أطلق ناشطون ومناضلون من أجل تعميم تدريس اللغة الأمازيغية في الجزائر دعوات مكثفة لارتداء «الجبة الأمازيغية» النسائية والتوجه بها «جماعيا» إلى المدارس، كوسيلة للتنديد بمنع تلميذة من دخول مدرسة بمنطقة القبائل، بسبب ارتدائها الجبة التقليدية. وقد أحال الجدل الحاد الذي اندلع حول هذه الحادثة إلى سجال لا يقل حدة يجري حاليا بفرنسا بخصوص ارتداء «العباءة» في المؤسسات التعليمية.
الفتاة التي تدعى «ثيزيري» (ضوء القمر في لغة أمازيغ شمال أفريقيا)، من محافظة بجاية (250 كلم شرق العاصمة)، ذهبت صباح الأربعاء إلى ثانويتها في مدينة القصر في أول يوم من الدخول المدرسي، لكن عندما وصلت منعها عون إداري بمدخل الثانوية من الالتحاق بقسمها، بحجة أنها ترتدي لباسا «غير تنظيمي». ويتعلق الأمر بجبة أمازيغية لا تخطئها العين في مدن وقرى المحافظات التي ينطق سكانها بالأمازيغية.
عادت الفتاة إلى بيتها وأبلغت والدتها بما حدث، وهي امرأة معروفة في أوساط المدافعين عن «الهوية الأمازيغية للجزائر»، وتدعى ليندة وضاح، فضلا عن كونها أستاذة في جامعة بجاية، ورئيسة قسم اللغة الأمازيغية بها. وفور علمها بما جرى لابنتها، عاتبت مسؤولي المدرسة، ونشرت فيديو على حسابها بمنصة «فيسبوك»، منددة بالموظف الذي حال دون دخول ابنتها المدرسة، وتمت استضافتها في نفس اليوم بقناة «بربر تي في»، الناطقة بالأمازيغية.
ولأن القضايا المرتبطة بـ«الهوية والشخصية» و«الأصول الثقافية» في الجزائر حساسة للغاية، أحدثت «قضية ثيزيري» بسرعة جدلا واسعا، تشعب ليثير بدوره نقاشا قديما حول «ما إذا كنا عربا أو أمازيغ؟». وقد انفجرت القضية لأول مرة في «أحداث الربيع الأمازيغي» عام 1980، حينما وقعت مواجهات دامية بين نشطاء القضية وقوات الأمن بمدينة تيزي وزو (100 كلم شرق)، التي تعد قلعة المدافعين عن الثقافة الأمازيغية.
وسرعان ما ربط مهتمون بحادثة الفتاة بينها وبين الجدل الدائر في فرنسا منذ أسابيع، حول قرار الحكومة منع الفتيات اللواتي يرتدين العباءة (العباية بالعامية) من دخول المدارس. ولتدارك الموضوع قبل أن يأخذ أبعادا خطيرة، أصدر مدير الثانوية بيانا قدم فيه اعتذاره لوالدة ثيزيري، وأكد أنه لم يكن على علم بطرد التلميذة، موضحا أن القانون الداخلي لمؤسسته لا يمنع ارتداء اللباس التقليدي. كما تواصلت مديرة التعليم ببجاية مع عائلة التلميذة وقدمت لها اعتذارها. ولم يعرف مصير العون الإداري الذي تسبب في هذا اللغط الكبير، فيما عادت ثيزيري إلى المدرسة، والتحقت بزملائها بالزي التقليدي الذي لبسته أول مرة.
والمعروف في الجزائر أن خصومة شديدة تحتدم منذ سنين طويلة، أخذت في أحيان كثيرة بعدا آيديولوجيا، بين من يسميهم الإعلام المحلي «بربريست»، نسبة إلى البربر السكان الأصليين لشمال أفريقيا، الذين يناضلون من أجل التمكين للأمازيغية في كل الأطوار التعليمية وفي الفضاء العام، من جهة، ومن جهة ثانية «العروبيون» الذين يعدّون اللغة العربية رافدا لهوية وشخصية الجزائري، ولا يرضون بديلا عن العربية، التي استخلفت الفرنسية كلغة تداول في الإدارات والشركات الحكومية بعد الاستقلال عن فرنسا، لكنها ما تزال تواجه صعوبة في إزاحة «لغة موليير».
وحاول الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، تفكيك «قنبلة الهوية» بحسب تعبير البعض عام 2002، عندما أدرج في مراجعة دستورية الأمازيغية لغة وطنية ثانية. وارتقى بها إلى مرتبة لغة رسمية ثانية في مراجعة جديدة للدستور عام 2016، نصت أيضا على إنشاء «محافظة سامية للغة الأمازيغية»، اهتمت بإيجاد الآليات الأكاديمية، التي تتيح تدريس هذه اللغة في أقسام التعليم والجامعة.