«حوارات أطلسية» يناقش في مراكش «القومية الاقتصادية» وسبل مواجهة «الشعبوية»

شهدت جدلاً حول «كارثة» عودة ترمب للمشهد السياسي وهجرة الأدمغة

من جلسة «من يتراجع؟ السلطوية والديمقراطية والشعبوية في الوقت الراهن» (الجهة المنظمة)
من جلسة «من يتراجع؟ السلطوية والديمقراطية والشعبوية في الوقت الراهن» (الجهة المنظمة)
TT

«حوارات أطلسية» يناقش في مراكش «القومية الاقتصادية» وسبل مواجهة «الشعبوية»

من جلسة «من يتراجع؟ السلطوية والديمقراطية والشعبوية في الوقت الراهن» (الجهة المنظمة)
من جلسة «من يتراجع؟ السلطوية والديمقراطية والشعبوية في الوقت الراهن» (الجهة المنظمة)

ناقشت جلسات اليوم الثاني من أشغال مؤتمر «حوارات أطلسية»، في دورته الـ12 بمراكش، جملةً من القضايا التي تشغل العالم، على غرار تصاعد الخطاب الشعبوي مقابل انحسار الديمقراطية، والقلق العالمي من قضايا التغيرات المناخية والمديونية، فضلاً عن الصراعات التي تشهدها أكثر من منطقة.

وتخلل الجلسات تعبيرٌ عن قلق حول حاضر ومستقبل العلاقات الدولية، من خلال التساؤل عن الدور المزداد للصين في الساحة الدولية، علاوة على ما تطرحه إمكانية عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، من إعادة صياغة لعدد من الاستراتيجيات والاختيارات المتعلقة بعدد من القضايا على المستوى العالمي. وفيما تباينت ردود الفعل حول دور الصين وما إذا كانت «فيلاً وسط الغرفة»أو «فيلاً من بين فيلة أخرى وسط الغرفة»، رأت بعض الآراء أن «الوضع سيكون كارثياً إذا ما عاد دونالد ترمب إلى البيت الأبيض».

من جلسة «وجهات نظر من الأطلسي الأوسع: أوجه التشابه والتباينات» (الجهة المنظمة)

وأظهرت النقاشات التي تلت الجلسات أن الرؤية لعالم اليوم صارت تحتمل أكثر من قناعة للتعبير عن فهم العلاقات بين الأفراد والدول، بشكل يهيئ المشهد العالمي لخرائط جديدة، لا أحد يبدو قادراً على ضبط شكلها النهائي.

وحظي موضوع الديمقراطية وانحسارها مقابل تصاعد الخطاب الشعبوي بنصيب وافر من النقاش. كما جاءت جلسة «هيكل مالي دولي ملائم لمواجهة التحديات العالمية» لتسائل الاستراتيجيات، التي يمكن اللجوء إليها لضمان التنفيذ الفعال في الوقت المناسب لإصلاحات النظام المالي العالمي وجهود تكيفه، والآثار المحتملة للإصلاحات المقترحة على مستوى المؤسسات المالية الدولية، وكيف يمكن ضمان مواءمتها وتنسيقها مع المؤسسات المالية الإقليمية والقارية.

من جلسة «القومية الاقتصادية: لحظة أم حركة؟» (الجهة المنظمة)

بدورها، هدفت جلسة «وجهات نظر من الأطلسي الأوسع: أوجه التشابه والتباينات» إلى استكشاف إسهام وجهات النظر المتنوعة في التحول الاستراتيجي في الأطلسي الموسع، ودورها في التفاعل بين الشمال والجنوب، من خلال التساؤل حول أوجه التشابه، التي يمكن أن تسهم في تشكيل استراتيجيات تيسر التعاون الفعال فيما يخص التعاطي مع التحديات المشتركة، وإمكانية التنقل بين القيم والمصالح المتنوعة داخل المنطقتين الشمالية والجنوبية للأطلسي، قصد إرساء أسس توافق مفيد لكل الأطراف من أجل فضاء أطلسي موسع أكثر ترابطاً وازدهاراً.

