إسرائيل تريد تدمير كل شيء في غزة... لكن ماذا عن خطة ما بعد الحرب؟

طفل يتأرجح في موقع غارة إسرائيلية وسط الصراع المستمر بين إسرائيل وحركة «حماس» في خان يونس (رويترز)
طفل يتأرجح في موقع غارة إسرائيلية وسط الصراع المستمر بين إسرائيل وحركة «حماس» في خان يونس (رويترز)
TT

إسرائيل تريد تدمير كل شيء في غزة... لكن ماذا عن خطة ما بعد الحرب؟

طفل يتأرجح في موقع غارة إسرائيلية وسط الصراع المستمر بين إسرائيل وحركة «حماس» في خان يونس (رويترز)
طفل يتأرجح في موقع غارة إسرائيلية وسط الصراع المستمر بين إسرائيل وحركة «حماس» في خان يونس (رويترز)

توعدت إسرائيل بالقضاء على حركة «حماس» منفذة الهجوم الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل البالغ 75 عاماً على قطاع غزة، لكن النهاية ليست واضحة في أفق تل أبيب، إذ لا توجد خطة لكيفية حكم القطاع الفلسطيني المدمر حتى لو انتصرت في ساحة المعركة، بحسب تقرير أعدته «رويترز».

وستكون العملية العسكرية التي أطلق عليها اسم «السيوف الحديدية» غير مسبوقة في ضراوتها الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل البالغ 75 عاماً. وأعنف من أي هجوم نفذته إسرائيل على غزة في الماضي، وفق ما أكد ثمانية مسؤولين إقليميين وغربيين مطلعين على الصراع لـ«رويترز»، رفضوا كشف أسمائهم.

واستدعت إسرائيل عدداً قياسياً من جنود الاحتياط بلغ 360 ألف جندي، وقصفت القطاع الصغير من دون توقف عقب هجوم «حماس» على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول).

فلسطينيون يتجمعون في موقع غارات إسرائيلية على منازل في جباليا بشمال قطاع غزة (رويترز)

وقال ثلاثة مسؤولين إقليميين مطلعين على المناقشات بين الولايات المتحدة وزعماء الشرق الأوسط إن الاستراتيجية الإسرائيلية المباشرة هي تدمير البنية التحتية في غزة، حتى على حساب سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، ودفع سكان القطاع نحو الحدود المصرية وملاحقة «حماس» عن طريق تفجير الأنفاق التي بنتها تحت الأرض.

ومع ذلك، قال المسؤولون الإسرائيليون إنهم ليست لديهم فكرة واضحة عما قد يبدو عليه مستقبل ما بعد الحرب.

وقال مصدر في واشنطن مطلع على الأمر إن بعض مساعدي الرئيس الأميركي جو بايدن يشعرون بالقلق، إذ رغم أن إسرائيل قد تضع خطة فعالة لإلحاق ضرر دائم بـ«حماس»، فإنها لم تضع بعد استراتيجية خروج.

وأضاف المصدر أن الزيارتين اللتين قام بهما وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن إلى إسرائيل الأسبوع الماضي، شددتا على ضرورة التركيز على خطة ما بعد الحرب في غزة.

بدوره، قال مصدر أمني إقليمي: «ليس لدى إسرائيل نهاية للحرب في غزة. استراتيجيتهم هي إسقاط آلاف القنابل وتدمير كل شيء والدخول، لكن ماذا بعد؟ ليس لديهم استراتيجية خروج لليوم التالي».

لم يبدأ الغزو البري الإسرائيلي بعد، لكن سلطات غزة تقول إن 3500 فلسطيني قتلوا بسبب القصف الجوي، وحوالي ثلث الضحايا هم من الأطفال، وهو أكبر عدد من القتلى في القطاع مقارنة بأي صراع سابق بين «حماس» وإسرائيل.

وقال بايدن للإسرائيليين، خلال زيارته للدولة العبرية أمس الأربعاء، إنه يجب تحقيق العدالة لـ«حماس»، رغم أنه حذر من أنه بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) على نيويورك، ارتكبت الولايات المتحدة أخطاء. وأضاف أن «الغالبية العظمى من الفلسطينيين ليسوا من (حماس)، هي لا تمثل الشعب الفلسطيني».

