المغرب في 2023... زلزال مدمر وتعديل مدونة الأسرة وإضراب «مفتوح» للأساتذة

الأعضاء الجدد في المحكمة الدستورية يؤدون القسم أمام الملك محمد السادس (ماب)
الأعضاء الجدد في المحكمة الدستورية يؤدون القسم أمام الملك محمد السادس (ماب)
TT

المغرب في 2023... زلزال مدمر وتعديل مدونة الأسرة وإضراب «مفتوح» للأساتذة

الأعضاء الجدد في المحكمة الدستورية يؤدون القسم أمام الملك محمد السادس (ماب)
الأعضاء الجدد في المحكمة الدستورية يؤدون القسم أمام الملك محمد السادس (ماب)

شكل زلزال الحوز، ودعم الأسر الفقيرة، وإضراب الأساتذة وتعديل مدونة الأسرة، أحد أبرز الأحداث التي عاشها المغرب خلال سنة 2023. فالمملكة المغربية تعرضت لزلزال خطير ضرب منطقة الأطلس الكبير (قرب مراكش) في 8 سبتمبر (أيلول) 2023 بقوة بلغت 7 درجات على سلم ريختر، وهو أقوى زلزال عرفته البلاد.

وحسب آخر حصيلة للزلزال الذي ضرب منطقة جبلية لا تبعد عن مدينة مراكش سوى 70كلم، فإن نحو 2946 شخصا توفوا فيما وصل عدد الجرحى إلى 5674 شخصا. ويعتبر هذا الزلزال الأكثر دمارا وفتكا، في المغرب منذ الزلزال الذي دمّر مدينة أغادير (وسط البلاد) في 1960، والذي توفي فيه نحو 15 ألف شخص. وبذلت السلطات المغربية جهدا كبيرا لتوفير المساعدات ودعم جهود الإنقاذ، وأظهر الشعب المغربي روحا تضامنية عالية لإيصال المساعدات للمتضررين.

وأعلن العاهل المغربي عن إحداث صندوق خاص لدعم ضحايا الزلزال، تشكلت موارده من تبرعات المواطنين والشركات ومساهمة الدولة، والمساعدات الأجنبية، حيث من المقرر أن تصل ميزانيته إلى 120 مليار درهم (12 مليار دولار)، كما تقرر منح مساعدات مباشرة للأسر التي تهدمت بيوتها، وإعادة بناء المساكن التي انهارت في المناطق القروية.

إضراب الأساتذة

وعاش المغرب أيضاً منذ 5 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إيقاع إضراب متواصل شنه الأساتذة والمعلمون في المدارس للمطالبة بتحسين أجورهم، ولإعلان رفضهم للنظام الأساسي لموظفي قطاع التعليم، الذي صادقت عليه الحكومة بمرسوم.

وبما أن النظام الأساسي كان ثمرة حوار بين الحكومة والنقابات الأكثر تمثيلية، خلال السنتين الماضيتين، فإن الأساتذة الغاضبين لجأوا إلى تأسيس تنسيقيات بعيدا عن النقابات، انضمت لها نقابات أخرى لم تشركها وزارة التعليم في الحوار، لكونها لا تحظى بالتمثيلية.

تلاميذ يتلقون دروسهم في إحدى الخيام التي نصبتها السلطات المغربية في مناطق ضربها الزلزال (الشرق الأوسط)

وأدى هذا الوضع إلى شلل في المدارس حيث شن الأساتذة إضرابات بمعدل 3 أيام كل أسبوع على امتداد أكثر من شهرين. وجرى تشكيل التنسيق الوطني للأساتذة الذي يضم نحو 22 تنسيقية والذي تولى تنظيم الإضرابات والوقفات والمسيرات الاحتجاجية.