وأظهرت الجلسة، التي شارك فيها يوسف العمراني، سفير المغرب بواشنطن، والوزير المنتدب السابق في الخارجية والأمين العام السابق للاتحاد من أجل المتوسط، وريبيكا بيل شافيز الرئيسة والمديرة التنفيذية للحوار بين البلدان الأميركية (الولايات المتحدة)، وإريكا موينز وزيرة الخارجية السابقة لبنما، أن التحديات المشتركة توحد البلدان الأطلسية، من خلال معالجة قضايا مهمة، مثل تدهور البيئة، والتحول الطاقي، وإصلاح الحوكمة العالمية، والإعداد التعاوني للسياسات المالية، والتقدم التكنولوجي، والصراعات المتصاعدة، فيما تقود الاختلافات في النظم السياسية، ومسارات التنمية الاقتصادية والمعتقدات الثقافية إلى وجهات نظر متباينة فيما يخص التعاطي مع تلك الاختلافات، التي تشير إلى تحول استراتيجي في الجغرافيا السياسية للقرن الحادي والعشرين.

تفاعل الحاضرين خلال جلسات «حوارات أطلسية» بمراكش (الجهة المنظمة)

واستحضر العمراني خطاب الملك محمد السادس، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ48 للمسيرة الخضراء، مشيراً إلى أن هذا الخطاب أطلق رؤية ملكية متكاملة وموحدة وطموحة لإنشاء أفريقيا الأطلسية، التي تثبت نفسها باستمرار كفضاء جيو استراتيجي أساسي على الساحة الدولية. ورأى أن المحيط الأطلسي يمثل فرصة ونعمة جيوسياسية وأرضية مزدهرة لتكامل ناجح.

وانطلقت جلسة «القومية الاقتصادية: لحظة أم حركة؟» من اعتماد سياسات اقتصادية تتركز أكثر على الداخل وسيلةً لتعزيز الانتعاش. وتحدثت عبلة عبد اللطيف، المديرة التنفيذية ومديرة الأبحاث بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية من مصر، عن الفلسفة التي قامت عليها الحماية الوطنية للاقتصاد، ورأت أن العالم يعرف انهياراً، مشددة على أن المديونية هي وجه آخر لما تعاني منه أفريقيا من استغلال.

من جهته، دعا هاريندر كوهلي، المدير المؤسس والعضو المنتدب لمنتدى الأسواق الناشئة من الهند، إلى التركيز على ما يواجه العالم من مشكلات، من قبيل التغيرات المناخية والمديونية والهجرة، مع تشديده على أن إطارات التعاون الدولي أضحت متهالكة ومتجاوزة، الشيء الذي يفرض تقوية التحالفات وتخطي خيار تعزيز البعد الوطني باستشراف البعد العالمي.

ورأى أن المديونية باتت «قنبلة موقوتة» تتطلب حلاً، لأنها تعوق الاستثمار والتنمية المحلية.

أما مداخلات جلسة «من يتراجع؟ السلطوية والديمقراطية والشعبوية في الوقت الراهن»، فقد تناولت الكيفية التي يتحدى بها انتعاش النظام السلطوي الأسس الديمقراطية، وتسائل بها التوجهات الشعبوية المعايير التقليدية على الصعيد العالمي. وتحدث هوبير فيدرين، وزير خارجية فرنسا الأسبق عن «أزمة في الديمقراطية»، مشيراً إلى عدم وجود تعريف للشعبوية، التي تصاعدت مقابل انحسار الديمقراطية. وقال إن هناك نفوراً من الديمقراطية التمثيلية، مشيراً إلى أن الأزمات الراهنة جعلت الحكومات تعجز عن إيجاد حلول، الشيء الذي أفقد ثقة المواطنين في النخب والأحزاب السياسية.

من جانبها، رأت ألورا ألبورنوز، مديرة شركة النفط الوطنية في تشيلي، أن الفساد يزيد الطين بلة، ويدفع الشعوب إلى فقدان الثقة في المؤسسات الديمقراطية. وشددت على أن غياب قادة يتميزون بالكاريزما يفسح المجال أمام الشعبوية، يسارية كانت أو يمينية. فيما توقف مات كارلسون، نائب رئيس مجموعة البنك الدولي السابق (السويد)، عند مفارقة أن الشعبويين يصلون إلى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع، مشدداً على ضرورة عدم استغلال الانتخابات لوضع اليد على السلطة، وقلب النظام على النخب والديمقراطيين. ورأى أن الوضعية صعبة، وتحتاج موقفاً صارماً يعزز دور المؤسسات الديمقراطية ويؤسس لسياسة الحوار بين الدول.

