حرب السودان في شهرها السادس... ولا ضوء في النفق

رهان على منبر جدة مخرجاً من الكارثة الإنسانية الناجمة عن الحرب

0 seconds of 32 secondsVolume 90%
Press shift question mark to access a list of keyboard shortcuts
00:00
00:32
00:32
 
TT
20

حرب السودان في شهرها السادس... ولا ضوء في النفق

من اشتباكات الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في مايو الماضي (رويترز)
من اشتباكات الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في مايو الماضي (رويترز)

يتواصل القتال بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» للشهر السادس على التوالي، من دون توقف، ومن دون ظهور ملامح انتصار لأحد طرفي القتال على الآخر يحسم المعركة، ومن دون أن يعرف أحد كيف يتوقف القتال ومتى يتوقف، على الرغم من الأضرار الفادحة التي ألحقها قتال القوتين، الذي اندلع في الخرطوم وتوسع إلى مناطق أخرى في البلاد، بالمواطنين. وما زال الطرفان يتمسكان بمواصلة القتال. فالجيش، ووفقاً لتصريحات صادرة عن قائده العام الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يرهن وقف القتال بهزيمة «ميليشيا الدعم السريع»، بينما ترهن قوات «الدعم السريع» نهاية الحرب بالقضاء على ما يطلق عليهم «فلول الإسلاميين» داخل الجيش، والعودة للانتقال المدني الديمقراطي.

مزاعم حسم لم تتحقق

واندلع القتال صبيحة السبت 15 أبريل (نيسان) الماضي، في العاصمة الخرطوم حول أحد معسكرات «الدعم السريع» في جنوب العاصمة، وهو معسكر «المدينة الرياضية»، ثم تمدد سريعاً ليصل إلى مقر القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم، والقصر الرئاسي ومنطقة وسط الخرطوم، إضافة إلى القاعدة الجوية في منطقة «مروي» في شمال البلاد، ومعظم المواقع العسكرية والسيادية في الخرطوم.

وعند بداية الحرب، زعم كلا الطرفين أنه قادر على حسم الحرب خلال ساعات، أو بالأكثر أيام أو أسابيع. ففي الساعات الأولى، أعلن الجيش السوداني أنه دمر كافة مراكز السيطرة والتحكم والاتصالات والمعسكرات التابعة لـ«الدعم السريع»، وأكد أنه سيحسم المعركة خلال ساعات، لكن هذه الساعات امتدت لقرابة نصف العام حتى الآن.

وقتها، قالت قوات «الدعم السريع» إنها سيطرت على معظم المراكز القيادية للجيش، وإنها تحاصر قادته في الجزء الشمالي من مقر القيادة العامة للجيش، وإنه لن يمضي وقت طويل حتى تلقي القبض عليهم، وننهي المعركة. لكن مزاعم «الدعم السريع» لم تتحقق حتى الآن، وإن كانت السيطرة على الأرض لا تزال لصالحها.

قتل ونزوح وانتهاكات

وأدّت الحرب في السودان إلى مقتل نحو 5 آلاف مدني، وإصابة عشرات الآلاف، فضلاً عن لجوء أكثر من مليون إلى دول الجوار، ونحو 4 ملايين نزحوا خارج العاصمة الخرطوم، إلى جانب انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان تضمنت انتهاكات جنسية واحتلالاً لمنازل المواطنين، يوجه الاتهام في معظمها إلى «الدعم السريع».

المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد شاهدت مآسي خلال زيارتها مخيماً للاجئين السودانيين في تشاد (رويترز)
المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد شاهدت مآسي خلال زيارتها مخيماً للاجئين السودانيين في تشاد (رويترز)

كما دُمرت بشكل كبير البنية التحتية والأعمال ومنازل المواطنين، وخرجت معظم المشافي ودور العلم والجامعات في الخرطوم من الخدمة، وهي خسائر قدرها محللون اقتصاديون بمئات المليارات من الدولارات، ما جعل البلاد تواجه كارثة إنسانية حقيقية، يعاني خلالها النازحون واللاجئون أوضاعاً بالغة القسوة، يتهددهم فيها الجوع والمرض وسوء الأوضاع المعيشية.

ثلاث وساطات

ولم تنجح حتى الآن ثلاث وساطات لوقف الحرب، هي الوساطة السعودية الأميركية، ووساطة مجموعة دول «إيغاد»، ووساطة دول الجوار، ولم تلقَ دعوات المجتمعَين الإقليمي والدولي للطرفين للتوقف عن القتال واللجوء للحلول التفاوضية آذاناً مصغية، بتوقيع وقف الأعمال العدائية والالتزام بوقف إطلاق نار دائم، تعقبه عملية سياسية تعود بالبلاد إلى مرحلة الانتقال المدني الديمقراطي التي أعاقتها الحرب.

