تسريبات «قديمة» لتعذيب سجناء تعيد مطالب فتح ملف المعتقلات الليبية

حقوقيون يرون أن ما وقع في «قرنادة» شرقاً يحدث في غالبية السجون غرباً

النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور (مكتب النائب العام)
النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور (مكتب النائب العام)
TT

تسريبات «قديمة» لتعذيب سجناء تعيد مطالب فتح ملف المعتقلات الليبية

النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور (مكتب النائب العام)
النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور (مكتب النائب العام)

عبرّت قطاعات ليبية كثيرة عن «انزعاجها الشديد» بعد تسريبات «مزعومة» تظهر تعذيب مواطنين وأجانب في سجن على ما يبدو بشرق ليبيا، مطالبين بالتحقيق فيها، وكشف وضيعة جميع السجون الليبية.

خالد مسعود وزير العدل بحكومة شرق ليبيا (المكتب الإعلامي للوزارة)

وتداول حقوقيون ونشطاء ليبيون على نطاق واسع، مقاطع فيديو، غير معلوم تاريخها، قالوا إنها من داخل سجن «قرنادة» بمدينة شحّات بشرق البلاد، تظهر الاعتداءات على سجناء شبه مجردين من ملابسهم بالضرب العنيف المتواصل، وهم يتقافزون من شدة التعذيب والألم، فيما يتوسل بعضهم بلكنات غير ليبية.

ولم تعلق السلطات الأمنية في شرق ليبيا على هذه التسريبات، التي دفعت عدداً من الليبيين، إلى استدعاء سيرة سجن «صيدنايا» السوري سيئة السمعة، لكن الحقوقي الليبي طارق لملوم قال لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا صور ووقائع سابقة تثبت أنه سجن (قرنادة) بالفعل»، وأضاف: «تم التعرف على بعض السجّانين الذي مارسوا عمليات التعذيب؛ فضلاً عن أن لهجتهم التي نفهمها جيداً دلّت على أنهم من سكان شحّات».

ويشار إلى سجن «قرنادة» من واقع التقارير الأممية السابقة، بأنه «سيئ السمعة»، بالإضافة إلى سجون كثيرة بشرق ليبيا وغربها وجنوبها، من بينها «معيتيقة»، و«الهضبة»، و«صرمان».

وجُل ما يحدث في ليبيا يتأثر بالانقسام السياسي والحكومي، لكن تردي ملف حقوق الإنسان، وأوضاع السجون، هما محل انتقاد من منظمات دولية ومحلية، لكثرة وقائع التوقيف والخطف والاعتقال لمدد طويلة من دون محاكمات، وفق حقوقيين.

والفيديو الذي نقل عمليات تعذيب كثيرة، لم يكشف متى وقعت هذه الاعتداءات، وهو ما أكده لملوم الذي أرجعه للفترة التي كانت سلطات شرق ليبيا على غير وفاق مع تركيا، وقال: «في أحد الفيديوهات كان أحد السجّانين يعتدي على مواطن سوري، ويقول له: كم يدفع لكم إردوغان بالدولار؟ في إشارة إلى أنه مرتزقة».

وأمام قسوة ما أظهرته عمليات تعذيب السجناء في «قرنادة»، شبّه بعض الليبيين ما حدث بسجن «صيدنايا». وقال أحمد عبد الحكيم حمزة رئيس «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان» بليبيا: «الأجدر بنا أن نسمه صيدنايا الليبي»، وأضاف: «هذه الفظائع والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان يجب أن يُحاسب مرتكبوها ويُقدموا للعدالة الوطنية والدولية».

لقطة من الداخل لسجن مدينة زليتن شرق طرابلس (غيتي)

وتحدث حقوقيون ونشطاء كثيرون أن ما احتوته هذه التسريبات هو جزء مماثل لما يُرتكب في غالبية السجون الليبية بجميع الأنحاء، مطالبين النائب العام بفتح هذا الملف، وهو ما أشار إليه لملوم، وحمزة، والناشط السياسي حسام القماطي الذي قال: «ما يحدث في قرنادة يحصل كل يوم في سجون طرابلس».

ولمزيد من التأكيد على أن عمليات التعذيب غير مقتصرة على «قرنادة» فقط، قال لملوم: «قبل أن يباشر سجن قرنادة في الاحتجاز والتنكيل والتعذيب في شرق ليبيا، كانت هناك سجون تسبقه في غرب البلاد تمارس التعذيب والسحل والاغتصاب والتجويع، وهي مستمرة حتى اليوم».

