اجتماع في الجامعة العربية الأربعاء لبحث التصعيد الإسرائيلي

حسام زكي تحدث عن مشاورات بشأن القرار الفرنسي في مجلس الأمن

الدخان يتصاعد خلف المباني المدمرة بسبب الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة في 2 أبريل 2024 (أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد خلف المباني المدمرة بسبب الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة في 2 أبريل 2024 (أ.ف.ب)
TT

اجتماع في الجامعة العربية الأربعاء لبحث التصعيد الإسرائيلي

الدخان يتصاعد خلف المباني المدمرة بسبب الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة في 2 أبريل 2024 (أ.ف.ب)
الدخان يتصاعد خلف المباني المدمرة بسبب الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة في 2 أبريل 2024 (أ.ف.ب)

بينما تجري جامعة الدول العربية مشاورات في نيويورك بشأن مشروع قرار فرنسي خاص بفلسطين في مجلس الأمن، يعقد مجلس جامعة الدول العربية، غداً (الأربعاء)، في القاهرة، دورة غير عادية على مستوى المندوبين لبحث التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة، بحسب إفادة للأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي.

وقال زكي إن «الاجتماع يعقد برئاسة موريتانيا، الرئيس الحالي لمجلس الجامعة، وبناء على طلب دولة فلسطين، وتأييد عدد من الدول العربية»، ويستهدف بحث الحراك العربي لدعم القضية الفلسطينية خاصة في ظل استمرار جريمة الإبادة الجماعية، وسياسة التجويع التي ترتكبها إسرائيل والتهجير القسري ضد الشعب الفلسطيني.

وأضاف الأمين العام المساعد أن «الاجتماع سوف يبحث التحرك العربي والدولي في ضوء التهديدات الإسرائيلية المستمرة باجتياح وشيك لمدينة رفح، التي تؤوي ما يزيد على 1.5 مليون نازح ومواطن فلسطيني، إضافة إلى تعنت ورفض إسرائيل تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وآخرها القرار رقم 2728 الذي طالب بوقف فوري لإطلاق النار في شهر رمضان المبارك».

ومن المقرر أن يناقش المجلس أيضاً عدم انصياع إسرائيل للتدابير المؤقتة التي أمرت بها محكمة العدل الدولية في26 يناير (كانون الثاني) و28 مارس (آذار) الماضيين.

اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في مارس الماضي (الشرق الأوسط)

يأتي اجتماع مندوبي الجامعة العربية، تزامناً مع استمرار جهود الوساطة من أجل «التهدئة»، وإتمام صفقة «تبادل الأسرى». وشهدت القاهرة يومي الأحد والاثنين الماضيين جولة جديدة من مفاوضات التهدئة في قطاع غزة، بمشاركة وفد أمني إسرائيلي، بينما لم يصل وفد من حركة «حماس» للمشاركة في المفاوضات غير المباشرة، التي تجري بوساطة قطرية ومصرية وأميركية.

وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أوفير جندلمان، إن الوفد الإسرائيلي المفاوض عاد (الثلاثاء) من القاهرة في ختام جولة أخرى من المحادثات المكثفة.

ورجح مصدر مصري مطلع على مسار المفاوضات أن تشهد الأيام المقبلة وصول وفد من «حماس» إلى القاهرة، مضيفاً أن «لا سقف زمنياً للمفاوضات الجارية حالياً».

وتعثرت عدة جولات سابقة استضافتها العاصمتان القطرية والمصرية على مدى الأسابيع الأخيرة، وحال جمود مواقف طرفي الصراع دون التوصل إلى اتفاق في القطاع الذي يشهد أزمة إنسانية طاحنة جراء استمرار الحرب لنحو 6 أشهر، ولم يتوقف القتال سوى لأسبوع واحد فقط بعد هدنة في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، دامت أسبوعاً بوساطة مصرية وقطرية وأميركية.

عائلات المحتجزين الإسرائيليين لدى «حماس» خلال اعتصام أمام مقر الكنيست في القدس الغربية اليوم (إ.ب.أ)

بدوره، أكد الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، في تصريحات متلفزة مساء الاثنين، أن «الجامعة متمسكة بالكفاح الدبلوماسي والقضائي والقانوني والسياسي من أجل تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني».