وقال آرون ديفيد ميلر، خبير شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن زيارة بايدن كانت ستمنحه فرصة للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتفكير في قضايا مثل الاستخدام المتناسب للقوة والخطط طويلة المدى لغزة، قبل أي غزو.

مدينة الأنفاق

وقال مسؤولون إسرائيليون، بمن فيهم نتنياهو، إنهم سيقضون على «حماس» رداً على الهجوم.

وقال المصدر الإقليمي الأول، في إشارة إلى قوات حرب العصابات التي تحدت القوات الأميركية في فيتنام: «إنها مدينة أنفاق تحت الأرض تجعل أنفاق الفيتكونغ تبدو كأنها لعبة أطفال. إنهم لن يقضوا على حماس بالدبابات والقوة النارية».

وقال خبيران عسكريان إقليميان لـ«رويترز» إن «كتائب القسام» الجناح العسكري لـ«حماس» قامت بالتعبئة من أجل الغزو وزرعت ألغاماً مضادة للدبابات وخططت لنصب كمائن للقوات.

ومن المتوقع أن يكون الهجوم الإسرائيلي القادم أكبر بكثير من العمليات السابقة في غزة، التي أدت إلى إضعاف قدرات «حماس» العسكرية ولكن من دون القضاء عليها، بحسب «رويترز».

فلسطينيون يتجمعون حول أنقاض منزل دمره القصف الإسرائيلي (رويترز)

وقد خاضت إسرائيل ثلاثة صراعات سابقة مع «حماس»، في الأعوام 2008-2009، و2012 و2014، وشنت عمليات غزو برية محدودة خلال اثنتين من تلك الحملات، ولكن على عكس اليوم، لم يصر قادة إسرائيل أبداً على تدمير «حماس» مرة واحدة وإلى الأبد.

ومع ذلك، قال المصدر الأميركي إن التفاؤل أقل في واشنطن بشأن قدرة إسرائيل على تدمير «حماس» بشكل كامل. ورأى أن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن تقوم القوات الإسرائيلية بقتل أو أسر أكبر عدد ممكن من أعضاء «حماس»، وتفجير الأنفاق ومخازن الصواريخ، ثم بعد تزايد الخسائر الإسرائيلية، تبحث عن طريقة لإعلان النصر والخروج.

شبح الحرب الإقليمية

والخوف في مختلف أنحاء المنطقة هو أن الحرب سوف تنفجر خارج حدود غزة، مع قيام «حزب الله» اللبناني وحليفته إيران بفتح جبهات جديدة كبرى لدعم «حماس».

وحذَّر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان من احتمال اتخاذ إجراء «وقائي» ضد إسرائيل إذا نفذت غزوها لغزة. وقال في نهاية الأسبوع الماضي إن إيران لن تبقى على حياد إذا فشلت الولايات المتحدة في كبح جماح إسرائيل.

وقد أخبر الزعماء العرب بلينكن، الذي كان يقوم بجولة على الشرق الأوسط الأسبوع الماضي، أنه بينما يدينون هجوم «حماس» على إسرائيل، فإنهم يعارضون العقاب الجماعي ضد المدنيين الفلسطينيين، الذي يخشون من أن يؤدي إلى اضطرابات إقليمية.

وأضافوا أن الغضب الشعبي سيتصاعد في أنحاء المنطقة عندما يرتفع عدد القتلى.

وأرسلت واشنطن مجموعة حاملة طائرات إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، وتخشى أن ينضم «حزب الله» إلى المعركة من الحدود الشمالية لإسرائيل. ومع ذلك، ليس هناك ما يشير إلى أن الجيش الأميركي سينتقل بعد ذلك من وضع الردع إلى التدخل المباشر، بحسب «رويترز».

