ضحايا سيول درنة الليبية ما زالوا ينتظرون علاج صدماتهم النفسية

تسجيل 5 حالات انتحار... وانتشار حالات الاكتئاب والهستيريا

إحدى العاملات في مركز بنغازي الطبي تواسي طفلة نجت من إعصار درنة (أ.ف.ب)
إحدى العاملات في مركز بنغازي الطبي تواسي طفلة نجت من إعصار درنة (أ.ف.ب)
TT

ضحايا سيول درنة الليبية ما زالوا ينتظرون علاج صدماتهم النفسية

إحدى العاملات في مركز بنغازي الطبي تواسي طفلة نجت من إعصار درنة (أ.ف.ب)
إحدى العاملات في مركز بنغازي الطبي تواسي طفلة نجت من إعصار درنة (أ.ف.ب)

رغم مرور أكثر من شهر ونصف الشهر على كارثة السيول التي ضربت مدينة درنة الواقعة شرق ليبيا، فإن عددا من الأطباء والاختصاصيين الذين سارعوا لتقديم الدعم النفسي لمواطنيها يؤكدون أن حجم المعاناة والألم النفسي الذي يعيشه أبناء المدينة «لا يزال كبيراً جداً».

«الشرق الأوسط» تحدثت مع مجموعة الأطباء التابعين لمستشفى الرازي للأمراض النفسية والعصبية بالعاصمة طرابلس، ومستشفى الرويعي للأمراض النفسية ببنغازي.

عدد من الأطباء النفسيين الليبيين المعنيين بتقديم الدعم لمرضى درنة (الشرق الأوسط)

«مهمتنا شاقة، ونفسية سكان المدينة تكاد تكون متصدعة»... بهذه العبارة استهل الدكتور ضياء عبد الرسول إبراهيم، المشرف على المجموعة، حديثه بالتأكيد على أن بعض الناجين من سكان درنة «لم يتمكنوا حتى الآن من أن يزيلوا من ذاكرتهم المشاهد المروعة للسيول التي جرفتهم وذويهم، وعمليات انتشال الجثث من البحر وتحت الأنقاض»، مضيفا: «ربما لن يكون هذا متاحا لهم لسنوات طويلة، وهو ما يعني أن إعادة توازنهم النفسي ليست بالمهمة السهلة».

ورغم تأكيده على عودة الحياة تدريجيا للمدينة، يشير الدكتور إبراهيم إلى أن «وقع الصدمة لا يزال قويا، بالنظر إلى حجم المأساة التي أودت بحياة الآلاف في ساعات قليلة». ولفت إلى أن «حديث المواطنين في درنة يتركز حول تكرار سرد ذكرياتهم عن يوم الكارثة، وفقد ذويهم، أو جيرانهم وأصدقائهم».

أحد سكان درنة يواسي زميله الذي فقد متجره جراء الإعصار (رويترز)

كما أبرز رئيس المجموعة الطبية أنه في «الأيام الأولى للكارثة انحصرت معاناة المواطنين في الشعور بقلق حاد واكتئاب خفيف، ونوبات فزع وحزن وبكاء، وحالات هستيريا وإن كانت محدودة، لكن حالياً تعاني أغلب الحالات من الاكتئاب». موضحا أن «الآثار النفسية الأكثر سلبية هي ما يعرف باضطرابات ما بعد الصدمة، وقد يستغرق ذلك شهورا، وربما سنوات لتظهر أعراضه بوضوح».

كما أشار إلى ما رصد عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بشأن وقوع خمس حالات انتحار «تم التأكد من صحتها»، أغلبهم ممن فقدوا أسرهم، ولم يستطيعوا التعايش مع ألم الفراق، بجانب حالات أخرى لديهم ميول انتحارية، من بينهم طبيبة شابة فقدت القدرة على النطق فور اكتشاف وفاة أسرتها، باستثناء شقيقتها.

وبخصوص أبرز العراقيل التي واجهت عمل المجموعة، قال الدكتور إبراهيم: «للأسف حتى في ظل الكارثة الراهنة فإن البعض يرفض، بل يخجل من فكرة طلب العلاج والدعم النفسي، ويعدها وصمة عار... ولا يتم اللجوء للعيادة النفسية إلا بوصفها حلا أخيرا».

الأطباء أكثر المتأثرين نفسياً من إعصار درنة بحسب شهادات أطباء (رويترز)

من جهتها، سلطت الاختصاصية النفسية بمستشفى الرازي، صبرية الشاوش، الضوء على معاناة النساء والأطفال داخل درنة، خاصة مع تصدع كثير من المنازل بعد غمرها بالمياه لأيام عدة، وتحدثت عن تعرض عدد من السيدات خلال الأسابيع الأولى للكارثة لضغط نفسي شديد، بسبب رفض أزواجهن مغادرة منازلهم، واللجوء للإقامة لدى الأقارب أو بالمدارس المخصصة للإيواء.

ووفقا لما رصدته الشاوش في حديثها إلى «الشرق الأوسط» فإن التأثير النفسي للكارثة يختلف من حالة إلى أخرى، وقالت إن البعض «فقد القدرة على الحركة، أو النوم بسبب دوي صرخات واستغاثات الضحايا الذي لا يزال يتردد في آذانهم».

