«مقابر المهاجرين» في ليبيا... نهاية محتملة على طريق «الحلم الأوروبي»

«المفوض الأممي» طالب بكشف حقيقة مقتل 65 شخصاً في الصحراء

مكان العثور على 65 جثة لمهاجرين في الصحراء الليبية (جهاز المباحث الجنائية بغرب البلاد)
مكان العثور على 65 جثة لمهاجرين في الصحراء الليبية (جهاز المباحث الجنائية بغرب البلاد)
TT

«مقابر المهاجرين» في ليبيا... نهاية محتملة على طريق «الحلم الأوروبي»

مكان العثور على 65 جثة لمهاجرين في الصحراء الليبية (جهاز المباحث الجنائية بغرب البلاد)
مكان العثور على 65 جثة لمهاجرين في الصحراء الليبية (جهاز المباحث الجنائية بغرب البلاد)

طالب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة فولكر تورك، السلطات الليبية، بالتحقيق في «مقبرة جماعية» تضم 65 مهاجراً، عُثر عليها نهاية مارس (أذار) الماضي، بالصحراء شمال غربي البلاد.

وتُعيد المطالبة الأممية التذكير بمصائر محتملة لمئات المهاجرين غير النظاميين، الذين يتسرّبون إلى ليبيا لتحقيق «حلمهم» بالهروب إلى أوروبا، لكن عادةً ما تنتهي رحلتهم بالموت عطشاً في الصحراء، ومن ثمّ الدفن بـ«مقابر جماعية».

فرق البحث المختصة تحدد أماكن جثت المهاجرين القتلى (جهاز المباحث الجنائية بغرب البلاد)

وقبل قرابة 3 أشهر من الآن، أعلن جهاز المباحث الجنائية الليبي، العثور على جثث 65 مهاجراً في «مقبرة جماعية» بمنطقة الشويرف الصحراوية، الواقعة على الحدود مع تونس، ولم يكشف جهاز المباحث التابع لإدارة المختبرات والأدلة الجنائية بغرب ليبيا حينها عن أي تفاصيل تتعلق بالضحايا، الذين عثر على رفاتهم، أو معرفة جنسياتهم، لكن «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان» رجّحت أن يكون الضحايا قضوا «أثناء عملية تهريبهم عبر الصحراء».

ومنذ الكشف عن «مقبرة 65»، لم تظهر أي نتائج تحقيقات توضّح حقيقة ما تعرّض له الضحايا بالصحراء، بعد أن أشرف الجهاز على دفن الجثامين في مقبرة ثانية، تم تخصيصها بإشراف المحامي العام بدائرة استئناف غريان، ورئيس نيابة غريان الابتدائية، ومدير نيابة الشويرف الجزئية.

وحول هذه المقبرة، قال المفوض السامي تورك، الثلاثاء، إن مكتبه يتابع تقارير بشأنها، وتحدّث عما أسماها «التطورات المتعاقبة والمثيرة للقلق في ليبيا».

وأضاف تورك، في كلمة أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف: «أطالب السلطات بالرد سريعاً على استفساراتنا، والتحقيق في هذه الجرائم بشكل وافٍ»، كما ندّد بالانتهاكات «واسعة النطاق» ضد المهاجرين واللاجئين، مؤكداً أن من حق ذوي «من قُتلوا أن يعرفوا الحقيقة».

وكان مصدر بنيابة غريان قد صرح لـ«الشرق الأوسط» بأن التحقيقات التي بدأت عقب العثور على المقبرة «ستتطلب وقتاً لمعرفة هوية الضحايا، وطريقة موتهم»، متوقعاً أن يكونوا «قضوا خلال عملية تهريبهم عبر الصحراء من عصابات المتاجرة بالبشر».

وتكثر في ليبيا عمليات اكتشاف جثث مجهولة الهوية في الصحراء، تعود غالباً لمهاجرين قضوا على طريق الهجرة، في سبيل تحقيق حلمهم بالهروب إلى أوروبا. وسبق أن أعلنت سلطات غرب ليبيا العثور على 27 جثة في الصحراء على الحدود مع تونس، كما أكّدت في وقت آخر العثور على 20 جثة لمهاجرين بالقرب من تشاد، بعد أن ضلوا طريقهم في الصحراء الليبية.