في غضون ذلك، أثارت الدعوات المطالبة بإنشاء ممرات إنسانية داخل غزة وطرق هروب للمدنيين الفلسطينيين ردود فعل قوية من الجيران العرب. وهم يخشون أن يؤدي الغزو الإسرائيلي إلى موجة نزوح جماعية دائمة جديدة.

ولقي مئات الفلسطينيين حتفهم في الضفة الغربية منذ بداية العام في اشتباكات متكررة مع الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، وهناك قلق كبير من أن العنف قد يعم المنطقة مع احتراق غزة.

وقال مصدر إقليمي ثان لـ«رويترز»، عن احتمال انتشار الصراع خارج غزة: «أياً كان السيناريو فإنه سيكون سيئاً».


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يعلن «هدنة تكتيكية» في جنوب قطاع غزة

المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال العملية البرية داخل قطاع غزة (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن «هدنة تكتيكية» في جنوب قطاع غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، أنه سيلزم «هدنة تكتيكية في الأنشطة العسكرية» يوميا في قسم من جنوب قطاع غزة خلال ساعات من النهار للسماح بإدخال المساعدات الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أطفال يلعبون فوق أبنية مدمرة في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

قتال عنيف في رفح ينتهي بمقتل 8 جنود إسرائيليين

احتدمت الاشتباكات في مدينة رفح بأقصى جنوب قطاع غزة، وتحوّلت إلى عنيفة للغاية، في اليوم الـ253 للحرب المستمرة.

كفاح زبون
المشرق العربي أطفال في خان يونس بجانب حظيرة للماشية عشية عيد الأضحى (إ.ب.أ)

عيد ثانٍ بلا مظاهر فرحة في غزة... والأضاحي مفقودة

لا توجد مظاهر تشير إلى عيد الأضحى في قطاع غزة المنكوب. المشاهد الوحيدة «الثابتة» حالياً هي مشاهد الدمار الهائل، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي طفل فلسطيني يحمل فوق رأسه صينية تحتوي الخبز في قطاع غزة (أ.ف.ب)

في شمال قطاع غزة... أسر معدمة ليس لها إلا الخبز

في شمال قطاع غزة حيث الجوع على أشده، يقول سكان إن النقص الحاد في الخضراوات والفواكه واللحوم يعني أنهم يقتاتون بالخبز فقط.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج جانب من حمولة الطائرة الإغاثية السعودية الـ53 المتوجهة إلى غزة (مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية)

الربيعة: مئات القوافل في رفح تنتظر الدخول إلى غزة

طالب الدكتور عبد الله الربيعة، المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لفتح جميع المعابر إلى قطاع غزة.

غازي الحارثي (الرياض)

«حرب غزة»: اتصالات مكثفة لحلحلة عقبات «الهدنة»

منازل مدمرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية في جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
منازل مدمرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية في جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
TT

«حرب غزة»: اتصالات مكثفة لحلحلة عقبات «الهدنة»

منازل مدمرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية في جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
منازل مدمرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية في جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

في وقت أشارت فيه واشنطن إلى سلسلة اتصالات يجريها الوسطاء لبحث المضي قدماً نحو تنفيذ مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، تحدثت حركة «حماس» عن «مرونة» من أجل الوصول لاتفاق.

التأكيدات الأميركية الأخيرة عدها خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، «محاولات لحلحلة العقبات التي تضعها إسرائيل، وشروط (حماس)، لكنهم رأوا أن (هدنة غزة) تتطلب تنازلات ومرونة حقيقية وليس مجرد تصريحات».

وقال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، في كلمة متلفزة، الأحد، إن رد الحركة على أحدث اقتراح لوقف إطلاق النار في غزة يتوافق مع المبادئ التي طرحتها خطة بايدن (وتتضمن 3 مراحل)، معتقداً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، «فشل في تحقيق أهدافه، ولا يتجاوب مع مرونة الحركة (أي حماس)».

وتمسك هنية بدور الوسطاء وإعطاء مدة كافية لإنجاز مهمتهم، مؤكداً أن «الحركة جادة ومرنة في التوصل إلى اتفاق يتضمن البنود الأربعة، وقف إطلاق النار الدائم، والانسحاب الشامل من غزة، والإعمار، وصفقة تبادل للأسرى».