الإضرابات المتكررة خلفت استياء آباء وأولياء التلاميذ، ما دفع الحكومة إلى إعلان تجميد العمل بالنظام الأساسي، وفتح حوار من جديد مع النقابات أفضى إلى زيادة عامة في الأجور تقدَّر بـ1500 درهم (150 دولاراً)، إضافة إلى الاستجابة لعدد من المطالب الأخرى. وحُرِّر محضر الاتفاق بإشراف رئيس الحكومة عزيز أخنوش، وتوقيع 3 وزراء هم: وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى، ووزير الإدماج الاقتصادي والتشغيل يونس السكوري، والوزير المنتدب المكلف الميزانية، فوزي لقجع. وعن النقابات وقع كل من مسؤولي «الاتحاد المغربي للشغل»، و«الكونفدرالية الديمقراطية للشغل»، و«الاتحاد العام للشغالين بالمغرب»، و«الفيدرالية الديمقراطية للشغل».

لكن رغم توقيع الاتفاق أعلنت التنسيقيات مواصلة الإضراب مطالبة بإعلان إلغاء النظام الأساسي لموظفي التعليم.

الدعم الاجتماعي

من أبرز القرارات التي اتخذها العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال سنة 2023، تخصيص دعم مالي مباشر للأسر الفقيرة، وهو أول دعم من نوعه سواء من حيث عدد الأسر المستفيدة منه والتي تصل إلى أزيد من 4 ملايين أسرة أو من حيث قيمته الإجمالية التي تصل إلى ما يناهز 25 مليار درهم (2.5 مليار دولار) سنويا. وصدر بيان عن اجتماع وزاري، برئاسة العاهل المغربي في 19 أكتوبر الماضي تم خلاله الإعلان عن تخصيص ميزانية في القانون المالي (الموازنة) 2024، لدعم الأسر الفقيرة، وتقرر أن يرتبط هذا الدعم المالي بالأطفال في سن التمدرس، والأطفال في وضعية إعاقة، والأطفال حديثي الولادة، إضافة إلى الأسر الفقيرة والهشة، من دون أطفال في سن التمدرس، خاصة منها التي تعيل أفرادا مسنين.

وحسب بيان الديوان الملكي بمناسبة اجتماع المجلس الوزاري، فإن حجم الدعم لا يجب أن يقل عن 500 درهم شهريا (50 دولارا)، ابتداء من نهاية هذه السنة.

وفي سياق الإجراءات الاجتماعية تضمن مشروع قانون المالية 2024 دعما آخر للأسر الفقيرة يتعلق بتكفل الدولة بأداء انخراط نحو 4 ملايين أسرة في نظام التغطية الصحية، بميزانية تقدر بـ9.5 مليار درهم (950 مليون دولار).

إضافة إلى ذلك خصصت الحكومة دعما بقيمة 9.5 مليار درهم، لدعم شراء المواطنين للسكن الرئيسي وذلك بمبلغ يتراوح بين 100 ألف درهم (10 آلاف دولار) بالنسبة للشقق الاقتصادية التي يقل سعرها عن 300 ألف درهم (30 ألف دولار)، و70 ألف درهم (7 آلاف دولار) بالنسبة للشقق التي يتراوح سعرها بين 300 و700 ألف درهم (70 ألف دولار).

مدونة الأسرة

شكل تعديل مدونة الأسرة (قانون الأسرة) المغربية، أحد أبرز أحداث السنة، فقد وجه العاهل المغربي رسالة إلى رئيس الحكومة، دعاه فيها إلى النهوض بقضايا المرأة والأسرة بشكل عام، حسب ما جاء في بيان للديوان الملكي. وقرر العاهل المغربي، إسناد الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية (تمثل استقلال السلطة القضائية) ورئاسة النيابة العامة (الادعاء العام). كما دعا العاهل المغربي المؤسسات المذكورة إلى أن تشرك بشكل وثيق في هذا الإصلاح الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وهي المجلس العلمي الأعلى (يمثل علماء المغرب) والمجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة دستورية تعنى بحقوق الإنسان)، ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة.

مجلس النواب المغربي حين مصادقته على موازنة 2024 (الشرق الأوسط)

وشرعت اللجنة في عقد جلسات استماع لعدد من الهيئات والمؤسسات في انتظار أن ترفع مقترحات التعديلات التي ستنبثق عن هذه المشاورات التشاركية الواسعة إلى نظر العاهل المغربي الملك محمد السادس، خلال أجل أقصاه ستة أشهر، وذلك قبل إعداد الحكومة لمشروع قانون في هذا الشأن، وعرضه على مصادقة البرلمان.