ويسيطر «الدعم السريع» حتى الآن على معظم العاصمة الخرطوم، وعلى عدد من المناطق العسكرية وشبه العسكرية، بينما يسيطر الجيش على جزء من مقر القيادة العامة، وسلاح المدرعات، وسلاح المهندسين والسلاح الطبي المتجاورين، وسلاح الذخيرة، ومنطقة كرري العسكرية بما فيها مطار وادي سيدنا العسكري.

جانب من الدمار الذي سببته الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في دارفور (أ.ف.ب)
جانب من الدمار الذي سببته الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في دارفور (أ.ف.ب)

واعتاد «الدعم السريع» على شن هجمات متواصلة على مراكز سيطرة الجيش، بينما اكتفى الجيش بالدفاع باستماتة عن تلك المناطق المتبقية له، في وقت امتدت فيه عمليات «الدعم السريع» إلى مدن في إقليمي دارفور وكردفان، وأطراف إقليم الجزيرة المجاور للخرطوم، وواظب الجيش على الدفاع عن مقاره العسكرية، مستخدماً بشكل كبير الطيران الحربي والمدفعية بعيدة المدى، ما أدى إلى مقتل مئات المدنيين وتدمير أعداد كبيرة من المنازل والمنشآت الحيوية.

رهان على منبر جدة

وبعد خروج قائد الجيش عبد الفتاح البرهان من القيادة العامة للجيش، أبدى كثيرون تفاؤلهم بأنه سيتجه إلى مدينة جدة السعودية لمواصلة التفاوض الذي انقطع مع «الدعم السريع»، وتوقيع اتفاق وقف إطلاق نار، بيد أن الرجل آثر أن يتجول في الإقليم متجاهلاً جدة، بل أطلق تصريحات تعبوية ذكر فيها أن الحرب تنتهي بالقضاء على تمرد قوات «الدعم السريع» وخروجها من منازل المواطنين.

ويرهن معظم المحللين والمتابعين الوصول إلى وقف لإطلاق نار وإنهاء الحرب بمنبر مدينة جدة، الذي تتوسط فيه المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، ويعتقدون أن عودة قائد الجيش إلى طاولة التفاوض وتوقيع اتفاق وقف القتال يسهلان إيصال المساعدات الإنسانية ويمهدان لوقف إطلاق نار دائم بين الطرفين المتقاتلين بلا جدوى منذ قرابة نصف العام.

المبعوث الأممي إلى السودان المستقيل فولكر بيرتس حذر من حرب أهلية (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى السودان المستقيل فولكر بيرتس حذر من حرب أهلية (الأمم المتحدة)

يقول أستاذ الإعلام الدكتور أبوبكر شبو لـ«الشرق الأوسط»، إن حرب الجنرالين التي سماها بـ«العبثية» تدخل شهرها السادس من دون ظهور ضوء في نفقها يبشر بقرب وقفها، بعد أن أتت على الأخضر واليابس، وحصدت من أرواح المدنيين أضعاف ما حصدته من أرواح المتقاتلين. ويتابع: «فشل طرفا النزاع خلال الشهور الخمسة المنصرفة في تحقيق أي من أهدافهما المعلنة صبيحة 15 أبريل، ونجحا في قتل المدنيين ودمّرا مؤسسات البلاد وبناها التحتية، بصورة غير مسبوقة».

وأوضح الدكتور شبو أن خروج قائد الجيش من مخبئه في القيادة العامة أثار الكثير من التكهنات والتفاؤل بأن الأمر تم برعاية أميركية قضت بخروجه إلى بورتسودان، ثم عواصم إقليمية لحشد الدعم السياسي لموقفه التفاوضي، من أجل الوصول لاتفاق وقف إطلاق نار طويل الأمد. ويتابع: «السؤال الذي يشغل الرأي العام هو: هل يحط قائد الجيش في جدة السعودية بوصفها محطة أخيرة لتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، أم تستطيع الحركة الإسلامية التي تملك نفوذاً قوياً في الجيش قطع الطريق أمام وقف إطلاق النار؟».

هل يفترق الجيش عن الإسلاميين؟

ويلمح الصحافي والمحلل السياسي عثمان فضل الله، بحسب صفحته على «فيسبوك»، إلى احتمالات حدوث اختراق، ويقول إن البرهان، وقبيل مغادرته إلى تركيا، اجتمع باثنين من كبار المحسوبين على قائد «الدعم السريع»، وأن لا أحد يعرف ماذا دار في الاجتماع، بيد أن فضل الله يقول إن من يسميهم بعض «غلاة الإسلاميين» بدت عليهم علامات تدهور متسارع في علاقة الجيش و«فلول النظام السابق». ويقول: «انتقل التهاتر والاتهامات من دائرة البرهان، أو ما يسمونه (خيانة القيادة)، ليشمل قادة الفرق والحاميات في الولايات، بحجة رفضهم تسليح المستنفرين».

حذّرت الأمم المتحدة من «كارثة إنسانية» في السودان (رويترز)
حذّرت الأمم المتحدة من «كارثة إنسانية» في السودان (رويترز)

ويشير فضل الله إلى أن بعض حسابات الإسلاميين وصلت إلى مرحلة ما أسماه «التلويح بالتمرد» على الجيش، والدعوة لاقتحام حاميات الولايات لأخذ السلاح بالقوة، وإيصال رسالة بأن الحرب لن تتوقف، حتى لو وقع الجيش اتفاقاً مع «الدعم السريع»، مشيراً إلى أن من أسماه «داعماً كبيراً» لاستمرار الحرب، توعد بمواجهة البرهان والجيش إذا أوقف الحرب، وإلى أن الثقة داخل تحالف الإسلاميين بالجيش ضعفت كثيراً. وتساءل: «هل تلوح في الأفق نذر مواجهة بين الجيش وكتائب الإسلاميين؟».


مقالات ذات صلة

مؤتمر لندن الدولي: توافق على «سودان آمن» و«دبلوماسية صبورة»

شمال افريقيا المشاركون في مؤتمر لندن حول السودان أثناء اجتماعهم

مؤتمر لندن الدولي: توافق على «سودان آمن» و«دبلوماسية صبورة»

تعهدت بريطانيا والاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، بتقديم مئات الملايين من الدولارات لتخفيف المعاناة في السودان، خلال مؤتمر دولي عقد في لندن.

شمال افريقيا سكان محليون يهتفون مع وصول الجنود إلى منطقة استعادها الجيش السوداني مؤخراً جنوب الخرطوم (أ.ب)

الأمم المتحدة تتوقع عودة 2.1 مليون نازح للخرطوم خلال 6 أشهر

أعلنت الأمم المتحدة اليوم الثلاثاء أنها تتوقع عودة أكثر من مليوني نازح من السودان الذي مزقته الحرب إلى الخرطوم خلال الأشهر الستة المقبلة، إذا سمحت الظروف.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك (موقع «صمود» على فيسبوك)

حمدوك يطالب باجتماع لمجلس الأمن بحضور البرهان وحميدتي

دعا رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك لعقد اجتماع مشترك بين مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي وأطراف النزاع السوداني للاتفاق على «هدنة إنسانية».

محمد أمين ياسين (نيروبي) «الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي عائلات تتجمع بجانب المياه الضحلة لنهر النيل في جزيرة توتي حيث يلتقي النيلان الأزرق والأبيض في الخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب) play-circle

توتي من «حديقة الخرطوم» إلى جزيرة مهجورة بسبب حرب السودان

باتت جزيرة توتي الواقعة بين النيل الأبيض والنيل الأزرق في العاصمة السودانية، شبه مهجورة مع مرور سنتين على اندلاع الحرب.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
العالم العربي سودانيون نازحون ينتظرون قبل الصعود إلى سفينة عسكرية في بورتسودان (أ.ب) play-circle

مؤتمر دولي حول السودان في غياب أطراف الصراع... و«اليونيسف»: الحرب حطّمت حياة ملايين الأطفال

تستضيف لندن اليوم (الثلاثاء) مؤتمراً حول السودان بهدف حشد المجتمع الدولي لإنهاء النزاع.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«هدنة غزة»: استئناف الاتفاق على «المحك» بعد مقترح إسرائيلي

فلسطينيون تجمعوا في موقع غارة إسرائيلية على منزل خلال وقت سابق (رويترز)
فلسطينيون تجمعوا في موقع غارة إسرائيلية على منزل خلال وقت سابق (رويترز)
TT
20

«هدنة غزة»: استئناف الاتفاق على «المحك» بعد مقترح إسرائيلي

فلسطينيون تجمعوا في موقع غارة إسرائيلية على منزل خلال وقت سابق (رويترز)
فلسطينيون تجمعوا في موقع غارة إسرائيلية على منزل خلال وقت سابق (رويترز)

ساعات حاسمة أمام مقترح جديد طرحته إسرائيل لاستئناف وقف إطلاق النار في قطاع غزة، انتظاراً لرد «حماس» الوشيك والذي استبقته بشروط من قيادات بارزة بالحركة، بأهمية أن يتضمن مساراً لإنهاء الحرب، وسط توقُّع إعلام عبري «تعثراً» في ظل رفض حكومة بنيامين نتنياهو ذلك المطلب مبدئياً.

