عقب عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا لمستوى السفراء، طُرح تساؤلٌ حول كيف تأثرت أموال تنظيم (الإخوان) في تركيا بتحسن علاقات القاهرة وأنقرة؟ في وقت رصد خبراء «(تجميد حسابات) خاصة بعناصر (الإخوان) في تركيا». وأفاد الخبراء بأن «السلطات التركية تتابع التحويلات التي ترسلها القيادات والعناصر الإخوانية من تركيا إلى دول أخرى».
وأعلنت وزارة الخارجية المصرية، الشهر الحالي، ترفيع علاقاتهما الدبلوماسية لمستوى السفراء، وتمت تسمية السفيرين في البلدين، وذلك بعد 10 سنوات من القطيعة والتوتر السياسي على خلفية دعم أنقرة لـ«الإخوان» بعد عزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي من الحكم عقب مظاهرات شعبية في عام 2013. وتحظر السلطات المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً».
ويخضع قادة وأنصار التنظيم حالياً، على رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وبحسب مراقبين، فقد «غادر العشرات من قيادات وعناصر (الإخوان) مصر بعد عام 2013 وأسسوا جمعيات وشركات في تركيا». وقال مصدر مطلع على تحركات «الإخوان»: إن «عناصر التنظيم عند قدومهم إلى تركيا حصلوا على تمويلات وتحويلات مالية من بعض الدول من دون مراقبة أو حظر؛ مما ساهم في تكثيف استثمارات الجناح الاقتصادي للتنظيم في أنقرة». وذكر المصدر، أن «أموال التنظيم كانت سبباً في الصراع القائم حالياً بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) على قيادة التنظيم».
الباحث المصري المتخصص في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، كرم سعيد، قال: إن «(الإخوان) في تركيا اشتغلوا في وقت سابق بتركيا على استراتيجية تضمن لهم التغلغل في المجتمع التركي، خاصة التغلغل في منظمات وجمعيات المجتمع المدني والمنظمات القريبة من حزب (العدالة والتنمية)، وبالفعل تم تأسيس جمعيات أهلية وتم الحصول على عضويات في جمعيات أخرى، وأيضاً في المنظمات الإغاثية»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «رغب التنظيم في بناء هياكل مدنية وأهلية وجمعيات لتجمع عناصره كافة داخلها، وبحيث يكون لهذه العناصر جانب مؤسسي وأطر هيكلية قادرة على جمعهم»، لافتاً إلى أن «التقارب المصري - التركي الأخير انعكس على حضور (الإخوان) المؤسسي والسياسي، وتم تجميد بعض المنصات الإعلامية التابعة للتنظيم التي تبث من تركيا، وترحيل بعضها خارج تركيا، وطُلب من البعض الآخر تخفيف (حدة النبرة) عند تناول الأحداث بمصر، كما تم تجميد بعض الجمعيات الأهلية الإخوانية، وتوقيف عناصر من (الإخوان) وتحديد إقامة عناصر أخرى».
وأدرجت السلطات التركية في وقت سابق عناصر إخوانية ومذيعين ومعدّي برامج على ما يسمى «أكواد الإرهاب»، وتم إبلاغهم بأنهم مطلوبون لمصر لانتمائهم إلى «تنظيم إرهابي». ووفق المراقبين، «تم فرض (قيود مشددة) على أنشطة هذه العناصر وتحركاتها».
وهنا، يذكر سعيد أن «المشهد الحالي لـ(الإخوان) في تركيا، يُمكن فهم سياقه في إطار التضييق وتعقب (الإخوان) ليس على المستوى السياسي فقط، إنما تم رصد عمليات تحويلات مالية للتنظيم، و(تجميد بعض الحسابات)، ومتابعة التحويلات للكيانات الإخوانية في تركيا إلى أخرى حول العالم»، لافتاً إلى أن «جميع هذه التحويلات المالية لعناصر التنظيم تم وضعها (قيد المراقبة)».
