المبعوثة الأوروبية للقرن الأفريقي: ندرس فرض عقوبات على ممولي الحرب السودانية

أنيت فيبر أكدت لـ«الشرق الأوسط» وجود روح مختلفة في «مفاوضات جدة»

أنيت فيبر مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي تتحدث إلى «الشرق الأوسط» في الرياض (تصوير: بشير صالح)
أنيت فيبر مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي تتحدث إلى «الشرق الأوسط» في الرياض (تصوير: بشير صالح)
TT

المبعوثة الأوروبية للقرن الأفريقي: ندرس فرض عقوبات على ممولي الحرب السودانية

أنيت فيبر مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي تتحدث إلى «الشرق الأوسط» في الرياض (تصوير: بشير صالح)
أنيت فيبر مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي تتحدث إلى «الشرق الأوسط» في الرياض (تصوير: بشير صالح)

تحدث الاتحاد الأوروبي عن روح مختلفة تعيشها «مفاوضات جدة» بين أطراف الصراع السوداني بعد أن ساد الإحباط لفترة، مبيناً جهود المملكة العربية السعودية التي تلعب دوراً رئيسياً في هذا الملف الحيوي لدول القرن الأفريقي.

وأكدت أنيت فيبر، مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي، في حوار مع «الشرق الأوسط»، أن هنالك حاجة لدمج كل المبادرات (الأوروبية، السعودية، الأميركية، الأفريقية) في مبادرة جادة واحدة، لافتة إلى وجود ثقة لدى جميع الأطراف في الأوساط السعودية.

وأرجعت فيبر، التي تزور الرياض، تعثر المفاوضات السودانية إلى انعدام الرغبة لدى الطرفين في السلام، وشعورهما بإمكانية تحقيق المكاسب عبر القوة العسكرية عوضاً عن التفاوض، محذرة من أن الطرفين يأخذان البلد بأكمله معهما نحو الأسفل.

رغم كل ذلك، أفادت المبعوثة الأوروبية بأن الحرب الحالية ليست باسم السودانيين، وأن الفظائع والانتهاكات لحقوق الإنسان لا يمكن أن تمر دون عواقب، كاشفة أن الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات بشكل تدريجي ووقف الإمدادات المالية على الهيئات والمنظمات التي تؤيد وتمول الحرب.

وتحدثت الدبلوماسية الألمانية أنيت فيبر أيضاً عن ملف سد النهضة، ومواجهة القرصنة والاتجار بالبشر في القرن الأفريقي، إلى جانب أمن البحر الأحمر ودور الجماعات المسلحة في زعزعة الاستقرار فيه... فإلى تفاصيل الحوار...

أنيت فيبر مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي تتحدث إلى «الشرق الأوسط» (تصوير: بشير صالح)

أمن السودان مهم لأوروبا

استهلت فيبر حديثها عن أهمية السودان بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وأنه دولة محورية، تصل بين الساحل والبحر الأحمر، وبين ليبيا والقرن الأفريقي، كما أن الأمن البحري في البحر الأحمر أمر أساسي للتجارة الأوروبية، على حد تعبيرها.

وأضافت: «السودان دولة تمثل حلقة وصل بشكل إيجابي ويمكن أن تصبح مكاناً لكثير من الإمكانات مثل الزراعة وغيرها، ولكن هناك مخاطر كبيرة، منها الانهيار بسبب الحرب، وهذه إحدى المناقشات الرئيسية التي أجريناها مع المسؤولين السعوديين، ونود أن تكون هناك إمكانات وصول إنسانية للمساعدات الإنسانية، ونعمل في الوقت نفسه على الانتقال السياسي».

روح مختلفة في مفاوضات جدة

أشارت مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي إلى أن حالة من الإحباط كانت سائدة في مفاوضات جدة عندما زارتها في مايو (أيار) الماضي، لكنها تحدثت عن «روح مختلفة الآن، بالطبع السعودية تلعب دوراً رئيسياً في هذا الأمر، ونحن نقدر ذلك».