ويتوقع خبراء في الشأن الإسرائيلي والفلسطيني، في أحاديث لـ«الشرق الأوسط»، ألا تقبل «حماس» بالمقترح الإسرائيلي بشكل كامل، وأن تُقْدِم على طلب تعديلات تضمن إنهاء الحرب، وإيجاد ضمانات على تنفيذ ذلك.

وأشاروا إلى أن استئناف الاتفاق مع ملاحظات الحركة الفلسطينية سيكون على المحك إلا إذا تَدَخَّلَ الوسطاء بصيغ جديدة لتقريب وجهات النظر، مع وجود ضغوط أميركية حريصة أن تتم زيارة الرئيس دونالد ترمب للخليج، الشهر المقبل، وسط تهدئة.

وتوقع قيادي في حركة «حماس»، طلب عدم الكشف عن اسمه، في حديث لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الثلاثاء، أن تسلِّم الحركة للوسطاء في مصر وقطر، ردها على المقترح الجديد لاستئناف وقف إطلاق النار خلال الـ48 ساعة المقبلة، موضحاً أن «مشاورات معمقة وبمسؤولية وطنية عالية لا تزال مستمرة».

وبدأت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وتم خلالها تبادل الرهائن والأسرى، لكن بعد شهرين انهار الاتفاق مع رفض نتنياهو تنفيذ المرحلة الثانية الممهدة لإنهاء الحرب، ولم تنجح مقترحات مصرية إسرائيلية أميركية في مارس (آذار) الماضي وأوائل أبريل (نيسان) الحالي في حلحلة الأزمة، قبل أن تزور «حماس»، الأحد، القاهرة، وتعلن مصادر مصرية لقناة «القاهرة الإخبارية» المصرية في اليوم التالي، أن «مصر تسلمت مقترحاً إسرائيلياً بوقف مؤقت لإطلاق النار في غزة، وبدء مفاوضات تقود لوقف دائم لإطلاق النار، سلمته إلى (حماس)، وتنتظر ردها في أقرب فرصة».

وأفادت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، الثلاثاء، عن مصدر بأن «الاختراق في المفاوضات المتعثرة لا يبدو وشيكاً، رغم وجود تقارير متعددة تفيد بتحقيق تقدُّم تدريجي في المحادثات، لا سيما أن العناصر التي تمنع التوصل إلى اتفاق حتى الآن لا تزال قائمة»، موضحة أن «حماس، رغم تراجعها أخيراً عن رفضها اتفاق هدنة مؤقتاً، ما زالت تصرّ على الحصول على ضمانات قوية بأن تؤدي الهدنة المؤقتة إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة، وهو أمر ترفضه إسرائيل ما لم تتخلَّ (حماس) عن السيطرة الأمنية والإدارية على القطاع».

رئيس الدائرة السياسية لـ«حماس» في الخارج، سامي أبو زهري، قال في تصريحات لـ«رويترز»، الثلاثاء، إن المقترح لم يُلبِّ المطلب الأساسي للحركة الفلسطينية والمتمثل في التزام إسرائيل بوقف الأعمال القتالية تماماً، لافتاً إلى أن المقترح الإسرائيلي تضمن لأول مرة نزع سلاح المقاومة ضمن مفاوضات المرحلة الثانية، مؤكداً أن «تسليم سلاح المقاومة هو مليون خط أحمر، وهو أمر غير خاضع للسماع فضلاً عن النقاش».

صورة من الجو التقطتها مُسيّرة تُظهر حجم الدمار في بيت حانون بشمال قطاع غزة خلال وقت سابق (رويترز)
صورة من الجو التقطتها مُسيّرة تُظهر حجم الدمار في بيت حانون بشمال قطاع غزة خلال وقت سابق (رويترز)

ونقلت قناة «الجزيرة» القطرية، الثلاثاء، عن قيادي في «حماس» لم تسمه أن «المقترح الذي نقلته مصر يشمل إطلاق سراح نصف أسرى الاحتلال في الأسبوع الأول من الاتفاق، وجميع الأسرى الأحياء والأموات في نهاية 45 يوماً منه، كما يشمل تهدئة مؤقتة لـ45 يوماً مقابل إدخال المساعدات»، مضيفاً: «مصر أبلغتنا أنه لا اتفاق لوقف الحرب دون التفاوض على نزع سلاح المقاومة، والحركة أبلغت مصر أن المدخل لأي اتفاق هو وقف الحرب والانسحاب وليس السلاح، لأن مناقشة مسألة سلاح المقاومة مرفوضة جملة وتفصيلاً».

