مقتل عشرات المدنيين بغارات للجيش السوداني في دارفور

مدنيون يطالبون بفرض حظر على الطيران العسكري التابع له

دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)
TT

مقتل عشرات المدنيين بغارات للجيش السوداني في دارفور

دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)

لقي أكثر من 60 شخصاً مصرعهم، وأُصيب أكثر من 250 مدنياً، جرّاء قصف الطيران الحربي السوداني لمنطقة الكومة بولاية شمال دارفور، في عملية وصفها مراقبون بأنها «أكبر المجازر» ضد المدنيين، ارتكبها الطيران المقاتل التابع الجيش السوداني منذ بدء الحرب. وفي غضون ذلك لقي العشرات مصرعهم في غارات جوية أخرى استهدفت مناطق مليط وود أبو صالح شمال ولاية شمال دارفور، وأم ضوا بان بالخرطوم، وسط مطالبات بفرض حظر على الطيران العسكري التابع للجيش السوداني.

وقال شهود تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» هاتفياً من مليط، إن الطيران الحربي، التابع للجيش السوداني، استهدف سوق منطقة الكومة صبيحة الجمعة، وألقى عدداً من «البراميل المتفجرة»؛ مما أدى إلى إحراق السوق بشكل واسع، وقُتل جرّاء الغارة الجوية أكثر من 60 شخصاً، وجُرح أكثر من 250 مدنياً، جراح بعضهم خطيرة؛ إذ كانوا يرتادون «سوق الجمعة»، في حين ينتظر أن يتزايد عدد القتلى تباعاً بين الجرحى، بسبب عدم وجود الرعاية الصحية والطبية.

ووصف شهود ما حدث في منطقة الكومة بأنها «مجزرة» غير معهودة، استهدفت عن قصد المدنيين المقيمين هناك، بسبب عدم وجود أي مشاهد أو تمركزات لـ«قوات الدعم السريع» في السوق المكتظة بالمدنيين، وقالوا إن السوق «كانت تشهد نشاطاً طبيعياً عندما استهدفها القصف الجوي فجأة ودون سابق إنذار؛ مما أسفر عن دمار واسع فيها، في حين تناثرت جثث القتلى في أرجائها».

وفي مدينة مليط، قال شهود عيان إن الطيران الحربي استهدف، الجمعة، أيضاً «حفل عرس»؛ ما أدى إلى مقتل نحو 13 شخصاً وجُرح آخرون، في عملية وُصفت هي الأخرى بأنها استهداف للمدنيين، حيث لا توجد عناصر لـ«قوات الدعم السريع» في المكان.

ويؤكد قادة الجيش دائماً أن العمليات الحربية الجوية تستهدف «قوات الدعم السريع»، لكن النشطاء وشهود عيان ينفون وجود هذه القوات، في حين تتصاعد دعوات بين مؤيدي الجيش وأنصاره من الإسلاميين وكتائبهم إلى استهداف ما يسمونه «الحواضن الاجتماعية» لـ«قوات الدعم السريع»؛ انتقاماً من انتهاكاته بوسط وشمال البلاد.

ونشر نشطاء على وسائط التواصل الاجتماعي قوائم بأسماء الضحايا، من النساء والأطفال وكبار السن، الذين كانوا يمارسون التسوق أو يعرضون سلعهم للبيع في السوق الأسبوعية، وبينهم زوجة وابنة شقيق عضو «مجلس السيادة الانتقالي» ومساعد قائد الجيش إبراهيم جابر.

ووجّهت قوى سياسية وحركات مسلحة وتنظيمات حقوقية انتقادات حادة لتصعيد العمليات الجوية للجيش السوداني في إقليم دارفور خصوصاً، وطالبت بفرض حظر للطيران الحربي في الإقليم. وقالت «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم) في بيان، السبت، إن سوق مدينة الكومة شهدت انتهاكاً مريعاً بحق المدنيين، جرّاء قصف الطيران الحربي التابع للجيش السوداني؛ مما أدى إلى إزهاق أرواح عشرات القتلى ومئات الجرحى من الذين تصادف وجودهم في أثناء الغارة الجوية.

كما نددت «تقدم» بغارات جوية استهدفت مناطق أم ضو بان بالخرطوم، وود أبو صالح ومليط بولاية شمال دارفور، نتج عنها مقتل العشرات من المدنيين وجرح المئات.

وأبدت «تقدم» أسفها لما أطلقت عليه «استمرار الانتهاكات على المدنيين، وتكرارها بشكل ممنهج في مختلف أنحاء السودان»، ودعت إلى التذكير بـ«إعلان جدة الإنساني» الذي شدد على التمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين والأعيان المدنية والأهداف العسكرية، والامتناع عن أي هجوم يُتوقع أن يسبب أضراراً مدنية عرضية مفرطة، مقارنة بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة. ودعت طرفي القتال إلى حقن دماء السودانيين والانخراط فوراً في مفاوضات لوقف الحرب.

