مسافرون مصريون يخوضون رحلة بحث شاقة لتوفير العملة الأجنبية

في ظل «شُحها» رسمياً... وارتفاع أسعار «السوق السوداء» بشكل يومي

عملات مصرية من فئة 200 جنيه أمام فئات من العملة الأميركية (إ.ب.أ)
عملات مصرية من فئة 200 جنيه أمام فئات من العملة الأميركية (إ.ب.أ)
TT

مسافرون مصريون يخوضون رحلة بحث شاقة لتوفير العملة الأجنبية

عملات مصرية من فئة 200 جنيه أمام فئات من العملة الأميركية (إ.ب.أ)
عملات مصرية من فئة 200 جنيه أمام فئات من العملة الأميركية (إ.ب.أ)

دخلت «سمية» وهي موظفة حكومية بمحافظة بني سويف (120 كم جنوب القاهرة)، فرعاً لأحد أكبر البنوك الحكومية المصرية، تطلب مبلغ ألفي ريال مع استعدادها للسفر للعمرة، وحصولها على التأشيرة والباركود الخاص بالسفر وفق متطلبات وزارة السياحة، لكن مسؤولي البنك لم يوفروا لها سوى 500 ريال فقط بالسعر الرسمي، قبل أقل من 48 ساعة على رحلتها بداعي عدم توافر العملة.

حصلت «سمية» على المبلغ المذكور بسعر 8.22 جنيه لكل ريال، بشكل رسمي، بينما اضطرت لتحصيل باقي الألفي ريال من «السوق السوداء»، وبسعر يصل إلى الضعف (16 جنيهاً)، لتأمين احتياجاتها في الرحلة التي تستمر أسبوعين.

وتقوم البنوك بوضع أختام على جوازات السفر لإثبات حصول المسافرين على مبالغ من العملات الأجنبية، بما يمنع العميل من تدبير عملة مرة أخرى للسفرة نفسها من بنوك أخرى، بينما تضع بعض البنوك قواعد داخلية تمنع تدبير العملة للعميل إلا مرة واحدة فقط على مدار العام.

مبنى البنك المركزي المصري (أ.ب)

زيادات مطردة

وتشهد مصر مؤخراً زيادات مطردة في سعر صرف العملات المختلفة أمام الجنيه بالسوق الموازية، فواصل الدولار الأميركي صعوده إلى مستويات غير مسبوقة في السوق غير الرسمية، وتخطى لدى البعض 60 جنيهاً، بينما سعره الرسمي أقل من 31 جنيهاً. كما نفذ متعاملون تعاملات على أساس سعر 16 جنيهاً لكل ريال مع تغير يومي في الأسعار، حسب شهادات رصدتها «الشرق الأوسط» على مجموعات مغلقة لتوفير العملة.

موقف «سمية» لم يختلف كثيراً عن الشاب «عمرو» الذي اضطر للجوء إلى شركة سياحة من أجل حجز إقامة لرحلة عمل يفترض أن يقوم بها إلى أوروبا خلال الأيام المقبلة مع عدم قدرته على سداد رسوم حجز الفندق بالكارت الخاص به نتيجة تجاوز المبلغ المطلوب حدود الاستخدام التي حددها البنك الخاص به، وهو ما دفعه للجوء لشركة سياحة، التي قامت باحتساب اليورو على أساس 60 جنيهاً (يجري تداوله في البنك عند سعر 33.38 جنيه)، وهو رقم أعلى من سعر «السوق السوداء» عند إتمام الحجز.

وفرضت البنوك المصرية قيوداً للحصول على العملات الأجنبية منذ مارس (آذار) 2022 وهي القيود التي شهدت تشدداً أكبر منذ أكتوبر (تشرين الأول) مع قصر استخدام بطاقات الائتمان فقط في المعاملات التي تتم بغير الجنيه المصري، ووفق سقف مالي محدد يتباين من بنك لآخر، ووفق طبيعة حساب العميل، لكن غالبية البنوك تسمح بأقل من 500 دولار شهرياً حال سفر العميل للخارج أو 250 دولاراً مع وجود العميل داخل مصر، وهي المعاملات التي يضاف إليها على الأقل 13 في المائة رسوماً.

رئيس الحكومة المصرية مترئساً اجتماعاً سابقاً خُصص لبيع الوحدات العقارية بالدولار (مكتب رئاسة الحكومة المصرية)

التبديل في «السوق السوداء»

في مقابل المعاناة التي عاشها «عمرو» واضطراره لسداد مبلغ أكبر بالجنيه واضطرار «سمية» لشراء الريال من «السوق السوداء»، كان «مصطفى» (اسم مستعار) وهو حارس أحد العقارات بمنطقة الدقي واحداً من أكثر المستفيدين من «السوق الموازية».

يقول «مصطفى» لـ«الشرق الأوسط» إن حصوله على الأموال من المستأجرين العرب للشقق في العقار الذي يوجد فيه وقيامه باستبدال المبالغ المالية لهم، أضاف لدخله الشهري آلاف الجنيهات شهرياً، وهو مبلغ يتغير حسب قيمة المبالغ التي ينجح في الحصول عليها نتيجة وساطته بإنجاز التبديل في «السوق السوداء»، فيحصل على الأموال من المستأجر ويقوم بتبديلها من أحد تجار العملة.

