البحر يلفظ العشرات من جثث درنة... وعائلات الضحايا تشتكي من نقص الأكفان

مسؤول بحكومة الدبيبة يؤكد إهمال تشققات ظهرت في سدي المدينة منذ التسعينات

TT

البحر يلفظ العشرات من جثث درنة... وعائلات الضحايا تشتكي من نقص الأكفان

عناصر من الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين تنتشل الجثث في مدينتي درنة وسوسة (الهيئة)
عناصر من الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين تنتشل الجثث في مدينتي درنة وسوسة (الهيئة)

لفظ البحر خلال الساعات الأخيرة عشرات الجثث التي طفت على الشاطئ قبالة مدينة درنة الليبية، والتي تحسر الليبيون بسبب عدم قدرتهم على انتشالها، فيما ظهرت أزمة جديدة تمثلت في نقص الأكفان والمُغسّلين، بالنظر إلى كثرة الضحايا الذين تم استخراجهم من تحت الأنقاض والركام.

ومنذ أن استفاق مواطنو درنة على نكبة إعصار «دانيال»، الذي اجتاح مدينتهم، وأوقع الآلاف منهم، بدأوا في البحث عن ذويهم وجيرانهم تحت حطام البنايات المُهدّمة، وفي التجمعات المائية، لكنهم فوجئوا بعشرات الجثث وهي تطفو على صفحة البحر، ومنذ ذلك الحين بدأوا يمكثون ساعات طويلة على الشاطئ أملا في التقاط ما تقذفه أمواجه.

وأظهرت مقاطع فيديو متداولة منذ وقوع الإعصار عشرات الجثث التي تطفو كل يوم على صفحة المتوسط، بعضها لأطفال. فيما قالت جمعية الهلال الأحمر الليبي إنها «تبذل أقصى جهودها لإنقاذ الأشخاص المفقودين، وانتشال الجثث».

أحد عناصر الهلال الأحمر الليبي (جمعية الهلال الأحمر)

وأوضحت الجمعية، اليوم (الخميس)، أن الإحصائيات الأولية «تشير إلى أن أعداد المفقودين قد تجاوزت عشرة آلاف شخص... ونحن نعمل بكل قوتنا لتحديد موقع وإنقاذ أكبر عدد ممكن من هؤلاء الأشخاص وإعادتهم سالمين».

كما تحدث ليبيون نجوا من الإعصار عن أهوال وقعت لهم ولذويهم جراء السيول التي غزت منازلهم وأغرقت غالبيتها، وجرفت بعضها بمن فيها إلى «المتوسط».

وبسبب كثرة الجثث ظهرت في درنة أزمة نقص الأكفان والمُغسّلين، وفي إدراج عبر حسابها على «فيسبوك» قالت الحقوقية وأستاذة القانون الليبية، خديجة البوشي، مساء (الأربعاء) إن مقبرة «مرتوب» في حاجة إلى من يساعد في التغسيل والدفن، مضيفة: «منذ يومين وهم يغسّلون هناك جثث كثيرة بدأت في التحلل، وعددهم قليل جداً ولا يستطيعون تلبية المطالب... تواصلنا معهم، لكن لا يمكن الوصول إليهم إلا بالطائرة، لذا لا يوجد إلا شباب المنطقة الذين يستطيعون مساعدتهم».

جنود من القوات المسلحة المصرية في درنة (صفحات موثوقة على مواقع التواصل)

وتسبب انهيار غالبية الطرق المؤدية إلى درنة في تعطل وصول المساعدات الإغاثية إليها، وقالت مصلحة الموانئ والنقل البحري الليبية إنها تبحث إمكانية دخول السفن والقاطرات ميناء درنة لإيصال المساعدات، بعد أن أجرت مسحا للممر الملاحي. مشيرة إلى أنه تم تشكيل لجنة بالميناء «للقيام بالمهام والاختصاصات، التي من شأنها تسهيل وتنظيم سفن الإغاثة، وإيصال المساعدات بأسرع وقت للمتضررين، ولسكان مدينة درنة والمدن المجاورة وانتشال المتوفين».

