توجس في الجزائر من تشكيل حكومة فرنسية من اليمين المتطرف

مخاوف من انعكاس ذلك على ملفات التأشيرة و«الذاكرة» والمهاجرين

الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش اجتماع السبعة الكبار بإيطاليا أمس الخميس (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش اجتماع السبعة الكبار بإيطاليا أمس الخميس (الرئاسة الجزائرية)
TT

توجس في الجزائر من تشكيل حكومة فرنسية من اليمين المتطرف

الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش اجتماع السبعة الكبار بإيطاليا أمس الخميس (الرئاسة الجزائرية)
الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش اجتماع السبعة الكبار بإيطاليا أمس الخميس (الرئاسة الجزائرية)

يتابع المراقبون في الجزائر باهتمام شديد ما ستفرزه الانتخابات البرلمانية المبكرة في فرنسا، المقررة يومي 30 يونيو (حزيران) الحالي و7 يوليو (تموز) المقبل، لما يمكن أن تحمله من آثار سلبية على علاقات البلدين، في حال تشكل حكومة من اليمين المتطرف، علماً بأن الرئيس عبد المجيد تبون سيزور باريس نهاية سبتمبر (أيلول) أو مطلع أكتوبر (تشرين الأول) المقبلين، وفق اتفاق سابق بين العاصمتين.

الرئيس الحالي مع الرئيسة السابقة لحزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف (حساب الحزب بالإعلام الاجتماعي)

فرنسا قد تشهد خلال أربعة أسابيع تشكيل حكومة من اليمين المتطرف لأول مرة في تاريخها، وهو ما قد يؤثر بشكل كبير على العلاقة مع الجزائر. فبعد فوزه في الانتخابات الأوروبية التي جرت في 9 يونيو الحالي، يمكن لحزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف أيضاً الفوز في الانتخابات التشريعية المقبلة، مع ما قد ينتج عن ذلك من قرارات وإجراءات ستزيد من صعوبة العلاقات مع الجزائر، علماً بأن الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون جددا عزمهما على تجاوز الخلافات، خلال لقائهما الخميس، في باري بإيطاليا، على هامش اجتماع «مجموعة السبعة»، وفق ما أكدته مصادر قريبة من الحكومة الجزائرية.

ماريون مارشال لوبان التي تعد من أشد رموز اليمين الفرنسي خصومة للجزائر (حسابها بالإعلام الاجتماعي)

وفي سياق التطورات الجديدة المرتقبة في فرنسا، يركز قطاع من الجزائريين اهتمامهم على «قضية التأشيرات»، و«اتفاق 1968»، الذي يؤطر الجانب الإنساني في العلاقات الثنائية، في حال مالت فرنسا إلى حكومة رأسها من اليمين المتطرف. كما ينصرف اهتمام السلطات الجزائرية بشكل خاص إلى آلاف المهاجرين الجزائريين غير النظاميين في فرنسا، وإدارة «ملف الذاكرة» المعقد.

إيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» اليميني (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

وإذا كان من المقرر أن يشكل حزب «التجمع الوطني» الحكومة في الانتخابات، فسيتم ذلك بعقد تحالف مع حزبين آخرين لهما مواقف صارمة بشأن الجزائر، وهما «الجمهوريون» بقيادة إيريك سيوتي (تواترت أخبار عن إزاحته)، و«الاسترداد» برئاسة إيريك زمور الذي عاش والداه في الجزائر فترة قبل الاستقلال.

وغالباً ما تختلف الأحزاب الثلاثة حول القضايا الداخلية، لكنها تتفق عندما يتعلق الأمر بالجزائر. وكان نواب «الجمهوريون» قد قادوا حملة بالبرلمان العام الماضي لإلغاء «اتفاق 1968»، الذي يسير قضايا الهجرة والدراسة في الجامعات الفرنسية، والعمل و«لم الشمل العائلي» بالنسبة للجزائريين. غير أن اليسار والأغلبية الرئاسية أفشلا المسعى. وفي حال تغيُّر المعطيات بعد انتخابات البرلمان المقبلة، يتوقع مراقبون في الجزائر شن ضغوط جديدة تكون أكثر حدة لحمل ماكرون على فسخ الاتفاق.

