الانفلات الأمني يؤرّق السوريين في «سوريا الجديدة»

7 قتلى في 3 أيام... و«صدامات عقارية» بمساكن الديماس في ريف دمشق

عنصران من الشرطة في سوريا (الشرق الأوسط)
عنصران من الشرطة في سوريا (الشرق الأوسط)
TT

الانفلات الأمني يؤرّق السوريين في «سوريا الجديدة»

عنصران من الشرطة في سوريا (الشرق الأوسط)
عنصران من الشرطة في سوريا (الشرق الأوسط)

بينما كان الرئيس السوري أحمد الشرع يناقش الوضع الميداني الأمني مع وزير الداخلية أنس خطاب وعددٍ من مديري الإدارات في الوزارة، اندلعت أعمال شغب في مساكن الديماس بريف دمشق، قالت التقارير الرسمية، إنها «بسبب خلاف على شقق سكنية فارغة»... إلا أن تقارير إعلامية تحدثت، عن هجوم لرجال يحملون العصي قدِموا من منطقة مجاورة على نحو ثلاثين دراجة نارية، وقاموا بإحراق وتكسير المحال التجارية، واعتراض المارة.

وناقش الرئيس الشرع في اجتماع وزارة الداخلية، مساء الاثنين، «واقع العمل الميداني في الوحدات والإدارات التابعة للوزارة، وسبل تعزيز كفاءة الأداء والانضباط الوظيفي، وضمان سرعة الاستجابة لاحتياجات المواطنين»، وفق بيان رسمي.

من الاجتماع الامني الذي ترأسه الشرع (سانا)

وبالتزامن مع ذلك، كانت قوى الأمن العام تفرض حالة حظر تجول مؤقت في مساكن الديماس من مساء الاثنين ولغاية صباح الثلاثاء، على خلفية أعمال عنف حصلت هناك.

وقالت مصادر أهلية، إن «أشخاصاً دخلوا على نحو ثلاثين دراجة نارية، وهم يحملون العصي، إلى منطقة مخالفات الجزيرة الخامسة في مساكن الديماس، وقاموا بإحراق وتكسير محال تجارية، واعتراض المارة قبل أن يتدخل الأمن العام لاحتواء الهجوم».

ومساكن الديماس، هي تجمع سكني عسكري كان مخصصاً لضباط الشرطة والجيش بعهد النظام البائد، وفرّت منه مئات العائلات ليلة سقوطه في 8 - 12 - 2024، ليحل مكانها، في عشرات البيوت الفارغة، نازحون ممن تم تهجيرهم إلى الشمال السوري خلال الحرب، وحصل ذلك في الأشهر الأولى بشكل عشوائي، قبل أن تبدأ وزارة الدفاع التي تملك 50 في المائة من تلك العقارات، في تسجيل المساكن وإعادة توزيعها في يونيو (حزيران) الماضي؛ الأمر الذي استنكره السكان الجدد، لا سيما من فقدوا منازلهم الأصلية وليس بمقدورهم دفع إيجار سكن بديل، بالإضافة إلى سكان العشوائيات من موظفي النظام البائد.

عنصر أمن في دمشق (وزارة الداخلية)

وأكدت قناة «الإخبارية» السورية، أن سبب النزاع الذي حصل في مساكن الديماس مساء الاثنين، هو خلاف على شقق سكنية فارغة، وهذا ما كرره مسؤول أمني بريف دمشق في تصريح إعلامي، حيث قال بأن «المشاجرة بدأت على خلفية نزاعات على عقارات في المنطقة، وتطورت لتشمل أعمال شغب محدودة»، مؤكداً، أن القوات الأمنية، عملت على «حسم الأمر وفرض النظام، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المخالفين». كما تم فرض حظر تجوال بشكل مؤقت في المنطقة؛ لضمان استتباب الأمن والأمان، ومنعاً لأي أعمال شغب قد تنشب مرة أخرى. وتوعّد «كل من يحاول الإخلال بالأمن العام، أو الاعتداء على الممتلكات أو الأشخاص، برد حازم وفقاً للقانون».

والنزاعات على ملكيات الأراضي والعقارات تعدّ من القضايا المتجددة، وواحدة من أعقد الملفات السورية الداخلية، بعد أكثر من نصف قرن من حكم حزب «البعث» وعائلة الأسد، وما شهده من قوانين استملاك جائرة، وانتهاكات للملكيات خلفت مئات الآلاف من القضايا المعلقة في المحاكم، إلى أن تحولت بعد سقوط النظام، «قنابل موقوتة» مع سعي أصحاب الحقوق لاستعادة حقوقهم.

ومع تعقد الوضع السوري، ارتبطت قضية استعادة الملكيات بملفات أخرى شائكة ذات أبعاد اجتماعية طائفية وطبقية وأيضاً أمنية وسياسية خطيرة. سيما وأنها تأتي في سياق حالة من الانفلات الأمني، وتأجج النزعة الانتقامية، لدى كثير من المتضررين من النظام السابق، بالتزامن مع انتشار للجرائم ذات الطابع الجنائي.

