الجزائر وفرنسا لاستغلال فرص الاستثمار بغرض تجاوز عقبات التطبيع

عقود في الطاقة بعد فشل مسعى استرجاع أغراض الأمير عبد القادر

التوقيع على مذكرة تفاهم بين «سوناطراك» و«توتال إنيرجي» (سوناطراك)
التوقيع على مذكرة تفاهم بين «سوناطراك» و«توتال إنيرجي» (سوناطراك)
TT

الجزائر وفرنسا لاستغلال فرص الاستثمار بغرض تجاوز عقبات التطبيع

التوقيع على مذكرة تفاهم بين «سوناطراك» و«توتال إنيرجي» (سوناطراك)
التوقيع على مذكرة تفاهم بين «سوناطراك» و«توتال إنيرجي» (سوناطراك)

أمام تعثر محاولات إيجاد تسوية لـ«مشكلة الذاكرة»، لتوفير ظروف نجاح زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون المرتقبة إلى باريس الخريف المقبل، تحاول الحكومتان الجزائرية والفرنسية استغلال الفرص المتاحة في مجال الاستثمار والأعمال لتجاوز المطبات التي تعترض التطبيع الكامل للعلاقات الثنائية.

وفي حين يحتدم خلاف كبير بين القيادتين الجزائرية والفرنسية، حول «قضية استرجاع سيف وبرنس الأمير عبد القادر»، قائد أكبر ثورة شعبية ضد الاستعمار في القرن الـ19، وجد الكوادر المسيرون للاقتصاد، وتحديداً الطاقة في البلدين، طرقاً أخرى للتقارب قد تكون من أهم مفاتيح نجاح زيارة تبون إلى باريس، المقررة نهاية سبتمبر (أيلول) أو بداية الشهر التالي، بحسب اتفاق سابق بين العاصمتين. علماً بأن الجزائر ستشهد انتخابات رئاسية في 7 سبتمبر، ويرجح أن الرئيس الحالي سيترشح وسيفوز بنتيجتها، وفق توقعات غالبية المراقبين، وذلك لاعتبارات عدة، أهمها أنه يحظى بدعم قيادة الجيش.

تبون مع الوزيرة الأولى الفرنسية سابقاً في 10 أكتوبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)

وضمن المنظور الجديد للعلاقات الثنائية، وقّعت شركة «سوناطراك» الجزائرية للنفط والغاز، و«توتال إنيرجي» الفرنسية، الاثنين، بالجزائر العاصمة، مذكرة تفاهم تخص خطة عمل لتطوير موارد النفط والغاز في منطقة الشمال الشرقي لولاية تيميمون، بجنوب الجزائر، اعتماداً على منشآت المعالجة القائمة بالمنطقة. وأكدت الشركة الجزائرية على حساباتها بالإعلام الاجتماعي، أن التفاهمات مع الشريك الفرنسي، «تهدف إلى وضع أطر للتعاون بين الطرفين، بغرض إبرام عقد محروقات في رقعة الاهتمام المحدد، وذلك في ظل القانون (الجزائري) رقم 19 - 13 المنظم لأنشطة المحروقات».

وتدير «سوناطراك» أعمال تطوير «حقل تيميمون» بحصة 51 في المائة، و«توتال» بنسبة 37.75 في المائة، فيما تصل حصة «سيبسا» الإسبانية 11.25في المائة، حسب ما نشرته منصة «الطاقة» المتخصصة. وينتج حقل تيميمون الغاز من 37 بئراً، متصلة بمنشأة لمعالجة الغاز ترتبط بخط أنابيب يُستعمل في نقل الغاز، من حقول جنوب غربي الجزائر إلى حاسي الرمل بالجنوب.

جانب من المباحثات الجزائرية الفرنسية حول الاستثمار في المحروقات (شركة سوناطراك الجزائرية)

ووقّعت «توتال» و«سوناطراك» العام الماضي 3 صفقات، من بينها عقدان في مجال المحروقات، وعقد لتمديد شراء الغاز المسال الجزائري حتى عام 2024، بإجمالي 2 مليون طن سنوياً، ومذكرة تفاهم في مجال الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة؛ حسب منصة «الطاقة»، التي أكدت أن العقود بين الشركتين تتضمن ضخ استثمارات بقيمة 332 مليون دولار، في منطقة «تي إف تي 2»، بتيميمون بما يسمح باسترجاع 43 مليار متر مكعب من الغاز، و4.3 مليون طن من المكثفات، و5.7 مليون طن من غاز النفط المسال.

أما الاستثمارات في المنطقة الثانية بـ«تي إف تي» جنوب الجزائر، فتقدر بنحو 407 ملايين دولار، بما يسمح باسترجاع 11.5 مليار متر مكعب من الغاز، و1.3 مليون طن من المكثفات، و1.6 مليون طن من غاز النفط المسال، وفق المنصة الإخبارية المتخصصة ذاتها.