وأشار إلى أن «الجامعة تتابع من كثب من خلال بعثتها في نيويورك كل التطورات الخاصة بمشاريع القرار الأممية بشأن فلسطين متابعة حثيثة ودقيقة»، مؤكداً «أهمية تأمين مرور مشروع القرار الذي تعتزم فرنسا تقديمه، لأن مروره قد يعني مرحلة جديدة في تعامل مجلس الأمن مع القضية».

وأوضح أن «المشروع لا يتعامل مع فكرة وقف إطلاق النار فقط وإنما يتعامل مع الوضع الفلسطيني بشكل عام؛ بما في ذلك الاعتراف بفلسطين بوصفها دولة وبعضويتها الكاملة في الأمم المتحدة».

وتبنى مجلس الأمن الدولي، أخيراً، قراره الأول الذي يطالب فيه بـ«وقف فوري لإطلاق النار في غزة خلال شهر رمضان»، بتأييد 14 عضواً، فيما امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت، لكن حتى الآن لم يتم تنفيذه.

وانتقد زكي ما عده «استعلاء إسرائيلياً» على القرارات الدولية بشأن غزة، واصفاً ذلك بأنه «أمر مشين». ورفض الأمين العام المساعد للجامعة العربية تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتنفيذ عملية عسكرية في رفح، وقال: «اجتياح رفح مرفوض ومدان سلفاً من المجتمع الدولي، ومصر بصفتها الدولة المعنية ستضطر لمواجهة التداعيات المحفوفة بالمخاطر، ما قد يعرض العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، التي تعد ركناً للسلام الإقليمي، لمخاطر كبيرة».

وأشار إلى أنه «تم توجيه نصائح مباشرة وغير مباشرة للجانب الإسرائيلي بشأن خطورة الإقدام على هذه الخطوة». وأعرب عن أمله في «تضييق نطاق الحرب وصولاً إلى وقف كامل لإطلاق النار».

وبشأن ما إذا كان اجتياح رفح سيجدد مخاوف التهجير، قال زكي: «بطبيعة الحال فإن وجود هذا العدد من السكان المدنيين في مربع ضيق، وفي ظل أوضاع بائسة، سيدفعهم للبحث عن ملاذ آمن حال إقدام إسرائيل على الاجتياح». وأضاف: «هذا وضع في منتهى الحساسية ويهدد ما تبقى من استقرار في المنطقة».

وأكدت مصر والجامعة العربية أكثر من مرة رفض تهجير الفلسطينيين داخل أو خارج أراضيهم، وعدّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ذلك «تصفية للقضية الفلسطينية».

وبشأن مقترح إرسال قوات دولية وعربية مشتركة لحفظ الأمن في قطاع غزة، لفترة مؤقتة، قال زكي إن «الدول العربية لم تتعامل من خلال الجامعة العربية مع مثل هذه السيناريوهات، ولا يوجد قرار عربي في هذا الموضوع».

وأشار إلى أن «أي وجود لقوات سواء عربية أو دولية في قطاع غزة لا بد أن يسبقه إطار سياسي واضح يطمئن الفلسطينيين بأن طموحهم في الاستقلال هو طموح يجري العمل على تحقيقه وليس الإطاحة به في المستقبل».

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، قد اقترح خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة على الإدارة الأميركية «إنشاء قوة عسكرية متعددة الجنسيات مع قوات من الدول العربية لتحسين القانون والنظام في غزة ومرافقة قوافل المساعدات»، بحسب ما نقله موقع «واللا» العبري عن مسؤول إسرائيلي.

وأكد مصدر مصري مطلع لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة ترفض مقترح إرسال قوة عربية مشتركة إلى قطاع غزة». وقال المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته، إن «مصر تدعم عودة السلطة الفلسطينية لإدارة قطاع غزة».

بدوره، قال رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير الخارجية المصري الأسبق السفير محمد العرابي، إن «الفترة الحالية تشهد اقتراحات عدة وعلى جميع الأصعدة، دون دراسة ما إذا كانت مقبولة من الأطراف المعنية بتنفيذها».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «مثل هذه الاقتراحات ليست إلا بالونات اختبار لا يوجد لها أساس على الأرض». وأكد أن «الواقع على الأرض هو الذي سيتحكم فيما هو ممكن وقابل للتنفيذ من بين الاقتراحات المتعددة».

وكانت فلسطين أعلنت رفضها خطة نشر قوات دولية وعربية في قطاع غزة، بينما وصفت فصائل فلسطينية الخطة، بأنها «وهم وسراب»، وهددت بالتعامل مع أي قوة متعددة في غزة، بوصفها قوة احتلال.

