هل تشهد جهود الوساطة بشأن «هدنة غزة» «انفراجة»؟

وفد مصري في تل أبيب لاستئناف المفاوضات

فلسطينيون يسيرون في موقع الغارات الإسرائيلية على المنازل في مخيم جباليا للاجئين شمال غزة (أرشيفية -  رويترز)
فلسطينيون يسيرون في موقع الغارات الإسرائيلية على المنازل في مخيم جباليا للاجئين شمال غزة (أرشيفية - رويترز)
TT

هل تشهد جهود الوساطة بشأن «هدنة غزة» «انفراجة»؟

فلسطينيون يسيرون في موقع الغارات الإسرائيلية على المنازل في مخيم جباليا للاجئين شمال غزة (أرشيفية -  رويترز)
فلسطينيون يسيرون في موقع الغارات الإسرائيلية على المنازل في مخيم جباليا للاجئين شمال غزة (أرشيفية - رويترز)

في محاولة لدفع مسار المفاوضات الرامية لتحقيق «هدنة» في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة «حماس»، كثفت القاهرة اتصالاتها مع الأطراف المعنية كافة، ما جدد الآمال بشأن إمكانية أن تشهد جهود الوساطة «انفراجة» خلال الأيام المقبلة، لا سيما مع تأكيدات مصرية بـ«حدوث تقدم ملحوظ» بين القاهرة وتل أبيب في هذا الصدد.

وأفادت قناة «القاهرة الإخبارية» المصرية، الجمعة، بأن «وفداً أمنياً مصرياً وصل إلى تل أبيب لبحث إطار اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة». ونقلت القناة عن مصدر وصفته بأنه «رفيع المستوى» لم تسمه، قوله: إن «الوفد يضم مجموعة من المختصين بالملف الفلسطيني لمناقشة إطار شامل لوقف إطلاق النار في قطاع غزة». وأكد المصدر أن «تقدماً ملحوظاً حدث في محاولات تقريب وجهات النظر بين الوفدين المصري والإسرائيلي بشأن الوصول إلى هدنة بغزة».

وكانت قناة «القاهرة الإخبارية» قد أشارت في وقت سابق، الجمعة، إلى أن «الاتصالات المصرية تجري مع الأطراف كافة بهدف الوصول لهدنة، ووقف الحرب وإنهاء المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني». كما نقلت القناة عن مصدر مصري تأكيده على أن «تلك الاتصالات مقتصرة على الوفود الأمنية فقط»، نافياً ما تردد عن «لقاءات مخططة لمسؤولين مصريين مع نظرائهم الإسرائيليين في هذا الشأن». وأشار المصدر إلى أن «القاهرة حذرت مراراً من التداعيات الخطيرة في حال نفذت إسرائيل تهديداتها باقتحام رفح في جنوب قطاع غزة».

وكانت القاهرة قد استضافت آخر جولة من المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة «حماس» في 10 أبريل (نيسان) الحالي. وأكد مصدر مصري مطلع في حينه أن المفاوضات شهدت «تقدماً ملحوظاً»، مع إشارة إلى «استئنافها خلال يومين»، لكن ذلك لم يحدث، فبعد أيام سلمت حركة «حماس» للوسطاء ردها على مقترح أميركي للهدنة عرض خلال المباحثات، وأكدت «التمسك بمطالبها التي تتمثل بوقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب الجيش من كامل قطاع غزة، وعودة النازحين، وتكثيف دخول الإغاثة والمساعدات، والبدء بالإعمار». وهو ما عدته إسرائيل بمثابة رفض للمقترح الأميركي.

دخان تصاعد عقب غارات إسرائيلية على رفح في جنوب قطاع غزة خلال وقت سابق (أ.ف.ب)

والتقى وفد أمني مصري، الجمعة، بمسؤولين إسرائيليين، «لبحث سبل استئناف المحادثات الرامية لإنهاء الحرب في غزة، وإتمام صفقة لتبادل الأسرى»، وفق ما نقلته «رويترز» عن مسؤول مطلع، تحدث شريطة عدم نشر اسمه. وقال المسؤول إن «إسرائيل ليس لديها أي مقترحات جديدة تقدمها؛ لكنها مستعدة للتفكير في هدنة محدودة يجري بموجبها إطلاق سراح 33 من النساء وكبار السن والمرضى بدلاً من 40 محتجزاً كان النقاش يدور حولهم من قبل». وأضاف: «لا محادثات عن المحتجزين حالياً بين إسرائيل وحركة (حماس)، ولا يوجد عرض إسرائيلي جديد في هذا الشأن، وما يحدث هو محاولة من القاهرة لاستئناف المحادثات باقتراح مصري».

