هل تحكم «قوات الدعم السريع» السودان بسيطرتها على الأرض؟

محللون: الانتهاكات والضعف الإداري في مناطق سيطرتها يقللان فرصها في الحكم

صورة أرشيفية تظهر عناصر من «قوات الدعم السريع» بالعاصمة السودانية الخرطوم في 18 يونيو 2019 (رويترز)
صورة أرشيفية تظهر عناصر من «قوات الدعم السريع» بالعاصمة السودانية الخرطوم في 18 يونيو 2019 (رويترز)
TT

هل تحكم «قوات الدعم السريع» السودان بسيطرتها على الأرض؟

صورة أرشيفية تظهر عناصر من «قوات الدعم السريع» بالعاصمة السودانية الخرطوم في 18 يونيو 2019 (رويترز)
صورة أرشيفية تظهر عناصر من «قوات الدعم السريع» بالعاصمة السودانية الخرطوم في 18 يونيو 2019 (رويترز)

دأب قائد «قوات الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو، الشهير بـ«حميدتي»، على ترديد القول إن قواته ظلت منذ اندلاع الحرب «تقدم خيار السلام» رغم انتصاراتها الميدانية. وفي آخر خطاباته الأسبوع الماضي، اتهم ما أطلق عليها «أيادي الحركة الإسلامية» بعرقلة الوصول إلى السلام ومنع ذهاب الجيش للتفاوض، استجابةً للمبادرة الأميركية في جنيف. وظل يؤكد أنه «معنيّ باسترداد الحكم المدني الديمقراطي»، ويجدد اتهاماته لقيادة الجيش بأنها متشبثة بـ«السلطة على حساب الوطن»، فهل تخلو الساحة لـ«قوات الدعم السريع» لتحكم البلاد؟!

رئيس «مجلس السيادة» قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في آخر ما رشح عنه، أكد سردية القوات المسلحة أن «الحرب نتيجة انقلاب فاشل دبره قائد (قوات الدعم السريع)».

قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان أيام تحالفهما (أرشيفية)

ظل طرفا الحرب في السودان يتبادلان اتهامات الانقلاب بعضهما على بعض، والقول إن إشعال شرارة الحرب كان بسبب «شهوة السلطة»، في حين يطرح كل منهما سردية مختلفة، فتأتي خلاصة ذلك لتؤكد أن الجنرالين يتصارعان على السلطة، وأنهما تبنيا دوافع مختلفة؛ فالبرهان وأنصاره من الإسلاميين من جهة، يعلنون عزمهم على القضاء على «الدعم السريع»، و«حميدتي» وأنصاره من جهة أخرى، يتوعدون بانتزاع النصر وإعادة السلطة للمدنيين، لكن الأطروحتين لا تُخفيان «صراع السلطة»، وتحديد مَن يحكم البلاد.

وتستند سردية الجيش إلى أن «قوات الدعم السريع» نفذت انقلاباً عسكرياً فاشلاً بالتعاون مع دولة أجنبية، ودعم سياسي من تحالف «الحرية والتغيير»، بهجومها على مقر قائد الجيش لقتله أو إلقاء القبض عليه، صبيحة اندلاع الحرب 15 أبريل (نيسان) 2023، ومن ثمَّ إذاعة بيان الانقلاب، في حين تقول سردية «قوات الدعم السريع»، إن قائد الجيش وحلفاءه «أرادوا التخلص من (قوات الدعم) للانفراد بالسلطة، وإعادة الإسلاميين للحكم مجدداً، بالتعاون أيضاً مع دول في الإقليم».

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري أقيم بمناسبة يوم الجيش في القضارف 14 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

في أيام الحرب الأولى، قال «حميدتي» إنه سيلقي القبض على البرهان، لتسليمه للعدالة أو قتله أثناء الحرب، وإن قواته لن تتوقف قبل تحقيق ذلك الهدف، لكن الرجل لاحقاً طور سرديته إلى أنه يريد «استعادة الانتقال المدني الديمقراطي»، خصوصاً بعد سيطرته على أجزاء واسعة من البلاد.