من جانبه، قال خبير الشؤون الإسرائيلية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، إنه «لا يمكن لأي دولة عربية القبول بالمشاركة في قوات عربية أو دولية في قطاع غزة دون وجود مشروع واضح لإقامة الدولة الفلسطينية».

وأضاف عكاشة لـ«الشرق الأوسط»، أن «على الولايات المتحدة أن تحدد جدولاً زمنياً لإقامة الدولة الفلسطينية ومدة المرحلة الانتقالية، لكن دون ذلك فمن الصعب جداً القبول بقوة عربية في غزة».


مقالات ذات صلة

آلية عربية - إسلامية - أفريقية لدعم القضية الفلسطينية

الخليج وزير الخارجية السعودي خلال مؤتمر صحافي عقب القمة (رويترز)

آلية عربية - إسلامية - أفريقية لدعم القضية الفلسطينية

وقّعت جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأفريقي على آلية ثلاثية لدعم القضية الفلسطينية.

غازي الحارثي (الرياض)
الخليج القادة أمام القمة: مستقبل المنطقة والعالم على مفترق طرق

القادة أمام القمة: مستقبل المنطقة والعالم على مفترق طرق

أجمع عدد من قادة الدول العربية والإسلامية على رفض حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، واستمرار العدوان على لبنان.

عبد الهادي حبتور (الرياض )
الخليج صورة جماعية للقادة المشاركين في القمة العربية - الإسلامية السابقة في الرياض (واس)

«قمة الرياض» تبحث موقفاً موحداً لوقف العدوان الإسرائيلي

يبحث القادة المشاركون في «قمة المتابعة العربية - الإسلامية»، التي تُعقد في الرياض، اليوم، موقفاً موحداً لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان.

الخليج الأمير فيصل بن فرحان لدى لقائه محمد مصطفى في الرياض (الخارجية السعودية)

فيصل بن فرحان يبحث مع مصطفى وبوحبيب تطورات فلسطين ولبنان

بحث الأمير فيصل بن فرحان مع محمد مصطفى الجهود المبذولة بشأن مستجدات غزة، كما تطرق وبوحبيب إلى التطورات الراهنة على الساحة اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أوروبا شخص يرتدي كيباه بألوان علم فلسطين ويضع كوفية فلسطينية على كتفيه في أمستردام (إ.ب.أ)

وقائع سبقت الاعتداء على مشجعي كرة قدم إسرائيليين في أمستردام

قالت رئيسة بلدية أمستردام فمكه هالسما إن مشجعي فريق مكابي تل أبيب الإسرائيلي لكرة القدم تعرضوا للضرب على أيدي مجموعات إجرامية في الساعات الأولى من صباح الجمعة.

«الشرق الأوسط» (أمستردام)

«غزيو مصر» لم يحملوا الغربة في حقائبهم

مائدة تجمع مصريين وغزيين داخل شقة في القناطر الخيرية (الشرق الأوسط)
مائدة تجمع مصريين وغزيين داخل شقة في القناطر الخيرية (الشرق الأوسط)
TT

«غزيو مصر» لم يحملوا الغربة في حقائبهم

مائدة تجمع مصريين وغزيين داخل شقة في القناطر الخيرية (الشرق الأوسط)
مائدة تجمع مصريين وغزيين داخل شقة في القناطر الخيرية (الشرق الأوسط)

منزل بسيط في مدينة «القناطر الخيرية»، يخبرك موقعه على الخريطة أنك تحتاج إلى عبور جسر وترعة حتى تصل إليه، بعد 25 كيلومتراً من ميدان «التحرير»، وسط القاهرة. تقف حبيبة على بابه تنتظر الضيوف، ومريم في الشرفة تترقب، بينما الجدة تجلس مرتدية الثوب الفلسطيني المميز، والأم تعد المنسف في المطبخ. يوم جمعة يذكرهم بأيامهم التقليدية في غزة قبل الحرب، حين كانت العائلة تجتمع على الطعام.

تتحدث الأم نهى عبد الرازق، الشهيرة بأم حبيبة، لـ«الشرق الأوسط»، بينما تعدّ الغداء، عن مشاعر كثيرة حملتها أسرتها معها من القطاع؛ القلق على زوجها الذي تركوه خلفهم مضطرين، وهو من الصم والبكم، الحزن على القطاع، الصدمات النفسية العالقة بحقائبهم القليلة التي خرجوا بها من هناك: «لسه بنتي الصغيرة بتسألني ماما هو ممكن السقف هذا يقع علينا».