البرلمان الفرنسي خلال تصويته ضد إلغاء اتفاق الهجرة الجزائري - الفرنسي (صورة أرشيفية لجلسة عامة بالجمعية الوطنية)

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2022، وعدت مارين لوبان، زعيمة «التجمع الوطني» السابقة، بسياسة تجاه الجزائر «معاكسة تماماً» لما تم اتباعه في العقود الأخيرة. وقالت ابنة المظلي جان ماري لوبان، الذي اشتغل في الجزائر خلال حرب التحرير (1954 - 1962)، يومها: «نحن لسنا معتمدين اقتصادياً على الجزائر ولا على غازها، ومن مصلحة الجزائر أن تكون العلاقات مع فرنسا صحية وهادئة»، مؤكدة أن «الجزائريين الذين يعيشون بالفعل في فرنسا، ويتصرفون وفق القانون الفرنسي، ويحترمون عاداتنا وتقاليدنا ويحبون فرنسا، ليس لديهم سبب لعدم البقاء. أما الآخرون، وهم بالتأكيد أقلية، فعليهم المغادرة».

أما ماريون مارشال لوبان، حفيدة جان ماري لوبان، فكتبت على منصة «إكس» في يوليو 2023: «نحن لسنا حضانة للجزائر»، مشيرة إلى أن «42 في المائة من الجزائريين في فرنسا ليس لديهم أي نشاط، وهم يشكلون أكبر جنسية أجنبية في السجون»، مؤكدة أنه «حان الوقت لإنهاء النظام المميز بين فرنسا والجزائر بشأن الهجرة»، وكانت تشير بذلك إلى «اتفاق 1968».

يشار إلى أن ماريون مارشال انتخبت في الاستحقاق الأوروبي عن حزب «الاسترداد»، غير أن رئيسه إيريك زمور فصلها من الحزب لخلافات سياسية عميقة ذات صلة بالتحالفات الخاصة بانتخابات البرلمان الفرنسي المقبلة.

وبالنسبة للتأشيرات، تتفق الأحزاب الثلاثة: «التجمع الوطني» و«الجمهوريون» و«الاسترداد»، على تخفيضها إلى أقصى ما يمكن. وفي مطلع 2023، اتهم جوردان بارديلا، خليفة مارين لوبان في رئاسة «التجمع الوطني»، الرئيس إيمانويل ماكرون «بتحطيم جميع الأرقام القياسية» بإصدار أكثر من 275 ألف تأشيرة للجزائريين في عام 2019. وأشار في نفس التصريح إلى «خطة» يتشارك فيها التيار المتطرف بأكمله، وهي ربط إصدار التأشيرات بـ«قبول الجزائر استعادة مواطنيها غير المرغوب فيهم». وكان وزير الداخلية جيرالد دارمانان، قد بعث بالرسالة نفسها إلى الجزائر، عندما تم تقليص حصتها من التأشيرات إلى النصف عام 2022.

وفيما يتعلق بالجزائريين في وضع غير قانوني بفرنسا، فقد اقترح «الجمهوريون» وماريون ماريشال لوبان، قبل الانتخابات الأوروبية الأخيرة، «إعادة المهاجرين غير الشرعيين، المصنفين خطراً أمنياً، والمجرمين والعاطلين عن العمل لفترة طويلة إلى الجزائر، بدلاً من إعادة رموز الفترة الاستعمارية التي يطالب بها الجزائريون». وهذا الخطاب تلقته السلطات الجزائرية بحساسية بالغة، وهي ترى أنه «قد لا يكفي الاستعداد الطيب لدى ماكرون لتحسين العلاقات أمام ضغوط اليمين المتطرف، الذي يحن إلى الماضي الاستعماري».