وأكدت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، الجمعة، «وصول وفد مصري إلى إسرائيل لبحث صفقة تبادل المحتجزين». وهو ما أكده أيضاً موقع «واي نت» الإسرائيلي، الذي نقل عن مسؤول أمني، قوله إنه «قد يكون هناك تقدم في الاقتراح المصري بشأن صفقة لإطلاق سراح محتجزين مقابل وقف إطلاق نار طويل الأمد في قطاع غزة».

وبدوره، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، إن «مصر تبذل جهوداً من أجل الوصول إلى حل وسط والدفع نحو تحقيق هدنة ولو مؤقتة في قطاع غزة، يجري خلالها إتمام صفقة لتبادل المحتجزين من الجانبين». وأوضح الرقب لـ«الشرق الأوسط»، أن «المباحثات تجري بشأن هدنة لمدة 40 يوماً يجري خلالها إطلاق سراح نحو 20 محتجزاً لدى (حماس) مقابل عدد من المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية»، لافتاً إلى أن «هذا يختلف عن المقترح السابق الذي كان يتضمن الإفراج عن 40 محتجزاً لدى (حماس)، حيث سبق أن قالت الحركة إنه ليس لديها هذا العدد».

وأكد خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، أن «مصر تبذل جهوداً مكثفة في المفاوضات وفي محاولة منع عملية عسكرية في رفح». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجهود المصرية نجحت حتى الآن في تأجيل اجتياح رفح رغم تكرار الحديث الإسرائيلي عن تحديد موعد العملية». وأضاف أن «القاهرة تمارس ضغوطاً سياسية على تل أبيب، نجحت حتى الآن في الحد من الجموح الإسرائيلي».

فلسطينيون نازحون بسبب القصف الإسرائيلي على قطاع غزة يطبخون في مخيم الخيام المؤقت بمنطقة المواصي (أ.ب)

وكان المقترح الذي جرت مناقشته في جولة المفاوضات الأخيرة في القاهرة ينص على «هدنة من 6 أسابيع يجري خلالها إطلاق سراح 42 محتجزاً إسرائيلياً في مقابل إطلاق سراح 800 إلى 900 فلسطيني تعتقلهم إسرائيل، ودخول 400 إلى 500 شاحنة من المساعدات الغذائية يومياً وعودة النازحين من شمال غزة إلى بلداتهم، لكن وسائل إعلام نقلت عن مصادر في حركة «حماس» قولها إن «الحركة لا يمكنها تحديد 40 محتجزاً لديها تنطبق عليهم شروط المرحلة الأولى من الهدنة».

ويرى عكاشة أن «إسرائيل تحاول إلقاء الكرة في ملعب (حماس) لإظهارها بأنها الطرف الذي لا يريد الاتفاق، وفي حقيقة الأمر أن كلا الطرفين يناور، وليست لديه نية حقيقية في إنهاء الحرب».

بينما قال الرقب إن «الكرة الآن في ملعب إسرائيل، التي يبدو أنها أكثر انفتاحاً على إتمام الاتفاق لأنها تحتاج الهدنة لترتيب صفوفها إذا ما كانت تريد اجتياح رفح»، لافتاً إلى أن «مصر تبذل جهوداً مكثفة لمنع تنفيذ عملية عسكرية واسعة في رفح».

وتكثف القاهرة جهودها للوساطة في المفاوضات تزامناً مع قلق مصري ودولي من مخاطر تنفيذ عملية عسكرية في رفح جنوب القطاع. ووفق ما نقلته «رويترز» عن مصدر مسؤول، الجمعة، فإن «المصريين يتولون زمام المبادرة حقاً في هذا الشأن... القاهرة تريد أن ترى تقدماً لأسباب من ضمنها قلقها بشأن عملية رفح المحتملة». وأضاف المصدر أن «قطر لا تزال تشارك في الوساطة لكن بقدر أقل». وكانت قطر قد أعلنت في وقت سابق عزمها إعادة تقييم دورها في الوساطة، إثر اتهامات إسرائيلية وأميركية لها بـ«عدم ممارسة ضغط كافٍ على (حماس)».