ثم تُلمح إلى شعور جيد وحيد نبت في مصر بالألفة، قائلة وهي تشير إلى ضيوفها من المصريين والغزيين: «مثل هذه الزيارات بتهون علينا كتير». وتتذكر: «هناك مصريون عملوا لبناتي عيد ميلاد في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي حتى يفرحوهن».

أم فلسطينية تعد المنسف الشهير للضيوف (الشرق الأوسط)

جاءت الأسرة للعلاج في مارس (آذار) الماضي، «دخلت مريم ذات السنوات السبع المصابة بحمى البحر المتوسط، العناية المركزة لمدة أسبوعين في مستشفى القناطر، وبعدها رآنا مصريان يتطوعان لمساعدة الغزاوية، ووفرا لنا شقة في قرية أبو الغيط، جوارنا»، حسب نهى.

وتضيف: «في القرية الأهالي لم يتركونا، كل يوم يطرقون علينا الباب، مرة بسؤال عن الصحة، وأخرى ببعض الجبن أو الألبان أو الدجاج». وحين اضطرت الأسرة للانتقال إلى قرب المستشفى لمواجهة أي طارئ للصغيرة، وفر لها المصريان نفسهما الشقة الثانية.

نهى عبد الرازق تجري مكالمة فيديو مع زوجها الموجود في غزة وتعرفه على ضيوفهم في شقتهم بالقناطر الخيرية (الشرق الأوسط)

عائلة الجدة ليست حالة استثنائية؛ إذ لاحظت «الشرق الأوسط» انتشار العائلات الفلسطينية في مناطق مختلفة، ليس داخل القاهرة والجيزة فقط، بل في قرى ومناطق شعبية دون التكتل في تجمعات سكنية، على عكس الجاليات العربية الأخرى، حيث تمركز السوريون، سواء في التجارة أو السكن، في منطقة «6 أكتوبر»، والسودانيون في منطقة فيصل، واليمنيون في الدقي، لكن الغزيين ذابوا وسط المصريين.

وقدّر السفير الفلسطيني في مصر دياب اللوح عدد الوافدين بعد الحرب، بـ103 آلاف فلسطيني، خلال الفترة من 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وحتى مايو (أيار) الماضي، وفق تصريح له الشهر الماضي.

وانقطع التدفق الفلسطيني إلى مصر مع إغلاق معبر رفح بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي عليه من الجانب الفلسطيني، منذ مايو الماضي، ورفض القاهرة التنسيق معه.

ويوجد في مصر حتى نهاية سبتمبر الماضي، 792 ألفاً و783 لاجئاً وطالبَ لجوء من 62 دولة، وفق تقرير لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. لا يتضمن هذا الإحصاء الفلسطينيين؛ إذ أوضحت وثيقة للمفوضية في فبراير (شباط) الماضي، أن مساعداتها للوافدين الفلسطينيين في مصر لا تتم بشكل مباشر، بل عبر الهلال الأحمر المصري.

أجواء الأُلفة

تفتح نهى مكالمة فيديو مع زوجها بلغة الإشارة، لتعريفه على الضيوف، فيما يغدق عليهم الابتسامات والترحاب. تتذكر وهم في غزة: «لم يكن يستدل على القصف سوى من وميضه الكبير المفاجئ، يقوم يتحسسنا في الظلام ليتأكد أننا بخير، ثم يجري على الشباك ليرى ما يحدث».

فرح الأب حين رأى الضيوف، وكذلك من قبل حين حكت له حبيبة ذات الـ12 عاماً، عن صديقاتها الكثيرات في المعهد الأزهري الذي التحقت به جوار منزلها الجديد. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «كل اللي تعرف إني من غزة تيجي تقولي بالله صاحبيني»، هذا بخلاف أصدقاء عائلتها الذين يزدادون كل يوم.