من اجتماعات سابقة لدبلوماسيين جزائريين وفرنسيين لبحث ملفات سياسية (الخارجية الجزائرية)

في مقابل الانتعاشة في التعاون الطاقوي بين الجزائر وفرنسا، عرفت المباحثات حول الملفات السياسية تعثراً، خصوصا حول «مسألة الذاكرة وأوجاع الماضي الاستعماري». ففي نهاية 2023 صرح وزير الخارجية أحمد عطاف، أن بلاده طلبت من فرنسا أن تعيد لها برنس وسيف الأمير عبد القادر، وبقية أغراضه الموجودة بقصر أمبواز بوسط فرنسا، حيث كان محتجزاً من 1848 إلى 1852، لكنّ الفرنسيين رفضوا بذريعة أن الموافقة على الطلب تستدعي استصدار قانون، حسب عطاف. وعدت الجزائر هذا الموقف غير مشجع على إجراء زيارة تبون إلى فرنسا، عندما كانت أول مرة في مايو (أيار) 2023.

ولا تتوقف مطالب الجزائر بخصوص أغراض «الأمير»، فهي تريد استعادة أرشيف حرب التحرير، وجماجم المقاومين المحتفظ بها في متاحف باريس. كما تطالب من فرنسا «تطهير المناطق الصحراوية من مخلفات تجاربها النووية (أجرتها مطلع ستينات القرن الماضي) ودفع تعويضات لضحاياها...»، وهي مطالب محل تحفظ من جانب باريس.


مقالات ذات صلة

ترقب في الجزائر بخصوص معتقلي الحراك بعد الإعلان عن عفو رئاسي

شمال افريقيا الرئيس تبون أصدر عفواً شمل أكثر من 2400 سجين (الرئاسة)

ترقب في الجزائر بخصوص معتقلي الحراك بعد الإعلان عن عفو رئاسي

تسود بالجزائر حالة ترقب بخصوص معتقلي الحراك، الذين سيشملهم عفو رئاسي، مسّ 22 منهم فقط، من نحو 200 شخص أدانتهم المحاكم بتهمة «انتهاك الأمن العام».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا نخبة الشرطة في أثناء اقتحام الطائرة (سلطات المطار)

الجزائر تجري محاكاة لخطف طائرة فرنسية بعد 30 سنة من الحادثة

أجرت مجموعة من نخبة الشرطة الجزائرية تمريناً يحاكي خطف طائرة مع مسافرين بداخلها، بمطار عاصمة البلاد، في مشهد أعاد للأذهان حادثة خطف طائرة تابعة للخطوط الفرنسية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري مع رئيس وزرائه (على يمينه) ووزير الداخلية قبل انطلاق اجتماع الحكومة مع الولاية (الرئاسة)

تبون: الجزائر لا يمكن افتراسها بـ«هاشتاغ»

رد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أمس الثلاثاء، على وسم انتشر في المنصات الرقمية، عنوانه «مانيش راضي» (لست راضياً) بالعامية الجزائرية، يحمل انتقادات للأوضاع.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري مع رئيس وزرائه (على يمينه) ووزير الداخلية قبل انطلاق اجتماع الحكومة مع الولاية (الرئاسة)

رئيس الجزائر يعلّق على هاشتاغ «لست راضياً»

ردّ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على شعار يجري ترديده في فضاءات الإعلام الاجتماعي عبّر فيه أصحابه عن تذمرهم من حالة الحريات في البلاد، وأوضاعها الاقتصادية.

شمال افريقيا الرئيس تبون مع مسؤولين عن الصناعة العسكرية (الرئاسة)

الجزائر تعوّل على نمو الإنتاج العسكري لتطوير قطاعها الصناعي

الرئيس تبّون: «السياسة التي تبنتها الدولة في السنوات الأخيرة، الهادفة إلى تشجيع الإنتاج المحلي، ساهمت في تقليص فاتورة الواردات بنسبة 40 في المائة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

ترقب في الجزائر بخصوص معتقلي الحراك بعد الإعلان عن عفو رئاسي

الرئيس تبون أصدر عفواً شمل أكثر من 2400 سجين (الرئاسة)
الرئيس تبون أصدر عفواً شمل أكثر من 2400 سجين (الرئاسة)
TT

ترقب في الجزائر بخصوص معتقلي الحراك بعد الإعلان عن عفو رئاسي

الرئيس تبون أصدر عفواً شمل أكثر من 2400 سجين (الرئاسة)
الرئيس تبون أصدر عفواً شمل أكثر من 2400 سجين (الرئاسة)

تسود بالجزائر منذ ليل الأربعاء حالة ترقب بخصوص معتقلي الحراك، الذين سيشملهم عفو رئاسي، مسّ 22 منهم فقط، من نحو 200 شخص أدانتهم المحاكم بتهمة «انتهاك الأمن العام». لكن في الوقت الذي صدرت فيه تدابير العفو، جرى أيضاً اعتقال نشطاء بسبب منشورات في الإعلام الاجتماعي، تعبر عن الاستياء من الوضع العام في البلاد.