أما البرهان فقد ظل يؤكد مستنداً إلى جماعة الإسلام السياسي، وأنصار نظام «الإخوان» السابق، طروحه «انقلابه» الممثل في «إصلاح حال السودان، مقابل فوضى المدنيين وفشلهم»، لكنه ظل متمسكاً بكرسي «رئيس مجلس السيادة الانتقالي»، رغم الفراغ الذي تركه حل المجلس الشرعي وإبعاد المدنيين منه.

ولتكريس السلطة في يده، فإن البرهان، وبُعيد الانقلاب بقليل، عيّن «مدنيين» في المجلس العسكري، لكنه سرعان ما أقالهم، وبقي على رأس المجلس الذي كان يتكون من 11 عضواً، نصفهم مدنيون والنصف الآخر عسكريون، حسب الوثيقة الدستورية الحاكمة للبلاد، وأبقى على أربعة عسكريين بعد إقالة «حميدتي»، ثم بقرارات متباعدة عيَّن أعضاء جدداً بالمجلس من مؤيدي الجيش من الحركات المسلحة، لكن السلطة الفعلية بقيت بيده.

ولا يمكن، وفقاً للمراقبين، إخفاء «الصراع على السلطة» بين الجنرالين، لكن من ينتصر ليحكم، هو أمر تحدده الأوضاع المدنية والعسكرية والسياسية والدولية المحيطة بالمشهد السياسي في البلاد. فرغم سيطرة «قوات الدعم السريع» على مناطق واسعة من البلاد كلياً وجزئياً، فإن الجيش لا يزال يتمسك بـ«السيادة» رغم تراجعه الكبير.

آلية للجيش السوداني في الخرطوم (أرشيفية - رويترز)

في رؤية استشرافية، توقع المفكر السوداني الحاج وراق، قبيل الانقلاب العسكري ضد الحكومة المدنية بقيادة عبد الله حمدوك، صراع الجنرالين على السلطة، وصدامهما على ما سماها «غنيمة السلطة» بقوله: «طبيعة الحكم العسكري الاستفراد. ولا يوجد حكم عسكري برأسين، وكل حكم عسكري له رأس واحد، لذلك فإنهما (حتماً) سيقتتلان».

صدقت توقعات الوراق، وانقلب الرجلان، مثلما صدقت توقعاته بفشل الانقلاب، وهنا بدأ حميدتي «يتملص» من الانقلاب، وكان قد ذكر في عدة أحاديث صحافية أنه «تورط» في الانقلاب الذي أعاد الإسلاميين الذين أبعدتهم الثورة الشعبية إلى السلطة، موجهاً اتهاماته لرفيق الانقلاب بأنه أعادهم للواجهة، فزادت الشُّقة بين الرجلين، ووصلت القطيعة بينهما إلى حدّ «عدم تبادل السلام».

فشل الانقلاب الثنائي نتيجة المقاومة الشعبية الواسعة والجسورة التي واجهته، ولم يفلح العنف اللافت الذي مارسه الانقلابيون إزاء المدنيين، وقتل العشرات وجرح الآلاف منهم. ثم فشل الانقلاب في الحصول على تأييد إقليمي أو دولي، بل جمّد «الاتحاد الأفريقي» عضوية السودان مما خنق الانقلاب، فطفت خلافات الرجلين على السطح مبكراً.

تصاعدت حدة التوتر بين «طرفي الانقلاب»، وتوترت العلاقة الاجتماعية بينهما، مما كان ينذر بصراع «مسلح» وشيك، وإزاء ذلك توافقت القوى المدنية وقتها في «تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير» وقوى أخرى رافضة للانقلاب من حيث المبدأ، مع قادة الطرفين، ووقعوا اتفاقاً «إطارياً» قضى بتوحيد الجيش وخروجه من السلطة وإبعاد العناصر الإسلامية داخله، ثم دمج «قوات الدعم السريع» في قطاعاته.