بالنسبة لجلسة «هجرة الأدمغة والتسابق العالمي على المواهب»، التي انطلقت بمشاركة كاسي فريمان، الرئيس والمدير التنفيذي لاتحاد المغتربين الأفارقة (الولايات المتحدة)، وبول غوميز رئيس مؤسسة «باولو غوميز وشركاؤه» من غينيا بيساو، فقد انطلقت من معطى ارتباط مفهوم هجرة الأدمغة باقتصاديات الهجرة والمنافسة الدولية على المواهب، وكيف أضحت الهجرة منذ ستينات القرن الماضي مصدر قلق لكل البلدان النامية التي ترسل المهاجرين وللبلدان المتقدمة التي تستقبلهم.

وناقش المتدخلون الدوافع الأساسية للتسابق العالمي على المواهب، والتحديات التي يمثلها للدول النامية والدول المتقدمة على حد سواء، مع التساؤل عن كيفية تصور خطط توفق بين النهوض بحركية ذوي المهارات العالية على الصعيد العالمي، وتعزيز الفوائد المحتملة للبلدان النامية، مع الأخذ بعين الاعتبار بروز مجموعة من المكاسب الإيجابية لهذه الظاهرة، عند النظر في المزايا المحتملة لهجرة المهارات، من قبيل دور المهاجرين في تسهيل نقل المعرفة والتكنولوجيا.


مقالات ذات صلة

اختبار البداية يبتسم للعرب في العرس الأفريقي بالمغرب

الرياضة صورة من حفل افتتاح كأس الأمم الأفريقية بالمغرب 21 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

اختبار البداية يبتسم للعرب في العرس الأفريقي بالمغرب

سجلت المنتخبات العربية حضوراً لافتاً في المباريات الافتتاحية مؤكدة أنها تدخل المنافسة برؤية واضحة وثقة فنية تعكس تطور كرة القدم العربية على الساحة القارية.

كوثر وكيل (الرباط)
رياضة عربية نزلاء السجون في المغرب سيشاركون في بطولة مصغرة تضم 150 نزيلاً من 15 جنسية أفريقية (كأس أفريقيا)

من خلف القضبان... سجناء في المغرب يحتفلون بكأس أفريقيا بطريقتهم الخاصة

أشعلت كأس أمم أفريقيا لكرة القدم حماس الجميع، حتى إن نزلاء السجون في المغرب سيشاركون في بطولة مصغرة تضم 150 نزيلاً من 15 جنسية أفريقية.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
رياضة عربية حكيم زياش (إكس)

المغربي حكيم زياش ينعى شقيقه

أعلن المغربي حكيم زياش، مساء الثلاثاء، عن وفاة شقيقه، من خلال حسابه على منصة «إنستغرام»، ما أثار موجة من التضامن والمواساة من الأندية والجماهير.

«الشرق الأوسط» (الرباط )
الاقتصاد مشهد عام لميناء الحاويات في القصر الصغير في طنجة بالمغرب (رويترز)

«مرسى المغرب» لتشغيل المواني للاستحواذ على 45 % من «بولودا ماريتايم تيرمينالز» الإسبانية

قالت شركة «مرسى المغرب» لتشغيل المواني، إنها وقعت صفقة للاستحواذ على حصة 45 في المائة في شركة «بولودا ماريتايم تيرمينالز» الإسبانية، مقابل 94 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا عمال البلدية يرفعون الركام من أحد شوارع بلدة آسفي الساحلية الاثنين (أ.ف.ب)

37 قتيلاً في فيضانات مفاجئة ضربت بلدة ساحلية مغربية

أفادت السلطات المحلية بأن آسفي الواقعة على بعد نحو 300 كيلومتر جنوب الرباط تعرضت لعواصف رعدية شديدة تسببت في تدفقات سيول استثنائية خلال ساعة واحدة.

«الشرق الأوسط» (الرباط)

السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
TT

السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)

مع مرور عام على تولي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقاليد السلطة، تتآكل الآمال العريضة باختراق أميركي في الملف الليبي المعقّد، إذ اتسم نهج إدارته بـ«الحذر، والانتقائية»، مع إعادة تموضع محدودة، دون استراتيجية شاملة لمعالجة الانقسام الليبي.