ويؤكد حارس العقار أن انتعاشة السوق الموازية في الأيام الأخيرة كانت لها فائدة أيضاً بالنسبة لهم كحراس يعملون في السمسرة مع تفضيل السائحين اللجوء للشقق المفروشة بدلاً عن الفنادق التي تلزمهم بالدفع بالدولار، بينما يدفعون في الشقق المستأجرة بالجنيه.

تجربة مشابهة مر بها رئيس قسم الاقتصاد بـ«مدينة الثقافة والعلوم» بمصر، الدكتور ماجد عبد العظيم، عند سفره في مايو (أيار) الماضي إلى لبنان، واضطراره للجوء إلى أصدقائه لتدبير الدولار، بعدما وفر له البنك مبلغ 300 دولار فقط بجانب استخدامه الفيزا، وفق حديثه لـ«الشرق الأوسط».

يقول عبد العظيم: «الحل يكمن في إنهاء تعدد سعر الصرف وثباته، خصوصاً وأن القيود التي فرضت مؤخراً على استخدام الكروت البنكية زادت من اضطرار المسافرين والمستوردين للجوء إلى (السوق السوداء) لتدبير العملة التي يحتاجونها»، معتبراً أن توجه الدولة لتنمية وزيادة مواردها الدولارية من السياحة والصادرات سيدعم «تثبيتاً حقيقياً» لسعر الصرف ويوفر العملات المختلفة بالأسواق.


مقالات ذات صلة

الدولار يقترب من أعلى مستوى في عامين بدعم من قرار «الفيدرالي»

الاقتصاد أوراق من الدولار الأميركي (رويترز)

الدولار يقترب من أعلى مستوى في عامين بدعم من قرار «الفيدرالي»

اقترب الدولار من أعلى مستوى له في عامين، يوم الخميس، بعد أن أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى احتمال تباطؤ وتيرة خفض أسعار الفائدة في عام 2025.

«الشرق الأوسط» (طوكيو )
الاقتصاد أوراق نقدية بالدولار الأميركي (رويترز)

الدولار يتمسك بمستوياته قُبيل قرار الفائدة الأميركية

استقر الدولار الأميركي يوم الأربعاء، مع انتظار المستثمرين لمعرفة ما إذا كان مجلس «الاحتياطي الفيدرالي» سيتخذ قراراً بخفض أسعار الفائدة بشكل صارم.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد حُزم من الأوراق النقدية بالدولار الأميركي في محل لصرف العملات بالمكسيك (رويترز)

الدولار يقترب من أعلى مستوى في 3 أسابيع

استقر الدولار قرب أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع مقابل العملات الرئيسية، يوم الاثنين، وسط توقعات بأن يخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، هذا الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد أوراق نقدية من فئة الدولار الأميركي (رويترز)

قبيل بيانات التضخم... الدولار قرب أعلى مستوى في أسبوعين

تداول الدولار بالقرب من أعلى مستوى له في أسبوعين مقابل الين، قبيل صدور بيانات التضخم الأميركي المنتظرة التي قد تكشف عن مؤشرات حول وتيرة خفض الفائدة.

«الشرق الأوسط» (طوكيو )
الاقتصاد سبائك ذهبية معروضة في مكتب «غولد سيلفر سنترال» بسنغافورة (رويترز)

توقعات باستمرار تألق الذهب حتى 2025 ليصل إلى 2950 دولاراً

مع عودة دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، من المحتمل أن يكون هناك مزيد من عدم اليقين بشأن التجارة والتعريفات الجمركية، مما سيدعم أيضاً سعر الذهب.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ماكرون يدعو إلى «إلقاء السلاح ووقف إطلاق النار» في السودان

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)
TT

ماكرون يدعو إلى «إلقاء السلاح ووقف إطلاق النار» في السودان

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، السبت، طرفي النزاع في السودان إلى «إلقاء السلاح» بعد عام ونصف العام من الحرب التي تعصف بالبلاد، عادّاً أن المسار الوحيد الممكن هو «وقف إطلاق النار والتفاوض».

وقال ماكرون خلال جولة في القرن الأفريقي، عقب اجتماع مع رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد: «ندعو طرفي النزاع إلى إلقاء السلاح، وكل الجهات الفاعلة الإقليمية التي يمكنها أن تلعب دوراً إلى القيام بذلك بطريقة إيجابية، لصالح الشعب الذي عانى كثيراً».

وأضاف وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «العملية الوحيدة الممكنة في السودان هي وقف إطلاق النار والتفاوض، وأن يستعيد المجتمع المدني الذي كان مثيراً للإعجاب خلال الثورة، مكانته» في إشارة إلى التحرك الشعبي الذي أطاح بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019، وأثار تفاؤلاً كبيراً.

ومنذ أبريل (نيسان) 2023 اندلعت حرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو؛ وأدى القتال إلى مقتل عشرات الآلاف، ونزوح أكثر من 11 مليون شخص.

ويواجه نحو 26 مليون شخص انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، وفقاً للأمم المتحدة التي دقت ناقوس الخطر مجدداً، الخميس، بشأن الوضع في البلاد التي قد تواجه أخطر أزمة غذائية في التاريخ المعاصر.

وهناك حاجة إلى مساعدات بقيمة 4.2 مليار دولار لتلبية حاجات السودانيين عام 2025، بحسب إيديم ووسورنو، رئيسة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.