على مدى ثلاثة أيام، أقام حزب حركة «تونس إلى الأمام» مؤتمره الأول، الذي شهد انتقادات لـما سُمي «التهميش السياسي» الذي تتعرض له أحزاب أظهرت دعماً سابقاً لـ«المسار الرئاسي» الذي بدأه الرئيس الحالي قيس سعيد عام 2021، وأسفر عن الإطاحة بحزب «حركة النهضة» (الإخوان) بعد سيطرته على مؤسسات عدة في البلاد.
وانتقد عبيد البريكي الرئيس المتخلي عن رئاسة «تونس إلى الأمام» عدم دعوة الأحزاب الداعمة لـ(المسار الرئاسي) إلى «مناقشة الوضع العام في البلاد، ووضع حلول لأهم الملفات التي تهم الشأن الوطني على غرار مستقبل المؤسسات العمومية»، وعدّ أن ذلك يُمثل «إقصاءً من السلطة الحاكمة»، وعبر عن استنكاره ورفضه لهذا المسار. ويستهدف المؤتمر الذي يُنهي أعماله (الأحد)، انتخاب رؤساء لجان الحزب، ويعقب ذلك استكمال مهام التشكيل للمستويات المختلفة، ومنها رئاسة الحزب الذي يتزعمه البريكي، القيادي النقابي السابق منذ تأسيس الحركة في شهر مايو (أيار) 2018.
وأشار البريكي في تصريحات خلال انعقاد المؤتمر، أن «مفهوم الأحزاب لن ينتهي في الدول التي يرتكز حكمها على النظام الديمقراطي، وهو ما يفرض إشراك مختلف القوى والأحزاب التقدمية المنخرطة في مسار التحرر الوطني» على حد تعبيره. ويقدم حزب «تونس إلى الأمام» نفسه في موقع «المساند النقدي لمسار 25 يوليو (تموز) 2021 (المسار الرئاسي)»، وهو موقف مغاير عن توجهات معارضة له تعدّه «انقلاباً»، و«مختلف كذلك عن الداعمين لكل ما يفعله رئيس الدولة قيس سعيد» على حد تعبير البريكي. ويرى مراقبون أن أحزاباً سياسية معظمها يسارية عبّرت عن دعمها لخيارات الرئيس التونسي، منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في تونس سنة 2021، وكانت تأمل في المشاركة السياسية بقوة وتعويض منظومة الحكم السابقة التي تزعمتها «حركة النهضة»، لكنها «بقيت على الهامش» وفق تعبير عدد من المتابعين للشأن الداخلي التونسي.
وضمت الأحزاب التي بقيت على الهامش، على وجه الخصوص «حركة تونس إلى الأمام» إلى جانب «حركة الشعب»، بل إن بعض المتابعين ذهبوا بعيداً، سابقاً بتوقعهم ترشيح زهير المغزاوي رئيس «حركة الشعب» لتولي رئاسة الحكومة مباشرة إثر إعلان التدابير الاستثنائية وحل حكومة هشام المشيشي (يوليو 2021)، لكن ذلك لم يتحقق.
وقال المحلل السياسي التونسي خليل الحناشي، إن ما سماها «أحزاب الموالاة» للمسار السياسي للرئيس التونسي «باتت تعلن عن تذمرها من حالة التهميش التي تعيشها»، وهذا الواقع ينطبق خاصة على حزبي «تونس إلى الأمام»، و«الشعب»، وأشار إلى أنه «بالإضافة إلى ملاحظات البريكي، فإن المغزاوي (رئيس الشعب) قال إنهم أرادوا أن يكون مسار 25 يوليو تصحيحياً، لكن الانحرافات بدأت تطل من كل حدب وصوب» على حد تعبيره.
وأضاف الحناشي أن «الحزبين توافقا على وجود مساع لتحجيم أدوار الأحزاب والديمقراطية، وهو طريق كانت أحزاب المعارضة حذرت منها في ظل السعي للتخلص من كل الأجسام الوسيطة (أحزاب ونقابات ومنظمات)، وهو ما سيكون له أثر قوي على مستقبل المشهد السياسي في تونس».
وبالإضافة لما عبر عنه الحزبان، تبلورت انتقادات أخرى من خلال عدد من تدخلات قيادات سياسية معارضة على هامش المؤتمر «تونس إلى الأمام» إذ أكد المنجي الرحوي ممثل حزب «الوطنيين الديمقراطيين الموحد» (الوطد)، الذي أسسه السياسي الراحل شكري بلعيد، أن تونس «تحتاج إلى أحزاب قوية ومناضلة تلتقي حول وحدة المسار، وقادرة على حماية تونس من العودة إلى الوراء». بدوره أشار محسن الناشي ممثل حزب «التيار الشعبي» الذي أسسه محمد البراهمي البرلماني التونسي الذي اغتيل سنة 2013، إلى أهمية «مواجهة الاقتصادي الريعي في تونس وبناء أحزاب قوية». مؤكدا أن «الأحزاب السياسية لن تنتهي أدوارها». على حد قوله.