جيل أطفال كامل «مدمر» في السودان مع مرور عام على الحرب

عائلة سودانية فرت من الصراع في مورني بمنطقة دارفور بالسودان تجلس بجانب ممتلكاتها أثناء انتظار تسجيلها من قبل المفوضية عند عبور الحدود بين السودان وتشاد (رويترز)
عائلة سودانية فرت من الصراع في مورني بمنطقة دارفور بالسودان تجلس بجانب ممتلكاتها أثناء انتظار تسجيلها من قبل المفوضية عند عبور الحدود بين السودان وتشاد (رويترز)
TT

جيل أطفال كامل «مدمر» في السودان مع مرور عام على الحرب

عائلة سودانية فرت من الصراع في مورني بمنطقة دارفور بالسودان تجلس بجانب ممتلكاتها أثناء انتظار تسجيلها من قبل المفوضية عند عبور الحدود بين السودان وتشاد (رويترز)
عائلة سودانية فرت من الصراع في مورني بمنطقة دارفور بالسودان تجلس بجانب ممتلكاتها أثناء انتظار تسجيلها من قبل المفوضية عند عبور الحدود بين السودان وتشاد (رويترز)

باتت آمنة إسحاق، النازحة من دارفور، تطعم أطفالها «مرة واحدة في اليوم وأحياناً لا تطعمهم بالمرة»... مع مرور سنة على اندلاع الحرب في السودان، تحذر الأمم المتحدة من أن «جيلاً كاملاً قد يكون دمر» وبات ملايين الأطفال نازحين أو جائعين أو مجبرين على القتال أو الزواج.

في مخيم أوتاش للنازحين الذي أنشئ فبل عقدين في جنوب دارفور، لم تعد حصص حساء الذرة التي كانت توزع على قاطنيه، متوفرة.

وتروي آمنة إسحاق لوكالة الصحافة الفرنسية: «كلنا مرضى وكذلك أطفالنا، ليس لدينا شيء نأكله والمياه التي نجدها ملوثة».

لاجئون سودانيون ينتظرون دورهم لجلب المياه من الآبار التي توفرها منظمة أطباء بلا حدود غير الحكومية في مخيم فرشانا للاجئين بالقرب من حدود شرق تشاد مع السودان (إ.ب.أ)

منذ حرب دارفور في مطلع القرن الحالي، ولد في هذا المخيم وشب فيه جيل كامل. لكن منذ اندلعت الحرب مجدداً في 15 أبريل (نيسان) 2023 في الخرطوم هذه المرة، غادر الدبلوماسيون وعاملو الإغاثة، السودان وحرمت تالياً أكثر الفئات عوزا من المساعدة.

وأدى القصف الجوي والمعارك والنهب والطرق المقطوعة الى زيادة عزلة أقاليم البلاد المترامية الأطراف. وتفيد الأمم المتحدة راهناً باستحالة الوصول إلى 90 في المائة من السودانيين الذين باتوا على حافة الجوع.

أطفال «يباعون»

وتحذر الأمم المتحدة من أن من بين هؤلاء، «222 ألف طفل قد يموتون جوعاً خلال أسابيع أو بضعة شهور» و«أكثر من 700 ألف» قد يواجهون المصير نفسه «هذا العام».

وتفيد منظمة أطباء بلا حدود، بأن طفلاً على الأقل يموت كل ساعتين في مخيم زمزم للاجئين في شمال دارفور. أما في مخيم كلمة بجنوب دارفور «فمنذ 15 مارس يدخل 15 طفلاً يومياً وحدة الرعاية المكثفة ويموت منهم أكثر من طفلين كل 12 ساعة»، وفق منظمة آلايت غير الحكومية للمساعدات الإنسانية.

طفل سوداني تنحدر عائلته اللاجئة من دارفور يتلقى العلاج في المستشفى الذي أنشأته منظمة أطباء بلا حدود غير الحكومية في مخيم ميتشي للاجئين شرق تشاد (إ.ب.أ)

وذكرت مجلة لانسيت الطبية، أن مستشفى البلك للأطفال في الخرطوم يستقبل «كل أسبوع 25 طفلاً يعانون من سوء تغذية حاد ويموت اثنان أو ثلاثة منهم أسبوعياً».

عموماً، يعاني ثلاثة ملايين طفل من سوء التغذية فيما توقف 19 مليوناً عن ارتياد المدرسة، مما يهدد مستقبل السودان حيث تقل أعمار 42 في المائة من السكان عن 14 عاماً.

يقول آدم رجال، الناطق باسم تنسيقية النازحين واللاجئين في دارفور إنه رأى «عشرات الأطفال يموتون».

يروي رجال لوكالة الصحافة الفرنسية أنه «بسبب عناد» قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، اللذين يخوضان نزاعاً مسلحاً على السلطة منذ عام، «لم تعد المساعدات الغذائية والإنسانية تصل».

