قبر القذافي... «السر المخفي» بالصحراء الليبية يُعيد طرح الأسئلة

حقوقيون عدّوه الزعيم العربي «الوحيد» الذي لا يُعرف أين دُفن

الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي (أرشيفية من رويترز)
الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي (أرشيفية من رويترز)
TT

قبر القذافي... «السر المخفي» بالصحراء الليبية يُعيد طرح الأسئلة

الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي (أرشيفية من رويترز)
الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي (أرشيفية من رويترز)

مُلطخ بالدماء يترنح، تتناوله الأيدي بالاعتداء، ويُجَرُّ من شعره بعد دقائق من العثور عليه في مخبأ داخل أنبوب إسمنتي بمدينة سرت، والحشود الملتفة تصيح من حوله في هيستيريا: «أمسكنا بالقذافي، قبضنا على المستبد الطاغية».

ذلك كان المشهد الأخير في حياة القذافي، الذي أمضى أربعة عقود ونيفاً في الحكم، وفق ما نقله آنذاك فيليب ديمازيه، مصوّر وكالة الصحافة الفرنسية، لينتهي به الأمر جثة معروضة في غرفة تبريد بمتجر للخضروات بمدينة مصراتة (غرب ليبيا)، في العشرين من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011، قبل أن توارى في قبر «سري» بعمق الصحراء.

صورة أرشيفية للرئيس الراحل معمر القذافي وزوجته صفية خلال حفل زواج أحد أفراد العائلة (أ.ف.ب)

ومع حلول ذكرى مقتل القذافي، كل عام، يعيد أنصاره طرح الأسئلة عن «السر المخفي»، وراء الإبقاء على قبره مجهولاً. لكن هذا المطلب كان وراء إعلان فريق سيف الإسلام، نجل القذافي، انسحابه مؤخراً من الأعمال والتحضيرات لـ«المؤتمر الوطني الجامع للمصالحة الوطنية» المزمع انعقاده بسرت في 28 أبريل (نيسان) المقبل.

وقال الشيخ علي أبو سبيحة، رئيس الفريق، رئيس «المجلس الأعلى لمدن فزان»: «سبق وطالبنا المجلس الرئاسي بإبداء حسن النية لإتمام عملية المصالحة، وذلك من خلال اتخاذ خطوات عدة، من بينها الكشف عن قبر القذافي ومرافقيه، لكن دون استجابة منه».

وتحدث أبو سبيحة إلى «الشرق الأوسط» عن أن السلطات الليبية «لم تبذل جهوداً» لجهة تخفيف الضغوط الدولية على أسرة القذافي المشردة خارج البلاد، فيما تساءل موالون آخرون للنظام السابق عن «خلفية إبقاء أعداء القذافي على قبره، سراً في صحراء مصراتة، إلا لو كان القصد هو الانتقام والتشفي من أسرته ومحبيه».

وقُتل القذافي ونجله المعتصم بالله في سرت، بعد وقوعهما بقبضة «ثوار مصراتة» الذين نقلوا جثتيهما إلى مدينتهم قبل أن يدفنوهما في مكان غير معلوم. ومنذ ذلك الحين وأنصار النظام السابق يطالبون بالكشف عن قبور القذافي ونجله ووزير دفاعه أبو بكر يونس، ويحركون دعاوى قضائية من أجل ذلك، لكنها لم تؤد إلى نتيجة.

القذافي في صورة أرشيفية مع زوجته صفية وأبنائه سيف العرب وخميس والمعتصم بالله (غيتي)

ونقلت وسائل إعلام محلية عن محمود عبد الحميد، ابن شقيقة القذافي، جانباً من تفاصيل دفن الجثامين الثلاثة، وقال إنه «بعد تغسيلهم والصلاة عليهم، انطلقت بهم سيارة ليلاً في عمق صحراء مصراتة لأكثر من ساعة ونصف ساعة»، وذكر أن المسلحين الذين رافقوا الجثامين منعوه من الالتفات لجانبي الطريق حتى لا يحدد معالمه.

وبالنظر إلى ما حدث مع جثمان القذافي ومرافقيه، قال جمال الفلاح رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، إن عملية دفن الجثامين وما تبعتها من سرية جرت بطريقة «لا تمت للآدمية أو الإنسانية بأي صلة، بغض النظر عن كونه كان زعيماً أو رئيس دولة، كان يجب أن تتولى أسرهم وذووهم دفنهم والصلاة عليهم».

وتذكّر الفلاح في حديث إلى «الشرق الأوسط» جانباً مما حدث عقب مقتل القذافي، وقال «إن أنصار تيار الإسلام السياسي الذين كانوا مناوئين للرئيس الراحل أرجعوا عملية إخفاء قبره إلى الخشية من أن يتحول إلى ضريح أو مزار لأنصاره»، واصفاً هذا التأويل بأنه «حجة ضعيفة تستدعي الضحك، وتستهدف الاستهزاء بعقول الشعب الليبي».

صلاح بادي قائد ما يعرف بـ«لواء الصمود» بمصراتة (من صفحات أنصاره عبر «فيسبوك»)

وسبق لصلاح بادي، قائد ما يعرف بـ«لواء الصمود» في مصراتة، المعاقب دولياً، الذي يعد أحد المشاركين في دفن القذافي ونجله ووزير الدفاع، القول إنه «مستعد للكشف عن المكان الذي دفنت فيه جثث القذافي ومن معه، حال اتفاق مع الأعيان والمدن الليبية»، لكن حتى الآن لم يكشف عن «السر المخفي» في صحراء مصراتة، وفق ما يطالب أنصار النظام السابق.