ويعتقد لملوم أن «جميع السجون الليبية تلجأ لسياسة التعذيب خلال عمليات استجواب المحتجزين... والخوف ليس من أثر التعذيب بل مصير المئات من المحتجزين الليبيين والأجانب بعد التعذيب»، متحدثاً عن «وجود أدلة تؤكد وجود تصفيات وربما الدفن في مقابر، أو الرمي بمحيط تلك المعتقلات التي تشرف عليها جهات حكومية».

وكيل وزارة الداخلية العميد فرج قعيم (وزارة العدل)

وطالب ليبيون كثر السلطات في ليبيا بكشف حقيقة هذه الفيديوهات «حتى وإن كانت وقائع قديمة». كما تطالب «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان» النائب العام ومكتب المدعي العام العسكري، بفتح تحقيق شامل في ملابسات هذه الواقعة، مشدّدة على ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المتهمين بارتكاب هذه الجرائم، وإنزال العقوبات عليهم، بما يكفل إنهاء الإفلات من العقاب.

وفي تقريرها الأخير عن حقوق الإنسان في ليبيا، عدّت «هيومن رايتس ووتش» أن عام 2024 كان مضطرباً، وقمعت فيه السلطتان المتنافستان في الشرق والغرب المنظمات غير الحكومية، كما تمادت الجماعات المسلحة والميليشيات في شرق ليبيا وغربها بارتكاب انتهاكات ضد الليبيين والمهاجرين بلا رادع. وهو التصريح الذي ترفضه السلطتان.

الناشط السياسي الليبي سراج دغمان (حسابات موثوقة على مواقع التواصل الاجتماعي)

غير أن تسريبات «قرنادة» أعادت أيضاً إلى أذهان الليبيين أيضاً، ذكرى مقتل مدير «مكتب ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية» فرع بنغازي سراج دغمان، الذي أعلن عن وفاته بأحد المقار الأمنية في المدينة، منتصف أبريل (نيسان) 2024.

وكان جهاز الأمن الداخلي بشرق ليبيا اعتقل دغمان (35 عاماً) في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 مع أربعة نشطاء آخرين، وأُعلن عن وفاته في ظروف يراها مقرّبون منه «غامضة وغير طبيعية» مما دفع بعثة الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا للمطالبة بفتح تحقيق «شامل وشفاف ومستقل» في أسباب وفاته.

والوضع في غرب ليبيا ليس أفضل حالاً من شرقها لجهة الانتقادات الموجهة للمعتقلات. السجون في غرب ليبيا أنواع، لكل منها اسم رسمي وآخر غير رسمي، ويعد أشدها قسوة سجن «عين زارة» (الرويمي) بجناحيه، أو سجن «عين زارة السياسي» (البركة) للإصلاح والتأهيل، ويقع في جنوب شرقي طرابلس.

وترصد منظمات حقوقية، أنه منذ إسقاط نظام حكم معمر القذافي في عام 2011، يشهد هذا السجن انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وتديره وتسيره الميليشيات المسلحة كيفما تشاء، رغم تبعيته اسمياً لوزارة العدل بحكومة غرب ليبيا.

ويقول الدكتور عقيلة دلهوم، رئيس "اللجنة الحقوقية والإعلامية لهانيبال القذافي" إنه "عندما تتحوّل السجون والأقبية داخل ليبيا إلى ساحات للتعذيب والإذلال، نقف أمام مأساة وطنية وإنسانية تفوق كل وصف".

ويضيف دلهوم في تصريح صحافي أنه "بعد مرور 13 عاما مؤلمة منذ عام 2011؛ لا نزال نشاهد مناظر مروّعة تتوالى من تلك الأقبية الكئيبة لسجناء ومختطفين ليبيين في شرق ليبيا وغربها؛ حيث تُمارس أبشع أنواع القهر والانتهاكات ضد شباب ليبيين. وما خفي كان أعظم".


