السودان: تسليح المدنيين يعزز مخاوف «الحرب الأهلية»

تسليح المدنيين يفاقم التهديدات في ولايات عدة

سودانيون مؤيدون للجيش يلوّحون بالأسلحة في ولاية القضارف 29 ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)
سودانيون مؤيدون للجيش يلوّحون بالأسلحة في ولاية القضارف 29 ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

السودان: تسليح المدنيين يعزز مخاوف «الحرب الأهلية»

سودانيون مؤيدون للجيش يلوّحون بالأسلحة في ولاية القضارف 29 ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)
سودانيون مؤيدون للجيش يلوّحون بالأسلحة في ولاية القضارف 29 ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)

بإعلان قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان ترحيبه بما وصفه بـ«المقاومة الشعبية» وفتحه الباب لـ«تسليح» المدنيين المؤيدين له في مواجهة «قوات الدعم السريع»، تعززت مخاوف المراقبين من نشوب «حرب أهلية»؛ ما يعقد الأزمة المتصاعدة في البلاد منذ أبريل (نيسان) الماضي عندما اندلعت المعارك بين قوات «الجيش» و«الدعم».

ووفق نشطاء وشهود عيان، فإن أنصار نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وقادة «الجبهة الإسلامية (الإخوان المسلمين)»، وبعض الزعامات القبلية، وقادة «الخدمة المدنية» الذين عيّنهم الجيش بعد انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ينشطون جميعاً على نحو لافت في حشد الأنصار وتسليحهم في ولايات عدة، أبرزها: «نهر النيل، والشمالية، والقضارف، وكسلا»، وهي الولايات التي لا يزال يحظى فيها الجيش وأنصاره بحضور وسيطرة.

وتتناقل حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات لآلاف الشباب صغار السن، وهم يتدربون على الأسلحة ويهللون ويكبّرون، خاصة في ولايات الشمال والشرق. وتحذّر قوى مدنية ونشطاء أهليون من أن تفشي ما يُسمى «المقاومة الشعبية» يعني «انتقال الحرب إلى مواجهة بين الكل، خاصة مع اتخاذ التحشيد والتسليح لطابع جغرافي وإثني»، خاصة في ظل رصد إعلان «الدعم السريع» بين حين وآخر انضمام مجموعة إثنية أو قبلية إلى صفوفها؛ ما يعقد المشهد السوداني بإشكاليات جهوية وقبلية وعرقية.

وكان والي ولاية نهر النيل، محمد البدوي، هدّد القوى السياسية والأحزاب الرافضة استمرار الحرب بالطرد من الولاية، وأمهلها 72 ساعة للمغادرة. وألحق تهديده بإصدار أمر طوارئ (الاثنين) الماضي، حل بموجبه «لجان المقاومة»، وتنسيقيات «قوى إعلان الحرية والتغيير»، كما فرض عقوبات مشددة على مخالفي قراره.

ويقول المحلل السياسي السوداني، محمد لطيف: إن «تمركز ما يوصف بـ(المقاومة الشعبية) في المناطق الآمنة، عوضاً عن التواجد بالمناطق المتأثرة بالحرب يجعل منها غطاءً سياسياً وليس من أجل الوطن، ويتجلى ذلك بوضوح بمحاولات والي ولاية (نهر النيل) طرد كل القوى السياسية المختلفة مع (الإسلاميين) من الولاية، وقراره بحل (لجان المقاومة والخدمات)، واستبدالهم بعناصر (إسلامية) تنفذ برنامجه».

وانتقد لطيف خطاب قائد الجيش الذي أعلن فيه «تسليح (المقاومة الشعبية)»، ووصفه بـ«غير المسؤول لأنه يكرّس للفوضى، ويفتح المجال لتجار السلاح والمافيات والمهربين لإدخال السلاح للبلاد دون ضوابط». ورأى كذلك إن «تسليح المواطنين، يعني تحويلهم مقاتلين؛ ما يفقدهم الحماية القانونية المكفولة للأشخاص غير المقاتلين وفقاً للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف وغيرها، وفي الوقت ذاته يفسد حجة قادة الجيش والداعمين استمرار الحرب التي تقوم على أن (الدعم السريع) يحتل منازل المواطنين والأعيان المدنية لأنك تكون قد حولتهم مقاتلين».