وأمام أزمة نقص الأكفان، ناشد ليبيون عديدون عبر صفحاتهم على مواقع التواصل ضرورة توفيرها، فاستجاب العديد من خارج درنة للتبرع بكميات كبيرة منها.

يقول الشاب أحمد العيسيوي إن «الكفن الذي كان سعره 50 دينارا ليبيا، أصبح الآن بـ190 دينارا»، وتساءل مستغرباً: «هل يعقل هذا؟ الاستغلال أصبح حتى في الموت!»

ووجه بعض المواطنين اللوم لهيئة الأوقاف الليبية لـ«عدم توفير الأكفان للمتوفين»، حسب زعمهم، لكن المدون الليبي رياض الناكوع تحدث أيضا عن «نقض كبير في المُغسّلات في درنة»، وقال إن «المساعدات لا تصل للجميع في درنة» لأسباب أرجعها إلى سوء إدارة الأزمة؛ مبرزا أن الناس هناك «يعانون من العطش». كما لفت أيضا إلى أن مدينة سوسة تعاني إلى الآن «من نقص حاد في المواد الغذائية والأغطية والملابس والكوادر الطبية».

وبدا من شكاوى المواطنين أن الكثير من المساعدات لم تصل إلى بلدات متضررة مثل المخيلي، الواقعة بين درنة وبنغازي، لأسباب أرجعها أحد أعيان المنطقة خليل العوكلي، لجغرافيا المنطقة.

وقال العوكلي إن المستشفى في سوسة «خارج الخدمة؛ ونناشد فرق الإنقاذ والمنظمات المعنية مساعدة جميع المتضررين».

شركة الخدمات العامة «طرابلس» تبدأ أعمال إزالة الركام داخل درنة (منصة حكومتنا)

من جهته، كشف عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة، أن وزارة التخطيط التابعة له تبين لها عند مراجعتها عقود صيانة سدي مدينة درنة «أبو منصور» و«وادي درنة» أن «العقود لم تستكمل، رغم تخصيص عشرات الملايين لهذا الغرض». وقال الدبيبة خلال اجتماع حكومته اليوم (الخميس) إن النائب العام الصديق الصور يحقق في هذا الموضوع، وقد استدعى مسؤولي التخطيط لمعرفة الأسباب.

وصدم ممثّل وزارة التخطيط، الذي حضر الاجتماع الوزاري، اليوم (الخميس)، الرأي العام الليبي، بقوله إن «الصيانة في السدين توقفت منذ عام 2011»، وتحدث أيضاً عن «اكتشاف مشكلات إنشائية فيهما منذ بداية التسعينات، أسفرت عن وجود تشققات في السدين».

وانهار السدان في الساعات الأولى للعاصفة التي ضربت درنة (الأحد)، مما أدى إلى اجتياح السيول المدينة، والتسبب في تدمير درنة بشكل كبير ووقوع آلاف الضحايا.

شركة الخدمات العامة «طرابلس» تبدأ أعمال إزالة الركام داخل درنة (منصة حكومتنا)

وكان محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، والدبيبة طالبا النائب العام بفتح تحقيق شامل في الكارثة الناجمة عن العاصفة، ومحاسبة المسؤولين عن انهيار سدي مدينة درنة. وبمواجهة تزايد النزوح بالمدن المضارة، أعلنت السلطات المحلية بشرق ليبيا اليوم (الخميس) عن تجهيز 18 مدرسة بمدينة بنغازي لإيواء النازحين من المناطق المتضررة.


مقالات ذات صلة

كوريا الجنوبية تتوقع تأثيراً اقتصادياً محدوداً للصراع في الشرق الأوسط

الاقتصاد ناقلة نفط في عرض البحر (رويترز)

كوريا الجنوبية تتوقع تأثيراً اقتصادياً محدوداً للصراع في الشرق الأوسط

قال مكتب الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول اليوم (الأحد)، إن كوريا الجنوبية تشهد تأثيراً اقتصادياً محدوداً في أعقاب ضربة انتقامية وجهتها إسرائيل لإيران.