حسام المصري والناشط الفلسطيني أمان يحتفيان بالمنسف ويشاركان حبيبة ومريم اللعب (الشرق الأوسط)

مثل حبيبة، أصبح لدى العم محمد مصلح الشهير بـ«أبو مصباح»، والذي دخل العقد السادس من عمره، أصدقاء مصريون كثيرون، يشاركهم جلسات المقهى يومياً في منطقة «الكيت كات» الشعبية بحي إمبابة شمال محافظة الجيزة: «قالوا لي حين تعود إلى غزة ستقطع بنا (نشتاق إليك)، فأرد ضاحكاً: وماذا أفعل أضلني هون»، مشيراً إلى أنه بعد الحرب سيترك أسرته ويعود: «أعمَّر البيت ثم يلحقون بي».

اختار «أبو مصباح» هو وأولاده الستة وزوجته، المنطقة الشعبية باقتراح من الزوجة التي سمعت عنها من حكاوي والدتها المصرية، لكن لم تسنح لها الفرصة من قبل لزيارتها. ورغم أن الزوج قلق في البداية من مواجهة صعوبات في الاندماج، لكن سرعان ما تبددت المخاوف، وحلّت الألفة بالمكان وناسه. ولفت أيضاً إلى أن الأسعار في المنطقة جيدة سواء في الإيجارات أو الطعام، وهذا هوّن على أسرته الكبيرة العيش.

أنساب ممتدة

لا يتعجب الكاتب الفلسطيني محسن الخزندار من اندماج وافدي غزة في المجتمع المصري، بل يعدّه من طبائع الأمور. ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «بين المصريين والغزيين اختلاط في الأنساب كبير وممتد عبر أجيال، بدأ مع استعانة محمد علي بك الكبير بشبان مصريين أغلبهم من محافظة الشرقية، لحفر ترعة في غزة، وظل بعضهم هناك وتزوجوا وأنجبوا... الأجيال التالية جاءت إلى مصر للزواج من أقاربهم والعكس، ما حوّل العلاقات من جيرة إلى أنساب»، مشيراً إلى أن عائلته نفسها «الخزندار» أصلها مصري.

يتفق معه أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة المصرية - اليابانية الدكتور سعيد صادق، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»، إن الوجود الغزاوي في مصر «قديم منذ 1948، وثقافة الغزيين تشبه ثقافة الصعيد المصري، فلا توجد حواجز ثقافية تحول دون اندماجهم وسط المصريين، بل هم جزء من النسيج المجتمعي المصري بحكم الجغرافيا والتاريخ، ولهم أقارب، وتعلموا في مصر، وبينهم تجارة مع المصريين، لذلك لا يتجمعون في حي واحد مثل المهاجرين الجدد لمصر؛ كالعراقيين والسوريين».

سيارة أجرة لمصري في منطقة المعادي (جنوب القاهرة) عليها ملصق بالعلم الفلسطيني (الشرق الأوسط)

وأوضح صادق أن «وجود الفلسطينيين قديم، وحربهم قديمة... السودانيون في مصر يعيشون في مناطق خاصة، وأولادهم في مدارس خاصة بهم، أما السوري فوجوده قديم في مصر لكنه صغير، التوافد الحديث جاء مع ثورة سوريا وسط اتهامات بتعاطفهم مع (الإخوان)، ومنافستهم الاقتصادية مع المصريين، ما خلق حملات في شبكات التواصل الاجتماعي ضد وجودهم وتأثيرهم على الهوية المصرية».

وتشكل الجالية السودانية في مصر من المقيمين والمهاجرين الجدد، أكثر من نصف عدد الأجانب في مصر، والذين يصفهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنهم «ضيوف مصر»، وتقدر حكومته عددهم بنحو 9 ملايين شخص، بينهم أكثر من 5 ملايين سوداني.

ويؤكد الناشط الفلسطيني رامي أمان، الذي يقيم في مصر منذ عامين، ويتطوع لمساعدة أبناء القطاع ممن وفدوا بعد الحرب، تلك العلاقة الخاصة بين المصريين والغزيين، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»، حتى العائلات التي ليس لها نسب في مصر، فغالباً إما مرّوا منها، أو درس أبناؤهم فيها، أو زاروها ولو للسياحة... هي بالنسبة لنا إجازتنا الصيفية، كنا نأتي دائماً ونحن صغار، زرت القناطر الخيرية، ودرست في جامعة بمصر، وأي غزي يرغب في السفر للخارج يمر أولاً بمصر».

ويعدّ معبر رفح البري المنفذ شبه الوحيد لأهالي القطاع، في ظل الحصار الذي تفرضه إسرائيل، حيث تسيطر أيضاً على المنفذ الآخر «معبر كرم أبو سالم».