سيارة شرطة تابعة للحكومة السورية تعبر شارعاً بجوار «مسجد الساحة» في تدمر (أرشيفية - أ.ف.ب)

«أمر شائع»...

وعدّ الباحث المتخصص بالشؤون الداخلية محمد سليمان، «أن وجود ضعف أمني ووقوع حوادث انتقامية، بعضها يحمل طابعاً طائفياً، أمر شائع في الدول الخارجة من النزاعات، وسوريا إحدى هذه الدول».

ورد أسباب «الضعف الأمني »، إلى «عدم استكمال بناء أجهزة أمنية جديدة». وقال: «إن هذا أمر يتطلب وقتاً لإعداد الكوادر وتدريبها، بينما هناك ضعف بالإمكانات المالية التي تعيق بناء هيكل أمني فعال، خصوصاً في المناطق ذات التركيبة الطائفية أو العرقية المعقدة. أما العامل الثاني، الذي يسهم في هذا الواقع، فهو التأخر في تنفيذ برامج العدالة الانتقالية»؛ الأمر الذي يدفع «بعض الأفراد إلى اللجوء للانتقام الشخصي، وبالتالي زيادة الفوضى والانفلات الأمني».

الأمن العام السوري (وزارة الداخلية)

وأشار سليمان، إلى وجود عامل ثالث «محتمل»، هو «استمرار نشاط الأذرع التابعة لجهات خارجية، مثل بقايا الميليشيات الإيرانية التي تعمل على التخريب وزعزعة الاستقرار في سوريا». ولذلك رأى، أنه «من الضروري، إسراع الحكومة في استكمال إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، والبدء بتطبيق برامج العدالة الانتقالية، بالإضافة إلى مواجهة الإشاعات والتهويل الإعلامي».

جرائم يومية

ولا يكاد يخلو يوم من جريمة قتل على «يد مجهولين»، حيث أفيد في الأيام الثلاثة الماضية، عن مقتل سبعة أشخاص وإصابة اثنين آخرين بجروح...

ففي حمص، عُثر الثلاثاء على جثتين لشابين، (عمر كل واحد منهما 19 عاماً) من أبناء قرية الغور الغربية، مقتولين بالرصاص داخل مدجنة كانا يعملان على حراستها في قرية برج قاعي في ريف المنطقة الغربي. ويوم الاثنين، عُثر على جثمان إبراهيم رجل (45 عاماً)، مقتولاً في حي جورة الشياح، بعد يوم من اختفائه أثناء توجهه إلى أحد المصارف في حي الحميدية؛ لإجراء عملية تحويل مالية.

كما قتل شُخص آخر (65 عاماً) بإطلاق نار من قِبل مجهولين يركبون دراجة نارية في حي باب السباع، وكذلك أصيبت شابة (19 عاماً) في حمص، بإطلاق نار من مجهولين يركبان دراجة نارية... وفي مدينة يبرود بمنطقة القلمون بريف دمشق، قُتلت سيدة وأصيب زوجها جراء إطلاق نار من قِبل مجهولين عليهما.

وفي جبلة على الساحل السوري، اعترضت مجموعة مسلحة شابين على طريق عين شقاق، وقتلتهما.


مقالات ذات صلة

وزير الدفاع السوري يستقبل وفداً روسياً رفيع المستوى في دمشق

المشرق العربي مدير إدارة التدريب في القوى الجوية والدفاع الجوي بوزارة الدفاع العميد يحيى بيطار مستقبلاً وفداً عسكرياً روسياً برئاسة اللواء البحري كورنبينكو أوليغ فيكتوروفيتش 2 نوفمبر (الدفاع السورية)

وزير الدفاع السوري يستقبل وفداً روسياً رفيع المستوى في دمشق

استقبل وزير الدفاع السوري اللواء مرهف أبو قصرة في دمشق، الأحد، وفداً رفيع المستوى من جمهورية روسيا الاتحادية برئاسة نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف.

«الشرق الأوسط» (لندن - دمشق)
شؤون إقليمية نتنياهو يزور مرتفعات جبل الشيخ السورية بعد سقوط نظام الأسد (أ.ف.ب)

«اليمين العقائدي» يطالب نتنياهو بسياسة واضحة تجاه سوريا «قبل فوات الأوان»

في أعقاب تكرار وزير الدفاع الإسرائيلي، الأحد، بأن إسرائيل ستبقى إلى الأبد في مواقعها على قمم جبل الشيخ، طالب «اليمين العقائدي» بتحديد سياسة واضحة إزاء سوريا.

«الشرق الأوسط» (تل ابيب)
المشرق العربي رجل الأعمال الأميركي جوناثان باس في زيارة لدمشق مايو الماضي (سانا)

من هو جوناثان باس الذي يشجع ترمب على زيارة دمشق؟

التكهنات بإمكانية إقدام ترمب على زيارة دمشق تسلط الضوء على دور وسيط يسعى إلى ترتيبها.