وتابعت بقولها: «ما أشعر به أننا جميعاً نذهب في اتجاه واحد، كل طرف يقدم جزءاً بسيطاً، جدة الجزء الأساسي، نحن في الاتحاد الأوروبي بدأنا نحو 5 جولات مشاورات مع المدنيين من كل الخلفيات من المحافظين إلى التقدميين في الشمال والجنوب والشرق، نشعر بأن كل هذه الأمور يجب أن تُضم معاً في مبادرة جادة، المبادرة السعودية والأميركية وأيضاً مبادرة الإيقاد والاتحاد الأفريقي لديهم دور هام في عملية السلام».

وأوضحت فيبر أن السعودية بدأت جهودها في السودان منذ وقت مبكر قبل اندلاع الحرب الحالية من خلال العمل في مختلف المواقع، وأن هناك ثقة في دور الوساطة السعودية، والاتحاد الأوروبي يدعم كل هذه الآليات.

وعبّرت الدكتورة أنيت عن تفاؤلها عطفاً على الزخم الموجود حالياً، مبررة ذلك بقولها: «رأينا البرهان شارك في القمة العربية الإسلامية بالسعودية، كان لا يتحدث على دور الجوار، الآن الأمر يتغير، لا يمكن العيش في فراغ، لديهم جيران. عليهم الحديث مع جيرانهم، وهذه خطوة إيجابية، تحدثت مع حمدوك وكثير من القوى المدنية، نرى وحدة مدنية قوية، الوقت غير مناسب لصراع سياسي، علينا الاجتماع، وأن نبدأ الخطوة التالية، ونتخطى الحرب للفترة الانتقالية».

أنيت فيبر مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي (تصوير: بشير صالح)

تحديات مفاوضات السلام

بحسب المبعوثة الأوروبية، فإن انعدام الرغبة من كلا الطرفين يعد من أبرز التحديات أمام جهود السلام الحالية في الملف السوداني، وقالت: «كل طرف يشعر أنه يمكنه أن يكتسب مزيداً من الأرض بالقوة العسكرية والنفوذ، هناك صراع بين الطرفين وهما يأخذان البلد بأكمله معهما نحو الأسفل، ما نراه الآن بالعمل مع المدنيين أن الجميع يرغب في العودة للتنمية وبناء السودان وازدهاره والنظر إلى المستقبل، لكن الطرفين المتحاربين يشعران أنهما يمكنهما الحصول على المكاسب عبر القوة عوضاً عن التفاوض».

عقوبات أوروبية

شددت الدكتورة فيبر على أن الفظائع والانتهاكات لحقوق الإنسان التي يرتكبها الطرفان لا يمكن أن تمر دون عواقب، وأضافت: «نحن في الاتحاد الأوروبي بدأنا الحديث عن عقوبات بشكل تدريجي وإجراءات عقابية، عليهم أن يفهموا أن هناك محاسبة، لا يمكنك أن تذبح مدنيين وتذهب من دون عقاب، هذا أمر يتعلق بالمستقبل، لا يمكننا أن نغلق الباب لكن علينا القول لا يمكنكم أن تفعلوا هذه الأمور دون عواقب».

وتابعت: «ننظر إلى وقف الإمدادات المالية للهيئات والمنظمات التي تؤيد وتمول الحرب، يمكننا القول إذا بدأتم المفاوضات لن نتحدث عن العقوبات (...) الحرب ليست باسم السودانيين، وهم لا يمثلون السودانيين، على جميع السودانيين من جميع الخلفيات أن يرسلوا نفس الرسالة والعمل على بداية جديدة، وأعتقد أنه على جامعة الدول العربية مع السعودية ومصر والأميركيين والاتحاد الأوروبي إرسال نفس الرسالة. علينا أن نكون متحدين وأن نضغط على الجانبين».

سد النهضة

من وجهة نظر أوروبية، تقول فيبر إن التركيز في ملف سد النهضة اليوم يجب ألا يكون على السد نفسه، بل على مستقبل الاستثمارات واحتياجات الدول الثلاث للسنوات المائة المقبلة، وأضافت: «رؤيتي لملف سد النهضة يجب أن ننظر لاحتياجات الدول الثلاث؛ إثيوبيا ومصر والسودان، ليس اليوم، ولكن للسنوات الخمسين أو المائة المقبلة».