من جهتها، وصفت القوى المدنية الدارفورية الغارة الجوية بأنها «واحدة من أبشع جرائم الحرب»، وقالت إن الطيران الحربي قصف مدينتي الكومة ومليط بوابل من الصواريخ والبراميل المتفجرة، والأسلحة المحرمة دولياً، مستهدفاً مناطق «مأهولة جداً بالسكان المدنيين»؛ مما خلّف عشرات القتلى والجرحى، إلى جانب قصف تجمع مدني في «سرادق عزاء» بمدينة مليط، راح ضحيته أكثر من 100 قتيل.

وناشد التجمع المدني المنظمات الحقوقية والإنسانية التدخل السريع والحاسم؛ لوضع حد لما سمّاه «جرائم جماعات الهوس الديني وطيران جيش الفلول، الذي بات سجله متخماً بالمذابح في حق مدنيين أبرياء وعلى حين غرة»، مندداً بصمت المجتمع الدولي والأمم المتحدة حيال الجرائم التي يرتكبونها، ومطالباً الأسرة الدولية بفرض حظر على الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، «الذي ظلّ يحصد أرواح المدنيين أغلبهم من الأطفال والنساء»، وفقاً للبيان.


مقالات ذات صلة

إسلاميو السودان لرفع «راية المقاومة» مع إيران

شمال افريقيا الأمين العام للحركة الإسلامية علي أحمد كرتي (فيسبوك)

إسلاميو السودان لرفع «راية المقاومة» مع إيران

تباينت مواقف السودان حول الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، وعدّتها «الخارجية» تهديداً للأمن والسلم، ودعت لوقفها فوراً، بينما أعلن الإسلاميون «الجهاد» مع إيران.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يحيِّي مؤيديه في العاصمة الخرطوم (أرشيفية - أ.ب)

الجيش السوداني يعزز قواته في شمال البلاد

أفاد شهود بأن الجيش السوداني دفع فجر الخميس، بتعزيزات إلى الولاية الشمالية، بعد أقل من 24 ساعة على إعلان «الدعم السريع» السيطرة على مثلث حدودي مع مصر وليبيا.

شمال افريقيا «الدعم السريع» تعلن سيطرتها على مناطق قرب الحدود مع ليبيا ومصر

«الدعم السريع» تعلن سيطرتها على مناطق قرب الحدود مع ليبيا ومصر

أعلنت «قوات الدعم السريع» إكمال سيطرتها على مناطق سودانية في المثلث الحدودي مع ليبيا ومصر، بينما قال الجيش السوداني إنه أخلى قواته من المنطقة كترتيب دفاعي

أحمد يونس (كمبالا) وجدان طلحة (بورتسودان)
أوروبا فتاة فلسطينية تركض بين أنقاض المباني المدمَّرة على طول ساحل مدينة غزة (أ.ب) play-circle

دراسة: عام 2024 شهد أعلى عدد نزاعات مسلحة منذ 1946

سجّل العام الماضي 61 نزاعاً في 36 دولة يشهد بعضها نزاعات عدة في آنٍ.

«الشرق الأوسط» (أوسلو)
تحليل إخباري قوات «كتيبة السلام» التابعة للجيش الوطني الليبي خلال انتشار في جنوب شرقي ليبيا (الجيش الليبي)

تحليل إخباري هل تُقاتل قوات المشير حفتر فعلاً في السودان؟

أثارت اتهامات الجيش السوداني للجيش الوطني الليبي بـ«تقديم إسناد لـ(الدعم السريع) في اشتباكات مسلحة بمنطقة حدودية» تساؤلات بشأن تدخل قوات حفتر في الحرب السودانية

علاء حموده (القاهرة)

ما تأثير التصعيد الإسرائيلي - الإيراني على قناة السويس؟

بعض السفن المارة في قناة السويس المصرية (مجلس الوزراء المصري)
بعض السفن المارة في قناة السويس المصرية (مجلس الوزراء المصري)
TT

ما تأثير التصعيد الإسرائيلي - الإيراني على قناة السويس؟

بعض السفن المارة في قناة السويس المصرية (مجلس الوزراء المصري)
بعض السفن المارة في قناة السويس المصرية (مجلس الوزراء المصري)

أثار التصعيد العسكري الإسرائيلي - الإيراني تساؤلات حول مدى تأثيره على حركة الملاحة في قناة السويس المصرية، لا سيما أن القاهرة تحدثت في أكثر من مناسبة عن تأثيرات اقتصادية عدة للصراعات التي تشهدها المنطقة. وقال المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، محمد الحمصاني، إن «بلاده تتابع الأحداث وحركة الملاحة في البحر الأحمر».

وتشكو الحكومة المصرية من تأثيرات اقتصادية بسبب التوترات في المنطقة، وأكدت في أكثر من مناسبة تأثر إيرادات قناة السويس بسبب الاضطرابات في البحر الأحمر وهجمات «الحوثيين» على السفن المارة بمضيق باب المندب، منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، وقالت إن خسائر القناة بلغت نحو 7 مليارات دولار العام الماضي، (الدولار يساوي 49.37 جنيه في البنوك المصرية).