وتحدث بادي غير مرة عن كواليس ما دار في الليلة التي قتل فيها القذافي، وقال إنه «لم يدفن الجثامين الثلاثة بمفرده، بل كانت هناك مجموعة أخرى شاركته في الغسل والتكفين والصلاة عليهم، من بينهم الشيخ خالد تنتوش»، وتابع موضحاً: «عندما انتهينا من دفنهم جاءنا وفدٌ من مدينة سرت، يريدون جثمان معمر، فقلنا لهم نريد جثمان عمر المحيشي»، الذي يعد أحد المناوئين للقذافي.

ودافع الحقوقي الليبي ناصر الهواري عن حق أسرة القذافي في معرفة مكان قبره، ورأى في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «زمن الأحقاد وتصفية الحسابات قد مضى... اليوم يوم المصالحة والوفاق، وبناء وطن تسوده قيم الحرية والعدالة والمساواة».

ورداً على سؤال حول هل يوجد رئيسٌ عربيٌّ قُتل وقبره مجهول، قال الهواري: «هذا حدث في ليبيا فقط»، وهو ما أكده حقوقيون آخرون ورأوا أن التاريخ الحديث «لم يسجل عمليات دفن سرية لزعماء آخرين».

وعدَّ الدكتور مصطفى الفيتوري، الكاتب والأكاديمي الليبي، أن «جريمة اغتيال الشهيد معمر القذافي هي الكارثة الكبرى التي يبدو أنها تحولت إلى لعنة تلاحق البلد وأهله». ورأى في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط»، أن «الجريمة الأكبر تظل هي عدم الكشف عن قبره، لأن من اغتالوه ودفنوه يدركون حجم شعبيته، ولهذا أخفوا قبره حتى لا يتحول إلى مزار لأغلبية الليبيين».


مقالات ذات صلة

السنوسي عديل القذافي... من السجن إلى فيلا رهن الإقامة الجبرية

شمال افريقيا السنوسي يلتقي خارج محبسه وفدا من قبيلته (المجلس الاجتماعي بسوق الجمعة والنواحي الأربعة)

السنوسي عديل القذافي... من السجن إلى فيلا رهن الإقامة الجبرية

يقبع السنوسي رئيس جهاز الاستخبارات بنظام الرئيس الراحل معمر القذافي، في سجن معيتيقة تحت إشراف «قوة الردع»، التي سمحت بنقله إلى فيلا رهن الإقامة الجبرية.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة وشكشك في لقاء سابق (حكومة الوحدة)

الانقسامات تطال ديوان المحاسبة الليبي

وسط صمت رسمي من السلطة التنفيذية بطرابلس، دخل ديوان المحاسبة في ليبيا دائرة الصراع على رئاسته بين رئيسه خالد شكشك، ووكيله الموقوف عطية الله السعيطي.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا جلسة في مجلس النواب الليبي (المجلس)

تباين ليبي حول استدعاء البرلمان حكومة حماد للمساءلة

فتح قرار رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، استدعاء حكومة أسامة حماد، المكلفة من مجلسه، للمساءلة، نقاشاً واسعاً بين النخب السياسية والمراقبين للشأن الليبي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا عمليات شفط مياه الأمطار في بنغازي (وسائل إعلام ليبية)

سوء الأحوال الجوية يعطل الدراسة في شرق ليبيا

أدّت التقلبات الجوية العنيفة التي شهدتها معظم مناطق شرق ليبيا إلى تعليق الدراسة في مدن عدة، بناءً على توجيه من السلطات المحلية.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا الدبيبة خلال احتفال «عيد الاستقلال» بطرابلس (حكومة الوحدة)

ليبيا: الدبيبة يدعو إلى اعتماد دستور «ينهي المراحل الانتقالية»

هاجم رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة، مجدداً «خصومه السياسيين»، ودعا إلى اعتماد دستور ينهي المراحل الانتقالية.

خالد محمود (القاهرة)

نائب حمدوك يتمسك بـ«حكومة موازية» في السودان

حمدوك رئيس تنسيقية «تقدم» (فيسبوك)
حمدوك رئيس تنسيقية «تقدم» (فيسبوك)
TT

نائب حمدوك يتمسك بـ«حكومة موازية» في السودان

حمدوك رئيس تنسيقية «تقدم» (فيسبوك)
حمدوك رئيس تنسيقية «تقدم» (فيسبوك)

أعلن الهادي إدريس، نائب رئيس تحالف «تقدم» المدني الذي يرأسه عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني السابق، تمسكه بتشكيل «حكومة مدنية موازية» لكي تنتزع الشرعية من الحكومة التي تتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة، والتي عيّنها قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان.

وأوضح إدريس أن الغرض من الحكومة المقترحة هو قطع الطريق «أمام خطط أنصار نظام الإسلاميين (النظام البائد بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير) الرامية لتقسيم البلاد، وأيضاً لعدم ترك صوت السودان للجبهة الإسلامية لتتحدث باسمه، وأخيراً لإجبار الطرف الآخر (الجيش) على القبول بمفاوضات لوقف الحرب».

وأشار إدريس في الوقت ذاته، إلى تمسكه بوحدة الصف المدني؛ لأن تحالف «تقدم» يعدّ أعظم إنجاز للمدنيين منذ الانقلاب على حكومة الثورة المدنية في أكتوبر (تشرين الأول) 2021.