القضاء التونسي يمدد توقيف رضا شرف الدين

أجَّل النظر في قضية شيماء عيسى

رضا شرف الدين (الشرق الأوسط)
رضا شرف الدين (الشرق الأوسط)
TT

القضاء التونسي يمدد توقيف رضا شرف الدين

رضا شرف الدين (الشرق الأوسط)
رضا شرف الدين (الشرق الأوسط)

مدَّد القضاء التونسي مدة التوقيف الاحتياطي للنائب البرلماني السابق رضا شرف الدين، بينما أرجأ النظر في قضية الناشطة السياسية شيماء عيسى.

وأكد جمال الحاجي، عضو هيئة الدفاع عن شرف الدين، أن النيابة العامة في القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، أصدرت قراراً بتمديد فترة الاحتفاظ به، إثر انتهاء فترة الاحتفاظ الأولى ومدّتها 48 ساعة. وتم الاحتفاظ بشرف الدين خلال الليلة الفاصلة بين يومي الجمعة والسبت الماضيين، بناء على إنابة قضائيّة صادرة عن قاضي التحقيق في القطب القضائي لمكافحة الإرهاب.

وأشار الحاجي إلى أن هيئة الدفاع عن شرف الدين كانت تنتظر إطلاق سراحه صباح الثلاثاء، إلا أن القضاء قرر الاحتفاظ به في تهمة على علاقة بالإرهاب.

وتتيح هذه التهمة للقاضي المتعهد بملف القضية، التمديد لمدة 5 أيام إضافية، لمزيد من التحري والتثبت في ملف المتهم، واتخاذ قرار بعد هذه المدة، إما بالاحتفاظ به وإما بتبرئة ساحته وإطلاق سراحه.

وكان شرف الدين -وهو من سكان مدينة سوسة الساحلية- قد تعرض سنة 2015 لمحاولة اغتيال؛ إذ أطلق عليه سيل من الرصاص قدَّرته السلطات الأمنية المختصة بنحو 30 رصاصة، وقد نجا من موت محقق، غير أن تقارير إعلامية صدرت تلك الفترة شككت في الرواية من حيث الأصل، معتبرة أن تلك العملية مدرجة ضمن «تصفية حسابات بين رجال الأعمال المسيطرين على قطاع الأدوية في تونس، ورضا شرف الدين من بينهم».

ونظرت المحكمة التونسية سنة 2017 في حيثيات محاولة عملية الاغتيال هذه، وقضت بإيقاف 6 متهمين والإبقاء على 8 آخرين بحال سراح، بينما تحصن متهم واحد بالفرار، ووُجهت للجميع تهم إرهابية.

ويرى مراقبون أن انتماء شرف الدين إلى حزب «نداء تونس» الذي أسسه الرئيس التونسي السابق الباجي قائد السبسي، وحكم تونس من 2014 إلى 2019، أبقى ملف القضية بين الرفوف، كما أن رئاسة شرف الدين لنادي النجم الساحلي، وهو من أكبر فرق كرة القدم في تونس، قد أخّرت البت في الملف لتتم إعادة النظر في مختلف مكوناته.

نقد «هيئات الدفاع»

إلى ذلك، انتقدت هيئات الدفاع عن المعتقلين السياسيين لجوء القضاء التونسي إلى قرارات تقضي بالتمديد في الاحتفاظ بالموقوفين، من دون تقديم مبررات قانونية مقنعة تعلل ذاك التمديد. وطالبت بالتعجيل في البت في عدد من القضايا التي اتخذت «طابعاً سياسياً» على الرغم من أن السلطات التونسية تعدها في الغالب «قضايا حق عام».

وأشارت إلى تمديد الاحتفاظ بعدد مهم من السياسيين؛ خصوصاً من تعلقت بهم تهمة «التآمر ضد أمن الدولة». وذكرت أن جوهر بن مبارك القيادي من «جبهة الخلاص» المعارضة قد شن إضراباً عن الطعام خلال الشهر الماضي، للمطالبة بمحاكمته وعرض التهم الموجهة له، مؤكداً أنه لم يقع الاستماع له البتة، بينما المحكمة قررت التمديد في الاحتفاظ بمعظم المعتقلين لمدة 4 أشهر إضافية، بعد قضائهم فترة سجن 6 أشهر.

وفي هذا الشأن، قال سمير ديلو، عضو هيئة الدفاع عن الموقوفين السياسيين، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأحكام الصادرة بتمديد الاحتفاظ بالموقوفين ليس لها أي مبرر» من الناحية القانونية. وطالب بـ«إطلاق سراح عدد من الموقوفين السياسيين الذين يقبعون في السجن بعد توجيه تهم فضفاضة لهم». وأوضح أن علي العريض، رئيس الحكومة التونسية الأسبق -على سبيل المثال- موقوف بتهمة «عدم الحرص على مواجهة الفكر المتطرف»، وذلك في إشارة إلى ظاهرة شبكات تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر خارج تونس التي ظهرت خاصةً خلال سنتي 2012 و2013.

قضية شيماء عيسى

في غضون ذلك، قضت المحكمة العسكرية الابتدائية بالعاصمة التونسية بتأجيل النظر في قضية المحامية التونسية شيماء عيسى، عضو «جبهة الخلاص الوطني» المعارضة، إلى يوم 12 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

الناشطة التونسية شيماء عيسى في 24 يناير 2023 (رويترز)

وتواجه شيماء عيسى مجموعة من التهم الخطيرة، من بينها «ارتكاب جرائم تحريض العسكريين على عدم طاعة الأوامر، وإتيان أمر موحش ضد رئيس الدّولة، وترويج ونشر أخبار زائفة وإشاعات كاذبة بهدف الإضرار بالأمن العام والدّفاع الوطني» وذلك «على خلفيّة تعبيرها عن آراء ومواقف سياسية في تصريحات إذاعية» أدلت بها في شهر ديسمبر من السنة الماضية؛ حيث تطرّقت إلى العلاقة التي تربط بين رئاسة الجمهورية والقيادات العسكرية.

في السياق ذاته، صرحت شيماء عيسى، قبل دخولها المحكمة العسكرية، الثلاثاء، بأن منطلق القضية كان «على أثر وشاية من وزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين؛ حيث أقدم على إرسال شكوى على شاكلة وشاية إلى وزير الدفاع الوطني» لتنطلق الأبحاث ضدها، مؤكدة أن التهم الموجهة لها هدفها تعطيل التفكير، وإسكات الأصوات الحرة، ولن ينجحوا في ذلك، على حد تعبيرها.

وأضافت في تصريح إعلامي أن «محتوى الشكوى كان حول إدلائها بتصريح إذاعي، وهي تستغرب من عدم تحرك النيابة العسكرية بنفسها عقب هذا التصريح، وضمها ملفها إلى قضية التآمر على أمن الدولة».


مقالات ذات صلة

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

شمال افريقيا رئيسة «الحزب الدستوري الحر» عبير موسي (أرشيفية - الإعلام التونسي)

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

هيئة الدفاع عن موسي: «التحقيقات في مرحلة أولى كانت قد انتهت إلى عدم وجود جريمة... وقرار القضاة كان مفاجئاً».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مظاهرة نظمها حقوقيون تونسيون ضد التضييق على الحريات (أرشيفية - إ.ب.أ)

20 منظمة حقوقية في تونس تنتقد توقيفات لنشطاء ونقابيين

شملت توقيفات جديدة بتونس نشطاء وصحافيين وعمالاً ونقابيين شاركوا في احتجاجات ضد طرد 28 عاملاً، بينهم نساء، من مصنع للأحذية والجلود لمستثمر أجنبي بمدينة السبيخة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

السلطات التونسية توقف ناشطاً بارزاً في دعم المهاجرين

إحالة القضية إلى قطب مكافحة الإرهاب «مؤشر خطير لأنها المرة الأولى التي تعْرض فيها السلطات على هذا القطب القضائي جمعيات متخصصة في قضية الهجرة».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي (أ.ف.ب)

تونس: إحالة ملف الرئيس الأسبق المرزوقي إلى الإرهاب بـ20 تهمة

إحالة ملف الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي إلى القضاء المكلف بالإرهاب، في 20 تهمة جديدة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا المرشح لرئاسية تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)

أحكام إضافية بسجن مرشح سابق للانتخابات الرئاسية في تونس

مجموع الأحكام الصادرة في حق الزمال «ارتفعت إلى 35 عاماً» وهو يلاحق في 37 قضية منفصلة في كل المحافظات لأسباب مماثلة.

«الشرق الأوسط» (تونس)

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
TT

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا، تخص الجزائر والمغرب و«بوليساريو»، والاحتلال الفرنسي لشمال أفريقيا خلال القرنين الـ19 والـ20.

وأكدت وكالة الأنباء الجزائرية، أمس، في مقال شديد اللهجة ضد صنصال وقطاع من الطيف الفرنسي متعاطف معه، أنه موقوف لدى مصالح الأمن، وذلك بعد أيام من اختفائه، حيث وصل من باريس في 16 من الشهر الجاري، وكان يفترض أن يتوجه من مطار العاصمة الجزائرية إلى بيته في بومرداس (50 كم شرقاً)، عندما تعرض للاعتقال.