وفيما يتعلق بتداعيات الكارثة على الأطفال، أوضحت الشاوش أن بعضهم أصيب بالقلق والتشتت والتبول اللاإرادي، بسبب ما تحتفظ به ذاكرتهم من مشاهد يوم الكارثة. فيما شدد مدير عام مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعصبية، محمد غوار، على أن جميع الحالات قابلة للتعافي، شريطة أن «يتم دعمهم نفسياً عبر توفير احتياجاتهم الضرورية، وفي مقدمتها المسكن وتأمين الدخل».

وانتهى غوار بالتأكيد على ضرورة إدراك الجميع أن «معالجة الاضطرابات والأمراض النفسية تتطلب وقتاً أطول مقارنة بالأمراض العضوية، وهو ما يستلزم تواصل الدعم والخدمة الطبية».


مقالات ذات صلة

ليبيا تترقب مرحلة ثانية من انتخابات محلية «أكثر تعقيداً»

شمال افريقيا ليبيون يصطفون انتظاراً للإدلاء بأصواتهم في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية نوفمبر الماضي (مفوضية الانتخابات)

ليبيا تترقب مرحلة ثانية من انتخابات محلية «أكثر تعقيداً»

يرجع متابعون أهمية خاصة لهذه الجولة الانتخابية كونها تستهدف «البلديات الأكبر وذات الأوزان السياسية المهمة وفي طليعتها طرابلس وبنغازي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا تدشين أولى رحلات الخطوط التركية بعد غياب دام سنوات (حكومة شرق ليبيا)

تركيا تواصل انفتاحها على شرق ليبيا بتدشين رحلات إلى بنغازي

دشنت وزارة الطيران المدني بحكومة شرق ليبيا وأعضاء بمجلس النواب وعدد من القيادات الأمنية والعسكرية مراسم عودة الرحلات الجوية بين تركيا وبنغازي بعد توقف دام سنوات

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا الدبيبة ووزيرة العدل في حكومته المؤقتة (وزارة العدل)

ليبيا: مطالب بالتحقيق في وقائع «تعذيب» بسجن خاضع لنفوذ حفتر

أدانت حكومة «الوحدة» الليبية على لسان وزارة العدل التابعة لها، «استمرار ممارسات التعذيب والإخفاء القسري» في إشارة إلى تسريبات سجن قرنادة في شرق ليبيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة مستقبلاً وزير القوات المسلحة السنغالي (حكومة الوحدة)

الدبيبة يبحث تعزيز التعاون العسكري مع السنغال

قالت حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة إن رئيسها عبد الحميد الدبيبة ناقش سبل تعزيز التعاون العسكري بين ليبيا والسنغال.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور (مكتب النائب العام)

تسريبات «قديمة» لتعذيب سجناء تعيد مطالب فتح ملف المعتقلات الليبية

تداول ليبيون على نطاق واسع مقاطع فيديو قالوا إنها من داخل سجن «قرنادة» بمدينة شحّات بشرق البلاد وتظهر الاعتداءات على سجناء شبه مجردين من ملابسهم بالضرب.

جمال جوهر (القاهرة)

لماذا رفض البرلمان المصري «السوار الذكي» بديلاً للحبس الاحتياطي؟

مناقشات البرلمان المصري لقانون الإجراءات الجنائية (وزارة الشؤون النيابية والقانونية)
مناقشات البرلمان المصري لقانون الإجراءات الجنائية (وزارة الشؤون النيابية والقانونية)
TT

لماذا رفض البرلمان المصري «السوار الذكي» بديلاً للحبس الاحتياطي؟

مناقشات البرلمان المصري لقانون الإجراءات الجنائية (وزارة الشؤون النيابية والقانونية)
مناقشات البرلمان المصري لقانون الإجراءات الجنائية (وزارة الشؤون النيابية والقانونية)

رفض مجلس النواب المصري (البرلمان)، مقترحاً بتطبيق «السوار الذكي»، بديلاً للحبس الاحتياطي، ضمن نصوص قانون «الإجراءات الجنائية» الجديد، وسط حالة من الجدل القانوني، بين نواب البرلمان وممثلي الحكومة.

وتباينت آراء برلمانيين، بشأن نظام «المراقبة الإلكترونية»، ما بين مواقف ترى أن هناك «صعوبة في تطبيقها مادياً وفنياً، لعدم توافر بنية تكنولوجية»، في حين رأى آخرون، أن تطبيق السوار الإلكتروني، أوفر اقتصادياً من الحبس الاحتياطي.

وانتهى البرلمان المصري، من إقرار 171 مادة، من قانون «الإجراءات الجنائية»، وسط جدل حقوقي. وفيما يُشكِّل استجابةً لمطالب حقوقية وسياسية، قلَّص مجلس النواب المصري، مدد الحبس الاحتياطي، بالقانون، بحيث لا تتجاوز «4 أشهر في قضايا الجنح، بدلاً من 6 أشهر في التشريع الحالي، و12 شهراً في قضايا الجنايات بدلاً من 16 شهراً، و18 شهراً في القضايا التي تصل عقوبتها للسجن المؤبد والإعدام، بدلاً من سنتين».