المتظاهرون المطالبون بحكومة مدنية خلال احتجاجات كبيرة في الخرطوم 30 يونيو 2019 (غيتي)

لكنّ شِقاً من «الحركة الإسلامية» وحزب «المؤتمر الوطني»، رأى في الاتفاق الإطاري خطراً يتهدده، ويتهدد التخطيط للعودة للسلطة، والمكتسبات التي جاءت مع الانقلاب، فعمل على «إجهاضه» واستغلال الصراع بين الجنرالين على مدة دمج القوات، والهياكل القيادية. ويقول المناصرون لـ«قوات الدعم السريع» إن «الإسلاميين ورَّطوا الجيش في حرب لم يكن مستعداً لها باستخدام بعض عناصرهم، لقطع الطريق أمام اتفاق تهدئة كانت القوى المدنية قد أوشكت على عقده مع الرجلين، بالهجوم على معسكر (الدعم السريع) في المدينة الرياضية».

وتوعد قادة الجيش بحسم المعركة ضد «قوات الدعم السريع» في غضون ساعات، لكن تقديراتهم للموقف لم تكن سليمة، فاستمرت الحرب، ولا تزال. بل نتجت عنها سيطرة «قوات الدعم السريع» على بعض ولايات البلاد، وحاميات، وفرق الجيش بما في ذلك العاصمة الخرطوم، في حين اضطرت قيادة الجيش لنقل العاصمة إلى بورتسودان بشرق البلاد، ووصلت الحرب إلى كل ولايات البلاد ما عدا ولايتين يسيطر عليهما الجيش كلياً هما «كسلا والبحر الأحمر» من جملة ولايات البلاد الـ18.

الواقع الميداني الذي نتج عن الحرب أثار التساؤلات عمّا إذا كان بمقدور «قوات الدعم السريع» حكم السودان، لكن الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها في مناطق سيطرتها، أضعفت الاحتمال.

الدخان يتصاعد في مدينة أم درمان بالخرطوم جراء عمليات القصف (رويترز)

واستبعد المحلل السياسي محمد لطيف بدوره في حديث لـ«الشرق الأوسط» ذلك الاحتمال، وقال: «بغضّ النظر عن الأحاديث عن الانتهاكات - وهي مؤثرة لا شك - فإن تجربة (الدعم السريع) الإدارية في مناطق سيطرتها، كشفت عن ضعف كبير وثغرات واضحة».

بيد أن لطيف لم يستبعد أن يخلق استمرار الحرب «سيطرة مطلقة لـ(الدعم السريع)، تضع بموجبها الجميع أمام أمر واقع جديد تماماً»، وقال: «أفريقيا عامرة بالنماذج الشبيهة، وأعني انهيار دولة بالمعنى السياسي، وقيام دولة جديدة مكانها».

أما المحامي والناشط في مجال الحقوق، حاتم إلياس، فقد وضع شرطاً لحكم «قوات الدعم السريع» للبلاد، يتمثل في استعادة ثقة الشعب السوداني، وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «ذلك رهن قدرتها على ضبط تفلتات قواتها»، وأوضح: «نقطة الضعف الوحيدة لـ(قوات الدعم السريع) هي عدم قدرتها على ضبط تفلتات قواتها».

وقال إلياس: «(قوات الدعم السريع) واقعياً تسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد، وإذا استطاعت مسح الصورة الكارثية التي رسمتها تلك الانتهاكات، يمكنها حينها أن تحكم البلاد، وأن يعود الناس إلى مدنهم».

ولحكم البلاد، اشترط إلياس «وجود حليف مدني ذي قاعدة كبيرة، يستولي على السلطة عبر اتفاق سياسي وفني، يحتفظ فيه لـ(قوات الدعم) بدورها العسكري وحفظ النظام، فيما يحتفظ المدنيون بإدارة السلطة»، وتابع: «هنا يمكن أن تتصدى تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) والقوى المدنية المناهضة للحرب لهذه المهمة».

مظاهرات صاخبة خرجت من الخرطوم احتفالاً بسقوط نظام البشير 2019 (إ.ب.أ)

وأمام تفريطها فيما سمّاها «المسؤولية التاريخية»، فإن القوى المدنية، حسب ظنه، تصبح «أقرب للجيش منها لـ(الدعم السريع)، على عكس ما يروج له بأنها حليف (الدعم السريع)»، وأوضح: «لو تبقت قرية واحدة في صحراء السودان تحت سيطرة الجيش، فإن (تقدم) ستظل تطالب بحضوره في أي اتفاق، لأنها تضمر أن أي شرعية أو اتفاق سياسي، لن يتم إلاّ بوجود الجيش السوداني، وأنه لو خرج من المعادلة تماماً، فهي ستذهب إليه وتستدعيه من الغياب كأن شرعية أي سلطة لا تكتمل إلا بحضوره».