ويلفت أستاذ علم الاجتماع المصري إلى بُعد آخر في تعامل المصريين مع الغزيين، يتمثل في «المجازر التي تحدث في القطاع، ومتابعتهم لها عن كثب، ما جعلهم لا يرغبون في التربح منهم، عكس الجاليات الأخرى».

سيدات من غزة شاركن في معرض مصري لمنتجات من صنعهن في أكتوبر الماضي (الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية - فيسبوك)

وقبل 9 شهور، عبرت «أم الخليل» الحدود من غزة إلى مصر، لأول مرة، ينتابها قلق شديد وألم. القلق على مصيرها هي وأطفالها الأربعة وهذه أول مرة تغادر القطاع، ولا أحد لها هنا، والألم جرّاء شظايا كثيرة علقت بجسدها إثر قصف منزل مجاور.

تتذكر «أم الخليل»، التي تسكن الآن مدينة «العاشر من رمضان» في محافظة الشرقية، أن الرحلة «استغرقت 6 ساعات قضيناها في الطريق من سيناء إلى مدينة 6 أكتوبر للعلاج في مستشفى الشيخ زايد، وبمجرد دخولنا المعبر، كان فريق الإغاثة المصري يعاملنا بود شديد، وكذلك الممرضون والأطباء والمرضى في المستشفى».

انتقلت إلى «العاشر» بعدما وفرت لها جمعية فلسطينية الشقة، ورغم أن العمارة كان بها وافدون آخرون من غزة، لكن علاقة الصداقة تعمقت أكثر بينها وبين جيرانها المصريين، حتى تعلمت اللهجة المصرية بطلاقة، وأصبحت تستخدمها بإتقان.

اصطحبت الأم أبناءها يوماً إلى أهرامات الجيزة «الولاد قالولي يا ماما بدنا نشوفها». لم يجد الأطفال صعوبة في الاندماج بمصر، خصوصاً أنها كانت حاضرة في غزة بشكل أو بآخر، مثلاً «طفلها الأصغر حمود (اسم تدليل لمحمد) يشجع الأهلي ويشاهد مبارياته بانتظام»، تقول «أم الخليل».

الطفلة الفلسطينية حبيبة داخل منزلها في القناطر الخيرية (الشرق الأوسط)

أما هدى عبد العزيز، التي جاءت إلى مصر وسكنت في «كومباوند الفردوس» في مدينة «6 أكتوبر»، فيشجع زوجها فريق الإسماعيلي، يقول هو «مصنع اللاعبين... منه يأخذ الأهلي والزمالك المواهب»، تتذكر ذلك ضاحكة، فيما تحكي لـ«الشرق الأوسط» تجربة خروجها من القطاع هي وابنتها وزوجات أبنائها وأحفادها إلى مصر، وتعلق: «ليست غريبة عنا ولا نحن غرباء عنها».

لسنا بحاجة إلى سور

اعتادت هدى عبد العزيز زيارة القاهرة كل فترة، تلتقي أقاربها المصريين، بعضهم يسكن منطقة «رابعة العدوية» في مدينة نصر، وآخرون في حي «العجوزة» بمحافظة الجيزة جنوب القاهرة، أما هي فقد اختارت أن تسكن «الفردوس».

تقول: «سمعت أنه جيد وآمن... لذا فضلت أن نسكن فيه أنا وزوجات أبنائي وأحفادي»، وتضيف: «كان مهم لنا ونحن سيدات وحدنا أن نشعر بسور يحوطنا، في أمان».

مع الوقت، عبَرت السيدة الفلسطينية السور، ذهبت إلى «المقطم» و«الحصري» وغيرهما من الأماكن، «كانوا أماناً أيضاً لا فارق». تتحدث السيدة عن رعاية الجيران من المصريين لها، بل مَن تصادفهم ويعرفون أنها من غزة، متذكرة سيدة مصرية التقت بها عند طبيب، وقالت لها: «مصر فيها كتير من الجنسيات، بس أنتم غير».

الجدة الفلسطينية خلال استقبالها الضيوف في منزلها بالقناطر (الشرق الأوسط)

ويقول الناشط الفلسطيني رامي أمان: «إن الفلسطينيين لم يكونوا بحاجة إلى أن يتمركزوا حول بعضهم، أو يحاولوا استحضار غزة في مصر، وهي موجودة بالفعل في كل مكان، انظري إلى السيارات التي تضع ملصقات بكلمة فلسطين، أو الأعلام الموجودة، القضية حاضرة هنا دائماً».

