سيناريوهات التحرك العربي لدعم الصومال في أزمة «الميناء الإثيوبي»

تزامناً مع تمسك مقديشو برفض اتفاق أديس أبابا

آبي أحمد خلال لقاء موسى بيهي عبدي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا مطلع الشهر الحالي (رويترز)
آبي أحمد خلال لقاء موسى بيهي عبدي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا مطلع الشهر الحالي (رويترز)
TT

سيناريوهات التحرك العربي لدعم الصومال في أزمة «الميناء الإثيوبي»

آبي أحمد خلال لقاء موسى بيهي عبدي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا مطلع الشهر الحالي (رويترز)
آبي أحمد خلال لقاء موسى بيهي عبدي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا مطلع الشهر الحالي (رويترز)

تتواصل ردود الفعل إزاء مذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا مع إقليم أرض الصومال - غير المعترف به دولياً - لإنشاء ميناء تجاري وقاعدة عسكرية في مدخل البحر الأحمر. وتقدمت جمهورية الصومال بطلب إلى الجامعة العربية لعقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية لبحث تداعيات مذكرة التفاهم.

في غضون ذلك، أبدى المسؤولون الصوماليون تمسكاً برفض الاتفاق الذي وصف بـ«غير القانوني والمنتهك لسيادة البلاد»، بينما يدعو مراقبون إلى أن تكون هناك تحركات عربية لمساندة مقديشو، وعدم الاكتفاء بالإدانات السياسية قبل أن يتحول الاتفاق إلى «أمر واقع». وحذّر المراقبون من خطورة الموقف على استقرار منطقة القرن الأفريقي.

ووقع رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، في الأول من الشهر الحالي، «اتفاقاً مبدئياً» مع زعيم أرض الصومال، موسى بيهي عبدي، تحصل بموجبه إثيوبيا على منفذ على البحر الأحمر بطول 20 كلم لمدة 50 عاماً، يضم ميناء بربرة وقاعدة عسكرية، وذلك مقابل أن تعترف أديس أبابا رسمياً بأرض الصومال جمهورية مستقلة.

وأثار الاتفاق احتجاجاً من جانب الحكومة الصومالية، التي اتهمت نظيرتها الإثيوبية بـ«انتهاك سيادتها ووحدة أراضيها»، واستدعت سفيرها في أديس أبابا للتشاور.

منطقة «أرض الصومال» (باللون الأخضر يمين الصورة) في مدخل البحر الأحمر (خرائط غوغل)

لا تفاوض على الأراضي

وأعلنت أرض الصومال (صوماليلاند) استقلالها عن مقديشو في 1991 في إجراء لم تعترف به الأسرة الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. وجدّد الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، التأكيد على أن الأراضي الصومالية «غير قابلة للمفاوضات».

وقال في خطاب ألقاه بأحد مساجد العاصمة مقديشو عقب صلاة الجمعة: «شخصياً، لا أتفاوض في الأراضي الصومالية ولا نستبدلها في الحكم أو أي شيء آخر مهما كلف الأمر»، حسبما نقلت وكالة الأنباء الصومالية، يوم السبت.

بينما أبدى وزير الإعلام الصومالي، داود أويس جامع، تمسّك بلاده بموقفها الرافض لمذكرة تفاهم أديس أبابا مع منطقة أرض الصومال، معتبراً أنها «تمثل انتهاكاً للقانون الدولي وتهديداً للمجتمع الدولي والمنطقة ولوحدة الصومال».

وأوضح وزير الإعلام الصومالي، في حديث لوكالة «أنباء العالم العربي»، أن «الصومال دولة فيدرالية تضم الكثير من الولايات الاتحادية، وواحدة من هذه الولايات هي (أرض الصومال)، لذلك إذا حاولت أي دولة أجنبية التعامل مع إحدى هذه الولايات، فإنها تنتهك وحدة الصومال وتنتهك القوانين الدولية وتنتهك أيضاً العلاقات بين البلدين»، كما حذّر من خطورة الاتفاق على الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، وقد «يؤثر أيضاً على الاستقرار العالمي على نطاق واسع»، على حد تعبيره.

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد (أ.ب)

اجتماع طارئ

وتقدّم سفير جمهورية الصومال الفيدرالية لدى مصر والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية، إلياس شيخ عمر أبو بكر، بطلب لعقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب لبحث تداعيات الموقف، مؤكداً ضرورة اتخاذ موقف عربي موحد للرد على الانتهاك الصارخ الذي قامت به إثيوبيا ضد سيادة ووحدة أراضي جمهورية الصومال الفيدرالية. وشدد مندوب الصومال لدى الجامعة العربية على أن تلك الإجراءات أحادية الجانب من قبل إثيوبيا تشكل تهديداً للأمن القومي العربي والملاحة في البحر الأحمر، حسبما أفادت وكالة الأنباء الصومالية.

وفي وقت سابق، أعربت الجامعة العربية، على لسان المتحدث الرسمي باسم أمينها العام، عن «رفض وإدانة أي مذكرات تفاهم تخل أو تنتهك سيادة الدولة الصومالية»، كما أكد البرلمان العربي رفضه التام لأي محاولات لانتهاك سيادة واستقلال ووحدة الصومال، مطالباً إثيوبيا بالالتزام بقواعد ومبادئ حسن الجوار واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، بما يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة.

وأشار الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، في تصريحات متلفزة، مساء الجمعة، إلى أن الجانب الصومالي يريد من الجامعة العربية موقفاً سياسياً واضحاً، وأن يكون هناك إجماع عربي على تأييد المطلب الصومالي بوصف المذكرة بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال «باطلة ولاغية».