وتناقش اللجنة قضايا حساسة في المدونة من قبيل إمكانية منع زواج الفتاة التي عمرها أقل من 18 سنة، أو ما يعرف بزواج القاصرات، ومنع تعدد الزوجات، ومراجعة نظام الإرث.

احتضان كأس العالم 2030

وشكل إعلان اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الأربعاء 4 أكتوبر الماضي، عن إقامة كأس العالم 2030 في المغرب وإسبانيا والبرتغال، حدثا كبيرا في المغرب، حيث جرى اعتماد الملف المشترك من المغرب والبرتغال وإسبانيا كملف وحيد لاستضافة البطولة العالمية. فيما ستقام أول 3 مباريات في أوروغواي والأرجنتين وباراغواي للاحتفال بمئوية المسابقة. وأشار بيان للديوان الملكي المغربي إلى أن هذا القرار من اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم يعتبر إشادة واعترافا بالمكانة المرموقة للمغرب بين الأمم الكبيرة.

احتضان مؤتمر البنك الدولي

رغم وقوع الزلزال المدمر في منطقة الأطلس الكبير لم يتم إلغاء الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بمدينة مراكش، التي كانت مبرمجة ما بين 9 و15 أكتوبر. فقد عمل خبراء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالتنسيق مع السلطات المغربية على وضع تقييم لقدرة المغرب على استضافة الاجتماعات السنوية لعام 2023. وقررت الإدارة العليا لكل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والسلطات المغربية المضي قدما في عقد الاجتماعات السنوية لعام 2023 في مراكش.

وشكل انعقاد هذه الاجتماعات حدثا بارزا، حيث اتجهت أنظار العالم، والمؤسسات المالية إلى مدينة مراكش، حيث اتجه أكثر من 14 ألف مشارك رفيع المستوى، بمن فيهم وزراء مالية ومحافظو البنوك المركزية في 189 دولة، علاوة على ممثلي المجتمع المدني والقطاع الخاص لحضور الاجتماعات. وناقشت الاجتماعات السنوية لسنة 2023 مواضيع رئيسية من قبيل الشمول المالي والرقمنة، والتنمية المستدامة، وإصلاحات المؤسسات المالية الدولية، وريادة الأعمال والابتكار، وشبكات الأمان الاجتماعي، والتسامح والتعايش.


مقالات ذات صلة

حكيمي يجدّد عقده مع سان جيرمان حتى 2029

رياضة عربية الظهير الأيمن المغربي أشرف حكيمي (إ.ب.أ)

حكيمي يجدّد عقده مع سان جيرمان حتى 2029

مدّد الظهير الأيمن المغربي أشرف حكيمي عقده مع باريس سان جيرمان بطل فرنسا لكرة القدم حتى عام 2029.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا أعلام الجزائر ترفرف في أحد شوارع العاصمة (رويترز)

الخلافات السياسية تعرقل صادرات القمح الفرنسي إلى الجزائر

كانت الجزائر تستورد ما بين مليونين و6 ملايين طن قمح فرنسي سنوياً؛ مما جعلها من أكبر زبائن فرنسا. غير أن الكميات المستوردة انخفضت بشكل لافت في السنوات الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا رضوان الحسيني مدير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بوزارة الشؤون الخارجية المغربية (الشرق الأوسط)

المغرب يؤكد «التزامه الراسخ» بمكافحة الإرهاب النووي والإشعاعي

المغرب يؤكد التزامه بالأهداف الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب النووي، التي تدعو إلى نهج استباقي ومتعدد الأبعاد، لمحاربة هذه الآفة.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
رياضة عربية زكريا أبو خلال لاعب تولوز انضم لتشكيلة منتخب المغرب (أ.ف.ب)

الركراكي يستدعي أبو خلال لتشكيلة المغرب بدلاً من أخوماش

أعلن الاتحاد المغربي لكرة القدم الثلاثاء أن وليد الركراكي مدرب المنتخب الأول استدعى زكريا أبو خلال لتعويض غياب إلياس أخوماش.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
رياضة عربية حسين الشحات لاعب الأهلي (صفحة اللاعب على فيسبوك)

مصر: الصلح يُنهي أزمة الشحات والشيبي بعد 18 شهراً من «الخِصام»

بعد نحو عام ونصف العام من «الخِصام» بينهما، أنهى الصلح أزمة المصري حسين الشحات، لاعب الأهلي، والمغربي محمد الشيبي.