فهل يستمر البرهان حاكماً للسودان تحقيقاً لـ«الأسطورة» المنسوبة لوالده بأنه «تنبأ له بحكم البلاد»، أم أن «المقاتل حميدتي» القادم من الصحراء، هو الذي سينقل مركز الحكم إلى مضارب البدو؟


مقالات ذات صلة

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)
الولايات المتحدة​ مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا النيران تلتهم سوقاً للماشية نتيجة معارك سابقة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أ.ف.ب)

السودان: توغل «الدعم السريع» في النيل الأزرق والجيش يستعيد بلدة

تشير أنباء متداولة إلى أن الجيش أحرز تقدماً كبيراً نحو مدينة سنجة التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، يونيو (حزيران) الماضي.

محمد أمين ياسين (نيروبي)

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)
حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)
TT

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)
حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)

في سياق تكثيف مصر دعمها للسودان في إعادة الإعمار، ناقش ملتقى اقتصادي في القاهرة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي بهدف تقليل تأثيرات وخسائر الحرب السودانية، ودعم الأمن الغذائي بين البلدين.

واستضافت العاصمة المصرية القاهرة فعاليات «الملتقى المصري - السوداني الأول لرجال الأعمال»، اليوم السبت، بعد أيام من انعقاد «المؤتمر الاقتصادي الأول» في السودان، وناقش مسؤولون ورجال أعمال من البلدين فرص التوسع في الشراكات الاقتصادية.

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 حرباً داخلية بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، راح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت «نحو 13 ملايين سوداني للفرار داخلياً وخارجياً لدول الجوار»، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

وأكد نائب رئيس مجلس الوزراء المصري، ووزير النقل والصناعة، كامل الوزير، في كلمته بالملتقى، أن التحديات التي تواجهها مصر والسودان «تفرض التعاون المشترك في مختلف المجالات»، لافتاً إلى حرص بلاده على «دعم السودان لتجاوز محنة الحرب وعودة الاستقرار».

وعدد الوزير المصري مجموعة من الفرص، التي يمكن استثمارها لدفع مجالات التجارة والصناعة والاستثمار في البلدين، منها «ثلاثة محاور للنقل البري، والمواني الجافة على الحدود المشتركة في معبري (قسطل وأرقين)»، إلى جانب ميناء للملاحة النهرية بين بحيرة ناصر (جنوب مصر) إلى وادي حلفا (شمال السودان)، معلناً عن مخطط مصري لمد مشروع خط القطار السريع «أبو سمبل - الإسكندرية» إلى السودان في منطقة «وادي حلفا»، ومؤكداً أن دراسات المشروع «باتت جاهزة للتنفيذ وتتبقى موافقة الجانب السوداني».

ويربط مصر والسودان منفذان بريان، هما معبرا «أرقين»، و«أشكيت» (ميناء قسطل) بوادي حلفا بالولاية الشمالية، ويعتمد البلدان على المعبرين في التبادل التجاري ونقل الأفراد.

وزير النقل المصري خلال كلمته بـ"الملتقى المصري-السوداني" (مجلس الوزراء المصري)

ودعا كامل الوزير المستثمرين السودانيين لتوسيع أعمالهم في السوق المصرية، مشيراً إلى أن حكومة بلاده «مستعدة لإزالة أي عقبات أمام الشركات السودانية للاستفادة من الفرص المتاحة في قطاعات التجارة والقطاعات الإنتاجية»، ومنوهاً بـ«إجراءات تحسين مناخ الاستثمار بمصر لتسهيل تأسيس الشركات، وإقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة».

وأضاف الوزير موضحاً أن «ملتقى رجال الأعمال المصري - السوداني» سيشكل «نواة للشراكة في المجال الصناعي بين البلدين، بما يعزز من التكامل الإقليمي، مع التعاون في مجال الأمن الغذائي».