مقالات ذات صلة

اتهام رجل بصنع قنبلة في مدينة هاله الألمانية

أوروبا عناصر من الشركة الألمانية (رويترز)

اتهام رجل بصنع قنبلة في مدينة هاله الألمانية

أفاد ممثلو الادعاء في مدينة هاله الألمانية، اليوم الجمعة، بتوجيه اتهام لرجل بالتخطيط لشن هجوم يميني متطرف بقنبلة بدائية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم متظاهرون ضد حزب «البديل من أجل ألمانيا» في مدينة إيرفورت بولاية ثورينغيا الألمانية (رويترز)

صعود اليمين المتطرّف في العالم الغربي... مرحلة عابرة أم واقع «مقيم»؟

الخطر الأكبر في عالم السياسة الغربية هو أن هو أن الشباب لا يجذبهم الاعتدال، بل يُنصتون بتركيز إلى المتحدثين بصوت عالٍ و يزعمون امتلاك الحقيقة والحلول السحر.

أنطوان الحاج
المشرق العربي فلسطيني نازح يتفقد منزله في دير البلح بقطاع غزة نهاية أغسطس الماضي (إ.ب.أ)

الأحزاب الدينية بإسرائيل تدعم المزيد من التمويل للحرب

وافق أعضاء الكنيست الإسرائيلي اليوم الاثنين بشكل مبدئي على زيادة إطار ميزانية 2024 للمساعدة في تمويل جنود الاحتياط والنازحين نتيجة الحرب في غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
أوروبا زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان (أ.ف.ب)

لوبان تدعو ماكرون إلى إجراء استفتاء لإنهاء الأزمة السياسية في فرنسا

حثّت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان، اليوم الأحد، الرئيس إيمانويل ماكرون على إجراء استفتاء على قضايا رئيسية مثل الهجرة والأمن.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال تجمع للاحتفال بذكرى قيادي صهيوني الشهر الماضي (إ.ب.أ)

«اليمين العقائدي» يساند نتنياهو بدعوات للتصعيد في غزة

كُشف النقاب في إسرائيل عن مساعٍ لمجموعة من عقائديي اليمين لتشجيع نتنياهو على تعقيد المفاوضات، والاتجاه للتصعيد الحربي، بل والعودة إلى سياسة «الترحيل والتجويع».

نظير مجلي (تل أبيب)

تجدد الخلافات حول «الميزانية الموحدة» يفجِّر مخاوف الليبيين

المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)
TT

تجدد الخلافات حول «الميزانية الموحدة» يفجِّر مخاوف الليبيين

المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)

أبدى سياسيون ومحللون ليبيون تخوفهم من وقوع أزمة جديدة، تتعلق بالمطالبة بـ«قانون موحد للميزانية»، في وقت لا تزال فيه البلاد تتعافى من تأثير أزمة المصرف المركزي.

وتأتي هذه المخاوف بعد دعوة مستشار رئيس المجلس الرئاسي، زياد دغيم، البعثة الأممية، قبيل توقيع اتفاق المصرف المركزي، إلى «قيادة آلية حوار مع مجلس النواب، للوصول إلى قانون ميزانية موحدة، أو الاتفاق على ترتيبات مالية مؤقتة».

المصرف المركزي بالعاصمة طرابلس (صفحة المصرف على فيسبوك)

وعدَّ رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني» الليبي، أسعد زهيو، مطالبة المجلس الرئاسي في هذا التوقيت «بدايةً لظهور قضية خلافية جديدة». ويعتقد زهيو أن هذا المطلب من المجلس الرئاسي يعد «نوعاً من الضغط على كل من البعثة ومجلسَي النواب و(الأعلى للدولة) للقبول بمشاركته، وحليفه المتمثل في رئيس حكومة (الوحدة الوطنية) عبد الحميد الدبيبة، في إدارة عوائد الثروة النفطية». ولفت زهيو إلى مطالبة المجلس الرئاسي بتعيينه مجلس إدارة المصرف المركزي، أو تشكيل لجنة ترتيبات مالية مؤقتة بقيادة محمد المنفي.