أبعاد قانونية

وفي توصيفه للآثار القانونية لمضار «تسليح المدنيين» يشرح القاضي السابق وخبير حقوق الإنسان، إسماعيل التاج، لـ«الشرق الأوسط»، بأن «القانونين (الدولي الإنساني)، و(الدولي لحقوق الإنسان) يكملان بعضها؛ بيد أن الأول ينطبق على النزاعات المسلحة، في حين يسري الآخر في حالات السلم والحرب معاً».

وواصل التاج: «الحالة السودانية تعد نزاعاً داخلياً بامتياز؛ لذلك ينطبق عليها كلا القانونين، وأي خرق لأي منهما يستوجب مساءلة الأطراف المتنازعة»، واستدرك: «(القانون الدولي الإنساني) يحمي الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية للنزاع المسلح، أو الذين شاركوا في النزاع المسلح ولكنهم قرروا وقف المشاركة وألقوا السلاح، وكذلك يفرض القانون الدولي الإنساني قيوداً على أساليب الحرب وطرقها ووسائلها حتى لا يتم إقحام مدنيين لا علاقة لهم بالنزاع المسلح، بما يجعل منهم أهدافاً مشروعة لأطراف النزاع المسلح وفي المحصلة النهائية ضحايا للنزاع المسلح».

ويتابع: «بهذا الفهم، يمكننا تصنيف محاولة إقحام المدنيين في النزاع المسلح بين الجيش وقوات (الدعم السريع)، بأنها انتقاص من حق حماية المدنيين المتعارف عليه، ويجعل المدنيين أهدافاً لأطراف النزاع المسلح، وينظر إلى تصرفاتهم بوصفها أعمالاً عسكرية».

«الإسلاميون»

من جهته، يرى عضو المكتب التنفيذي لـ«تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية (تقدم)» الدكتور علاء الدين نقد، «عمليات تجييش وتسليح المدنيين والقبليين امتداداً لسياسات النظام البائد (يقصد نظام البشير) من الإخوان والإسلاميين، لإضفاء الشرعية على مليشياتهم داخل الجيش؛ مثل: ميليشيات (البراء بن مالك، والمعتصم بالله، والمتوكل بالله، والبرق الخاطف) وغيرها كثير من (الميليشيات الإخوانية)»، على حد قوله.

وفي حين يحذر السياسي السوداني من الخسائر المتوقعة للزج بمدنيين مسلحين بأسلحة خفيفة وغير مدربين بمواجهة قوات قتالية مجهزة بأسلحة ثقيلة، مثل «الدعم السريع»؛ فإنه يُذكر بما حدث في إقليم دارفور خلال عهد الرئيس السابق عمر البشير؛ بسبب الانتشار الكبير للسلاح، وقال: «كان هناك أكثر من مليون قطعة سلاح، وبالتالي أصبح السلاح الفتاك هو الفيصل حتى في الخلافات البسيطة».

ويذهب نقد إلى أن «الإسلاميين فشلوا السيناريو الأول المتمثل في الحسم السريع، ثم سيناريو تدمير البنية التحتية الذي جاء ثانياً، وبالتالي فهم الآن يجربون سيناريو تقسيم السودان لمناطق نفوذ تمكنهم من العودة للحكم ولو في ولاية واحدة أو جزء منها ثم سيناريو (الحرب الأهلية) وإيصال البلاد لحالة شبيهة للحالة الليبية».

  •  

مقالات ذات صلة

الجيش السوداني يحقق انتصاراً في «جبل موية»

شمال افريقيا البرهان يحيي ضباط الجيش بقاعدة «جبيت» العسكرية في شرق السودان 31 يوليو الماضي (أ.ف.ب)

الجيش السوداني يحقق انتصاراً في «جبل موية»

أعلن الجيش السوداني تحقيق انتصارات في منطقة «جبل موية» الاستراتيجية، بعدما كان قد فقد السيطرة عليها لصالح «قوات الدعم السريع» في أواخر يونيو (حزيران) الماضي.

