لا تزال حالة من الاستقطاب تهيمن على الشارع السوري بعد خروج مظاهرات احتجاجية وأخرى مضادة، الأربعاء، في مناطق عدة من البلاد، في الوقت الذي تبذل السلطات أقصى درجات ضبط النفس لمنع الانزلاق نحو مصادمات أهلية عنيفة تحت وطأة حملات التحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ ما دفع وزير الإعلام السوري مصطفى حمزة إلى القول: «تعلمنا من تجربتنا القاسية أن الكلمة مسؤولية، وأن التحريض وقود للخراب».
وفي موازاة ذلك، أدى انفجار كبير في مخزن أسلحة بريف أدلب إلى سقوط قتلى وجرحى، في حين نفذت قوات «التحالف الدولي» عملية إنزال في ريف دير الزور، ضد تنظيم «داعش».

وبعد مظاهرات احتجاجية شهدتها مناطق عدة في محافظات حمص وحماة واللاذقية وطرطوس تطالب باللامركزية وإخراج الموقوفين من عناصر النظام السابق، شهدت المناطق ذاتها، مظاهرات مضادة داعمة للحكومة ورافضة لدعوات اللامركزية، ومطالبة بمحاسبة «مجرمي النظام السابق».
وارتفعت في بعض المظاهرات عبارات تحريض طائفي، بينما خرجت مظاهرات أخرى في حمص وحي الصليبة في اللاذقية، نادت بوحدة الشعب السوري، ودعت إلى الالتفاف حول القيادة السورية الجديدة ووأد الفتن. كما نفذ نشطاء مؤيدون للزعيم الدرزي حكمت الهجري في السويداء، وقفة داعمة لما أسموه «انتفاضة الساحل» للمطالبة باللامركزية، والإفراج عن الموقوفين ورفعوا صوراً للشيخ الهجري والشيخ غزال غزال الذي دعا العلويين إلى الاحتجاج.
وجاءت وقفة يوم الأربعاء في السويداء، امتداداً لمظاهرة سيارة جابت شوارع المدينة يوم الاثنين الماضي، رفع فيها المشاركون، صور الهجري مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

كما وجّه الكاتب ماهر شرف الدين، وهو أحد أبرز مؤيدي الزعيم الهجري، نداءً لأهل الساحل «للالتفاف حول الشيخ غزال غزال بكل قوتهم»؛ لأن ما ينقصهم، حسب منشور له على موقع «فيسبوك»، «هو قائد شعبي شبيه بالشيخ الهجري» وقال: «اصنعوا للهجري خاصَّتكم، وستغيّرون المعادلة».
قنوات التحريض...
وكان قائد الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية العميد عبد العزيز هلال الأحمد، قال: «إن الدعوات التي ظهرت في بدايتها بغطاء احتجاجي، سرعان ما تحوّلت منصّات تحريض طائفي ممنهج تسعى إلى زرع بذور الانقسام، وإحداث شرخ في المجتمع المحلي، بل تمّ تضخيمها عبر عدد من القنوات والمنصّات الإعلامية التحريضية التي تبث من الخارج، والتي اعتادت نشر خطاب الكراهية وإثارة النعرات الطائفية، كما بدأت بالمطالبة بالإفراج عن مجرمي حرب ضالعين في أعمال دموية وانتهاكات جسيمة».
وأضاف الأحمد: «إنه خلال سير الوقفات، تم رصد مجموعات مرتبطة بخلايا إجرامية تابعة لفلول النظام البائد، حيث عملت هذه المجموعات على تأجيج الفوضى والتحريض، وقامت بالاعتداء على عناصر الشرطة والمهام الخاصة وشرطة المرور، كما أقدمت على تخريب وتحطيم عدد من الآليات الرسمية التابعة لقيادة الأمن الداخلي في المحافظة».

وكشف، عن أنه «أثناء قيام عناصرنا بحماية الوقفة الموجودة عند دوار الزراعة داخل مدينة اللاذقية، تعرّضوا إلى إطلاق نار مباشر من جهة حي الزراعة، وهو حي يقطنه عدد من الضباط المرتبطين بالمؤسستين الأمنية والعسكرية التابعة للنظام البائد؛ ما أدى إلى إصابة عنصرين من الأمن الداخلي، بالإضافة إلى إصابة عدد من المدنيين المشاركين في الوقفة».
وأوضح العميد الأحمد، «أن حق التظاهر والتعبير عن الرأي يعدّ من الحقوق المشروعة لكل السوريين، إلّا أننا نؤكد على أنه سنقوم بمحاسبة كل شخص تجاوز أو اعتدى على عناصر الأمن الداخلي وفق الإطار القانوني، وكل من شارك في التحريض أو الدعوة إلى الفوضى الطائفية، ولن يُسمح لأي طرف بالإفلات من العقاب».
السويداء
وتعليقاً على التصعيد الحاصل في السويداء بعد الهجوم على حاجز للأمن العام الثلاثاء، قال مدير مديرية الأمن الداخلي في المدينة سليمان عبد الباقي، إن «التصعيد الذي يقوده حكمت الهجري سرطان يعطل أعمال الدولة».

وأضاف، في تصريح لقناة «الإخبارية السورية» الرسمية، أن الأمن العام في السويداء «حريص على تجنب الاقتتال والاقتصار بالرد على الهجمات ومصادر النيران»، لافتاً، إلى العمل على «إيجاد صيغة حوارية؛ لأنه في نهاية المطاف الدم السوري واحد وأهل السويداء أهلنا»، متهماً حكمت الهجري «بالدفع نحو الاقتتال، ورفض التعاون مع الدولة».
وكانت وزارة الداخلية السورية قالت في وقت سابق، بأن حاجزاً أمنياً تابعاً لها في ريف السويداء الغربي، تعرَّض لهجوم «نفذته عصابات خارجة عن القانون»، وأسفر عن مقتل عنصر وإصابة اثنين آخرين. «وقد تعاملت الوحدات التابعة لوزارة الداخلية مع مصدر النيران؛ ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى في صفوف العصابات». وأكدت الوزارة في بيان رسمي، أن هذه الاعتداءات «تهدف فقط إلى زعزعة الأمن واستقرار حياة المدنيين في محافظة السويداء».
من جانبها، أفادت تقارير إعلام محلي في السويداء، بأن قوات الأمن العام شنت «هجمات مباغتة بواسطة الطائرات المسيّرة والرشاشات الثقيلة على محاور عدة شمال مدينة السويداء، مساء الثلاثاء». وقالت صفحة «السويداء 24» الإخبارية المحلية: «إن شاباً قُتل في تلك الهجمات وأصيب آخرون»، كما أشارت إلى «وجود توتر كبير بعد مقتل عنصر من الأمن العام وإصابة اثنين آخرين على حاجز في محيط قرية يرد جنوب غربي السويداء جراء تعرضهم لإطلاق نار مباشر».

ونقل الموقع عن مصادر محلية في المنطقة، نفيها «حدوث أي هجمات من الفصائل المحلية هناك»، مشيرة إلى أن حادثة إطلاق النار «وقعت عل الحاجز خلال مرور سيارة عبره قبل خضوعها للتفتيش».
وحسب المصادر، اعتقلت قوات الأمن العام شخصين بعد استقدام تعزيزات إلى موقع الحاجز القائم على خط الإمداد الإنساني الواصل إلى بصرى الشام. أعقب ذلك مناوشات على خطوط التماس غرب مدينة السويداء بين فصيل «الحرس الوطني» المحلي من جهة، والأمن العام من جهة أخرى.
وقود الخراب
وفي كلمته لدى ترأس سوريا الدورة الـ55 لمجلس وزراء الإعلام العرب في القاهرة، قال زير الإعلام حمزة المصطفى، إن «الإعلام الذي نسعى إلى بنائه في سوريا هو إعلام حر ومسؤول يحترم التعددية ويؤمن بالحوار»، متعهداً بالعمل مع الوزراء العرب «لتكريس قيم المصداقية والشفافية حماية لمجتمعاتنا من خطاب الكراهية والانقسام» وأن يكون الإعلام «صوتاً للناس وجسراً للتواصل بين مكونات المجتمع السوري المتنوع». وقال: «تعلمنا من تجربتنا القاسية، أن الكلمة مسؤولية، وأن التحريض وقود للخراب».
ريف إدلب
ميدانياً، وقع انفجار كبير في مخزن أسلحة في بلدة كفر تخاريم بريف إدلب شمال غربي سوريا. ورجحت مصادر محلية بأن يكون سبب الانفجار، استهدافاً جوياً من قِبل طيران قوات «التحالف الدولي»، إلا أن قيادة الأمن الداخلي في المحافظة، قالت إن الانفجار جرى في مستودع يضم صواريخ وذخيرة، ونتيجة عمل إحدى الورش قرب المكان، وقد أسفر عن مقتل خمسة عاملين وإصابة تسعة آخرين... وأظهرت مقاطع فيديو متداولة، تصاعد أعمدة دخان كبيرة، وقالت مصادر أهلية، إن الانفجار «هزّ المنطقة وأثار الذعر لدى الأطفال في المدارس القريبة».

وفي سياق متصل، أفادت مصادر أهلية في دير الزور، بتنفيذ قوات «التحالف» بالتعاون مع «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، عملية إنزال في حي الزلزلة في بلدة مراط في ريف الدير الشمالي الشرقي، وتمت مداهمة منزلين وجرى اعتقال شخصين بتهمة الانتماء لتنظيم «داعش» الإرهابي.