البرلمان الليبي أقر مشروع قانون ميزانية موحدة لعام 2024 بقيمة 37 مليار دولار (النواب)

وكان البرلمان الليبي قد أقر في يوليو (تموز) الماضي، مشروع قانون ميزانية موحدة لعام 2024، بقيمة 180 مليار دينار (37 مليار دولار)، إلا أن المجلس الأعلى للدولة رفضها، وقال حينها إنها «أُقرَّت دون التشاور معه»؛ وعدَّ ذلك «مخالفة للاتفاق السياسي والتشريعات النافذة».

وخلال رسالته إلى خوري، قال مستشار المنفي، إن قانون الميزانية الذي أقره البرلمان «خلا من اشتراطات دستورية، توجب تقديم مشروع قانون الميزانية من السلطة التنفيذية، والتشاور مع المجلس الأعلى للدولة قبل تقديم المشروع».

وأوضح زهيو لـ«الشرق الأوسط» أن دغيم «يعرف أن البرلمان لن يقبل التخلي عن مشروع القانون الذي سبق أن أقره قبل 3 أشهر؛ وحتى لو قبل فلن يكون الوصول لهذا القانون متاحاً حالياً، نظراً لانقسام المجلس الأعلى للدولة».

من اجتماع سابق لأعضاء المجلس الأعلى للدولة (المجلس)

ونجحت البعثة الأممية في التوصل لاتفاق ينهي الصراع على إدارة المصرف المركزي، بتعيين قيادة جديدة له. ووفقاً لبنود الاتفاق، تُسند للمحافظ الجديد بالتشاور مع البرلمان مهمة ترشيح أعضاء مجلس إدارة الجديد للمصرف خلال أسبوعين من تسلم مهامه.

من جهته، يعتقد المحلل السياسي الليبي، محمد امطيريد، أن دعوة المجلس الرئاسي لقانون جديد للميزانية، عبارة عن «نوع من الضغط لضمان تقاسم الإيرادات مع القوى الأبرز بالمنطقة الشرقية، المتمثلة في القيادة العامة لـ(الجيش الوطني) بقيادة المشير خليفة حفتر».

غير أن دغيم دافع في تصريحات صحافية عن مطلب «الرئاسي»، وقال إن «السبب الرئيسي لتفجير الأزمة الحالية هو عدم وجود قانون ميزانية يعيد للمصرف المركزي دوره الفني، بعيداً عن الدور السياسي أو تحديد أولويات الإنفاق».

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى هي «الوحدة الوطنية» المؤقتة ومقرها طرابلس، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية مكلفة من البرلمان، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب، بقيادة أسامة حماد.

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة (الوحدة)

ولم يبتعد المحلل السياسي الليبي، فرج فركاش، عن الآراء السابقة؛ حيث عدَّ ما يحدث مناورة من قبل مستشار المجلس الرئاسي «لضمان حصول الأطراف بالمنطقة الغربية على نصيبهم من كعكة تقاسم (المركزي)، مثلما تحاول بقية القوى الأخرى». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن كافة الأطراف في الساحة «تسعى للحصول على نصيب من الثروة»، بما يمكن توصيفه بمعركة «كسر العظم»، كون هذا «هو السبيل الوحيد لبقائهم في سُدة السلطة؛ خصوصاً وأن لديهم حلفاء وموالين ينفقون عليهم».

يشار إلى أن مستشار المنفي قال إن «وجود قانون ميزانية موحد لسنة 2024، يتطلب 3 اشتراطات دستورية لم تتحقق فيما أصدره البرلمان»، مشيراً إلى أن «الاشتراطات تتمثل في تقديم مشروع قانون للميزانية من السلطة التنفيذية، على أن تتشاور تلك السلطة مع المجلس الأعلى للدولة بشأنه؛ ثم يقر مجلس النواب المشروع، وفق التعديل السادس للإعلان الدستوري».