بات المشهد العسكري والسياسي في ليبيا مشوباً بالكثير من التوتر والقلق والمخاوف، وذلك إثر تحريك «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خلفية حفتر، قواته إلى جنوب غربي البلاد، وسط تأهب سلطات طرابلس، واستدعاء لقواتها.
ورصد ليبيون تحرك أرتال عسكرية تابعة لـ«الجيش الوطني» من قاعدة تمنهنت (جنوب)، باتجاه مدينة غدامس، الواقعة قرب المثلث الحدودي مع تونس والجزائر. وجاء هذا التحرك عقب إعلان رئاسة أركان القوات البرية، بقيادة صدام حفتر، أمس الأربعاء، نقل وحدات عسكرية تابعة لرئاسة الأركان العامة إلى مختلف مدن ومناطق الجنوب الغربي.
ولم توضح «رئاسة الأركان» وجهة قواتها العسكرية، لكنها قالت إن هذا التحرك يأتي بتوجيهات من القائد العام «في إطار خطة شاملة لتأمين الحدود الجنوبية للوطن؛ وتعزيز الأمن القومي للبلد واستقراره في هذه المناطق الحيوية، وذلك من خلال تكثيف الدوريات الصحراوية، والرقابة على الشريط الحدودي مع الدول المجاورة». مشيرة إلى أن القيادة العامة تسعى بهذا التحرك إلى «تعزيز الأمن على الحدود، والتصدي لأي تهديدات قد تستهدف سلامة واستقرار الوطن»، وفي المقابل، لم تستبعد مصادر محسوبة على غرب ليبيا أن يكون تحريك هذه الآليات والقوات بهدف السيطرة على معبر «غدامس - الدبداب» الحدودي مع الجزائر، وهو الأمر الذي لم تحسمه سلطات شرق ليبيا.
ويبدو أن محيط مدينة غدامس، الواقعة أقصى غرب ليبيا، سيتحول إلى مسرح لأحداث ساخنة خلال الأيام المقبلة، وذلك بسبب ما شهده من تحشيد عسكري مؤخراً بين موالين لحكومة «الوحدة» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وموالين لـ«الجيش الوطني».
وفيما يعد رفعاً لمستوى التأهب استعداداً لـ«هجوم محتمل» من «الجيش الوطني»، أعطى معاون رئيس الأركان بقوات الدبيبة، الفريق صلاح النمروش، اليوم (الخميس)، تعليماته لوحدات قواته برفع درجة الاستعداد لصد أي هجوم محتمل، دون توضيح المزيد.
وطالبت «قوة العمليات المشتركة» التابعة لقوات غرب ليبيا، اليوم (الخميس)، من جميع منتسبيها والقوات المساندة التواجد فوراً بمقر القوة، مصحوبين بكافة تجهيزاتهم ومعداتهم، واكتفت في بيان مقتضب بالقول إن «الأمر في غاية الأهمية». وتحدث ناصر عمار، آمر «قوة الإسناد بعملية بركان الغضب»، الموالية لحكومة «الوحدة»ـ عن وجود حشود عسكرية انطلقت من مصراتة إلى العاصمة طرابلس منذ الصباح الباكر، مشيراً إلى انضمام ألوية عدة، منها «العاديات» و«أبو بكر الصديق»، و«كتائب اللواء 32 المعزز»، و«كتيبة المجاهد»، والتي يصل أفرادها تباعاً، ضمن قوات مساندة لتوحيد «غرفة عمليات فجر الحرية» مع العمليات الغربية.
ويرى متابعون ليبيون أن التوترات الحاصلة قرب غدامس تعد جزءاً من الصراع الدولي في الساحل الأفريقي، معتبرين أن «كل طرف يسعى لتعزيز قواته عبر حلفائه العسكريين في المنطقة، بقصد إحكام السيطرة على غدامس ومطارها، ومن ثم فتح نافذة حدودية جديدة على القارة».
وجاء هذا التطور وسط أجواء متوترة في العاصمة طرابلس، إثر خلاف نشب على رئاسة المجلس الأعلى للدولة بين رئيسه المنتهية ولايته محمد تكالة، ورئيسه السابق خالد المشري، بالإضافة إلى أمر النائب العام باعتقال وزير النفط والغاز المكلف بحكومة «الوحدة»، خليفة عبد الصادق.
بموازاة ذلك، واصل المبعوث الأميركي، ريتشارد نورلاند، جولاته ما بين طرابلس وبنغازي «للتأكيد على ضرورة التوافق بين الأطراف الليبية بشأن المسار المستقبلي للعملية السياسية في ليبيا»، وفق المبعوث ريتشارد نورلاند، على حساب سفارته على منصة «إكس».
والتقى المبعوث الأميركي خلال اليوم الماضيين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، في بنغازي. كما التقى في طرابلس كلاً من عضوي المجلس الرئاسي عبد الله اللافي وموسى الكوني، ورئيس مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح، ورئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة.
وقالت السفارة الأميركية إن نورلاند عقد اجتماعاً، اليوم (الخميس) وصفته بـ«المهم» مع محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، وقال المبعوث: «ناقشنا الحاجة الضرورية إلى اتفاق قائم على التوافق بشأن ميزانية موحدة بين الشرق والغرب للحد من الإنفاق، وضمان الشفافية والمساءلة، والسماح بسياسة نقدية ومالية متماسكة».
وأوضح المتحدث باسم مجلس النواب عبد الله بليحق، أن لقاء عقيلة ونورلاند «بحث مستجدات الأوضاع في ليبيا وسبل إنهاء الأزمة الراهنة، كما تناول اللقاء انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة، حيث جرى التأكيد على الالتزام بما ينص عليه القانون في هذا الشأن».
في سياق ذلك، فرضت الأزمة الليبية نفسها على المحادثات الهاتفية لوزيري الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره المغربي ناصر بوريطة، وقال السفير أحمد أبو زيد، المتحدث باسم الخارجية، إن الوزيرين أكدا على أهمية استمرار التنسيق إزاء مختلف الملفات المطروحة على الساحتين الأفريقية والعربية، وبحث مستجدات الأوضاع في ليبيا، حيث أكد الوزيران على أهمية التنسيق المشترك فيما يتعلق بجهود حل الأزمة، وضعاً في الاعتبار تماثل موقف الدولتين في هذا الصدد.
وفيما يتعلق بتعقب «ملفات الفساد» في ليبيا، أمرت النيابة العامة بحبس وزير النفط والغاز المكلف بحكومة «الوحدة الوطنية» خليفة عبد الصادق، ومدير شؤون مكتبه، لاتهامهما بـ«الفساد المالي».
وأوضح مكتب النائب العام، مساء (الأربعاء)، أن عبد الصادق تعمد تهديد مسؤول محاسبة الشركات لحمله على اعتماد مستند يجيز التصرف في 457 مليوناً و600 ألف يورو لفائدة شركة أجنبية بالمخالفة للتشريعات. ووفق النيابة العامة، فقد أثبتت التحقيقات انتهاج الوزير سلوكاً يتعارض مع الواجبات الوظيفية، مشيراً إلى أن المحقق انتهى إلى حبس المتهمَين على ذمة القضية.