محمد عجم (القاهرة)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا، وأنها تعكس «الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في القارة السمراء».

تصريحات وزير الخارجية جاءت خلال زيارته للكتيبة المصرية ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تأتي أيضاً قبيل أسابيع من مشاركة جديدة مرتقبة مطلع العام المقبل في الصومال ضمن قوات حفظ سلام أفريقية، وسط تحفظات إثيوبية التي أعلنت مقديشو استبعاد قواتها رسمياً، وأرجعت ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الزيارة المصرية للقوات التي يمر على وجودها نحو 25 عاماً، تعد بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تأكيداً على «الحضور المتنامي للقاهرة، وتعزيزاً لمشاركاتها بالقارة السمراء»، مستبعدين أن تتحول أي تحفظات إثيوبية تجاه الوجود المصري بمقديشو لمواجهات أو تصعيد عسكري.

وبحسب ما كشفته «الخارجية المصرية» في أواخر مايو (أيار) 2024، «فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة، وبصفتها واحدة من كبريات الدول التي تسهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشُر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية».

ووفق تقديرات نقلتها «هيئة الاستعلامات» المصرية الرسمية، منتصف يونيو (حزيران) 2022، تسترشد مصر في عمليات حفظ السلام بثلاثة مبادئ أممية أساسية، وهي «موافقة الأطراف والحياد، وعدم استعمال القوة إلا دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الولاية».

بدر عبد العاطي يصافح كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

وتاريخياً، شاركت مصر في قوات حفظ السلام بأفريقيا في «الكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية من 1960 إلى 1961، ثم من نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، وكوت ديفوار لمساعدة الأطراف الإيفوارية على تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهما في يناير (كانون الثاني) 2003، والصومال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 1992 إلى فبراير (شباط) 1995، وأفريقيا الوسطى من يونيو 1998 إلى مارس (آذار) 2000، وأنغولا من 1991 وحتى 1999، وموزمبيق من فبراير 1993 إلى يونيو 1995، وجزر القمر من 1997 وحتى 1999، وبوروندي منذ سبتمبر (أيلول) 2004، وإقليم دارفور بالسودان منذ أغسطس (آب) 2004».

وضمن متابعة مصرية لقواتها، التقى بدر عبد العاطي، الجمعة، مع أعضاء كتيبة الشرطة المصرية المُشاركة في مهام حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية خلال زيارته التي بدأت الخميس، واستمرت ليومين إلى العاصمة كينشاسا، لتعزيز التعاون بكل المجالات، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وقال عبد العاطي إن «مصر إحدى كبرى الدول المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية»، مؤكداً أن «وجود الكتيبة المصرية في الكونغو الديمقراطية يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول حوض النيل الجنوبي». كما نقل وزير الخارجية، رسالة إلى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن سبل تعزيز العلاقات، وإحاطة بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون خلال زيارته وتدشين «مجلس أعمال مشترك».

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن كلمة السر في مشاركة مصر بشكل معتاد ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا بشكل عام هي «طبيعة القوات المصرية حيث تتجلى الإمكانات العالية والخبرات التاريخية المتراكمة، ما جعل مصر دائمة المشاركة والحضور ضمن قوات حفظ السلام منذ أزمان بعيدة»، مؤكداً أن لمصر تجارب عدة في العمل ضمن بعثات حفظ السلام في كثير من دول أفريقيا التي شهدت نزاعات وأوضاع أمنية بالغة التعقيد، مثل ساحل العاج، والكونغو، وأفريقيا الوسطى، وأنغولا، وموزمبيق، وليبيريا، ورواندا، وجزر القمر، ومالي وغيرها.