أحمد يونس (كامبالا)
شمال افريقيا دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)

مقتل عشرات المدنيين بغارات للجيش السوداني في دارفور

لقي أكثر من 60 شخصاً مصرعهم، وأُصيب أكثر من 250 مدنياً، جرّاء قصف الطيران الحربي السوداني لمنطقة الكومة بولاية شمال دارفور.

أحمد يونس (كامبالا)
شمال افريقيا المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو (إ.ب.أ)

بيرييلو لـ«الشرق الأوسط»: عناصر من عهد البشير يمدّدون الحرب للعودة إلى السلطة

قال المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا قنوات اتصال مفتوحة مع الاتحاد الأفريقي بشأن آلية لمراقبة الاتفاقيات الحالية».

هبة القدسي (واشنطن) أحمد يونس (كامبالا)
شمال افريقيا اجتماع سابق لمجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي (أرشيفية - الخارجية المصرية)

مباحثات أفريقية رفيعة لوقف حرب السودان

يُجري وفد من «مجلس الأمن والسلم الأفريقي»، الذي وصل إلى بورتسودان للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، مباحثات مع المسؤولين السودانيين تتعلق بسبل إنهاء الحرب.

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان توم بيرييلو (إ.ب.أ)

المبعوث الأميركي: «فتحنا قنوات اتصال مع الاتحاد الأفريقي بشأن السودان»

كشف المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيرييلو، عن خطوة جديدة في المرحلة المقبلة تتعلق بوقف النزاع في السودان.

محمد أمين ياسين

​التونسيون يدلون بأصواتهم في انتخابات رئاسية يغيب عنها الحماس

الرئيس التونسي قيس سعيد يدلي بصوته في أحد مراكز الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية (د.ب.أ)
الرئيس التونسي قيس سعيد يدلي بصوته في أحد مراكز الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية (د.ب.أ)
TT

​التونسيون يدلون بأصواتهم في انتخابات رئاسية يغيب عنها الحماس

الرئيس التونسي قيس سعيد يدلي بصوته في أحد مراكز الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية (د.ب.أ)
الرئيس التونسي قيس سعيد يدلي بصوته في أحد مراكز الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية (د.ب.أ)

بدأ التونسيون، الأحد، الاقتراع من أجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية من بين ثلاثة مرشحين يتقدّمهم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد، في أعقاب حملة انتخابية غاب عنها الحماس، مما زاد المخاوف من انعكاس فقدان الحماس على نسبة الاقتراع، مثلما حدث في الانتخابات التشريعية التي جرت في نهاية عام 2022 وبداية 2023، حين بلغت نسبة المشاركة نحو 12 في المائة فقط.

وبدأ الناخبون المسجلون البالغ عددهم 9.7 مليون الإدلاء بأصواتهم عند الثامنة صباحاً في أكثر من خمسة آلاف مركز لاختيار رئيسهم للسنوات الخمس المقبلة، على أن تستمر عمليات التصويت حتى السادسة مساء بالتوقيت المحلي، وفقاً لهيئة الانتخابات.

وبدا أن عدداً كبيراً من المقترعين، في عدد من مراكز الاقتراع في العاصمة، من الكهول والشيوخ الذين يمثلون نحو نصف الناخبين، وفق ما ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية». وقال النوري المصمودي (69 عاماً) في مركز اقتراع في العاصمة: «جئت مع زوجتي لدعم قيس سعيّد، العائلة بأكملها ستصوت له». وعلى مسافة قريبة منه، أفصحت فضيلة (66 عاماً) بأنها جاءت «من أجل القيام بالواجب، والرد على كل من دعا إلى مقاطعة الانتخابات».

في مركز آخر، أعرب حسني العبيدي (40 عاماً) عن خشيته من حصول عمليات تلاعب بالتصويت، لذلك: «قدمت بالتصويت حتى لا يتم الاختيار في مكاني». وتقول الطالبة وجد حرّار (22 عاماً): «في الانتخابات السابقة لم يكن لي حق التصويت والناس اختاروا رئيساً سيئاً. هذه المرة من حقي التصويت».

وأدلى سعيّد بصوته ترافقه زوجته في مركز اقتراع بمنطقة النصر في العاصمة بعد نحو ساعة من فتحه. وأفادت رئيسة المركز عائشة الزيدي بأن «الإقبال محترم للغاية». وتحدث رئيس الهيئة العليا للانتخابات فاروق بوعسكر في مؤتمر صحافي بعد فتح المراكز عن «توافد بأعداد لافتة».