مسيرة احتجاجية في مقديشو تنديداً بالاتفاق الموقع بين إثيوبيا ومنطقة أرض الصومال الانفصالية (أ.ب)

«خطوة في الاتجاه الخاطئ»

ووصف نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، صلاح حليمة، التحرك الإثيوبي بأنه «خطوة في الاتجاه الخاطئ»، محذراً من خطورة الموقف على أمن المنطقة واستقرارها وتهديد سيادة دولة الصومال، مضيفاً أن مذكرة التفاهم أثارت ردود فعل إقليمية ودولية رافضة.

وأوضح حليمة لـ«الشرق الأوسط» أنه رغم عدم دخول الاتفاق حيز التنفيذ، فإن التحرك العربي يقتضي تكثيف الدعم لحكومة الصومال في إدانتها للاتفاق في المحافل الدولية، إضافة إلى السعي لعدم انتقاله إلى مرحلة التنفيذ كي لا يتحول إلى «أمر واقع»، مشيراً إلى أن الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر ستكون هي «الأكثر تضرراً» من الخطوة الإثيوبية. وأضاف أن أديس أبابا «كان يمكنها تحقيق الهدف نفسه عبر الدخول في شراكة إقليمية شرعية ومقبولة، إلا أنه من الواضح أن أديس أبابا لا تتوافر لديها الإرادة السياسية لذلك التعاون».

وانتقدت دول ومنظمات دولية عدة، مشروع الاتفاق بين إثيوبيا و«أرض الصومال»، إذ شددت الولايات المتحدة على وجوب احترام سيادة الصومال ووحدة أراضيها، بينما أكد الاتحاد الأوروبي أن احترام سيادة الصومال هو «مفتاح السلام في القرن الأفريقي». ودعا الاتحاد الأفريقي إلى «الهدوء والاحترام المتبادل لخفض منسوب التوتر المتصاعد» بين إثيوبيا والصومال، كما أصدرت مصر وتركيا وكينيا وغيرها بيانات حذرت فيها من خطورة الخطوة الإثيوبية.

من جانبه، وصف الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أحمد عسكر، الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال بأنه «جزء من لعبة جيوسياسية إقليمية تديرها بعض الأطراف الإقليمية، وتستهدف وضع قواعد جديدة للعبة الإقليمية وإعادة هندسة المنطقة، بما يجعلنا أمام مناورة متعددة الأهداف».

وأوضح في تحليل له أن الاتفاق يضفي مزيداً من التعقيد على سياق التفاعلات الإقليمية في المشهد الإقليمي بالقرن الأفريقي، وسط حالة من الضبابية حول تداعيات تلك الخطوة على جميع الأطراف في المنطقة وخارجها، وقد يؤدي إلى أن تتعرض «أرض الصومال» لهجمات إرهابية من حركة «الشباب» التي اتهمت قادة الإقليم بالتواطؤ مع إثيوبيا، الأمر الذي قد يزيد من تعقيد الاستقرار الإقليمي في القرن الأفريقي، ويدفع باتجاه اتخاذ خطوات لعدم تفاقم الموقف، مرجحاً أن تبدأ الحكومة الصومالية «حرباً دبلوماسية ضد إثيوبيا»، تتحصن فيها بحشد إقليمي واسع من أجل الضغط عليها للتراجع عن الاتفاق الأخير واعترافها بـ«أرض الصومال».


مقالات ذات صلة

الاتفاقية الدفاعية المصرية - الصومالية لاحتواء «الطموح» الإثيوبي وموازنة «النفوذ» التركي

المشرق العربي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع نظيره الصومالي حسن شيخ محمود بالقاهرة (الرئاسة المصرية)

الاتفاقية الدفاعية المصرية - الصومالية لاحتواء «الطموح» الإثيوبي وموازنة «النفوذ» التركي

أثار «اجتماع استثنائي» للحكومة الصومالية لإقرار اتفاقية دفاعية مع مصر تساؤلات وردود فعل حول توقيت الاجتماع وآثار الاتفاقية الموقعة على منطقة القرن الأفريقي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي خلال اجتماع المجلس التنفيذي للاتحاد بأكرا (الاتحاد الأفريقي)

«قمة الاتحاد الأفريقي التنسيقية» لمناقشة التكامل الإقليمي وتعزيز الاندماج

تشارك مصر بوفد رسمي، برئاسة رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في «الاجتماع التنسيقي السادس للاتحاد الأفريقي والتجمعات الاقتصادية الإقليمية».

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا مصر تدشن خط طيران مباشراً إلى جيبوتي والصومال (وزارة الطيران المدني في مصر)

مصر لتعزيز التعاون مع جيبوتي والصومال

في خطوة تستهدف «تعزيز التعاون مع دول القرن الأفريقي»، دشّنت مصر، الجمعة، خط طيران مباشراً بين القاهرة وجيبوتي ومقديشو.

أحمد إمبابي (القاهرة)
المشرق العربي مؤتمر بالقاهرة يناقش تداعيات صراعات القرن الأفريقي الإقليمية (الشرق الأوسط)

مصر تحذر من تفاقم الصراعات بـ«القرن الأفريقي» بسبب «التدخلات الخارجية»

حذرت مصر من تفاقم ما وصفته بـ«الصراعات المركبة» في منطقة «القرن الأفريقي»، متهمة «التدخلات الخارجية» بتأجيج تلك الصراعات.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا الرئيس المصري ونظيره الصومالي خلال لقاء في القاهرة يناير الماضي (الرئاسة المصرية)

مصر تشدد على أهمية أمن واستقرار الصومال

شددت مصر على «أهمية تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في الصومال لما يمثله ذلك من ركيزة أساسية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة كلها».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز