من المعروف أن الأطفال المنتمين لأسر تتحدث عدة لغات Multilingualism في المنزل نفسه، لديهم مهارات معرفية وإدراكية أكثر من أقرانهم. وحسب أحدث دراسة مشتركة بين جامعتَي كاليفورنيا UCLA وميامي University of Miami في الولايات المتحدة فإن هذه المهارات الإدراكية تنعكس على الأطفال المصابين بالتوحد، وتقلل أيضاً من السلوك التكراري وأعراض المرض بشكل عام.
مهارات إدراك أفضل
وجدت الدراسة التي نُشرت في نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، في مجلة أبحاث التوحد Autism Research أن آباء الأطفال المصابين بالتوحد وغير المصابين بالتوحد أيضاً في أسر متعددة اللغات، رصدوا قدرة أطفالهم على تنفيذ المهام البسيطة بكفاءة. كما تحسنت قدرتهم على التركيز وفهم وجهات نظر الآخرين بشكل صحيح أيضاً. وبشكل عام كانوا قادرين على التواصل بشكل أفضل، فضلاً عن تراجع السلوك التكراري في أطفال التوحد (العرض الرئيسي للمرض) مقارنة بالأطفال المنتمين لأسر تتحدث لغة واحدة فقط.
تقييم تنفيذ المهام
قام الباحثون بإجراء الدراسة على أكثر من 100 طفل؛ من المصابين بالتوحد وغير المصابين به، تتراوح أعمارهم بين 7 و12 عاماً، من أُسر تتحدث لغة واحدة (سواء الإنجليزية أو الإسبانية)، وأيضاً من أسر تتحدث لغات عدة داخل المنزل (لغة الأسرة الأساسية مثل المهاجرين من أصول لاتينية أو أوروبية، بجانب الإنجليزية) وطُلب من الآباء تقييم قدرة أطفالهم على تنفيذ مهام معينة executive function skills (في الأغلب، هذه المهارة من أكثر المهارات التي تتأثر سلباً باضطراب طيف التوحد).
وشملت المهارات التي تم تقييمها:
* التثبيط: (القدرة على كبح الرغبة في عمل أشياء غير ذات صلة بالمهمة المطلوبة، ما يعني التركيز وعدم التشتت).
* الذاكرة العاملة: (القدرة على تذكر معلومة بسيطة معينة واستدعائها، مثل رقم هاتف).
* التغيير بسهولة Shifting: (القدرة على التنقل من مهمة لأخرى بعدها task-switching من دون ارتباك ولا خلل، مثل اللعب بالألعاب، والتنظيف بعد ذلك).
دراسة التوحد
كما طُلب من الآباء تسجيل بعض القدرات الأساسية المتأثرة بالتوحد، مثل القدرة على فهم وجهات نظر مختلفة، والتواصل الاجتماعي، والسلوكيات المتكررة. وأظهرت النتائج أن وجود أكثر من لغة في المنزل نفسه ارتبط بقدرات أفضل في معظم المهارات التي تم تقييمها، مثل التثبيط وسرعة التغيير وفهم وجهة النظر؛ سواء في الأطفال المصابين بالتوحد أو الأصحاء.
وأوضح الباحثون أن السبب في ذلك ربما يكون راجعاً لمحاولة الطفل التوفيق بين اللغتين؛ حيث يقوم العقل تلقائياً بعمل تثبيط للُغة منهما واستخدام اللغة الأخرى بشكل أفضل، ما يساعد على التحكم في الأفعال بشكل عام، وزيادة نسبة التركيز.
وأوضح الباحثون أنهم يتفهمون تماماً خوف آباء الأطفال المصابين بالتوحد من فكرة أن التحدث بلغات مختلفة ربما يساهم في تأخير نمو أطفالهم الإدراكي ومهارتهم اللغوية، ولكن تبعاً للأدلة العلمية حتى الآن، لا توجد أية تأثيرات سلبية للتعدد اللغوي؛ بل على النقيض هناك كثير من الفوائد فيما يتعلق بالمستوى الفكري والمهارة اللغوية، وأيضاً التحكم في بعض السلوكيات القهرية التكرارية.
تعلُّم اللغات عملية معرفية
أكدت الدراسة أن وجود لغتين أو أكثر في المنزل نفسه ينعكس بالإيجاب على الأطفال، سواء كانوا متوحدين أو أصحاء، نظراً لطبيعة تعلم اللغة بشكل عام؛ لأنها تتضمن عمليات معرفية معقدة، منها الذاكرة العاملة بشكل أساسي؛ خصوصاً في لغة الأهالي؛ لأنها لا تكون مستخدمة إلا في المنزل فقط، كما تُحسِّن من القدرات الإدراكية؛ لأن الطفل يدرك وجود عدة طرق لتوصيل المعنى نفسه في وقت مبكر من الحياة. كما أن وجود التعبيرات المجازية أيضاً في كل لغة يوسع من القدرات المعرفية وينمي الخيال.