خفر السواحل بغرب ليبيا خلال عملية إنقاذ عدد من المهاجرين (وزارة الداخلية بحكومة الوحدة)

ويمثّل المهاجرون غير النظاميين العدد الأكبر في هؤلاء الضحايا، بسبب إقدامهم على الهروب إلى ليبيا عبر الصحراء المترامية، ففي مطلع 2022 رصدت بعثة لتقصّي الحقائق، تابعة للأمم المتحدة لتوثيق شهادات مهاجرين تعرضوا للانتهاكات، أن المهاجرين تحدّثوا عن «مقابر جماعية في الصحراء الليبية، بالقرب من مدينة بني وليد، دُفن فيها عدد كبير من المهاجرين ممن قضوا تحت التعذيب».

ونقلت البعثة عن أحد الشهود أنه «دفن بنفسه 3 أشخاص في إحدى هذه المقابر».

وتُعَدّ بني وليد (150 كيلومتراّ شرق طرابلس)، نقطة مهمة في رحلة المهاجرين القادمين من الجنوب؛ سعياً للوصول إلى الساحل الليبي.

العثور على 12 سورياً قرب حدود ليبيا (جمعية النجدة «غوث» للبحث والإنقاذ بالجزائر)

وانشغلت الأوساط الحقوقية في ليبيا، الثلاثاء، بالعثور على 12 سورياً وجزائريَّين اثنين قضوا بالقرب من الحدود الليبية، خلال محاولتهم الهجرة إلى أوروبا، بعد أن تعطّلت حافلة كانت تقلّهم في الصحراء.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن «جمعية غوث الجزائرية للبحث والإنقاذ» أن الضحايا الـ14 لقوا حتفهم بعدما ضلّوا في الصحراء بولاية إليزي الجزائرية الحدودية مع ليبيا.

وتسعى سلطات غرب ليبيا لعقد «منتدى الهجرة عبر المتوسط»، منتصف الشهر الحالي، بقصد بحث قضية الهجرة غير النظامية، ووضع إطار استراتيجي يعزّز الحوار والتعاون بين أفريقيا وأوروبا.

وتكثر في ليبيا عمليات دفن جثث المهاجرين، التي يتم انتشالها من البحر المتوسط في «مقابر جماعية»، بعد اتخاذ الإجراءات القانونية كافة.

وقالت المنظمة الدولية للهجرة، الثلاثاء، إن السلطات الليبية اعترضت وأعادت 598 مهاجراً إلى ليبيا في الفترة الممتدة من 30 يونيو (حزيران) الماضي، إلى 6 يوليو (تموز) الحالي.

بعض جثث المهاجرين الذين قضوا في الصحراء الليبية (جهاز المباحث الجنائية بغرب البلاد)

وسبق أن أعلنت السلطات الليبية العثور على عائلة سودانية مكوّنة من 8 أشخاص، فُقدت قبل 5 أشهر في الصحراء، نتيجة تعطّل سيارتهم، حسبما أفاد به حينها مركز شرطة الكفرة (جنوب شرقي ليبيا). كما أعلن رئيس جهاز الإسعاف والطوارئ بمدينة الكفرة، إبراهيم بلحسن، العثور في وقت سابق على 10 تائهين في صحراء.

وعادةً ما ينتهي مصير المهاجرين غير الشرعيين بالقتل، نتيجة خلافات بين تجار البشر والسماسرة، على غرار ما شهده شاطئ مدينة صبراتة قبل عامين، ما أودى بحياة 15 شخصاً رمياً بالرصاص داخل القارب الذي كان يقلّهم، قبل إضرام النار بجثثهم، في قضية لا تزال قيد التحقيق.