«الشرق الأوسط» (سيول)
أوروبا سيول سابقة بمدينة كان (أ.ف.ب)

سيول مفاجئة في كان الفرنسية تجرف السيارات عبر الشوارع

اجتاحت السيول مدينة كان الفرنسية، اليوم الاثنين، لتجرف السيارات عبر الشوارع وتترك المدينة الواقعة بمنطقة الريفييرا والشهيرة بمهرجانها السينمائي بحالة تأهب قصوى.

«الشرق الأوسط» (باريس)
آسيا بالون مُرسَل من كوريا الشمالية يحمل القمامة يظهر في سيول يوم 9 يونيو 2024 (إ.ب.أ)

حريق في سيول بسبب بالون كوري شمالي مُحمَّل بالنفايات

هبط بالون مُحمَّل بالنفايات أُطلق من كوريا الشمالية على سطح مبنى في سيول، وأدى إلى اندلاع حريق، وفق ما أعلن مركز إطفاء.

«الشرق الأوسط» (سيول)
العالم العربي وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين (أ.ب)

الخارجية العراقية تحذر من «نار تأكل المنطقة كلها»

حذّر وزير الخارجية العراقي من استمرار الحرب الإسرائيلية في غزة، بينما أعلنت الوزارة تمكّنها من إطلاق سراح مواطن عراقي مختطف بسوريا من دون أن تدفع فدية للخاطفين.

فاضل النشمي (بغداد)
شمال افريقيا بلقاسم خلال تفقّد الإعمار في درنة (صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا)

درنة الليبية على طريق «الإعمار» وسط تحديات الانقسام السياسي

في الذكرى السنوية الأولى لكارثة «الإعصار»، لا يزال سكان درنة يتذكرون السيول التي ضربت مدينتهم، مخلِّفةً قرابة 4 آلاف قتيل، وآلاف المفقودين.

جاكلين زاهر (القاهرة)

مصر للحد من «فوضى» الاعتداء على الطواقم الطبية

تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
TT

مصر للحد من «فوضى» الاعتداء على الطواقم الطبية

تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)
تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)

تسعى الحكومة المصرية للحد من «فوضى» الاعتداءات على الطواقم الطبية بالمستشفيات، عبر إقرار قانون «تنظيم المسؤولية الطبية وحماية المريض»، الذي وافق عليه مجلس الوزراء أخيراً، وسوف يحيله لمجلس النواب (البرلمان) للموافقة عليه.

وأوضح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة المصري، خالد عبد الغفار، أن مشروع القانون يهدف إلى «تحسين بيئة العمل الخاصة بالأطباء والفريق الصحي، ويرتكز على ضمان توفير حق المواطن في تلقي الخدمات الطبية المختلفة بالمنشآت الصحية، وتوحيد الإطار الحاكم للمسؤولية المدنية والجنائية التي يخضع لها مزاولو المهن الطبية، بما يضمن عملهم في بيئة عمل جاذبة ومستقرة»، وفق إفادة وزارة «الصحة» المصرية، الجمعة.

وأشار الوزير المصري إلى تضمن القانون «توحيد الإطار الحاكم للمسؤولية المدنية والجنائية التي يخضع لها مزاولو المهن الطبية، بما يكفل الوضوح في هذا الشأن ويراعي صعوبات العمل في المجال الطبي»، مع الحرص على «منع الاعتداء على مقدمي الخدمة الصحية، وتقرير العقوبات اللازمة في حال التعدي اللفظي أو الجسدي أو إهانة مقدمي الخدمات الطبية، أو إتلاف المنشآت، وتشديد العقوبة حال استعمال أي أسلحة أو عصي أو آلات أو أدوات أخرى».