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وفيما لم تقدم الوكالة الرسمية أي تفاصيل عن مصير مؤلف رواية «قرية الألماني» الشهيرة (2008)، رجح محامون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن يتم عرضه على النيابة قبل نهاية الأسبوع الجاري (عمل القضاة يبدأ الأحد من كل أسبوع)، بناء على قرائن تضعه تحت طائلة قانون العقوبات.

وبحسب آراء متوافقة لمختصين في القانون، قد يتعرض صنصال (75 سنة) لتهم تشملها مادتان في قانون العقوبات: الأولى رقم «79» التي تقول إنه «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل من ارتكب فعلاً من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية، أو أمن الدولة، أو تهديد سيادتها». والمادة «87 مكرر»، التي تفيد بأنه «يعتبر عملاً إرهابياً أو تخريبياً كل فعل يستهدف أمن الدولة، والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي».

وإن كانت الوقائع التي يمكن أن تُبنى عليها هذه التهم غير معروفة لحد الساعة، فإن غالبية الصحافيين والمثقفين متأكدون أن تصريحات صنصال التي أطلقها في الإعلام الفرنسي، هي التي ستجره إلى المحاكم الجزائرية. ففي نظر بوعلام صنصال فقد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، مشيراً إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

وذهب صنصال إلى أبعد من ذلك، عندما قال إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». كما قال إن فرنسا «لم تمارس استعماراً استيطانياً في المغرب؛ لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، ويقصد بذلك ضمناً الجزائر، وهو موقف من شأنه إثارة سخط كبير على المستويين الشعبي والرسمي.

الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود (أ.ب)

وهاجمت وكالة الأنباء الجزائرية بشدة الكاتب، فيما بدا أنه رد فعل أعلى سلطات البلاد من القضية؛ إذ شددت على أن اليمين الفرنسي المتطرف «يقدّس صنصال»، وأن اعتقاله «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، وجاك لانغ وزير الثقافة الاشتراكي سابقاً، وكزافييه دريانكور سفير فرنسا بالجزائر سابقاً الذي نشر كتاب «الجزائر اللغز» (2024)، والذي هاجم فيه السلطات الجزائرية. كما ذكرت الوكالة الكاتب الفرنسي - المغربي الطاهر بن جلون.

إيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» اليميني (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

كما تناول مقال الوكالة أيضاً الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود، المتابع قضائياً من طرف امرأة ذكرت أنه «سرق قصتها» في روايته «حور العين» التي نال بها قبل أيام جائزة «غونكور» الأدبية. وقالت الوكالة بشأن داود وصنصال: «لقد اختارت فرنسا في مجال النشر، بعناية، فرسانها الجزائريين في مجال السرقات الأدبية والانحرافات الفكرية».

يشار إلى أن الإعلام الفرنسي نقل عن الرئيس إيمانويل ماكرون «قلقه على مصير صنصال»، وأنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه. ورأى مراقبون في ذلك محاولة من باريس للضغط على الجزائر في سياق قطيعة تامة تمر بها العلاقات الثنائية، منذ أن سحبت الجزائر سفيرها من دولة الاستعمار السابق، في يوليو (تموز) الماضي، احتجاجاً على قرارها دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. كما طالبت دار النشر الفرنسية «غاليمار» بـ«الإفراج» عن الكاتب الفرنسي - الجزائري صنصال بعد «اعتقاله» على يد «أجهزة الأمن الجزائرية»، غداة إبداء الرئاسة الفرنسية قلقها إزاء «اختفائه». وكتبت دار النشر في بيان: «تُعرب دار غاليمار (...) عن قلقها العميق بعد اعتقال أجهزة الأمن الجزائرية الكاتب، وتدعو إلى الإفراج عنه فوراً».

الرئيس إيمانويل ماكرون أبدى «قلقه على مصير صنصال» وأكد أنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه (الرئاسة الجزائرية)

ويعاب على صنصال الذي كان مسؤولاً بوزارة الصناعة الجزائرية لمدة طويلة، «إدراج الجزائر شعباً وتاريخاً، في أعماله الأدبية، كمادة ضمن سردية ترضي فرنسا الاستعمارية». ومن هذه الأعمال «قرية الألماني» (2008) التي يربط فيها ثورة الجزائر بالنازية، و«قسم البرابرة» (1999) التي تستحضر الإرهاب والتوترات الاجتماعية في الجزائر. و«2084: نهاية العالم» (2015) التي تتناول تقاطع الأنظمة المستبدة مع الدين والسياسة.