وفد أميركي إلى بنغازي للضغط على حفتر ضد الوجود الروسي

لمواجهة مساعي موسكو توسيع وجودها في البحر المتوسط

حفتر مع قادة قواته في بنغازي (الجيش الوطني)
حفتر مع قادة قواته في بنغازي (الجيش الوطني)
TT

وفد أميركي إلى بنغازي للضغط على حفتر ضد الوجود الروسي

حفتر مع قادة قواته في بنغازي (الجيش الوطني)
حفتر مع قادة قواته في بنغازي (الجيش الوطني)

تجمع العديد من التعليقات والتحليلات الأميركية على وصف محاولات روسيا نقل «التنافس» مع الولايات المتحدة والغرب عموما إلى مناطق أخرى، وخصوصا في أفريقيا، على أنه إمعان في سياسة الهروب إلى الأمام، نتيجة حربها في أوكرانيا.

وتسعى موسكو إلى تثبيت نفوذ أكبر لها في القارة السمراء، عبر إقامة قواعد لها على البحر الأبيض المتوسط، لتمكين سفنها الحربية من استخدامها، خصوصا في ليبيا، وتوسيع بصمتها البحرية في الفناء الخلفي لحلف «الناتو».

حفتر يتفقد الوضع في مدينة درنة (الجيش الوطني)

وبحسب صحيفة «وول ستريت جورنال»، فقد التقى في الأسابيع الأخيرة مسؤولون روس كبار، بمن فيهم نائب وزير الدفاع يونس بك يفكوروف، مع الجنرال خليفة حفتر قائد «الجيش الوطني الليبي» الذي يسيطر على شرق البلاد، لمناقشة «حقوق الرسو على المدى الطويل» في المناطق التي يسيطر عليها، وفقا لمسؤولين ومستشارين ليبيين، قالوا أيضا إن الروس «طلبوا الوصول إلى موانئ بنغازي أو طبرق، وكلها تقع على بعد أقل من 650 كيلومترا من اليونان وإيطاليا».

ويتحرك الجيش الروسي والمجموعات الأمنية الموالية للكرملين أيضا للسيطرة على الوحدات العسكرية المتمركزة في أفريقيا والأصول التابعة لمجموعة «فاغنر» في أعقاب مقتل مؤسسها، يفغيني بريغوجين، الشهر الماضي. وقد بنى بريغوجين وجودا للمجموعة في ستة بلدان في الشرق الأوسط وأفريقيا، مع 6 آلاف مقاتل، غالبا ما يوفرون الأمن للقادة السياسيين المحليين، وأحيانا مقابل الوصول إلى موارد قيمة.

وتأتي المحادثات مع حفتر بشأن الوصول إلى الموانئ في الوقت الذي يسعى فيه الكرملين إلى تعميق نفوذه في أفريقيا والتصدي للولايات المتحدة التي كانت تضغط على الدول الأفريقية للانضمام إلى التحالف الغربي في عزل روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا.

اجتماع حفتر مع قيادات حكومية وعسكرية بشرق البلاد (الجيش الوطني)

ولمواجهة هذه الجهود الروسية، من المتوقع أن تزور بعثة دبلوماسية وعسكرية أميركية مشتركة ليبيا في وقت لاحق من هذا الشهر للضغط على حفتر لطرد مرتزقة «فاغنر»، وتشجيعه على توحيد قواته مع تلك التي تسيطر عليها الفصائل المتنافسة. وتأمل الولايات المتحدة أن يؤدي ذلك إلى إنشاء منطقة عازلة للاضطرابات المتزايدة في منطقة الساحل، وهي المنطقة التي شهدت تصاعدا في الأنشطة الجهادية وسلسلة من الانقلابات التي أطاحت بالحكومات هناك، كما يقول أشخاص مطلعون على الزيارة المخطط لها منذ مدة.

ومن المتوقع أن يجتمع مايكل لانغلي، قائد القيادة الأميركية الأفريقية (أفريكوم)، وريتشارد نورلاند، المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا، بشكل منفصل مع حفتر، (الذي يحمل الجنسية الأميركية وتقيم عائلته في ولاية فيرجينيا، منذ أن انشق عن الزعيم الليبي معمر القذافي قبل عقود)، وعبد الحميد الدبيبة، رئيس الحكومة الليبية المعترف بها دوليا ومقرها طرابلس في غرب البلاد.

عناصر من «فاغنر» في شمال مالي (أرشيفية - أ.ب)

ومع محاولات روسيا التوسع في أفريقيا، بدا الغرب في موقف دفاعي، خصوصا مع الانقلابات العسكرية الأخيرة التي شهدتها دول عدة، وكان آخرها في النيجر، التي تولى مجلس عسكري موالٍ لروسيا السلطة فيها. وأثار الانقلاب مخاوف من أن الاستراتيجية الأميركية لمواجهة المتشددين الإسلاميين في المنطقة قد انقلبت رأسا على عقب. لكن قائد القوات الجوية الأميركية قال إن الولايات المتحدة استأنفت تحليق طائرات من دون طيار لمهمة مكافحة الإرهاب في النيجر.

وقالت نائبة المتحدث باسم البنتاغون، سابرينا سينغ خلال مؤتمر صحافي الخميس «يمكننا أن نؤكد أن القوات الأميركية في النيجر بدأت عمليات طيران لرصد التهديدات وحماية القوة». وأضافت أن «الولايات المتحدة تحتفظ دائما بالحق في إجراء عمليات لحماية قواتنا وأفرادنا إذا لزم الأمر». وتحتفظ الولايات المتحدة بأكثر من ألف جندي في النيجر كانوا، على الأقل حتى يوليو (تموز) من هذا العام، يشاركون إلى جانب القوات النيجرية في عمليات مكافحة الإرهاب والتدريب على مساعدة قوات الأمن. وقد توقفت هذه الجهود مؤقتا في أعقاب الانقلاب الذي أطاح بالرئيس النيجري محمد بازوم في 26 يوليو. وقالت سينغ: «لم تستأنف الولايات المتحدة عمليات مكافحة الإرهاب، أو أي تدريب لمساعدة قوات الأمن في النيجر».

لقطة من فيديو انتشر على تطبيق «تلغرام» لزعيم «فاغنر» برفقة مجندين جدد (أ.ف.ب)

وقال كاميرون هدسون، الذي شغل سابقا منصب كبير مساعدي المبعوث الأميركي الخاص للسودان: «إن الروس في وضع توسع عدواني والولايات المتحدة تحاول فقط الحفاظ على وجودها في أفريقيا».

السيطرة على ممرات الطاقة

وشهدت ليبيا أول تمركز لمجموعة «فاغنر» في أفريقيا، وكان حفتر شريكا إقليميا رئيسيا لها، حيث يتمركز حوالي 1200 مقاتل منها في قواعد «الجيش الوطني»، بما في ذلك قاعدة جوية تستخدم كمركز عبور إلى دول أفريقية أخرى.

ورغم أن طلب روسيا حقوق الرسو في شرق ليبيا لا يشكل تهديدا فوريا لحلف «الناتو»، فإن القلق متأتٍ من أن موسكو قد تقوم في النهاية بتوسيع وجودها هناك. ويتابع حلف «الناتو» التحركات البحرية الروسية عن كثب، بحسب المتحدث باسم الحلف ديلان وايت. وأضاف أن «حلف شمال الأطلسي زاد بشكل كبير وجوده في البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك النشر المستمر لمجموعة حاملات الطائرات الأميركية منذ غزو موسكو لأوكرانيا».

آخر ظهور لرئيس مجموعة «فاغنر» يفغيني بريغوجين في أفريقيا (أ.ب)

وقال متحدث باسم «الجيش الوطني الليبي» إنه ليست لديه أي معلومات عن مناقشات حفتر مع المسؤولين الروس بشأن الوصول إلى الموانئ. مع الإشارة إلى أن نظام القذافي عرض عام 2008 على روسيا الوصول إلى الموانئ، لكن موسكو رفضت العرض في ذلك الوقت. ولا يعرف بعد ما إذا كان حفتر، الذي يتعرض لضغوط من الولايات المتحدة لقطع العلاقات مع الروس، سيقبل اقتراح موسكو برسو سفنها البحرية في أي من الموانئ التي يسيطر عليها.