مقالات ذات صلة

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

شمال افريقيا الدبيبة خلال لقائه عدداً من عمداء البلديات (حكومة الوحدة)

رئيس «الوحدة» الليبية يطالب مجدداً بـ«قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات

تمسك عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، مجدداً بضرورة وجود «قوانين عادلة» لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المؤجلة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
خاص تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

خاص دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

بعد إعلان السلطة في غرب ليبيا عن إجراءات واسعة ضد النساء من بينها "فرض الحجاب الإلزامي"، بدت الأوضاع متجه إلى التصعيد ضد "المتبرجات"، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الحويج و«الوزير الغيني» (وزارة الخارجية بحكومة حماد)

زيارة «وزير غيني» لحكومة حمّاد تفجر جدلاً في ليبيا

بعد أكثر من أسبوعين أحدثت زيارة أجراها «وزير دولة في غينيا بيساو» لحكومة شرق ليبيا حالة من الجدل بعد وصفه بأنه شخص «مزيف».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا وقفة احتجاجية سابقة لمتضررين من حرق السجل العقاري في عهد النظام السابق (لقطة من مقطع فيديو)

بعد 39 عاماً... مطالبة بالتحقيق في «إحراق» أرشيف السجل العقاري الليبي

بعد 39 عاماً على «إحراق» أرشيف السجل العقاري خلال عهد الرئيس الراحل معمر القذافي، يطالب ليبيون بفتح تحقيق في هذه القضية لـ«تضررهم من الحادثة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا عدد من رؤساء منظمات المجتمع المدني من ليبيا ومن خارجها (البعثة الأممية)

ليبيا: الأمم المتحدة تبحث فرص نزع سلاح الميليشيات و«تفكيكها»

رعت البعثة الأممية اجتماعاً يضم رؤساء منظمات مجتمع مدني ومسؤولين حكوميين لمناقشة قضية نزع سلاح التشكيلات المسلحة وإعادة إدماجها في مؤسسات الدولة.

جمال جوهر (القاهرة)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)
علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)
TT

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)
علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

مع اقتراب دفع المحكمة الجنائية الدولية بـ«المرافعات» الختامية في قضية السوداني علي عبد الرحمن، الشهير بـ«علي كوشيب»، المتهم بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم بدارفور، وصف الدفاع المتهم كوشيب بأنه «كبش فداء» قدّمته الحكومة السودانية للتغطية على المتهمين الرئيسيين، وهم: الرئيس المخلوع عمر البشير، ووزيرا «الدفاع» وقتها عبد الرحيم محمد حسين، و«الداخلية» أحمد هارون.

وقالت المحكمة الجنائية، في «ورشة عمل» عقدتها للصحافيين السودانيين في العاصمة الكينية كمبالا، الجمعة، إن المحكمة قررت تقديم المرافعات الختامية في قضية المدعي العام ضد علي محمد علي عبد الرحمن، الشهير بـ«علي كوشيب»، في الفترة من 11 إلى 13 ديسمبر (كانون الأول) 2024، بمقر المحكمة في مدينة لاهاي الهولندية.

ويواجه عبد الرحمن 31 تهمة تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يُزعم أنها ارتُكبت في إقليم بدارفور السودان، خلال الفترة بين أغسطس (آب) 2003، وأبريل (نيسان) 2004، بمناطق مكجر وبندسي ودليج وكدوم بوسط دارفور.

مطالب بتسليم البشير وهارون

وقال المستشار بمكتب المدعي العام داهيرو سان آنا، عبر تقنية مؤتمر فيديو من لاهاي، إن مكتبه يحقق في أحداث دارفور الناجمة عن الحرب الحالية، وإنه كلف فريقاً يقوم بجمع المعلومات في دارفور يتعلق بالقضايا الجديدة، في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يتحدث الناس أنها تحدث في الإقليم المضطرب، وبنهاية التحقيقات سيجري تقديم طلبات لقضاة المحكمة لتوجيه اتهامات.

عمر البشير خلال محاكمته بالفساد يونيو 2019 (رويترز)

وأوضح أن المتهمين الرئيسيين؛ الرئيس السابق عمر البشير، ووزير دفاعه وقتها عبد الرحيم محمد حسين، ووزير داخليته أحمد محمد هارون، لا يزالون دخل السودان. وأضاف: «وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي، يجب تسليمهم للمحكمة، وهو التزام لا يزال قائماً». وتابع أن انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 الذي قاده الجيش صعب الأوضاع المتعلقة بتسليم المتهمين.