وأشار سعيد إلى أنه «عقب ما تردد بشأن اللقاء المرتقب بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان، ظهرت بعض المطالبات في مصر بضرورة تسليم العناصر المتورطة في قضايا (عنف بمصر)، ووقف التحويلات التي تخرج من تركيا إلى عناصر تابعة للتنظيم في دول أخرى»، موضحاً أن «تركيا تُعلي الآن من شعار (المصالح مع دول الإقليم)، وستمضي قدماً في محاصرة تنظيم (الإخوان)».
كما يرى سعيد أن «الجمعيات التي أسسها (الإخوان) في تركيا لم تكن بعيدة عن السلطات التركية»، لافتاً إلى أنه «كان مسموحاً لعناصر (الإخوان) التوسع في المشروعات والاستثمارات في تركيا، وبالتالي استمر التنظيم في توظيف أمواله في شركات وجمعيات؛ لذا كان لا بد من اتخاذ موقف واضح الآن من قبل السلطات التركية».
ووفق الخبير المصري المتخصص في الشأن الأصولي، أحمد بان، فإن «الحالة التنظيمية لـ(الإخوان) التي توزعت على أكثر من عنوان أو أكثر من فصيل، فالحالة الاقتصادية أيضاً لـ(الإخوان) توزعت على هذه الشاكلة نفسها»، لافتاً أن «التنظيم وفّر لعناصره الأموال لإقامة مشروعات وشركات في تركيا عندما غادروا مصر، وبعض قيادات التنظيم كانت لديها أموال بالفعل قامت بالاستثمار فيها».
وهنا ذكر بان لـ«الشرق الأوسط»، أن «بعض قيادات وعناصر (الإخوان) حاولت أن تستثمر أموالها في تركيا من دون أن ترتبط بالتنظيم، بل ركّزوا على (تراكم) الثروات واختاروا بعض القطاعات مثل الاستثمار في العقارات، والبعض الآخر اتجه إلى الأعمال التجارية في تركيا». وأضاف أن «كثيراً من هؤلاء بسبب امتلاكهم الأصول المالية الكبيرة تمكنوا من الحصول على الجنسية، ومهّد حصولهم على الجنسية الطريق أمامهم للحصول على الإقامة في تركيا، وأصبحت استثماراتهم تركية، وبالتالي أصبحت هذه الاستثمارات بمأمن عن أي إجراءات تركية أو مصرية مرتقبة نتيجة تقارب العلاقات بين القاهرة وأنقرة، أو حتى حال مطالبة مصر بتسليم بعض العناصر الإخوانية، وقتها قد (تشير تركيا إلى أن هؤلاء لديهم جنسية تركية، وأي إجراءات تتعلق بهم لا بد أن تكون صادرة عن الدولة التركية)».
أحمد بان يرى كذلك أن «تركيا لن تسلم أي عناصر إخوانية لمصر، وقد ترحّلهم لدولة أخرى»؛ لكنه يؤكد أن «هناك مصالح بين البلدين سياسية واقتصادية أكبر من ملف (الإخوان)»، لافتاً إلى أن «الإعلان عن زيارة السيسي لتركيا تشير إلى أن جميع الملفات (العالقة) بين البلدين تمت تسويتها».
حول مستقبل أموال «الإخوان» في تركيا بعد تحسن العلاقات بين القاهرة وأنقرة. قال كرم سعيد: «سيتم استمرار محاصرة (الإخوان) في تركيا سواء عبر تسليم العناصر، أو ترحيلهم لملاذات بدلية أو سحب الجنسية، وكذا تفكيك بعض الجمعيات والمؤسسات والشركات الإخوانية وتجميد أموالها؛ لكن هذه الإجراءات سوف تكون تدريجية وفق استراتيجية مخطط لها من قبل تركيا». وهنا قدّر سعيد «عدد الجمعيات الإخوانية في تركيا بنحو 25 جمعية».
أيضاً، يرى أحمد بان أن «الخلافات بين جبهتي (الإخوان) المتصارعتين على أموال التنظيم ستظل (قائمة)، فكل جبهة من الجبهات المتصارعة عن قيادة التنظيم، سوف تتمسك بما تملكه من أموال ولن تتنازل عنه مطلقاً».