جانب من كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في مهام حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية (الخارجية المصرية)

الحاج أشار إلى أنه رغم أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كثير من دول أفريقيا «تزيد من تعقيد» عمل بعثات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام في أفريقيا، وعدم قدرة هذه البعثات على إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في عدد من البلدان الأفريقية؛ فإن مصر تدرك جيداً مدى أهمية تكثيف حضورها الأمني في القارة السمراء، باعتبار أن «العدول عن المشاركة المصرية ضمن بعثات حفظ السلام، سوف يترك فراغاً عريضاً» ربما تستغله دول أخرى تنافس مصر في خارطة التمركز الفاعل في أفريقيا.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أوضح أن هناك قوات لحفظ السلام تتبع الأمم المتحدة، وأخرى تتبع الاتحاد الأفريقي، وكل له ميزانية منفصلة؛ لكن يتعاونان في هذا المسار الأمني لحفظ الاستقرار بالدول التي تشهد اضطرابات ومصر لها حضور واسع بالاثنين، مؤكداً أن مشاركة القاهرة بتلك القوات يتنامى ويتعزز في القارة الأفريقية بهدف استعادة الحضور الذي عرف في الستينات بقوته، وكان دافعاً ومساهماً لتأسيس الاتحاد الأفريقي والحفاظ على استقرار واستقلال دوله.

وهو ما أكده وزير الخارجية المصري خلال زيارته للكتيبة المصرية بالكونغو الديمقراطية بالقول إن «المشاركة في بعثات حفظ السلام تعكس الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في أفريقيا، والمساهمة الفاعلة في صون السلم والأمن الدوليين».

هذا التأكيد المصري يأتي قبل نحو شهر من المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الأفريقية، بالصومال، حيث أكد سفير مقديشو لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، أغسطس الماضي، أن «القاهرة في إطار اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي من يناير 2025 وتستمر حتى عام 2029. بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية»، قبل أن تعلن مقديشو، أخيراً «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة؛ بسبب انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

ولم تعلق أديس أبابا رسمياً على هذا الاستبعاد، لكن تحدّث وزير الخارجية الإثيوبي السابق، تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس الماضي، عن الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، حيث طالب بـ«ألا تشكّل تهديداً لأمننا القومي، هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة»، مؤكداً أن بلاده «أصبحت قوة كبرى قادرة على حماية مصالحها».

وعدَّ الخبير الاستراتيجي المصري أن استمرار الوجود المصري في قوات حفظ السلام على مدار السنوات الماضية والمقبلة، لاسيما بالصومال له دلالة على قوة مصر وقدرتها على الدعم الأمني والعسكري وتقديم كل الإمكانات، لاسيما التدريب وتحقيق الاستقرار، مستبعداً حدوث أي تحرك إثيوبي ضد الوجود المصري في الصومال العام المقبل.

فيما يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن الاستعداد القوي الذي أظهرته مصر للمشاركة ضمن بعثة حفظ السلام في الصومال، يأتي من واقع الحرص المصري على استتباب الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية في القرن الأفريقي؛ لأن استتباب الأمن في الصومال يعني تلقائياً تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن ثم ضمان انسياب الحركة التجارية الدولية عبر قناة السويس. فضلاً عن أن مصر لن تنزوي بعيداً وتترك الصومال ملعباً مميزاً للقوات الإثيوبية، خصوصاً بعدما أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مطلع العام مع إقليم «أرض الصومال» لاستغلال منفذ «بربرة» البحري المطل على ساحل البحر الأحمر.

وفي تقدير عبد الناصر الحاج فإن نجاح مصر في أي مشاركة فاعلة ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا، يتوقف في المقام الأول، على مدى قدرة مصر في انتزاع تفويضات واسعة من مجلس السلم والأمن الأفريقي لطبيعة عمل هذه البعثات، بحسبان أن إحدى المشكلات التي ظلت تسهم في إعاقة عمل بعثات حفظ السلام، هي نوعية التفويض الممنوح لها؛ وهو الذي ما يكون دائماً تفويضاً محدوداً وقاصراً يضع هذه البعثات وكأنها مُقيدة بـ«سلاسل».

وأوضح أنه ينبغي على مصر الاجتهاد في تقديم نماذج استثنائية في أساليب عمل قواتها ضمن بعثات حفظ السلام، بحيث يصبح الرهان على مشاركة القوات المصرية، هو خط الدفاع الأول لمدى جدواها في تحقيق غاية حفظ السلام.