وقال داهيرو إن تسليم المتهمين يقع على حكومة السودان التي تَعلم مكان المتهمين. وتابع: «سألناهم، العام الماضي، ولم يعطونا معلومات، وقالوا إنهم يحققون في مكان وجود أحمد هارون». واستطرد: «التحقيقات مع كوشيب أشارت إلى ضلوع هارون في كل الجرائم المرتكبة بواسطة كوشيب، وطالبنا بتسليمه ليحاكَم الرجلان معاً، لكن هذا لم يحدث».

وعادت قضية تسليم أحمد محمد هارون إلى الواجهة مجدداً، بعد تصاعد الصراعات داخل حزب البشير «المؤتمر الوطني»، وانتخاب الرجل رئيساً للحزب، رغم التهم الموجهة له من قِبل المحكمة الجنائية الدولية، والاتهامات التي يواجهها في القضاء المحلي.

مئات الأشخاص يفرون يومياً من دارفور إلى مخيم أدري الحدودي في تشاد هرباً من الحرب (رويترز)

وبإطاحة حكم الرئيس عمر البشير، يواجه الرجال الثلاثة المحاكمة باتهامات تتعلق بتدبير انقلاب 1989، تصل عقوبتها للإعدام. وعقب اندلاع الحرب، في 15 أبريل، خرج هارون ومتهمون آخرون من السجن، ولا يعلم مكان وجودهم، بينما لا تزال السلطات تقول إن البشير وحسين لا يزالان قيد الحبس، دون أن تكشف عن مكان حبسهما.

اتهامات لحكومة السودان

بدوره، قال المتحدث باسم المحكمة، فادي العبد الله، إن المحكمة لا تستطيع توسيع نطاق اختصاصها إزاء الجرائم التي يزعم أن قوات «الدعم السريع» ترتكبها في مناطق جديدة من السودان؛ لأن السودان ليس عضواً في ميثاق روما المكون للمحكمة الجنائية الدولية، وأن اختصاصها يقتصر على قرار مجلس الأمن 1593 الصادر في 2005، الذي أحال الوضع في دافور للمحكمة.

واتهم محامي المتهم سيريل لاوشي، في إفادته، للصحافيين، «حكومة السودان» بأنها قدمت كوشيب «كبش فداء» للتستر على المتهمين الرئيسيين. وقال: «جاء ممثل السودان، وقال: خذوه وحاكموه، فهذا هو الشخص الذي يجب أن تجري محاكمته، على الرغم من وجود المتهمين الرئيسيين؛ عمر البشير ومساعديْه وزيري الدفاع والداخلية».

وأرجع محامي كوشيب تأخير إجراءات المحاكمة إلى عدم مثول المتهمين الآخرين، وأضاف: «كان يمكن أن تسير الإجراءات بشكل يحقق العدالة، بحضور المتهمين». وأقر المحامي لاوشي بوقوع الجرائم موضوع المحاكمة، وطالب بجبر ضرر الضحايا، بقوله: «للمجني عليهم الحق في جبر الضرر، بغض النظر عن إدانة كوشيب أو تبرئته، وحق الضحايا لن يتأثر بكونه مجرماً أو غير مجرم».

صورة من الدمار الذي خلّفه القتال في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور (أرشيفية - أ.ف.ب)

ووفقاً للمتحدثين باسم محكمة لاهاي، فإن مكتب المدعي العام والممثلين القانونيين للضحايا، وهيئة الدفاع سيدلون بمرافعاتهم الختامية، في الوقت المحدد، أمام الدائرة الابتدائية الأولى المكونة من القاضية جوانا كورنر «قاضية رئيسة»، والقاضيتين راين ألابيني غانسو وألتيا فيوليت أليكسيس.

وبدأت محاكمة كوشيب أمام الدائرة الابتدائية الأولى، في 5 أبريل 2022، على أثر تسليمه نفسه للمحكمة في يونيو (حزيران) 2020، واستجوبت المحكمة، خلال التقاضي، 56 شاهداً، وقفلت قضية الادعاء في 5 يونيو 2023، وينتظر أن تستمع المحكمة إلى مرافعتَي الاتهام والدفاع الختاميتين، قبل اتخاذ قرار بشأن الرجل المحبوس لدى المحكمة في لاهاي.