وجاءت كلمة هنية عقب اتهامات وجَّهها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، لـ«حماس»، «بتعطيل الوصول لاتفاق»، وغداة إعلان مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جيك سوليفان، السبت، أن «الوسطاء من قطر ومصر يعتزمون التواصل مع قيادات الحركة الفلسطينية لمعرفة ما إذا كان هناك سبيل للمضي قدماً في اقتراح بايدن».

فلسطينيون يقفون في طابور بعد اعتقالهم من قبل القوات الإسرائيلية بالقرب من مدينة طولكرم في وقت سابق (إ.ب.أ)

وكان بلينكن نفسه قد أعلن، الأربعاء الماضي، «مواصلة العمل مع الوسطاء لسد الفجوات للوصول إلى اتفاق»، وذلك خلال مؤتمر صحافي بالدوحة مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. بينما قال المسؤول القطري حينها: «ملتزمون في قطر مع شريكي (الوساطة) مصر والولايات المتحدة، بجسر الهوة، ومحاولة حل هذه الفروقات لأفضل وسيلة لإنهاء الحرب في غزة في أسرع وقت ممكن».

وبينما تتحدث «حماس» عن أنها «جادة ومرنة»، أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، أنه بدأ تنفيذ «هدنة تكتيكية» يومياً في قسم من جنوب قطاع غزة خلال ساعات محددة من النهار للسماح بإدخال المساعدات الإنسانية، وذلك إثر محادثات مع الأمم المتحدة ومنظمات أخرى. لكن واجه ذلك التوجه، رفضاً من الوزير الإسرائيلي المنتمي لليمين المتطرف، إيتمار بن غفير.

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير على الحنفي، رأى أن «اتصالات الوسطاء مستمرة سواء عبر استقبال طروحات حل، أو العمل على تقديم حلول وسط لحلحلة عقبات الهدنة»، مؤكداً أن مصر «مستمرة في الوساطة بصورة قوية للوصول لاتفاق». ويعتقد أن «هناك رغبة واهتماماً بالوصول لاتفاق باستثناء الكيان الإسرائيلي، الذي لا يزال يعقد الأمور، ومواقفه الداخلية المتناقضة لا تبدي مرونة كافية».

الحفني أوضح أنه من الناحية النظرية «أي اتفاق يشهد خلافات وضغوطاً، ويجب أن يكون التعبير عن التنازلات، أو إبداء مواقف مرنة من أطرافه، بمثابة دفعة باتجاه التوصل لحلول»، مشيراً إلى أن «الحرب مستمرة من 9 أشهر، ولا أفق نراه لهذا الاتفاق؛ لكن الاتصالات ستبقى مهمة لتجاوز العقبات، وتحقيق اختراق».

دخان تصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم نور شمس للاجئين (إ.ب.أ)

أما الخبير السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، فقد قال إن الإدارة الأميركية «بحاجة لهذه الهدنة، لذلك سنلمس تكثيف الاتصالات ومحاولة بذل مزيد من الضغط على (حماس) للقبول بما طرحه بايدن من وجهة نظره».

ويعتقد مطاوع، وهو المدير التنفيذي لـ«منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والأمن القومي»، أن «الوسطاء سيقومون بجلسة متواصلة لتجسير هوة الخلافات، بالتزامن مع ضغط أميركي على إسرائيل مشروط بقبول حماس للخطة»، مرجحاً أن «تستمر تلك الجهود بشكل مكثف حتى زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الشهر المقبل للكونغرس الأميركي»، مضيفاً حينها سنرى إما «الذهاب لأول مراحل الهدنة، وإما سنتأكد من أن الصفقة التي طُرحت قد فشلت».

وتشترط حركة «حماس» انسحاباً إسرائيلياً من قطاع غزة ووقف الحرب، بينما تصر إسرائيل على وقف مرحلي للقتال، والاحتفاظ بحقها في مواصلة الحرب فيما بعد».