وينظر مراقبون إلى أداء إدارة ترمب في الملف الليبي خلال العام الماضي على أنه انتهج مقاربة تقوم على «تسويات على نار هادئة»، تعتمد تفاهمات سياسية وعسكرية محدودة، و«مصافحات شكلية»، تزامناً مع تصاعد أولوية «الصفقات الاقتصادية»، ولا سيما في قطاع النفط.

في المقابل غابت المقاربة المتكاملة التي تمزج الدبلوماسية بالأمن، وبناء المؤسسات، فاعتمدت واشنطن أدوات سياسية واقتصادية مرنة، وزادت من الحضور الدبلوماسي، مع التركيز على اتصالات مباشرة عبر مسعد بولس مستشار ترمب، وصهره المخوّل بملف الشؤون الأفريقية.

الدبيبة مع قائد قوات «أفريكوم» في لقاء بطرابلس (حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة)

مؤشرات تعيين بولس

في مطلع ولاية إدارة ترمب، أثار تكليف بولس بمتابعة الملف الليبي آمالاً باختراق محتمل، باعتباره مؤشراً على اقتراب ليبيا من دائرة اهتمامه، غير أن حالة من الحذر ظلت قائمة، وهو ما أكدت عليه تطورات العام لاحقاً.

ويعتبر هاني شنيب، رئيس المجلس الوطني للعلاقات الأميركية-الليبية، أن «تعيين بولس شكّل مؤشراً مبكراً على محدودية الزخم الأميركي تجاه هذا الملف»، لافتاً إلى أن «مقاربة واشنطن لقضايا شمال وجنوب الصحراء ما زالت تتعامل معها بوصفها ملفات شديدة التعقيد، لكنها ليست في صدارة الأولويات».

ومع ذلك، أولى مراقبون اهتماماً بزيارة بولس إلى طرابلس وبنغازي، ولقاءاته مع قادة عسكريين في شرق ليبيا، وغربها، في يوليو (تموز) 2025، حين ناقش معهم «دعم الشراكة الأميركية–الليبية، والتعاون الاقتصادي، خصوصاً في قطاع الطاقة، وتعزيز توحيد المؤسسات الليبية، والمصالحة الوطنية».

ما ذهب إليه شنيب أكد عليه العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، بن فيشمان، وعزا ذلك جزئياً –في حديثه لـ«الشرق الأوسط»– إلى «انشغال مستشار ترمب على نحو أكبر بملفات أخرى، مثل الحرب الأهلية في السودان».

ويلحظ شنيب أن تركيز الإدارة انصب أيضاً على الأزمة الأوكرانية، ما جعل السياسة الأميركية في ليبيا «تنضج على نار هادئة» بانتظار إنجاز ملفات أكثر أولوية من وجهة نظر واشنطن.

جانب من جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول الأزمة السياسية في ليبيا (المجلس)

برغماتية على نار هادئة

وفق هذا التقدير، تعاملت الإدارة الأميركية مع الأفرقاء الليبيين شرقاً وغرباً ببرغماتية، وعلى «نار هادئة» وفق متابعين من دون انحياز معلن، مع تركيز واضح على «إدارة التوازن» بين القوى القائمة، أكثر من السعي إلى إحداث تغيير جذري في بنية السلطة.

كان المثال العملي على هذه المقاربة هو رعاية بولس للقاء مستشار رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة لشؤون الأمن القومي إبراهيم الدبيبة، ونائب قائد «الجيش الوطني» صدام حفتر، في روما، في سبتمبر (أيلول) 2025، إذ اقتصر على رعاية «مصافحات»، ومناقشة ملفات أمنية، وسياسية، وعسكرية، وطاقية، بما في ذلك مساعي تشكيل حكومة موحدة، من دون ترجمة ذلك إلى مسار سياسي فعّال.

وبحسب فيشمان، فإن «نهج ترمب في صنع السلام يقوم على المصافحة أكثر من الجوهر»، وهو –من وجهة نظره– «نمط يتكرر في أكثر من ساحة دولية، ويتوقع أن يستمر في ليبيا».

هذا «النهج البرغماتي» الأميركي، ومن منظور الباحثة الفرنسية فيرجيني كولومبييه لـ«الشرق الأوسط»: «يدفع الصراع من دون حسم، ويعزز النفوذ داخل الكتلتين المتنافستين شرقاً وغرباً، بما يفاقم توترات التحالفات المحلية، خصوصاً غرب ليبيا»، فعادة أن «أي تسوية مستدامة تتطلب مقاربة شاملة، وضمانات موثوقة، لا صفقات ضيقة بين الزعماء».