مقالات ذات صلة

الدبيبة يبحث تعزيز التعاون العسكري مع السنغال

شمال افريقيا الدبيبة مستقبلاً وزير القوات المسلحة السنغالي (حكومة الوحدة)

الدبيبة يبحث تعزيز التعاون العسكري مع السنغال

قالت حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة إن رئيسها عبد الحميد الدبيبة ناقش سبل تعزيز التعاون العسكري بين ليبيا والسنغال.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا صورة وزعها مجلس النواب لتسلم رئيسه تقرير الهجرة غير النظامية (المركز الإعلامي لصالح)

هدوء حذر غرب طرابلس الليبية بعد ليلة من الاشتباكات المسلحة

أعلن مكتب مركز طب الطوارئ والدعم بمدينة الزاوية، مقتل شخصين وإصابة ستة آخرين في الاشتباكات التي شهدتها مدينة العجيلات غرب العاصمة طرابلس.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا حفتر يتوسط المنفي وصالح في لقاء سابق (القيادة العامة)

ليبيا: قانون «المصالحة» يُشعل «صراع الصلاحيات» بين البرلمان و«الرئاسي»

وجّه رئيس البرلمان الليبي حديثه «للمعترضين على قانون المصالحة الوطنية» وقال إن «الطريق في عرض القوانين يكون بمقترح مقدم من 10 نواب أو مشروع قانون حكومي»

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا المجلس الرئاسي والدبيبة في لقاء سابق (المجلس الرئاسي)

ليبيا: كيف بدأ الخلاف بين «النواب» و«الرئاسي»... وإلى أين سينتهي؟

تجددت التوترات بين مجلسي «النواب» و«الرئاسي» في ليبيا بعد اعتراض الأخير على إقرار الأول مشروع قانون «المصالحة الوطنية» في جلسته الأخيرة الأسبوع الماضي.

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا قوات موالية لحكومة الدبيبة في تدخل لتفريق المحتجين وسط العاصمة طرابلس (أ.ف.ب)

«لقاء كوهين» يفاقم الاحتجاجات في غرب ليبيا ضد «الوحدة»

الدبيبة: هناك أطراف محلية لا تريد إلا الحروب والدمار والفساد في ليبيا.

خالد محمود (القاهرة )

الجيش السوداني يتصدى لمسيَّرات هاجمت سد مروي

سد مروي في شمال السودان  (سونا)
سد مروي في شمال السودان (سونا)
TT

الجيش السوداني يتصدى لمسيَّرات هاجمت سد مروي

سد مروي في شمال السودان  (سونا)
سد مروي في شمال السودان (سونا)

أعلنت قيادة «الفرقة 19 مشاة» التابعة للجيش السوداني، الاثنين، تصديها لهجوم بعدد من المسيَّرات الانتحارية التي استهدفت سد مروي، أكبر السدود في شمال البلاد، وتسبب في اندلاع حريق بأحد المحولات الرئيسية للكهرباء؛ ما أدى إلى انقطاعها في عدد من الولايات. وقالت في بيان على موقع «فيسبوك» في إطار حملتها الممنهجة لاستهداف المواقع العسكرية والمنشآت الحيوية: «حاولت (قوات الدعم السريع) استهداف كهرباء سد مروي بعدد من المسيَّرات الانتحارية». وأضافت أن «المضادات الأرضية تصدت للمسيَّرات، لكن هناك بعض الخسائر يجري إصلاحها». ووفقاً لمصادر محلية في مروي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، لم تقع أضرار أو إصابات وسط المدنيين.

والخميس الماضي، تعرضت قيادة الفرقة العسكرية في مروي لهجمات بالمسيَّرات تم إسقاطها دون وقوع خسائر في الأرواح. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أبطل الجيش السودان أكبر سلسلة من الهجمات بعدد 16 مسيَّرة مجهولة استهدفت مطار مروي الدولي، في حين لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم.

وخلال الأشهر الماضية شهدت المناطق خارج نطاق القتال بين طرفي الصراع تزايداً في الهجمات بطائرات مسيَّرة استهدفت عدداً من المواقع العسكرية والمدنية، من بينها مدن شندي وعطبرة والقضارف في شرق السودان.

اتهامات بالانتهاكات

جنود من الجيش السوداني يحتفلون بعد دخولهم ود مدني في 12 يناير 2025 (رويترز)

من جهة أخرى، اتهم تجمع مدني قوات «درع البطانة» الموالية للجيش السوداني، بتنفيذ حملة انتقامية على أسس عرقية ضد سكان مدنيين في شرق ولاية الجزيرة، أحرقت خلالها طفلين داخل منازلهما، وقتلت 6 أشخاص، واختطفت 13 امرأة ورجلاً إلى جهة مجهولة، متهمة إياهم بالتعاون مع «قوات الدعم السريع» التي كانت تسيطر على المنطقة. وتناقلت الوسائط مقاطع فيديو لانتهاكات مريعة نفذتها عناصر بثياب عسكرية، تنظيم حملات منسقة ضد مدنيين بعد استرداد الجيش مدينة ود مدني في ولاية الجزيرة.