وأشارت إلى أن «إثيوبيا تحتاج للطاقة لاستهلاكها وأيضاً بيعها للجيران، كيف يمكن أن نساعد في الاستثمار في الطاقة الخضراء في إثيوبيا والوقود غير الأحفوري والطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية من أجل أن تركز الطاقة بعيداً عن سد النهضة، كذلك نحتاج إلى النظر في إدارة الماء بالسودان حيث لديه إمكانات زراعية كبيرة، فالخليج والجميع يحتاجه لإنتاج الغذاء للمنطقة وما بعدها، نحتاج المياه، ولا يمكننا أن نوقف السودانيين عن إنتاج الغذاء وأن تكون لديهم القدرة والمعرفة والطاقة والتكنولوجيا من أجل أن يكونوا قادرين على استخدام المياه لآخر قطرة».

وتابعت: «الجميع يتحدث عن احتياجات إثيوبيا من الطاقة والاحتياجات المصرية لما يكفي من المياه، يمكننا جمع هذين الأمرين، وأن نتخطى نقطة السد نفسه ونفكر في مستقبل الاستثمارات».

هيكل أمني للقرن الأفريقي

وفقاً للدبلوماسية الأوروبية، فإن الأوضاع ازدادت سوءاً في منطقة القرن الأفريقي منذ العام الماضي، ولا سيما اندلاع الأزمة السودانية، كما أن «حركة الشباب» لا تزال قوية في الصومال، بحسب وصفها. وتضيف: «نريد أن نرى القوات الصومالية أكثر قوة، هناك حاجة في المنطقة أن يكون هناك هيكل أمني عبر تنسيق بين كينيا وإثيوبيا وجيبوتي، هذه الدول تحتاج للتعاون، هناك رابط بين أزمة (الشباب) في الصومال ومخاطر محتملة في السودان، هناك كثير من المحاربين يأتون من الساحل، لا نريد أن نرى مزيداً من الجهاديين مثل (القاعدة) و(داعش) يتفقون أو ينتقلون للسودان، ما يؤدي إلى مزيد من زعزعة الوضع».

أنيت فيبر مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي (تصوير: بشير صالح)

تفاهم جماعي لأمن البحر الأحمر

اعتبرت مبعوثة الاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي تأسيس «مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن» أمراً أساسياً بالنسبة لأوروبا، مبينة أن البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط يمثلان شريان حياة للتجارة الأوروبية، وقالت: «ليس ممراً مائياً فقط، لكنه وسيلة اتصال، نرى كثيراً من القلاقل الصغيرة، كما رأينا الناقلة (جيفغن) عندما توقفت في قناة السويس أخذ الأمر شهور طويلة لإطلاق السفن، نحن حريصون على مجلس البحر الأحمر لتقديم الدعم في أي أمر، لدينا (أتلانتا) التابع للاتحاد الأوروبي لمحاربة القرصنة، ونناقش كيف يمكن ربط هذه الإدارات بعضها مع بعض، الأمر يتطلب كثيراً من الجهود الجماعية، نرى كل هذه الأمور في قناة السويس والمخاطر المحتملة، كما الحوثيين».

ووفقاً للدكتورة فيبر، فإن «الأمور بين اليمن والصومال مقلقة، هناك تجارة غير شرعية موجودة، وتبادل في كلا المنطقتين، والأمر يزداد، كما نحتاج للحد من القنابل القذرة التي تستخدم ضد السفن، والسؤال هو؛ من يتحكم في أمن البحر الأحمر؟ الأمر أصبح أكثر أهمية من أجل منع كل هذه الأمور (...) نحتاج إلى تفاهم جماعي للأمن في البحر الأحمر».

عبد الرزاق قرنح

على الجانب الشخصي، تقول الدكتورة أنيت فيبر إنها للتوّ أنهت قراءة كتاب الكاتب التنزاني الحائز على جائزة نوبل للآداب عبد الرزاق قرنح، حيث يتحدث الكتاب عن الماضي الاستعماري الألماني في تنزانيا.