وامتدت التحركات الأميركية الحذرة إلى الملف العسكري في ليبيا، حيث تتنازع السلطة حكومتان: إحداهما في الغرب برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والأخرى تسيطر على الشرق والجنوب بقيادة أسامة حماد، وبدعم من «الجيش الوطني» تحت قيادة المشير خليفة حفتر.

وشملت الجهود الأميركية تعزيز التنسيق الأمني عبر زيارات «أفريكوم» بقيادة داغفين أندرسون ونائبه جون برينان، ودعم مساعي توحيد المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى التحضير لمناورة مشتركة في سرت.

ويشير بن فيشمان إلى أن «زيارات قادة (أفريكوم) هي امتداد لجهود إدارة بايدن السابقة»، مضيفاً أن «استضافة ليبيا تمريناً أمنياً إقليمياً برعاية أميركية في سرت تعزز هذا المسار العسكري»، لكنه قال: «جوهرياً، لا توجد فوائد سياسية كبيرة من جمع الفصيلين العسكريين معاً».

اجتماع «لجنة المتابعة الدولية» بشأن ليبيا المنبثقة عن مسار برلين في طرابلس (البعثة الأممية في ليبيا)

البعد الاقتصادي

اقتصادياً، بدّلت «النار الهادئة» مسارها لا شدتها، إذ برز اهتمام أكبر بقطاع الطاقة، وشجّعت إدارة ترمب عودة الشركات الأميركية إلى السوق الليبية عبر مذكرات تفاهم، واتفاقيات لتطوير الحقول، وزيادة الإنتاج، وسط تحذيرات خبراء من هشاشة هذا المسار في ظل الانقسام المالي، وغياب إطار قانوني موحد.

تشير كلوديا غازيني، كبيرة المحللين في مجموعة «الأزمات الدولية»، لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إدارة ترمب زادت انخراطها في ليبيا عبر وساطة مالية، واقتصادية، خاصة في ملفي الميزانية، والنفط، ما يعزز بقاء القوى الحاكمة شرقاً وغرباً. بالمقابل، تحذر كولومبييه من أن الانخراط الانتقائي المبني على مصالح تجارية «لن يحقق استقراراً دائماً، أو سلاماً مستداماً».

أما دبلوماسياً، فتجلّت سياسة «النار الهادئة» بوضوح مع استمرار الغموض في الموقف الأميركي، إذ اكتفت واشنطن بالقائم بالأعمال جيريمي برنت، من دون تعيين سفير جديد، مكرّسة إخفاق الإدارة السابقة في تثبيت جينيفير جافيتو، بما يعكس إدارة حذرة تُبقي الحضور قائماً من دون رفع مستوى الانخراط الرسمي.

النفوذ الروسي

دولياً، حضرت السياسة نفسها في تعاطي واشنطن مع النفوذ الروسي المتزايد في ليبيا، والذي تطور من وجود عناصر شركة «فاغنر» إلى «فيلق أفريقيا»، والحضور بشكل دائم في قواعد عسكرية ليبية.

وفي هذا السياق، فضّل البيت الأبيض –وفق مراقبين– انتهاج «سياسة احتواء ناعم» لحليف موسكو، خليفة حفتر، عبر تعزيز التعاون العسكري، وزيارات القادة الأميركيين إلى بنغازي، وسرت، بحسب رؤية الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيمينوف.

وسط هذه المسارات الأميركية، تتنامى تساؤلات الليبيين حول أهداف تحركات إدارة ترمب، بين دعم الانتخابات، أو الاكتفاء بصفقات مؤقتة. وينقل الباحث السياسي محمد محفوظ مخاوف من أن «تجاهل أميركا للمسار الانتخابي قد يطيل الأزمة»، مكرراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» التحذير من «تكلفة باهظة لصفقات أمنية واقتصادية سابقة على حياة الليبيين».


«الدعم السريع» تسيطر على مناطق حدودية مع تشاد

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
TT

«الدعم السريع» تسيطر على مناطق حدودية مع تشاد

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)

أعلنت «قوات الدعم السريع» إكمال سيطرتها على مناطق حدودية مع تشاد، بينها أم قمرة وأم برو، ونشرت مقاطع مصورة تُظهر انتشار قواتها هناك، في وقت لم يصدر فيه تعليق رسمي من الجيش السوداني.