ونشرت روسيا، التي تسيطر بالفعل على ميناء طرطوس شرق البحر الأبيض المتوسط ​​في سوريا، طرادات الصواريخ الموجهة «سلافا»، مباشرة بعد غزوها لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022. وعد نشر تلك الصواريخ بأنه محاولة لترهيب «الناتو».

ويعد شرق ليبيا نقطة عبور حيوية للطائرات الروسية التي تحلق من روسيا أو سوريا إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ويقول مسؤولون أفارقة وروس وغربيون، حاليون وسابقون، إن نشر مرتزقة «فاغنر» في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى لم يكن ممكنا دون الوصول إلى قاعدة حفتر الجوية. وتجري موسكو أيضا مناقشات لإنشاء مركز جوي في جمهورية أفريقيا الوسطى، وفقا للمستشار الأمني ​​لذلك البلد، فيديل جواندجيكا.


مقالات ذات صلة

بريطانيا تصدر عقوبات جديدة على صلة بـ«فاغنر» الروسية

أوروبا بريطانيا تفرض 46 عقوبة جديدة على روسيا بما في ذلك على مواطنين لديهم صلات بمجموعة فاغنر (رويترز)

بريطانيا تصدر عقوبات جديدة على صلة بـ«فاغنر» الروسية

قالت الحكومة البريطانية، اليوم (الخميس)، إنها فرضت 46 عقوبة جديدة على روسيا بما في ذلك على مواطنين على صلة بمجموعة فاغنر العسكرية الروسية، وفق «رويترز».

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا طوارق مع عناصر في الجيش الجزائري أثناء نقل جرحى إلى المستشفى (خبير عسكري جزائري)

الجزائر تطالب بعقوبات ضد مالي بعد هجوم شنته فوق أراضيها

طالبت الجزائر بإنزال عقوبات دولية على الحكومة المالية، بعد الهجوم الذي شنّه الجيش المالي على مواقع للطوارق المعارضين في بلدة تقع على الحدود مع الجزائر.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا عناصر من القوات التركية تتولى تدريب قوات ليبية (وزارة الدفاع التركية)

​تقارير أممية تكشف عن تورط تركيا في انتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا

كشفت تقارير للأمم المتحدة عن تورط شركة «سادات للاستشارات الدفاعية الدولية» التركية في انتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا وتجنيد آلاف المرتزقة السوريين.

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
شمال افريقيا طوارق مع عناصر في الجيش الجزائري أثناء نقل جرحى إلى المستشفى (خبير عسكري جزائري)

قتلى وجرحى في هجوم للجيش المالي على مواقع للطوارق قرب بلدة جزائرية

القصف يدلّ على تصاعد التوتر منذ أن قرّر الحاكم العسكري في باماكو إلغاء «اتفاق السلام»، مطالباً الجزائر بـ«التوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لمالي».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
خاص معمّر القذافي (رويترز)

خاص «تركة القذافي»... ليبيا منقسمة وعملية سياسية ميتة

تغيَّرت ليبيا كثيراً منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011. فشل الليبيون في إقامة نظام جديد أفضل منه. ولكن من هم المتنافسون على تركة القذافي؟

كميل الطويل (لندن)

البرهان: لا تفاوض ولا تسوية مع «قوات الدعم السريع»

قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يخاطب مؤتمراً اقتصادياً في بورتسودان (الجيش السوداني)
قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يخاطب مؤتمراً اقتصادياً في بورتسودان (الجيش السوداني)
TT

البرهان: لا تفاوض ولا تسوية مع «قوات الدعم السريع»

قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يخاطب مؤتمراً اقتصادياً في بورتسودان (الجيش السوداني)
قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يخاطب مؤتمراً اقتصادياً في بورتسودان (الجيش السوداني)

أكد رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، الاثنين، رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع «قوات الدعم السريع»، وقال إن «التسوية التي طرحناها أن تضع تلك القوات السلاح، وتتجمع في أماكن معينة»، بعد ذلك ينظر الشعب في شأنها».