وحول تأثيرات الأحداث الجارية على إيرادات قناة السويس، أكد الحمصاني أن «المؤسسات المصرية تتابع الأحداث وحركة الملاحة في البحر الأحمر»، مشيراً في تصريحات متلفزة، مساء الجمعة، إلى أنه «لا يوجد أي تأثير سلبي حتى الآن للتطورات الجارية».

وباعتقاد الحمصاني، فإن «مجمل التطورات الإقليمية، من المتوقع أن تكون لها تأثيرات سلبية على دول المنطقة»، منوهاً إلى أن «بلاده توفي احتياجاتها من العملة الصعبة».

«لا يوجد تأثير مباشر على قناة السويس حتى الآن بسبب التصعيد العسكري الإسرائيلي-الإيراني»، وفق ما ذكره مستشار الأكاديمية العسكرية المصرية للدراسات العليا، اللواء دكتور هشام الحلبي، الذي قال: «ما يحدث لم يخرج عن تبادل لضربات وقصف جوي، دون أن يمتد الأمر لمسرح عمليات بحري بين طهران وتل أبيب»، عاداً الهجوم الجوي المتبادل حتى الآن «ليس له تأثير على أمن الملاحة في البحر الأحمر والبحر المتوسط». لكن الحلبي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «القناة قد تتأثر مجدداً حال تدخل الحوثيين في الصراع الإسرائيلي-الإيراني».

عبور السفن في قناة السويس المصرية (مجلس الوزراء المصري)

ودفعت الاضطرابات في البحر الأحمر شركات الشحن العالمية الكبرى لتحويل مسار السفن إلى طرق بديلة لقناة السويس، منها مجرى رأس الرجاء الصالح.

ورغم اتفاق التهدئة الأخير بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثيين بوقف استهداف السفن المارة بالبحر الأحمر، فإن «قناة السويس ما زالت تعاني من الهجمات السابقة للجماعة اليمنية على السفن المارة بمضيق باب المندب»، بحسب الحلبي.

وتوصلت الولايات المتحدة وجماعة الحوثيين، بوساطة عمانية، في مايو (أيار) الماضي، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وقالت «الخارجية العمانية» في إفادة لها حينها: «في المستقبل، لن يستهدف أي من الطرفين الآخر، بما في ذلك السفن الأميركية في البحر الأحمر وباب المندب، بما يؤدي لضمان حرية الملاحة، وانسيابية حركة الشحن التجاري الدولي».

جانب من عبور السفن في قناة السويس المصرية (مجلس الوزراء المصري)

بينما يرى عضو «الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع»، وليد جاب الله، أن «الصراع الإيراني-الإسرائيلي سيزيد من خسائر قناة السويس مرة أخرى»، وقال إن «إيرادات القناة ستتراجع بشكل كبير، خصوصاً إذا تعرضت الملاحة في مضيقَي باب المندب وهرمز لتهديدات مباشرة من الجانب الإيراني».

وأوضح جاب الله لـ«الشرق الأوسط» أن «أي تهديد لحركة التجارة في مضيق هرمز، قد ينتج عنه توقف حركة الناقلات من قناة السويس»، مشيراً إلى أن الصراع العسكري الحالي «سينتج عنه تأثيرات اقتصادية عديدة عالمياً، منها ارتفاع أسعار النفط العالمية، وارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، ما قد ينتج عنه موجات من التضخم وارتفاع الأسعار».

وتلوح إيران بإمكانية إغلاق «مضيق هرمز»، ونقلت وكالة «تسنيم» الإيرانية، تصريحات القيادي في «الحرس الثوري» الإيراني، إسماعيل كوثري، قوله إن «إغلاق مضيق هرمز قيد الدراسة».

فيما يرى هشام الحلبي أنه «لا توجد تأثيرات كبيرة على قناة السويس حال غلق إيران (مضيق هرمز)»، وقال إنه في هذه الحالة «سوف تتأثر السفن التي تبحر من الخليج العربي لأوروبا»، لافتاً إلى أن «نسبتها ليست كبيرة، خصوصا أن كثيراً من شركات الشحن العالمية اتخذت مسارات أخرى غير قناة السويس بسبب أحداث المنطقة».

وبحسب وليد جاب الله فإن «هناك تحسناً نسبياً في مستوى أداء قناة السويس رغم الاضطرابات الإقليمية»، مشيراً إلى أن «الإشكالية التي تواجه القناة، استمرار الصراعات بالمنطقة»، وقال إن «القناة تعمل على جذب كثير من التوكيلات البحرية أخيراً عن طريق تقديم حوافز لشركات الشحن العالمية للمرور، ومنها خفض رسوم العبور، وتقديم حزمة من الخدمات البحرية المتنوعة».

وقررت هيئة قناة السويس المصرية، الشهر الماضي، حوافز وتخفيضات بنسبة 15 في المائة من رسوم عبور سفن الحاويات ذات حمولة 130 ألف طن أو أكثر (محملة أو فارغة) لمدة 90 يوماً.