ومن المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية «على أقصى تقدير» الأربعاء المقبل، وتظلّ إمكانية الإعلان عن النتائج قبل هذا التاريخ واردة.

3 متنافسين

المرشح الرئاسي التونسي زهير المغزاوي يدلي بصوته بأحد مراكز الاقتراع في المرسى بالقرب من تونس العاصمة (أ.ف.ب)

ويتنافس سعيّد (66 عاماً) مع النائب السابق زهير المغزاوي (59 عاماً)، والعياشي زمال، رجل الأعمال والمهندس البالغ 47 عاماً والمسجون بتهم «تزوير» تواقيع تزكيات. ولا يزال سعيّد، الذي انتخب بما يقرب من 73 في المائة من الأصوات، و58 في المائة من نسبة المشاركة في انتخابات عام 2019 يتمتّع بشعبية كبيرة لدى التونسيين حتى بعد أن حلّ البرلمان وغيّر الدستور بين عامي 2021 و2022.

وبعد مرور 5 سنوات من الحكم، يتعرّض سعيّد لانتقادات شديدة من معارضين يتهمونه بتكريس كثير من الجهد والوقت لتصفية الحسابات مع خصومه، خاصة حزب «النهضة» الإسلامي الذي هيمن على الحياة السياسية خلال السنوات العشر من التحوّل الديمقراطي التي أعقبت الإطاحة بالرئيس بن علي في عام 2011.

وتندّد المعارضة، التي يقبع أبرز زعمائها في السجون ومنظمات غير حكومية تونسية، بـ«الانجراف السلطوي» في بلد مهد ما سمّي بـ«الربيع العربي»، من خلال تسليط الرقابة على القضاء والصحافة، والتضييق على منظمات المجتمع المدني، واعتقال نقابيين وناشطين وإعلاميين.

وفي خطاب ألقاه الخميس، دعا سعيّد التونسيين إلى «موعد مع التاريخ»، قائلاً: «لا تترددوا لحظة واحدة في الإقبال بكثافة على المشاركة في الانتخابات»، لأنه «سيبدأ العبور، فهبّوا جميعاً إلى صناديق الاقتراع لبناء جديد».

أحد مراكز الاقتراع في المرسى بالقرب من تونس العاصمة (أ.ف.ب)

حملة باهتة

في الطرف المقابل، حذّر يوم الجمعة رمزي الجبابلي، مدير حملة العياشي زمال، في مؤتمر صحافي: «في رسالة موجهة إلى هيئة الانتخابات... إيّاكم والعبث بصوت التونسيين». وكانت الحملة الانتخابية باهتة دون اجتماعات أو إعلانات انتخابية أو ملصقات، ولا مناظرات تلفزيونية بين المرشحين، مثلما كانت عليه الحال في عام 2019.

ويعتقد البعض أن الرئيس سعيّد «وجّه» عملية التصويت لصالحه، «ويعتقد أنه يجب أن يفوز في الانتخابات»، حتى لو دعت المعارضة اليسارية والشخصيات المقربة من حزب «النهضة» إلى التصويت لصالح زمال.

أما المنافس الثالث فهو زهير المغزاوي، رافع شعار السيادة السياسية والاقتصادية على غرار الرئيس، وكان من بين الذين دعموا قرارات سعيّد في احتكار السلطات. وتعرّضت عملية قبول ملفات المرشحين للانتخابات من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لانتقادات شديدة وصلت إلى حدّ اتهامها بالانحياز الكامل لصالح سعيّد حين رفضت قراراً قضائياً بإعادة قبول مرشحين معارضين بارزين في السباق الانتخابي.

وتظاهر مئات التونسيين في العاصمة تونس يوم الجمعة للتنديد بـ«القمع الزائد». وطالب المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة بإنهاء حكم سعيّد، وسط حضور أمني كثيف. وتشير إحصاءات منظمة «هيومن رايتس ووتش» إلى أن «أكثر من 170 شخصاً محتجزون لدوافع سياسية أو لممارسة الحقوق الأساسية» في تونس.