جانب من العمل داخل أحد المستشفيات (وزارة الصحة المصرية)

وحسب عضوة «لجنة الصحة» بمجلس النواب، النائبة إيرين سعيد، فإن «هذه الخطوة تأخرت كثيراً»، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أن مشروع القانون كان يفترض جاهزيته منذ عامين في ظل مناقشات مستفيضة جرت بشأنه، لافتة إلى أن القانون سيكون على رأس أولويات «لجنة الصحة» فور وصوله البرلمان من الحكومة تمهيداً للانتهاء منه خلال دور الانعقاد الحالي.

لكن وكيل نقابة الأطباء المصرية، جمال عميرة، قال لـ«الشرق الأوسط» إن مشروع القانون «لا يوفر الحماية المطلوبة للأطباء في مقابل مضاعفة العقوبات عليهم حال الاشتباه بارتكابهم أخطاء»، مشيراً إلى أن المطلوب قانون يوفر «بيئة عمل غير ضاغطة على الطواقم الطبية».

وأضاف أن الطبيب حال تعرض المريض لأي مضاعفات عند وصوله إلى المستشفى تتسبب في وفاته، يحول الطبيب إلى قسم الشرطة ويواجه اتهامات بـ«ارتكاب جنحة وتقصير بعمله»، على الرغم من احتمالية عدم ارتكابه أي خطأ طبي، لافتاً إلى أن النقابة تنتظر النسخة الأخيرة من مشروع القانون لإصدار ملاحظات متكاملة بشأنه.

وشهدت مصر في الشهور الماضية تعرض عدد من الأطباء لاعتداءات خلال عملهم بالمستشفيات من أقارب المرضى، من بينها واقعة تعدي الفنان محمد فؤاد على طبيب مستشفى «جامعة عين شمس»، خلال مرافقته شقيقه الذي أصيب بأزمة قلبية الصيف الماضي، والاعتداء على طبيب بمستشفى «الشيخ زايد» في القاهرة من أقارب مريض نهاية الشهر الماضي، وهي الوقائع التي يجري التحقيق فيها قضائياً.

وقائع الاعتداء على الطواقم الطبية بالمستشفيات المصرية تكررت خلال الفترة الأخيرة (وزارة الصحة المصرية)

وينص مشروع القانون الجديد، وفق مقترح الحكومة، على تشكيل «لجنة عليا» تتبع رئيس مجلس الوزراء، وتعد «جهة الخبرة الاستشارية المتعلقة بالأخطاء الطبية، والمعنية بالنظر في الشكاوى، وإصدار الأدلة الإرشادية للتوعية بحقوق متلقي الخدمة بالتنسيق مع النقابات والجهات المعنية»، حسب بيان «الصحة».

وتعوّل إيرين سعيد على «اللجنة العليا الجديدة» باعتبارها ستكون أداة الفصل بين مقدم الخدمة سواء كان طبيباً أو صيدلياً أو من التمريض، ومتلقي الخدمة المتمثل في المواطن، لافتةً إلى أن تشكيل اللجنة من أطباء وقانونيين «سيُنهي غياب التعامل مع الوقائع وفق القوانين الحالية، ومحاسبة الأطباء وفق قانون (العقوبات)».

وأضافت أن مشروع القانون الجديد سيجعل هناك تعريفاً للمريض بطبيعة الإجراءات الطبية التي ستُتخذ معه وتداعياتها المحتملة عليه، مع منحه حرية القبول أو الرفض للإجراءات التي سيبلغه بها الأطباء، وهو «أمر لم يكن موجوداً من قبل بشكل إلزامي في المستشفيات المختلفة».

وهنا يشير وكيل نقابة الأطباء إلى ضرورة وجود ممثلين لمختلف التخصصات الطبية في «اللجنة العليا» وليس فقط الأطباء الشرعيين، مؤكداً تفهم أعضاء لجنة «الصحة» بالبرلمان لما تريده النقابة، وتوافقهم حول التفاصيل التي تستهدف حلاً جذرياً للمشكلات القائمة في الوقت الحالي.