وقالت «مركزية مؤتمر الكنابي» في بيان صحافي، إن سكان «الكنابي» في مناطق شرق أم القرى تعرضوا لانتهاكات جسيمة، وواجهوا «ممارسات إجرامية ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي».

و«الكمبو» كلمة محلية مشتقة من المفردة الإنجليزية (Camp)، وتعني «المعسكر»، وجمعها «كنابي». وسكان هذه الكنابي هم شريحة العمال الزراعيين الذين جاءوا من مناطق مختلفة من السودان، خصوصاً من الغرب، منذ أربعينات القرن الماضي للعمل في المشاريع الزراعية، واستوطنوا في تلك «الكنابي» وحوَّلوها قرى وتجمعات سكانية، وظلوا يواجهون التهميش. و«مركزية الكنابي» هي تجمع مهني يدافع عن حقوق هؤلاء السكان ومصالحهم.

وحذرت «مركزية الكنابي» مما أسمته «التحريض المستمر ضد سكان الكنابي»، مؤكدة أن السكان ظلوا على «الحياد الكامل في الحرب؛ حرصاً على سلامتهم، رغم أنهم ظلوا يتعرضون للانتهاكات منذ فجر التاريخ السوداني للانتهاكات».

وحمّل البيان الحكومة المسؤولية عن أمن وسلامة المواطنين وحمايتهم من الاعتداءات المتكررة، ودعا إلى إجراء تحقيق شفاف حول الانتهاكات، ومحاسبة المعتدين بمن فيهم قائد قوات «درع البطانة» أبو عاقلة كيكل، وإلى «وقف التحريض العرقي ومحاسبة مروجي خطاب الكراهية واستهداف فئة اجتماعية معينة».

«محامو الطوارئ»

مخيم في مدينة القضارف بشرق السودان لنازحين فروا من ولاية الجزيرة وسط البلاد (أرشيفية -أ.ف.ب)

كما أدانت «محامو الطوارئ»، وهي هيئة حقوقية طوعية، التصفيات الميدانية لمدنيين بواسطة القوات المسلحة والميليشيات الحليفة لها، ووصفوا الاعتداءات على «كمبو طيبة» وشرق الجزيرة، بأن «يتخذ سياقاً عرقياً ومناطقياً يستهدف مكونات في ولاية الجزيرة بحجة التعاون مع (قوات الدعم السريع)».

ووفقاً للهيئة، فإن الانتهاكات تضمنت «القتل خارج نطاق القضاء، والتصفية، والاحتجاز غير المشروع، والخطف، والإذلال الجسدي والمعنوي، والتعذيب، والضرب الوحشي للمدنيين أثناء الاعتقال». كما أدانت الهيئة، في بيان، ما أسمته «انتهاكات القوات المسلحة في مدينة ود مدني»، واعتبرتها «جريمة حرب ارتُكبت في كمبو طيبة»، مستندة على مقاطع فيديو وصور بُثت على الوسائط الاجتماعية عقب استرداد المدينة، طالت مدنيين.

كما أدان «حزب المؤتمر السـوداني» ما أسماه «التحريض والاستهداف ضد سكان الكنابي»، مؤكداً أن المدنيين تعرَّضوا لعمليات استهداف بما يسمى «قانون الوجوه الغريبة»، متهماً الميليشيات المساندة للجيش بالولوغ في جرائم حرق واغتيال وتصفيات جسدية واختطاف النساء. وحذَّر الحزب من «انتشار خطابات التحريض ضد أهل الكنابي... من قِبل عناصر النظام البائد»، معتبراً انتهاكات الجزيرة «جرائم حرب، وجرائم تطهير عرقي»، تمت بتحريض من عناصر النظام البائد الذين اتهمهم ببث الفتنة وتأجيج الكراهية والعنصرية والقبلية، وإثارة الضغائن. وحمَّل الحزب «حكومة بورتسودان والقوات المسلحة» المسؤولية كاملة عن تلك الجرائم، ودعاها لحماية المدنيين، وتوعد بمحاسبة مرتكبي تلك الجرائم عاجلاً أو آجلاً بقوله: «مرتكبو هذه الجرائم وغيرها من الانتهاكات والجرائم... ستطولهم يد العدالة لا محالة».