ومنذ نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، يسعى الوسطاء في مصر وقطر والولايات المتحدة في الوصول إلى اتفاق بين حركة «حماس» وإسرائيل، استناداً إلى «إطار اتفاق من 3 مراحل» جرى التوافق عليه في اجتماع عقد في باريس، بحضور رؤساء استخبارات مصر والولايات المتحدة وإسرائيل، إضافة إلى رئيس الوزراء القطري، ووصفت نتائجه في حينه بـ«البناءة»، لكنها لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

مساعدة فتاة فلسطينية جريحة بعد غارة إسرائيلية على الزوايدة وسط قطاع غزة في وقت سابق (أ.ب)

وقال الرقب إن «مصر تمارس جهوداً مكثفة لتقريب وجهات النظر يمكن أن يطلق عليها جهود اللحظات الأخيرة»، موضحاً أن «هناك مخططاً إسرائيلياً لتنفيذ عملية عسكرية في رفح بعد عطلة عيد الفصح أي بعد الـ30 من أبريل الحالي». وأشار إلى «وجود مقترحين إما بتنفيذ عملية عسكرية متدرجة وجزئية في رفح، وإما بإخلائها المدينة لتنفيذ اجتياح كامل». وأضاف أن «الوقت ضيق جداً بحسابات المفاوضات، لكن القاهرة تسعى من أجل الوصول إلى اتفاق قد يبرد الحرب، ويؤجل اجتياح رفح أو يلغيه».

وذكرت قناة «القاهرة الإخبارية»، الجمعة، أن «هناك مقترحاً مصرياً قد يجمد العملية العسكرية في رفح». بينما نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن مسؤول إسرائيلي قوله، الجمعة، إن المفاوضات التي يجريها وفد مصري مع مسؤولين أمنيين في إسرائيل «قد تكون فرصة أخيرة قبل دخول رفح».

ومن جانبه، لفت عكاشة إلى أن «الجهود المصرية تسير في اتجاهين؛ تحقيق الهدنة، وإلغاء اجتياح رفح»، مشيراً إلى أن «هناك حديثاً يتردد في إسرائيل بشأن تأثير حلحلة الأمور في مفاوضات الهدنة على عملية رفح».

ولا يعلق عكاشة آمالاً كبيرة على إمكانية حدوث انفراجة في جهود الوساطة قد تصل إلى هدنة. وقال إن «هناك نسبة لا تتجاوز 10 في المائة لاحتمال قبول (حماس) وإسرائيل بهدنة مؤقتة في غزة في ظل تمسك كل طرف بشروطه ومطالبه».

وتأتي زيارة الوفد المصري إلى إسرائيل بعد يوم من نداء وجهته الولايات المتحدة و17 دولة أخرى، الخميس، لحركة «حماس» لإطلاق سراح جميع المحتجزين لديها بوصفه سبيلاً لإنهاء الأزمة. وكانت «رويترز» قد نقلت، الخميس، عن مصدرين أمنيين مصريين قولهما، إن «القاهرة طلبت عقد اجتماع متابعة مع إسرائيل لاستئناف مفاوضات الهدنة». وأشار المصدران إلى أن «مسؤولين مصريين وإسرائيليين وأميركيين عقدوا اجتماعات مباشرة وعن بُعد، الأربعاء، سعياً للحصول على تنازلات لكسر جمود المفاوضات».


مقالات ذات صلة

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

الولايات المتحدة​ دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

انتزع ترمب الفوز من منافسته الديمقراطية، معتمداً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية.

رنا أبتر (واشنطن)
المشرق العربي دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)

إسرائيل تملأ غياب هوكستين بالغارات والتوغلات

تملأ إسرائيل غياب الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكستين الذي يحمل مبادرة أميركية لوقف إطلاق النار، بالغارات العنيفة، وتوسعة رقعة التوغل البري الذي وصل إلى مشارف

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي إسرائيل تخشى أن تتم ملاحقة ضباطها أيضاً بعد إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (مكتب الإعلام الحكومي في إسرائيل - أ.ف.ب)

«نتنياهو المطلوب» يقلق إسرائيل على ضباطها

في ظلّ معلومات عن اتجاه دول أجنبية إلى تقليص اتصالاتها مع الحكومة الإسرائيلية غداة صدور مذكرة توقيف دولية بحق رئيسها، بنيامين نتنياهو، وأخرى بحق وزير دفاعه

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس البرلمان العراقي خلال «منتدى السلام» في دهوك (إكس)

