رفعت السلطات التونسية حالة الاستنفار الأمني في البلاد، في وقت تعاقبت فيه التحركات والضغوط الأوروبية على الدول الأفريقية عموماً، والدول المغاربية خاصة، في علاقة بملفات الهجرة غير النظامية والتهريب والجريمة المنظمة والمخدرات والإرهاب وحقوق الإنسان.
وكانت هذه القضايا وغيرها محور تصريحات أدلى بها الرئيس التونسي قيس سعيد، ووزير الداخلية كمال الفقي، على هامش قمة تونسية - إيطالية هي الرابعة من نوعها في عام واحد، تزامنت مع جلسات عمل بين وفود أمنية رفيعة المستوى من البلدين.
كما أعلن الرئيس التونسي الدعوة إلى «رفع الاستنفار الأمني» الداخلي والخارجي بمناسبة اجتماع «لمجلس الأمن القومي» حضره أبرز قادة القوات المسلحة العسكرية والمدنية عشية زيارة جيورجيا ميلوني رئيسة الحكومة الإيطالية إلى تونس مع وفد يضم بالخصوص وزير الداخلية.
قضايا الإرهاب و«التآمر على أمن الدولة»
وناقش هذا الاجتماع كذلك ملفات «شبهات التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي» التي عرضت هذه الأيام على «قطب مكافحة الإرهاب»، وعلى عدد من المؤسسات الأمنية والمحاكم التونسية، وشملت بالخصوص شخصيات بارزة في عالم المال والأعمال ومسؤولين سابقين بارزين في الدولة والأحزاب السياسية.
وأُثيرت هذه القضايا كذلك بمناسبة اجتماعات أمنية وعسكرية عُقِدت خلال اليومين الماضيين في تونس بين وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بينتودوزي ونظيره التونسي كمال الفقي، من جهة، وأخرى بين وزير الخارجية نبيل عمار ورئيس اللجنة العسكرية لمؤسسة «الحلف الأطلسي»، الأميرال بوب باور، الذي كان في جولة إقليمية.
ثم عاد الرئيس سعيد إلى «التحديات الأمنية» ذاتها، صباح الخميس، بمناسبة إشرافه في قصر الرئاسة بقرطاج على تظاهرات أمنية سياسية كبرى، بمناسبة ذكرى تأسيس قوات الأمن الوطني، بعد استقلال البلاد عن فرنسا.
شراكة إقليمية
تصريحات كبار المسؤولين التونسيين بالمناسبة وجَّهت رسائل أمنية وسياسية داخلية وأخرى إقليمية ودولية تكشف اقتناعاً بتزامن الصعوبات الاقتصادية الاجتماعية مع «تزايد المخاطر الأمنية» و«استفحال» ظواهر التهريب والجريمة المنظمة والمخدرات والعنف والإرهاب والهجرة غير النظامية.
لذلك أكدت مداخلات الرئيس التونسي ووزير الداخلية مراراً «واجب التصدي بحزم للعنف والاتجار في المخدرات وفي البشر والأعضاء البشرية والمهاجرين غير النظاميين... إلخ».
في الوقت ذاته، أوصت اجتماعات اللجان الأمنية التونسية الإيطالية ومؤسسة «مجلس الأمن القومي» التونسي باعتماد «مقاربة شاملة لمعالجة الأسباب العميقة للعنف والمخدرات والهجرة غير النظامية والإرهاب، وبينها الأسباب الاقتصادية واختلال نسب النمو والتنمية بين بلدان شمال البحر الأبيض المتوسط وجنوبه».
بل ذهب الرئيس التونسي إلى أبعد من ذلك؛ إذ أورد في كلمته أمام رئيسة الحكومة الإيطالية أن «تونس ليست مَن تسبَّب في ظاهرة الهجرة غير النظامية، ولا في عبور أفواج من المهاجرين الأفارقة من بلدان جنوب الصحراء لأراضيها وسواحلها عند تسلُّلهم إلى جنوب أوروبا عبر جنوب إيطاليا».
وعدّ سعيد أن «تونس بدورها ضحية من ضحايا النظام الاقتصادي العالمي والإقليمي». ودعا البلدان الأوروبية والعالمية إلى اعتماد سياسات تنمية وتنسيق تؤدي إلى «شراكة جديدة بين دول البحر الأبيض المتوسط» من جهة، ودول الجنوب والشمال من جهة أخرى.
خطة تحرك أمني... واتفاقيات
في الوقت ذاته، بحثت الاجتماعات الأمنية - التونسية – الإيطالية، في مستوى الوزراء والخبراء مشاريع مشتركة في مجالات التّعاون بين وزارتي داخليّة البلدين، لا سيما في مجال مُكافحة «الهجرة غير النظاميّة» و«الجريمة المنظمة»، حسب تصريحات وزير الداخلية التونسي كمال الفقـي.
الفقي أكد بالمناسبة «وجود شراكة أمنية تونسية - إيطالية «في مجال» حماية الحدود البرّية والبحريّة «من شبكات تهريب السلع والبشر والأموال».
لكنه أورد أن مشاركة تونس في مكافحة الهجرة غير النظامية والعنف والجريمة المنظمة يأخذ بعين الاعتبار «جميع الإمكانيّات المتوفّرة»، وتطبيق القانون «في سياق الكامل لمبادئ حُقوق الإنسان».
وأعلن أن حكومته ترفض أن تكون تونس «مستقرّاً أو معبراً للمُهاجرين غير النظاميين»، أي «وطناً بديلاً» لهم، مثلما يطالب بذلك أقصى اليمين الأوروبي والإيطالي.
في هذه الأثناء، تظل الإجابات عن التساؤلات والإشكاليات الأمنية التي أثارتها القمة التونسية الإيطالية الرابعة في عام واحد رهينة تفاعل مفوضية الاتحاد الأوروبي ومؤسسات العمل المشترك التي تجتمع هذه الأيام في العاصمة البلجيكية بروكسل، لاستصدار قرارات أمنية سياسية حاسمة حول ملفات الهجرة غير النظامية والتهريب.
وقد طرحت في الكواليس سيناريوهات «أمنية غير مأمونة العواقب»، من بينها ترحيل جماعي للمهاجرين الأفارقة إلى خارج أوروبا، وتحديداً إلى «بلدان المصدر» و«بلدان العبور»، وهو ما يعني أن تونس والدول المغاربية قد تكون معنية أكثر من غيرها بهذه القرارات التي تراهن عليها أحزاب أقصى اليمين الأوروبي عشية تنظيم الانتخابات الأوروبية المقررة لشهر يونيو (حزيران) المقبل.