وشارك في الملتقى وفد حكومي سوداني، ضم وزراء الصناعة والنقل والتموين والنفط والكهرباء، إلى جانب ممثلين من مجتمع الأعمال المصري - السوداني، وروابط الجالية السودانية بمصر.

وحسب تقديرات رسمية، تستضيف مصر نحو مليون و200 ألف سوداني، فروا من الحرب الداخلية، إلى جانب آلاف آخرين من الذين يعيشون في المدن المصرية منذ سنوات.

وعدّ السفير السوداني بمصر، عماد الدين عدوي، أن مبادرة انعقاد (ملتقى رجال الأعمال) بين البلدين «تستهدف تدشين شراكة لإعادة الإعمار في بلاده بعد الحرب»، مشيراً إلى أن الشركات المصرية (حكومية وخاصة) «هي الأجدر والأقدر على القيام بعملية الإعمار، وإعادة بناء ما دمرته الحرب».

كما أشار عدوي إلى أن الحرب «أثرت على النشاط الاقتصادي لبلاده، وحدّت من فرص التبادل التجاري»، غير أنه لفت إلى أن «نسب التجارة المصرية - السودانية لم تتأثر كثيراً، إذ حافظت على استقرارها عامي 2022 و2023»، وقال إن من أهداف الملتقى «دفع الشراكة لتحقيق الأمن الغذائي».

وسجل حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان نحو 1.4 مليار دولار خلال عام 2023، مقابل 1.5 مليار دولار عام 2022، بنسبة انخفاض قدرها 6.4 في المائة، وفق إفادة لـ«الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» بمصر، في مارس (آذار) الماضي. (الدولار الأميركي يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية).

مشاركات واسعة في "الملتقى المصري-السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة" (مجلس الوزراء المصري)

من جانبه، تحدث وزير التموين المصري، شريف فاروق، عما تنفذه بلاده من مشروعات بنية تحتية ولوجيستية، وقال إن تلك المشروعات «تمنح فرصاً للمستثمرين المصريين والسودانيين لتعزيز شراكتهم واستثماراتهم».

بينما أشار وزير التموين والتجارة السوداني، عمر محمد أحمد، إلى تأثير الحرب الداخلية على القطاعات الإنتاجية في بلاده، لافتاً في كلمته بالملتقى إلى «حاجة بلاده لمزيد من الاستثمارات في الأمن الغذائي»، ودعا إلى «تأسيس تحالف استراتيجي اقتصادي تجاري بين البلدين».

وناقش الملتقى ورقتي عمل حول عملية «إعادة الإعمار في السودان»، وفرص «تحقيق الأمن الغذائي بين البلدين»، وقدّر مدير «مركز التكامل المصري - السوداني»، عادل عبد العزيز، حجم خسائر القطاع الاقتصادي في السودان بسبب الحرب بنحو «89 مليار دولار»، من دون احتساب خسائر تدمير البنية التحتية والمنشآت، وقال في كلمته بالملتقى إن السودان «يواجه إشكالية مع المجتمع الدولي، ويعوّل على الشراكة مع الدول الصديقة مثل مصر لتجاوز أي تحديات».

وخلال فعاليات الملتقى، تحدث ممثلون عن المستثمرين ورجال الأعمال بالبلدين، وأشار ممثل مجتمع الأعمال السوداني، سعود مؤمن، إلى أن الملتقى «يروم تكامل جهود البلدين في إعادة الإعمار، وتوفير احتياجات السودان من السلع الضرورية»، منوهاً بـ«رغبة القطاع الخاص السوداني في تدشين تجمعات اقتصادية مع نظرائهم بمصر في مجال الصناعات الغذائية».

كما أشار رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، إلى أن «الزراعة تعد من أكثر المجالات جذباً للاستثمار بالسودان لتوافر المياه والأرض الصالحة»، فيما رأى ممثل مجتمع الأعمال المصري، أحمد السويدي، أن «التصنيع الزراعي أحد المجالات التي يمكن الاستثمار بها في السودان».