وتستدرك السيدة الفلسطينية أن مصر أيضاً حاضرة دائماً لدى الغزاوية في القطاع: «ابني درس في الأزهر، والأكل المصري أتعلمه من شيفات مصريات مثل نادية السيد. وتشجيع الكرة المصرية أساسي في القطاع، وقت المباريات الكبرى كانت المقاهي تتكدس بالمتفرجين».

«كأننا بغزة»

لدى «أم الوليد» حيلة أخرى لاستحضار غزة في مصر، بعدما تركت القطاع في مارس (آذار) الماضي، مرافقة - هي وابنتها - لابنة أختها التي جاءت لتلقي العلاج، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «هناك مصرية تعرفت علينا في مستشفى الشيخ زايد، ووفرت لنا الشقة التي نمكث فيها حالياً في منطقة حدائق أكتوبر، والمنطقة جديدة، حين أسير لركوب المواصلات أضطر للمشي مسافة، أضحك وأقول لبناتي كأننا في غزة، رايحين لمنطقة الجامع».

بدأت «أم الوليد» في مشروع أشغال يدوية، ورسم أعلام فلسطينية على «ماجّات» للشرب، وبيعها عبر «الإنترنت» أو من خلال معارض تشارك فيها، أو بين شبكة معارفها التي تتوسع مع المصريين. ما زال مشروعها في بدايته، وكذلك مشروع مشابه افتتحته هدى عبد العزيز لعمل مشغولات يدوية، وكلتاهما تأمل أن تتوسع أكثر، وتغطي مصاريف إقامتها في مصر.

ويشير الكاتب الفلسطيني، وهو أيضاً أحد رجال الأعمال في القطاع، محسن الخزندار في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «التجارة مفتاح آخر لفهم عمق العلاقات المصرية - الغزاوية، فيستمد التجار المصريون من غزة الزيوت والعطور، ومن مصر يستمد الكثير من الغزيين بضائعهم...مصر شريان حياة لغزة».

ويشير إلى علاقات ممتدة «عبر التاريخ وما قبله، فغزة امتداد لمصر، وخط الدفاع الأول عنها في عصور الفراعنة الذين أقاموا أول نقطة حدودية لهم هناك»، ثم يتقدم بالتاريخ: «في عهد عبد الناصر وما قبله، كل الغزاوية من المفكرين والقادة درسوا في مصر، وإلى الآن تعد ساحة عِلم كبيرة لأهالي القطاع».

وكان السفير الفلسطيني أشار إلى أن في مصر 13 ألف طالب جامعي فلسطيني يدرسون في المعاهد والجامعات المصرية.

فرصة ثانية للتعلم

منحت الحرب في قطاع غزة إبراهيم نعيم (اسم مستعار بناء على طلبه) فرصة ثانية للتعلم، صحيح أنها لم تأتِ به إلى مصر، إذ وفد إليها قبل اندلاعها بشهرين للعلاج دون عائلته، لكنه علِق بعدها هنا، وهم في خيمة نزوح في خان يونس.

يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه حين كان بالقطاع تزوج صغيراً، هو الآن في الـ30 من عمره ولديه 3 أطفال. حين رسب في امتحان الثانوية العامة، ترك التعليم وركز في العمل: «اشتغلت في كل شيء، شيفاً في مطاعم وكهربائياً وعامل رخام».

وخلال إقامته بمصر فكر في أن يمتحن الثانوية العامة مجدداً، وبالفعل خضع للامتحان دون أي عوائق في مدرسة بمدينة الغردقة في محافظة البحر الأحمر، حيث يقيم حالياً ويعمل في مطعم.

مرّ نعيم هذه المرة من الامتحان، ويفكر حالياً في استكمال دراسته بكلية أو معهد، لحين انتهاء الحرب وجمع شمل أسرته مجدداً. يخرج نعيم من الغردقة في إجازته، ويزور العاصمة القاهرة وضواحيها، وتحديداً منطقة «بولاق الدكرور» الشعبية في الجيزة، التي تقطن فيها ابنة عمته المتزوجة من مصري، أو يزور صديق والده في وسط القاهرة المتزوج من مصرية.

وبينما يجمع الغزيون الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» في هذا التقرير، على رغبتهم في العودة إلى القطاع، وتعمير بيوته مجدداً، فإن أحداً منهم لم يشر إلى «الغربة» أو يشكو «الوحشة والقلق».