وقالت «الدعم السريع» إن العملية هدفت إلى إنهاء وجود ما وصفتها بالجيوب المسلحة، ووقف أعمال انتقام وفوضى تتهم الجيش السوداني و«القوة المشتركة» المتحالفة معه بتنفيذها ضد قيادات الإدارة الأهلية ومدنيين. وأكدت نشر قوات لتأمين المدنيين والطرقات والمرافق العامة في تلك المناطق لإعادة الاستقرار.

وفي تطور آخر، تأكد مقتل قائد «الفرقة 22 مشاة» التابعة للجيش السوداني في مدينة بابنوسة، اللواء معاوية حمد عبد الله، خلال هجوم شنته «الدعم السريع» على المدينة مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي. ورغم عدم صدور بيان من الجيش بشأن مقتل قائده، أفاد موقع رسمي تابع لحكومة الولاية الشمالية بأن حاكمها العسكري، عبد الرحمن إبراهيم، قدّم واجب العزاء في الفقيد بمنطقة أنقري التابعة لمحلية البرقيق.


مقديشو تشهد أول انتخابات محلية مباشرة منذ عقود

مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)
مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

مقديشو تشهد أول انتخابات محلية مباشرة منذ عقود

مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)
مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)

يشهد الصومال حالة من الزخم والترتيبات الواسعة استعداداً لأول انتخابات مباشرة منذ نحو ستة عقود، مع الاقتراع على أعضاء المجالس المحلية لإقليم بنادر الذي يضم العاصمة مقديشو، الخميس.

تلك الترتيبات والمساعي المكثفة حكومياً يُنظر لها، بحسب خبير في الشؤون الصومالية تحدث لـ«الشرق الأوسط»، على أنها توجُّه من الحكومة لدعم أكبر مشاركة تُحقق صحة موقفها من الانتخابات المباشرة، خاصة أن الاقتراع يُعد اختباراً جديداً لإمكانية عقد الانتخابات الرئاسية الصومالية عام 2026، في ظل تحفظات المعارضة.

وكان نظام التصويت المباشر قد أُلغي في الصومال بعد تولي الرئيس محمد سياد بري السلطة عام 1969. ومنذ سقوط حكومته في 1991، يقوم النظام السياسي في البلاد على هيكل قبلي.

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)

وقد تأجلت الانتخابات التي ستُجرى، الخميس، بنظام «شخص واحد صوت واحد» ثلاث مرات هذا العام. ومن المتوقع تنظيم انتخابات رئاسية العام المقبل، مع انتهاء ولاية الرئيس حسن شيخ محمود.

ولفتت وكالة الأنباء الصومالية (صونا)، الأربعاء، إلى أن انتخابات الخميس ستُجرى في المديريات الست عشرة بمحافظة بنادر، حيث يتوجه المواطنون إلى مراكز الاقتراع لاختيار من يمثلهم في المجالس المحلية لأول مرة منذ 1969.

«محطة مفصلية»

وأعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود عن تسجيل مليون ناخب و20 من التنظيمات السياسية، لافتة إلى أن 1604 مرشحين يتنافسون في انتخابات المجالس المحلية.

وأوضح متحدث اللجنة عبد الفتاح فيصل حسين، الأربعاء، أن التصويت سيجري في 16 دائرة انتخابية موزعة على 213 مركز اقتراع و523 موقع تصويت.

وأعلنت هيئة الطيران المدني، الأربعاء، أن جميع الرحلات الجوية من مقديشو وإليها ستُعلّق الخميس خلال فترة الانتخابات، تزامناً مع تنفيذ خطة واسعة أعلنتها الأجهزة الأمنية الصومالية، تقضي بنشر نحو عشرة آلاف من عناصر الشرطة لتأمين الاقتراع، وفق ما أعلنه وزير الأمن الداخلي عبد الله شيخ إسماعيل، الأحد.

تجمع جماهيري يقوده رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري في مديرية كاران بمحافظة بنادر دعماً لإجراء الانتخابات المحلية المباشرة (وكالة الأنباء الصومالية)

وأعلن رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود عبد الكريم حسن، الثلاثاء، أن اللجنة ستنشر نحو خمسة آلاف موظف في مراكز التصويت بالعاصمة للإشراف على الانتخابات التي وصفها بأنها «محطة مفصلية في مسار التحول الديمقراطي في الصومال».

