذا الشهر، قال ريدجي تاونسند، نائب رئيس وحدة أخلاقيات البيانات في شركة «SAS»: «إن الذكاء الاصطناعي يسمح بالتحرك بسرعة... لكن الحوكمة هي المكابح». ونبّه خلال حديثه الخاص لـ«الشرق الأوسط» أنه حتى الآن «لا يملك كثير من المؤسسات الشجاعة للضغط عليها».

الثقة والحوكمة في القطاع المصرفي

في قطاع البنوك والخدمات المالية، حيث يُستخدم الذكاء الاصطناعي منذ عقود في كشف الاحتيال وتقييم الجدارة الائتمانية، تتضاعف أهمية الحوكمة بسبب حساسية السمعة وشدة التنظيم. وأوضح تاونسند أن لدى البنوك ممارسات ومعايير راسخة، وهي معتادة على بيئات تنظيمية صارمة. لكن الذكاء الاصطناعي اليوم ينتشر خارج أقسام المخاطر، ليصل إلى الموارد البشرية والدعم الفني وسير العمل الداخلي. وأشار إلى أن البنوك اليوم تتبنى نماذج مختلفة، بعضها يدمج فرق إدارة المخاطر ضمن فرق حوكمة الذكاء الاصطناعي الأكبر، بينما تفضّل أخرى إبقاءها منفصلة لضمان الاستقرار. وذكر أن القرار النهائي لا يزال غير محسوم، لكن ما لا يمكن التفاوض حوله هو الحاجة إلى الحفاظ على الثقة. وأكّد تاونسند على أهمية القدرة على شرح سبب حصول هذا العميل على قرض، ولم يحصل الآخر عليه، على سبيل المثال، دون تعريض الأنظمة المعقدة بالكامل للمستهلكين.

ريدجي تاونسند نائب رئيس وحدة أخلاقيات البيانات في شركة «SAS» متحدثاً إلى «الشرق الأوسط» (ساس)

الحوكمة ليست أداة، بل ثقافة

أطلقت شركة «ساس» وحدة استشارية مخصصة لحوكمة الذكاء الاصطناعي. وأشار تاونسند إلى أن ردود الفعل من العملاء كانت «إيجابية للغاية»، لكن التحدي الأكبر يتمثل في مقاومة التغيير داخل المؤسسات. وقال إن «العمل الحقيقي يبدأ بعد الأدوات.... الحوكمة ليست منتجاً، بل حواراً مع الإدارة العليا وثقافة مؤسسية متجذرة». وذكر أن القطاع العام يواجه تحديات أكبر، إذ يصعب على الجهات الحكومية تعديل هياكلها بسرعة لاستيعاب وتيرة تطور الذكاء الاصطناعي. وأشار إلى وجود وعي متزايد، «لكن الهيكل الإداري في كثير من الحكومات لا يسمح بالتحرك بالسرعة المطلوبة».

بين الحذر والأمل

قدّم تاونسند نظرة دقيقة ومتحفظة عن أخلاقيات استخدام البيانات الاصطناعية والتوائم الرقمية. وقال: «إذا استخدمت البيانات الاصطناعية بطريقة خاطئة، يمكن أن تضخم التحيزات القائمة. لكن إذا استُخدمت بحكمة، يمكن أن تساعدنا في اكتشاف هذه التحيزات ومعالجتها».

وأقرّ تاونسند، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI) يمثل تحدياً جديداً بالكامل. وشرح أنه داخل «ساس» يتم تضمينه في منتجات مثل «كوبايلوت» (Copilot)، لكن ضمن ضوابط واضحة مثل تقنيات «RAG» للحدّ من الانحرافات. وأشار إلى أن الشركة تطور حالياً أدوات جديدة لحوكمة «GenAI»، تتضمن «Model Manager» وبطاقات النماذج، إلى جانب منتج شامل للحوكمة سيُعلن عنه قريباً.

يرى خبراء أن البيانات الاصطناعية والتوائم الرقمية قد تعزز التحيز إذا أُسيء استخدامها (غيتي)

الحوسبة الكمية... كن مستعداً جيداً

وحول مستقبل الحوسبة الكمية، دعا تاونسند إلى التريث، قائلاً: «الحوسبة الكمية تعني السرعة، لكننا لسنا مستعدين بعد لنشر الضرر بسرعة».

تنصح «ساس» باستخدام إطار حوكمة يسمى طبقة التفعيل (Activation Layer)، يتضمن الرقابة والعمليات والضوابط والثقافة. وأوضح أن قلة من المؤسسات اليوم جاهزة فعلياً لاستخدام القدرات الكمية. ونقل أن «معظم المؤسسات لا تزال تكافح مع أساسيات الذكاء الاصطناعي. فلنبدأ أولاً بتنظيف بياناتنا».

توحيد قوانين الذكاء الاصطناعي عالمياً

رغم التفاؤل بشأن التعاون الدولي، يشكك تاونسند في إمكانية توحيد القوانين عالمياً. وقال إنه «لن نحصل على لغة موحدة، لكن يمكننا بناء مستوى من الاتساق يسمح بالتعاون الدولي. ويبين جهود منظمات مثل (OECD) والمنتدى الاقتصادي العالمي، بالإضافة إلى مبادرات في الاتحاد الأوروبي وكوريا واليابان». ويفصّل أن المستقبل يكمن في التوافق التقني، مثل بروتوكولات «عميل لعميل» (Agent-to-Agent) التي تعمل عليها شركات كبرى، مثل «غوغل» و«أنثروبيك». واستشهد تاونسند بمثال واضح قائلاً: «كما أن الكهرباء تعمل رغم اختلاف المقابس، والإنترنت يعمل رغم اختلاف الحدود، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعمل ضمن تناغم وظيفي عالمي».

فجوة المعرفة... ومعركة الثقة

في نهاية المطاف، يرى تاونسند أن «أمية الذكاء الاصطناعي» هي التحدي الأكبر قائلاً إن «معظم الناس يخافون من الذكاء الاصطناعي لأنهم لا يفهمونه. لا يمكنك تنظيم ما لا تفهمه». ونوّه إلى الحاجة «إلى مجتمع يعرف ما يطلبه من الشركات. من دون ذلك، ستبقى الثقة هشّة».

وفي نهاية حديثه، يجزم تاونسند أن «الحوكمة ليست قضية تقنية، بل قضية قيادة». ويقول إن «ساس» تسعى من خلال وحدة أخلاقيات البيانات إلى ترسيخ ثقافة مساءلة تحفّز العملاء والمؤسسات على التفكير بعمق، والعمل بحذر، ونشر الذكاء الاصطناعي بحكمة. ويختتم قائلاً: «نحن لسنا هنا لبيع برامج فقط... بل لنطرح سؤالاً؛ هل الذكاء الاصطناعي الذي نبنيه يعكس أفضل ما فينا؟».