ولدى مخاطبته مؤتمر حول قضايا المرأة في شرق السودان، بمدينة بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد، تعهد البرهان بالقضاء على «الميليشيا المتمردة طال الزمن أو قصر». وأضاف أن ما يتردد في وسائل التواصل الاجتماعي عن تسوية مع «قوات الدعم السريع» غير صحيح، مشيراً إلى أنها ارتكبت انتهاكات في حق المواطنين، ولا تزال تحاصر مدينة الفاشر عاصمة شمال ولاية دارفور في غرب البلاد.

وأضاف أن الحديث عن تقدم مجلس السيادة بدعوة للقوى السياسية لعقد مؤتمر للتفاوض بمدينة أركويت في شرق السودان، «ليس صحيحاً»، مضيفاً أن «باب التوبة مفتوح، ونرحب بأي سوداني مخلص، لكن التوبة لها شروط».

وقال إن القوات المسلحة (الجيش) والقوات النظامية الأخرى و«المستنفرين» (المدنيين الذين سلحهم الجيش) يمضون «بكل عزيمة وإصرار نحو القضاء على ميليشيا آل دقلو الإرهابية المجرمة»، في إشارة إلى عائلة قائد «قوات الدعم السريع» الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف باسم «حميدتي».

وشدد البرهان على ضرورة الاهتمام بالمرأة لتسهم في بناء السودان، مشيراً إلى أن المرأة في شرق البلاد لم تنل حظها في التعليم، بسبب عادات وتقاليد كانت سائدة في المجتمع.

نازحون سودانيون من ولاية سنار لدى وصولهم إلى مدينة القضارف في يوليو الماضي (أ.ف.ب)

ميدانياً، واصل الجيش تقدمه في ولاية سنار، حيث استعاد عدداً من البلدات بعد سيطرته مؤخراً على مدينة سنجة عاصمة الولاية التي تقع في الجزء الجنوبي الشرقي للبلاد. وأفادت مصادر محلية «الشرق الأوسط» بأن قوات الجيش مسنودة بعدد من كتائب الإسلاميين «المستنفرين» تمكنوا منذ يوم الأحد من استعادة السيطرة الكاملة على بلدات ريفية مجاورة للعاصمة سنجة، وهي «ود النيل» و«أبوحجار» و«دونتاي»، دون خوض معارك مع «قوات الدعم السريع» التي انسحبت، وبدأت في التوغل نحو ولاية النيل الأزرق جنوب شرقي البلاد. ووفق المصادر نفسها، أصبحت كل مدن وبلدات الولاية تحت سيطرة الجيش الذي يحاصر ما تبقى من «قوات الدعم السريع» في بلدتي «الدالي» و«المزمزم».

وكان الجيش قد أعلن، يوم السبت، استعادته رئاسة «الفرقة 17» مشاة في مدينة سنجة. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي خاض الجيش معارك ضارية ضد «قوات الدعم السريع»، نجح من خلالها في استعادة السيطرة على منطقة «جبل موية» ذات الموقع الاستراتيجي التي تربط ولاية سنار بولايتي الجزيرة والنيل الأبيض.

ولا تزال «قوات الدعم السريع» تسيطر على معظم أنحاء العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة في وسط البلاد ومنطقة غرب دارفور الشاسعة، إضافة إلى جزء كبير من ولايات كردفان إلى الجنوب. ووفقاً لحصر الأمم المتحدة وشركاء العمل الإنساني في السودان، قتل أكثر من 188 ألف شخص، وأصيب أكثر من 33 ألفاً منذ اندلاع الصراع بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في أبريل (نيسان) 2023.