توقفت هذه المساعدات لعدم وجود طرق يمكن نقلها من خلالها وكذلك لأن المصنع الذي كان ينتج المكملات الغذائية للأطفال في الخرطوم تم تدميره أثناء المعارك.

وتعرضت مصانع لقاحات الأطفال حديثي الولادة للنهب فيما تنتشر الكوليرا والحصبة والملاريا في كل أنحاء السودان.

وتضاف الى المخاطر الصحية، أهوال الحرب وتبعاتها الاقتصادية. وتحذر منظمات سودانية بشكل متزايد من أن الكثير من العائلات تضطر ل «بيع» أحد أبنائها لتتمكن من إطعام الباقين.

وتشير الأمم المتحدة إلى حالات «زواج أطفال» بسبب «التشتت الأسري» إذ فقد آباء وأمهات أبناءهم وهم يهربون هلعا من المعارك أو بسبب «عنف جنسي واغتصاب وحالات حمل غير مرغوب فيها».

اغتصاب وجنود أطفال

وتتابع الأمم المتحدة أن الفتيات والنساء يقعن ضحايا لحوادث «اختطاف وزواج قسري وعنف جنسي مرتبطة بالنزاع في دارفور وفي ولاية الجزيرة (وسط السودان)» حيث يوجد عدد كبير من النازحين.

ويقول خبراء مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إنهم جمعوا «معلومات حول نساء وفتيات يتم بيعهن في أسواق للرقيق في مناطق تحت سيطرة قوات الدعم السريع ومجموعات مسلحة أخرى، خصوصاً في شمال دارفور».

مئات الآلاف من أطفال السودان باتوا من النازحين (اليونيسيف)

أما الخطر المحدق بالصبية فهو من نوع آخر، فالجيش وقوات الدعم السريع والميليشيات القبلية والعرقية «تجند وتستخدم أطفالاً في دارفور وكردفان والخرطوم وشرق السودان»، وفق هؤلاء الخبراء الذين يضيفون أن بعض الأطراف ترغم حتى «أطفالاً جاءوا من بلد مجاور على المشاركة في القتال».

منذ الأيام الأولى للحرب، تظهر الصور واللقطات التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي مراهقين يقفون في شاحنات صغيرة حاملين أسلحة آلية.

ولا يكف مسؤولو الأمم المتحدة عن التحذير من «كارثة جيل بكامله» في بلد كان، قبل الحرب، قرابة نصف أطفاله يعانون من «تأخر في النمو بنسبة 40 في المائة» فيما يعجز 70 في المائة من تلاميذ المدارس في سن العاشرة عن قراءة وفهم جملة بسيطة.


مقالات ذات صلة

أزمة بيع مواد الإغاثة تتفاقم في السودان... وتبرؤ حكومي

شمال افريقيا أطفال يحملون حزماً من المساعدات الإنسانية في مدرسة للنازحين بمدينة القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)

أزمة بيع مواد الإغاثة تتفاقم في السودان... وتبرؤ حكومي

تفاقمت أزمة بيع المواد الإغاثية في أسواق سودانية، فيما تبرَّأت المفوضية الإنسانية التابعة للحكومة من المسؤولية عن تسريبها.

محمد أمين ياسين (نيروبي) وجدان طلحة (بورتسودان)
المشرق العربي الحرب في السودان والقيود المفروضة على توصيل المساعدات تسببتا في مجاعة في شمال دارفور (رويترز)

الأمم المتحدة: أكثر من 30 مليون شخص في السودان بحاجة إلى المساعدة

قالت الأمم المتحدة الاثنين إن أكثر من 30 مليون شخص، أكثر من نصفهم من الأطفال، يحتاجون إلى المساعدة في السودان بعد عشرين شهرا من الحرب المدمرة.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)
العالم العربي مواطنون في بورتسودان 30 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

10 قتلى في غارة جنوب الخرطوم

أفاد مُسعفون متطوعون أن عشرة مدنيين سودانيين قُتلوا، وأصيب أكثر من 30، في غارة جوية جنوب الخرطوم.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان (السودان))
شمال افريقيا البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران في بورتسودان السبت (مجلس السيادة السوداني - فيسبوك)

السودانيون يعلقون آمالهم على المبادرة التركية لإنهاء الحرب

رغم المواقف المتناقضة التي تصدر من تنظيم الإسلاميين السودانيين المؤيد لاستمرار الحرب، فإن السودانيين يعلقون آمالاً عريضة على المبادرة التركية لإنهاء معاناتهم.

أحمد يونس (كمبالا) محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا شاحنة تحمل مسلحين تابعين للجيش السوداني في أحد شوارع مدينة القضارف (شرق) في نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

توسع أحكام الإعدام في السودان بمزاعم التعاون مع «الدعم السريع»

قالت هيئة حقوقية سودانية إن الأجهزة الأمنية المُوالية للحكومة في العاصمة المؤقتة بورتسودان، تحتجز مئات الأشخاص تعسفياً، بمزاعم التعاون مع قوات «الدعم السريع».