وأكدت الرئاسة في بيان، الأربعاء، أن الرئيس عبد المجيد تبون «قرر إفادة 2471 محبوساً بإجراءات عفو رئاسي، وتدابير تهدئة». مؤكداً أن القرار يتمثل في «عفو كلي بالنسبة للأشخاص غير المحبوسين، المحكوم عليهم نهائياً، الذين تقل، أو تساوي عقوبتهم 24 شهراً، وعفو كلي بالنسبة للأشخاص المحبوسين، الذين تقل أو تساوي عقوبتهم 18 شهراً».

جانب من مظاهرات الحراك الشعبي الذي تسبب في سجن عشرات الناشطين السياسيين (الشرق الأوسط)

كما جاء في البيان أنه «يستفيد من تخفيض العقوبة جزئياً لمدة 18 شهراً، الأشخاص المحبوسون المحكوم عليهم نهائياً، والذين تزيد باقي عقوبتهم على 18 شهراً، ويساوي 30 سنة أو يقل عنها». مشيراً إلى «رفع مدة التخفيض الكلي والجزئي للعقوبة إلى 24 شهراً، بالنسبة للمحبوسين المحكوم عليهم نهائياً، الذين يساوي سنهم 65 سنة أو يزيد عليها، والأحداث والنساء الحوامل وأمهات لأطفال، لا يتجاوز سنهم 3 سنوات».

ووفق البيان نفسه، قرر تبون «إفادة 14 محبوساً بإجراءات عفو كلي لباقي العقوبة، المحكوم بها عليهم نهائياً في جرائم تتعلق بالنظام العام. بالإضافة إلى ثمانية محبوسين على ذمة التحقيق، وإجراءات المحاكمة، بتدابير تهدئة تتعلق هي الأخرى أيضاً بجرائم النظام العام».

عدد من مساجين جبهة الإنقاذ الإسلامية (متداولة)

وأهم ما لفت في البيان «تدابير تهدئة»، و«جرائم النظام العام»، فهما جملتان تفيدان بأن إجراءات العفو تعني معقلي الحراك الشعبي المعارضين لسياسات الحكومة، والذين يرفض تبون إطلاق صفة «سجناء الرأي» عليهم.

وأكدت مصادر قضائية لـ«الشرق الأوسط» أن الإدارة العامة للسجون لم تصلها أمس قائمة أسماء سجناء الحراك المعنيين بالعفو الرئاسي، بعكس العفو الذي صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث غادر الناشطون الذين شملهم، السجون في يوم الإعلان عن التدابير، بحكم تحديدهم بالاسم، وكان من بينهم الصحافي الكبير إحسان القاضي، الذي قلّصت الرئاسة مدة سجنه بثلاث سنوات.

الصحافي إحسان القاضي كان من بين الذين شملهم العفو الذي صدر في نوفمبر الماضي (الشرق الأوسط)

وتجمع أمس ناشطون سياسيون في محيط «سجن الحراش» بالعاصمة، و«سجن القليعة» بضاحيتها الغربية، في انتظار خروج معتقلي الحراك منهما، علماً أن هيئة الدفاع عن الناشطين المسجونين بسبب مواقفهم السياسية، صرحت بأن عددهم يفوق المائتين، وكلهم دانتهم المحاكم بفترات سجن متفاوتة المدة، على أساس تهم «الإخلال بالنظام العام»، و«تقويض الأمن»، و«نشر الفوضى بهدف ضرب الاستقرار».

وما يسترعي الانتباه في إجراءات العفو الجديدة أيضاً أنها تخص محبوسين على ذمة التحقيق، ينتظرون المحاكمة، حيث لم يسبق أن منحتها الرئاسة لهذه الفئة من المساجين، لأن القانون يستثنيهم، ويستهدف حصرياً المدانين بأحكام قضائية نهائية، أي بعد استنفاد كل طرق الطعن.

ومن أشهر المحبوسين في فترة التحقيق، حالياً، الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، المتهم بـ«المس السلامة الترابية والوحدة الوطنية»، على إثر تصريحات أطلقها في فرنسا، بداية الشهر الماضي، تعلقت بالاستعمار والحدود الترابية بين الجزائر والمغرب، التي أثارت استياء السلطات الجزائرية، وصعّدت من حدة الخلاف مع باريس التي احتجت على سجنه.

الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

ويدخل صنصال، حسب محامين، ضمن فئة «المحبوسين بسبب جرائم النظام العام»، التي تناولها العفو الرئاسي، لكن لا يعرف إن كان سيطلق سراحه. كما لا يعرف إن كان يشمل 18 إسلامياً، يسمون أنفسهم «أطر الجبهة الإسلامية للإنقاذ الأصيلة»، سجنتهم الحكومة منذ عام بسبب إصدارهم بياناً ينتقد الأوضاع.

وبينما أطلقت السلطات مبادرة العفو، اعتقل الأمن عدداً من النشطاء المعارضين، للاشتباه بوقوفهم وراء منشورات بالإعلام الاجتماعي، تحمل وسم «مانيش راضي» (لست راضياً على الوضع)، التي قال عنها الرئيس، في خطاب، الثلاثاء الماضي، إن الجزائر «لا يمكن أن يفترسها هاشتاغ».