بغداد تلقّت «تهديداً واضحاً» من إسرائيل

قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، أمس، إنَّ بغداد تلقّت «تهديداً واضحاً» من إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (دهوك)
شؤون إقليمية صور للمحتجَزين لدى «حماس» (رويترز)

تقرير: إسرائيل لا ترى إمكانية التفاوض مع «حماس» إلا بعد الاتفاق مع «حزب الله»

التفاوض بشأن الرهائن الإسرائيليين تقلَّص منذ تعيين يسرائيل كاتس وزيراً للدفاع.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
TT

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

وجدت دعوات تحجيب النساء «جبراً»، التي تنتصر لها السلطة في العاصمة الليبية، عدداً من المؤيدين، لكنها خلقت أيضاً تياراً واسعاً من الرافضين لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات.

فبعد إعلان السلطة، ممثلة في عماد الطرابلسي، وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، عن إجراءات واسعة ضد النساء، من بينها «فرض الحجاب الإلزامي»، بدت الأوضاع في ليبيا متجهة إلى التصعيد ضد «المتبرجات»، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

بين الرفض والقبول

تفاعل الشارع الليبي بشكل متباين مع تصريحات الطرابلسي، بين من رفضها جملة وتفصيلاً، ومن قال إنه «ينفذ شرع الله ويسعى لنشر الفضيلة»، في وقت شرعت فيه أجهزة أمنية في إغلاق صالات رياضية ونوادٍ نسائية، بينما لم تعلّق سلطات البلاد، ممثلة في المجلس الرئاسي أو «الوحدة»، على هذا الأمر، وهو ما عده مقربون منهما «رضاً وقبولاً» بما تعهد به الطرابلسي.

الدبيبة والمنفي لم يعلّقا على تصريحات الطرابلسي (المجلس الرئاسي الليبي)

وبين هذا التيار وذاك، ظهرت شكاوى من التضييق والتحريض ضد «متبرجات»، أعقبتها دعوات للنائب العام بضرورة التدخل لحمايتهن وتفعيل القانون. وأمام تصاعد هذا الاتجاه الذي حذرت منه منظمات دولية، عدّت زهراء لنقي، عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، أن الهدف منه «إشغال الناس عن القضايا الجوهرية، مثل الفساد المالي والإداري وتهريب الأموال».

وقالت الزهراء لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التوجه «يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تفعلها حكومة (الوحدة) بين الحين والآخر، في إطار توجّه منهجي لعودة المنظومة الأمنية القمعية، وكبت الحريات العامة، وملاحقة المجتمع المدني عبر توظيف خطاب متشدد».

منظمة «العفو الدولية» قالت إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء» (وزارة الداخلية)

وسبق لمنظمة «العفو الدولية» القول إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء والفتيات، والانتقاص من حقوقهن في حرية التعبير والدين، والمعتقد والخصوصية الجسدية، بما في ذلك خطط لإنشاء شرطة الأخلاق لفرض الحجاب الإلزامي».

من جهته، عدّ جمال الفلاح، رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، أن هذه الإجراءات «قسّمت المجتمع بين جماعة مؤيدة، وأخرى تعد هذا التوّعد إهانة للمرأة الليبية، التي ترفض فرض الحجاب عليها بالقوة».

وقال الفلاح الذي يرى أن المرأة الليبية «قيادية ورائدة في مجالات عدة»، لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كنا نتحدث عن الأخلاق والفضيلة، فليبيا اليوم تعج بالربا وفساد السلطة والمسؤولين، بالإضافة إلى الرشى في أوساط من هم في السلطة؛ ولذلك كان من الأولى التركيز على قضايا الرشوة والابتزاز والقتل خارج القانون».

جمال الفلاح رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية (الشرق الأوسط)

وكان الطرابلسي قد قال في مؤتمر صحافي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، باللهجة الليبية: «نلقى واحد مقعمز (جالس) هو وبنت برقدهم في الحبس، والبنت بترقد هي وأهلها في الحبس. والنساء اللي تسوق من غير ستر شعرها بنستلم منها السيارة... لا نعرف زميل لا صديق لا شريك لا موظف».

وسيلة للإلهاء

أمينة الحاسية، رئيس مجلس إدارة ملتقى التغيير لتنمية وتمكين المرأة، ربطت بين توجه سلطات طرابلس لتفعيل الحجاب «جبراً»، والأزمة السياسية في البلاد، وهو ما ذهبت إليه أيضاً لنقي.