أحمد يونس (السودان)

المنقوش: لقاء كوهين كان بتنسيق بين إسرائيل وحكومة الدبيبة

المنقوش في لقائها مع «منصة 360» التابعة لقناة «الجزيرة» القطرية
المنقوش في لقائها مع «منصة 360» التابعة لقناة «الجزيرة» القطرية
TT

المنقوش: لقاء كوهين كان بتنسيق بين إسرائيل وحكومة الدبيبة

المنقوش في لقائها مع «منصة 360» التابعة لقناة «الجزيرة» القطرية
المنقوش في لقائها مع «منصة 360» التابعة لقناة «الجزيرة» القطرية

كشفت وزيرة الخارجية المقالة بحكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، نجلاء المنقوش، عن أن لقاءها مع نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين الذي تمّ قبل أكثر من عام في روما، كان بتنسيق بين إسرائيل والحكومة، وقالت إنها ناقشت معه عدداً من القضايا «الأمنية الحساسة التي تهم استقرار ليبيا وفقاً لما كُلفت به».

صورة أرشيفية لنجلاء المنقوش (الوحدة)

وأضافت المنقوش لـ«منصة 360»، التابعة لقناة «الجزيرة» القطرية، مساء يوم الاثنين، في أول حديث لها منذ مغادرتها ليبيا، أن اللقاء مع كوهين كان سرياً لأغراض أمنية واستراتيجية، لكنها أوضحت أنه كان يتعلّق «بالبحر المتوسط، والمحافظة على الموارد الليبية النفطية والمائية بالإضافة إلى الطاقة».

وأشارت إلى أنها «لم تكن طرفاً في الترتيب لأجندة الاجتماع مع كوهين... الحكومة هي التي رتبت، وأنا دوري كان إيصال الرسائل إلى الجانب الإسرائيلي»، واصفة تنصل «الوحدة» من اللقاء بأنه «عدم حكمة أو فقد القدرة على معالجة الأزمة بعد تسريب خبر اللقاء».

وأبدت المنقوش استغرابها من تسريب الجانب الإسرائيلي اللقاء، بالنظر إلى أن «الاتفاق كان عدم إعلانه وإبقاءه سرياً... المشكلة بالنسبة لي لم تكن في تسريب الخبر؛ بل كانت في طريقة معالجته، لأن ما قمت به هو من صميم عملي الدبلوماسي، كنت أقود الدبلوماسية الليبية؛ وعملي مقابلة كل وزراء الخارجية».

وقالت إن لقاءها كوهين «لم يكن خطأ من ناحية المبدأ»، مشددة على أن مقابلة الطرف الإسرائيلي كانت محددة في موضوعات وإطار معين، وكما يقولون «رب ضارة نافعة»، فبداية حديثي مع الوفد الإسرائيلي أكدت لهم أن موقف الليبيين الشرفاء والعرب الشرفاء هو الاعتراض على السياسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته.

احتجاجات سابقة في طرابلس على اللقاء بين المنقوش ونظيرها الإسرائيلي (أ.ب)

وسبق أن أثار اجتماع المنقوش - كوهين، الذي احتضنته إيطاليا في أغسطس (آب) الماضي، حالةً من الغضب في ليبيا تسببت في مغادرتها البلاد، في حين نفى عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة علمه بلقائها كوهين.

ولُوحظ خروج الكثير من المواطنين في مصراتة (غرب ليبيا)، سعياً للتظاهر ضد الدبيبة الذي قالت تقارير إنه وجّه وزير الداخلية بتشديدات أمنية على طرابلس لمواجهة أي احتجاجات.

وصعّد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حمّاد، يوم الاثنين، أمام مجلس النواب، من هجومه ضد غريمه الدبيبة، وعدّ لقاء مسؤولين في «الوحدة» مع «العدو الصهيوني» سقوطاً أخلاقياً وقانونياً، يجرّمه القانون بشأن مقاطعة إسرائيل.

والمنقوش المولودة في بنغازي (54 عاماً) خرجت من ليبيا سراً، عقب حالة غضب عارمة ومظاهرات في بعض المدن، إثر وقوعها تحت طائلة القانون الليبي، الصادر في عام 1957 بشأن «مقاطعة إسرائيل».

ويقضي القانون بـ«الحبس لمدة لا تقل عن 3 سنوات، ولا تزيد على 10 سنوات، وبغرامة لا تتجاوز 5 آلاف دينار، عقاباً لكل مَن يعقد اتفاقاً مع أي نوع من هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل، أو منتمين إليها بجنسيتهم، أو يعملون لحسابها».

وأبدت المنقوش احترامها للقانون الليبي، وقالت إنها مستعدة للمثول أمام جهات التحقيق، لإثبات الحقيقة لليبيين الذين قالت «إنها تحبهم، وليس لديها ما تخفيه عنهم». وكان النائب العام أحالها إلى التحقيق منذ أغسطس 2023، لكنها تقول: «لم يتم استدعائي حتى اليوم».