ويرى رئيس «منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية»، سمير غطاس، أن استئناف الهدنة في غزة سيكون على المحك، وهكذا حاله منذ اندلاع الحرب، مشيراً إلى أن إسرائيل ستستغل أي رفض لتوسيع هجومها بغزة، ورفع سقف مطالبها في ظل عجز «حماس»، ولن تقبل بأي نقاش حول المرحلة الثانية، ومن ثم لا تزال فرص التعثر أكبر من النجاح ما لم تتدخل واشنطن.

وأضاف «لكن (حماس) تراهن على الضغوط الداخلية المتصاعدة ضد نتنياهو، لا سيما عقب مطالبات جنود بوقف الحرب، ما يجعله يقبل بصيغ أخرى للاتفاق، فضلاً عن أنها تدرك أن ترمب يريد إجراء زيارته للمنطقة، الشهر المقبل، وسط تهدئة، وبالتالي المماطلة في الرد أو إبداء ملاحظات قد تراها فرصة أكبر لضغوط أكبر على رئيس الوزراء الإسرائيلي».

ويتوقع المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «ألا تقبل (حماس) بشكل كلي المقترح الإسرائيلي، وأن تقدم ملاحظات، وهنا سيحاول الوسيطان المصري والقطري إيجاد صيغ أخرى لتقريب وجهات النظر في ظل إدراكهما رغبة واشنطن في التوصل لاتفاق قبل زيارة ترمب للمنطقة»، مرجحاً ضغوطاً أكبر على نتنياهو من البيت الأبيض لإنجاز اتفاق قريب.

ولا يزال الوسطاء يعوِّلون على توقيع اتفاق هدنة جديدة في غزة، وشدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، في لقاء بالعاصمة الكويتية، الثلاثاء، على ضرورة وقف إطلاق النار بشكل فوري في قطاع غزة، ومواصلة تبادل الرهائن والمحتجزين، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية بكميات كافية بشكل عاجل، وفق بيان صحافي للرئاسة المصرية.

امرأة مسنة تبكي على ضحايا الغارات الجوية الإسرائيلية في دير البلح في وقت سابق (أ.ف.ب)
امرأة مسنة تبكي على ضحايا الغارات الجوية الإسرائيلية في دير البلح في وقت سابق (أ.ف.ب)

يأتي هذا التمسك المصري بالتعجيل بالهدنة، في ظل إعلان وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، الثلاثاء، أن الوضع في غزة جحيم يزداد سوءاً، مضيفة في بيان صحافي: «مخازننا أصبحت فارغة، وهناك عشرات الآلاف من الجائعين في قطاع غزة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية والإمدادات التجارية دون عوائق بات ضرورة ملحّة».

وبالتزامن، شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اتصال هاتفي مع نتنياهو، الثلاثاء، على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة، ونزع سلاح حركة «حماس»، وأن فتح كل المعابر أمام المساعدات الإنسانية ضرورة بالغة بالنسبة للمدنيين في غزة، وفق «رويترز».

ويرى غطاس أن الوضع في غزة صعب للغاية، ويحتاج إلى هدنة في أقرب وقت، متوقعاً أن تزداد ضغوط الوسطاء لإنجاز تلك الهدنة بالضغط على «حماس» أكثر بصيغ أخرى، كما ستلعب ضغوط ترمب على نتنياهو دوراً هاماً في هذا الصدد، مضيفاً: «وقد نرى صياغة مقبولة لطرفي الحرب، مثلاً بإجراء مفاوضات بشأن المرحلة الثانية في منتصف الهدنة المقبلة لتقبل بها (حماس)، ولكن كالعادة قد ترفض إسرائيل الالتزام بها مستقبلاً».

ويؤكد غطاس أن ترمب لن يقبل إلا بإتمام هدنة قبل نهاية الشهر على أن تمتد لنحو 45 أو 60 يوماً ليزور المنطقة وسط تهدئة وليس حرباً، وهذا ربما يزيد فرص إبرام الاتفاق قريباً.

بينما يتوقع الرقب أن تنجح المواقف المصرية أو الفرنسية في حلحلة أزمة الاتفاق الذي بات استئنافه على المحك بصورة لافتة، مرجحاً أن تنجح جهود إضافية للوسطاء والدول الكبرى وقبلها واشنطن في الضغط للتواصل لتوافق قريب قبل زيارة ترمب للمنطقة.