مقالات ذات صلة

عقب تسلمه رئاسة الاتحاد الأوروبي... أوربان يلتقي زيلينسكي في كييف

أوروبا قادة الاتحاد الأوروبي في صورة جماعية في بروكسل (إ.ب.أ)

عقب تسلمه رئاسة الاتحاد الأوروبي... أوربان يلتقي زيلينسكي في كييف

رئيس الوزراء المجري بدأ الثلاثاء أول زيارة له لأوكرانيا منذ بدء الاجتياح الروسي في فبراير من عام 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف 2 يوليو 2024 (رويترز)

أوربان يدعو لوقف فوري لإطلاق النار في أوكرانيا من أجل تسريع محادثات السلام

حث رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على النظر في «وقف إطلاق النار» في أسرع وقت ممكن.

«الشرق الأوسط» (كييف )
أوروبا مارين لوبان، مرشحة حزب "التجمع الوطني" القومي، تتفاعل في نهاية يوم الانتخابات الفرنسية في باريس، فرنسا، 1 يوليو 2024 (إ.ب.أ)

ردود فعل متباينة على فوز اليمين القومي بالانتخابات التشريعية الفرنسية

تصدّر فوز اليمين الفرنسي بقيادة حزب «التجمّع الوطني» بالجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الصفحات الرئيسية للصحف العالمية وبدأت تخرج ردود الساسة الأوروبيين.

شادي عبد الساتر (بيروت)
أوروبا صورة جماعية لقادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل (أ.ب)

تثبيت التعيينات في المناصب القيادية الثلاثة في الاتحاد الأوروبي

بدأ اليوم الثاني الأخير من أعمال القمة الأوروبية، واعداً بعهد جديد ينزع نحو الاستقرار في عالم مضطرب.

شوقي الريّس (بروكسل)
الاقتصاد جانب من توقيع مذكرة تفاهم بين مصر والاتحاد الأوروبي خاصة بالشريحة الأولى لدعم عجز الموازنة بقيمة مليار يورو (الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية)

شركات أوروبية توقِّع صفقات بأكثر من 42 مليار دولار في مصر

قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، السبت، إن أكثر من 20 شركة أوروبية توقِّع اتفاقات أو مذكرات تفاهم بإجمالي يتجاوز 42.85 مليار دولار، في مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مصر: تغيير حكومي واسع شمل الدفاع والخارجية


الرئيس المصري يتوسط الوزراء الجدد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري يتوسط الوزراء الجدد (الرئاسة المصرية)
TT

مصر: تغيير حكومي واسع شمل الدفاع والخارجية


الرئيس المصري يتوسط الوزراء الجدد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري يتوسط الوزراء الجدد (الرئاسة المصرية)

أدّت الحكومة المصرية الجديدة، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، أمس (الأربعاء)، اليمين الدستورية أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، في قصر الاتحادية الرئاسي (شرق القاهرة)، وذلك بعد مخاض صعب ومشاورات استغرقت شهراً كاملاً.

وكشف التشكيل الوزاري عن تغييرات واسعة شملت 23 وزيراً، مع دمج حقائب وزارية، ومفاجآت عدّها خبراء، تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، «ضخاً لدماء جديدة» تستهدف «مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، واستكمال مسار الإصلاح الاقتصادي». وشملت التغييرات حقيبتين سياديتين هما الدفاع والخارجية.

وأدى الفريق أول عبد المجيد صقر اليمين الدستورية وزيراً للدفاع، بينما تولى السفير بدر عبد العاطي حقيبة «الخارجية» بعد دمجها مع وزارة الهجرة وشؤون المصريين في الخارج، في حين أُسندت وزارة العدل إلى المستشار عدنان فنجري.

وعدّ كثيرون تغيير وزير الدفاع مفاجأة، لا سيما أن التسريبات الإعلامية للتشكيل الجديد لم تتضمنه، إضافةً إلى أنها رشحت صقر لتولي حقيبة التنمية المحلية، قبل أن تُعلَن، الأربعاء، ترقيته إلى رتبة فريق أول وتعيينه وزيراً للدفاع.