وخلال مناقشات القانون، لم يستجب نواب البرلمان لمقترحات بعض النواب، بتطبيق «السوار الذكي»، بوصفه أحد بدائل الحبس الاحتياطي، وأقرّ مجلس النواب (الاثنين)، ثلاثة بدائل أخرى في نص المادة 112، تشمل «إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه، وإلزامه بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة في أوقات محددة، وحظر ارتياد المتهم أماكن محددة».

وعدّ وزير الشؤون النيابية والقانونية المصري، المستشار محمود فوزي، أن «البنية التكنولوجية اللازمة لتطبيق (السوار الإلكتروني) غير جاهزة لتطبيقه حالياً»، مشيراً خلال جلسة البرلمان، إلى «إمكانية تطبيقه، من خلال القرارات التنفيذية»، ورأى عضو اللجنة الفرعية التي أعدَّت قانون الإجراءات الجنائية، المستشار عمرو يسري، أن «تطبيق السوار الإلكتروني، يمثل انتهاكاً لحرمة الحياة الخاصة، للمتهم وأسرته، في حالة مراقبته بكاميرات في منزله».

غير أن نائب رئيس «الحزب المصري الديمقراطي» عضو مجلس النواب المصري، فريدي البياضي، عدّ المبررات الحكومية لرفض تطبيق السوار الإلكتروني، «غير موضوعية»، مشيراً إلى أن «تطبيق المراقبة الإلكترونية لا يحتاج لتكنولوجيا معقدة، وكان يمكن النص عليه في القانون، وتنفيذه في المستقبل القريب».

ويعتقد البياضي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «السوار الإلكتروني، أكثر كرامةً من الحبس والبدائل الأخرى، التي قد يُساء استخدامها». وقال: «في تطبيقه توفير اقتصادي عن الحبس الاحتياطي»، مشيراً إلى أن «هناك دولاً عدة بالمنطقة، تُطبِّق المراقبة الإلكترونية، مثل الجزائر والأردن ولبنان».

بينما عدّ وكيل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، إيهاب الطماوي، أن «نجاح تطبيق المراقبة الإلكترونية في بعض الدول، لا يعني تطبيق المراقبة في مصر»، مشيراً إلى أن «هناك عدداً من الضوابط، التي يجب مراعاتها قبل الحديث عن تطبيق السوار الإلكتروني، وأهمها القدرة على التنفيذ فنياً بجميع المحافظات».

وباعتقاد الطماوي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الرقابة الإلكترونية، سواء بالكاميرات أو السوار الذكي، سينتج عنها المساس بحرمة الحياة الخاصة»، وقال: «حال فقد السوار أو تلفه، سيتم تفتيش المنزل؛ للتأكد من وجوده أو عدمه، ما يمس حرمة المنازل».

وأشار إلى سلبيات أخرى في التطبيق، من بينها «نظرة المجتمع لمَن يحمل السوار، وصعوبة المساواة بين فترة مراقبة الشخص إلكترونياً، وفترة الحبس الاحتياطي، بخصم هذه المدة من فترة العقوبة، حال الحكم على المتهم».

ولا يؤيد ذلك عضو اللجنة التشريعية، عاطف مغاوري، مشيراً إلى أن «مبررات رفض السوار الإلكتروني غير مقنعة». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «وزير العدل المصري أشار، خلال الجلسات، إلى وجود محاكم تعمل بالأنظمة الرقمية حالياً، ما يعني توافر البنية التكنولوجية». وقال: «المراقبة الإلكترونية تشير إلى إحداثيات وجود المتهم، ولا تعني الرقابة بالصوت والصورة».

وفي وقت سابق، أوصى الحوار الوطني بمصر (الذي يضم شخصيات عامة وحزبية وأكاديميين وسياسيين) بضرورة التوسُّع في تطبيق بدائل الحبس الاحتياطي. وضمَّت التوصيات، التي تم رفعها إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مقترحات بديلة للحبس، من بينها «المراقبة الإلكترونية، (باستخدام السوار، أو البصمة الصوتية) كلما كان ذلك ممكناً وعملياً من الناحية الفنية».

واستجابةً لتوصيات الحوار الوطني، أكد السيسي، في أغسطس (آب) الماضي، على «أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطي، وتفعيل تطبيق بدائل الحبس المختلفة»، حسب إفادة للرئاسة المصرية.

بينما رأى المحامي الحقوقي عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، نجاد البرعي، أن «نصوص تشريع الإجراءات الجنائية، لم تأخذ بتوصيات الحوار الوطني». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «عدم إقرار السوار الإلكتروني، جاء لعدم توافر التكلفة المالية لتطبيقه»، مشيراً في الوقت نفسه، إلى «ضرورة أن تأخذ مناقشات التشريع الجديد فترة أكبر بين مختلف الجهات والأطراف المعنية؛ لضمان صدوره بصيغة تحفظ حقوق الجميع».