وقاد رئيس الوزراء حمزة عبدي بري تجمعاً جماهيرياً، الاثنين، في مديرية كاران بمحافظة بنادر، دعماً لإجراء الانتخابات المحلية المباشرة، مشدداً على أهمية المشاركة الشعبية في تقرير المصير السياسي.

وكان قد تقرر تأجيل الانتخابات المحلية في مقديشو عن الموعد المقرر سابقاً في 30 نوفمبر (تشرين الثاني)، لتوفير «وقت إضافي لإعداد مرشحيها، واستكمال الترتيبات اللوجستية» قبل التصويت لضمان مشاركة أكبر، وفق ما أعلنه وقتها عبد الكريم حسن.

موقف المعارضة

ويرى الخبير في الشؤون الصومالية، عبد الولي جامع بري، أن ترتيبات الحكومة بشأن الانتخابات لها تأثيرات مهمة على الحشد الشعبي والمشاركة بعد عقود من الغياب الديمقراطي، خاصة أنها تأتي وسط تحفظات المعارضة التي قررت عدم المشاركة فيها.

وأعلن «مجلس مستقبل الصومال»، الذي يضم قوى سياسية معارضة، في ختام اجتماع عقده المجلس بمدينة كيسمايو الأسبوع الماضي رفضه الانتخابات المحلية، قائلاً إنها عملية «أحادية الاتجاه» تفتقر إلى التوافق الوطني. ومنح المجلس الرئيس حسن شيخ محمود مهلة لمدة شهر واحد لعقد حوار شامل لتجنب «فراغ دستوري محتمل وصراعات سياسية قد تهدد الاستقرار».

موظفون حكوميون بالصومال خلال توزيع بطاقات الاقتراع (وكالة الأنباء الصومالية)

وعقَّب الرئيس الصومالي، الثلاثاء، في فعالية انتخابية لحزب «العدالة والتضامن» الحاكم في مقديشو، قائلاً: «لقد استخلصنا نقطة واحدة من نتائج مؤتمر كيسمايو، وهي فتح باب الحوار والحوار مفتوح، وقد استجابت الحكومة رسمياً لهذا الطلب»، محذراً من مخاطر تحويل الخلافات السياسية إلى مواجهات مسلحة.

«اختبار حقيقي»

يتصاعد الجدل داخل الصومال بشأن الانتخابات المباشرة المرتقبة عام 2026، بعد 57 عاماً من آخر اقتراع، والذي أُجري عام 1968، والتي تأتي بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي كانت تعتمد في الأساس على المحاصصة القبلية في ولايات البلاد الخمس، والتي جرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية»، وفي ظل سيطرة أربع عشائر كبرى هي: هوية، ودارود، ورحنوين، ودِر.

وعلى مدى عام تقريباً، تصاعدت الأزمة السياسية بقوة، وكانت العودة لاستكمال دستور 2012 المؤقت هي الشرارة الأبرز التي فاقمت الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وولايتي بونتلاند وجوبالاند من جانب، و«منتدى الإنقاذ الصومالي» من جانب آخر.

واشتدت الخلافات بين الرئيس الصومالي والمعارضة بعد تأسيسه حزب «العدالة والتضامن» في 13 مايو (أيار) الماضي، وتسميته مرشحاً للحزب في الانتخابات المباشرة المقبلة، وسط تحركات للمعارضة وتشكيل تحالفات.

ويرى خبير الشأن الصومالي جامع بري أن الانتخابات الحالية قد تفتح الطريق لتفاهمات حول الرئيس في المستقبل، لكن الواقع لا يزال معقداً، خاصة والمعارضة لديها تحفظات حقيقية.

وقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «المعارضة ترى في المسار الحالي انتخابات غير متوازنة، وربما غير دستورية أو غير شاملة كلياً، مما قد يحدّ من مشاركة شرائح واسعة من المواطنين إذا شعرت بأن العملية ليست عادلة أو أنها تمثيلية».

وهو يعتقد أن النظام يراهن على تحول سياسي حقيقي نحو الديمقراطية عبر الانتخابات المباشرة التي تعد اختباراً حقيقياً لرئاسيات 2026، لكن المعارضة ستبقى لديها تحفظات عميقة على طريقة تنظيم الانتخابات ومسارها، وتبقى نتائج الحوار المنتظر هي الفيصل في تحديد المستقبل.