تقول الحاسية لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يضع المسؤولون في ليبيا المرأة في مكان بين السياسة والدين؛ ولو تريد الدولة حقاً المحاسبة فعليها أن تبدأ أولاً بمواجهة الفساد، وتدع المرأة وشأنها»، مضيفة: «هم الآن في وضع سياسي سيئ».

زهراء لنقي عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي (الشرق الأوسط)

وعدت لنقي التركيز على المرأة وزيها وشعرها «زوبعة يستهدفون الإلهاء من ورائها»، معتقدة أن حكومة طرابلس «تسعى لأن تكون سلطة دينية وهي ليست كذلك... و 90 في المائة؜ من الليبيات تقريباً يرتدين الزي نفسه داخل ليبيا. هذه في رأيي زوبعة للإلهاء عن القضايا الجوهرية لا أقل ولا أكثر».

حماية الآداب العامة

غير أن صمت السلطة حيال ما ذهب إليه الطرابلسي توقف بعد قرار أصدره الدبيبة، وتم تداوله على نطاق واسع، وهو القرار الذي قضى باستحداث إدارة بالهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، تسمى «الإدارة العامة لحماية الآداب العامة».

وحدد القرار، الذي لم تنفه حكومة الدبيبة، مهام إدارة «حماية الآداب العامة»، من بينها ضبط الجرائم التي ترتكب في الأماكن العامة، والمقاهي والمطاعم ودور العرض والفنادق، وغيرها من الأماكن العامة أو المخصصة للارتياد العام بالمخالفة للتشريعات الخاصة بحماية الآداب العامة، ومكافحة الأفعال التي تتنافى مع توجهات المجتمع، وتسيء إلى قيمه وأخلاقه ومبادئه، وتطبيق التشريعات النافذة، بالإضافة إلى القيام بأعمال البحث والتحري، وجمع الاستدلال في الجرائم المتعلقة بالآداب العامة.

وتوجه مقربون من الإعلامية الليبية، زينب تربح، ببلاغ إلى النائب العام، بعد شكايتها في مقطع فيديو من مضايقات وهي تقود سيارتها من طرف مجهولين لكونها حاسرة الرأس، وقالت إيناس أحمدي، إحدى المقربات من الإعلامية، إن تربح «تتعرض لحملة شرسة من العنف والتعدي»، مشيرة إلى أن الحملة «ما زالت في بدايتها، وما زالت تأخذ أشكالاً أكثر تعنيفاً دون أي رادع».

وانتشر على تطبيق «تيك توك» تأييد واسع لرغبة سلطة طرابلس في تفعيل الحجاب، كما أسبغ بعض المعجبين على الطرابلسي أوصافاً عديدة، تعود لشخصيات تاريخية، وعدّوه «حامياً للإسلام والأخلاق». وهنا تلفت الحاسية إلى «تغول التيار الديني في غرب ليبيا، وتأثيره على من هم في السلطة، لما يملكه من مال وسلاح وميليشيات»، وقالت بهذا الخصوص: «أصبحت هناك حالات تعد على صالات الرياضة والنوادي النسائية بالقوة، وقد حاولوا أن يغلقوها بحجج كثيرة، من بينها الدين والحجاب. وربما نقول إن الطرابلسي له علاقة بهذه التشكيلات المسلحة وهذا التوجه الديني».

أمينة الحاسية في لقاء سابق مع سيتفاني ويليامز (الشرق الأوسط)

ووسط تباين مجتمعي، يراه كثيرون أنه سيتفاعل في قادم الأيام كلما تعددت حالات التضييق على «المتبرجات»، قالت المحامية الليبية ثريا الطويبي، إن ما ذهب إليه الطرابلسي، «جاء مخالفاً للإعلان الدستوري، الذي نص على حماية الحقوق وصيانة الحريات». مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يعد لباس المرأة من الحقوق والحريات الشخصية، ما لم يكن فاضحاً أو خادشاً للحياء العام، وليس من اختصاص وزير الداخلية وضع القيود على لباس المرأة، أو تنقلها وسفرها للخارج».

المحامية الليبية ثريا الطويبي (الشرق الأوسط)

واتساقاً مع ذلك، تعتقد الحاسية أن ليبيا تعيش راهناً في فوضى، ومواجهة من تيار ديني يريد الهيمنة على زمام الأمور والقوانين ودسترة هذه المشكلات، لكنها قالت جازمة: «الليبيون والليبيات سيرفضون هذا الإلزام، إلا لو فرض عليهم بقوة السلاح».