هبة القدسي (واشنطن)
المشرق العربي وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة يلتقي وفداً روسياً برئاسة نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف في دمشق (وزارة الدفاع الروسية عبر فيسبوك)

وزير الدفاع السوري يلتقي وفداً عسكرياً روسياً في دمشق 

التقى وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، الأحد، وفداً روسياً رفيع المستوى في دمشق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي وزير الخارجية أسعد الشيباني استقبل في دمشق سفير جمهورية الصين الشعبية لدى سوريا شي هونغوي خلال يونيو الماضي (الخارجية السورية)

وزير خارجية سوريا في الصين لاستكمال مسار تصحيح العلاقات معها

من الغرب إلى الشرق، ومن الولايات المتحدة الأميركية إلى الصين، تعمل السلطات السورية على إعادة صياغة علاقاتها مع العالم بعد عقود من إسناد ظهرها إلى الشرق.


فصائل فلسطينية تحذر من «خطورة» مشروع قرار أميركي لإنشاء قوة دولية في غزة

فلسطينيون يجمعون المخلفات البلاستيكية من بين أنقاض المباني في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيون يجمعون المخلفات البلاستيكية من بين أنقاض المباني في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
TT

فصائل فلسطينية تحذر من «خطورة» مشروع قرار أميركي لإنشاء قوة دولية في غزة

فلسطينيون يجمعون المخلفات البلاستيكية من بين أنقاض المباني في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيون يجمعون المخلفات البلاستيكية من بين أنقاض المباني في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

أصدرت فصائل وقوى فلسطينية، يوم الأحد، مذكرة حذّرت فيها من خطورة مشروع القرار الأميركي المطروح للتصويت في مجلس الأمن، والخاص بإنشاء قوة دولية في قطاع غزة، وقالت إنه «يشكّل محاولة لفرض وصاية دولية على القطاع».

وقالت فصائل وقوى فلسطينية، في بيان نشرته حركة «حماس»، إن الصيغة المقترحة لمشروع القرار الأميركي تمهد لهيمنة خارجية على القرار الوطني الفلسطيني. كما حذرت الفصائل من تحويل المساعدات الإنسانية إلى أداة «ضغط وابتزاز تخضع لإدارة أجنبية»، بحسب البيان.

وشددت الفصائل على «رفض أي بند في المقترح الأميركي يتعلق بنزع سلاح غزة أو المساس بحق الشعب الفلسطيني في المقاومة»، وقالت إن أي نقاش في ملف السلاح يجب أن يظل شأناً داخلياً مرتبطاً بمسار سياسي يضمن إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة.

وشددت الفصائل الفلسطينية على «رفض أي وصاية أو وجود عسكري أجنبي أو إقامة قواعد دولية داخل قطاع غزة»، وأشارت إلى أن النموذج «العربي الإسلامي» المقترح لإدارة غزة يمثل الخيار الأكثر قبولاً.

ويصوت مجلس الأمن بعد ظهر الاثنين، على مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة بدعم دولي وإسلامي وعربي لتبني خريطة الطريق الأميركية التي طرحها الرئيس دونالد ترمب بشأن غزة، فيما ظهر شبح استخدام حق النقض (الفيتو) من روسيا التي وزعت مشروع قرار مضاد يدعو الأمم المتحدة إلى تقديم اقتراحات بشأن إنشاء «قوة الاستقرار الدولية»، ويحذف الإشارة إلى «مجلس السلام» بقيادة ترمب.


وزير الدفاع السوري يستقبل وفداً روسياً رفيع المستوى في دمشق

وزير الدفاع السوري اللواء مرهف أبو قصرة استقبل اليوم في دمشق وفداً رفيع المستوى من جمهورية روسيا الاتحادية برئاسة نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف (سانا)
وزير الدفاع السوري اللواء مرهف أبو قصرة استقبل اليوم في دمشق وفداً رفيع المستوى من جمهورية روسيا الاتحادية برئاسة نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف (سانا)
TT

وزير الدفاع السوري يستقبل وفداً روسياً رفيع المستوى في دمشق

وزير الدفاع السوري اللواء مرهف أبو قصرة استقبل اليوم في دمشق وفداً رفيع المستوى من جمهورية روسيا الاتحادية برئاسة نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف (سانا)
وزير الدفاع السوري اللواء مرهف أبو قصرة استقبل اليوم في دمشق وفداً رفيع المستوى من جمهورية روسيا الاتحادية برئاسة نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف (سانا)

استقبل وزير الدفاع السوري اللواء مرهف أبو قصرة في دمشق، الأحد، وفداً رفيع المستوى من جمهورية روسيا الاتحادية برئاسة نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف.

وذكرت وكالة «سانا» الرسمية، أنه جرى خلال اللقاء بحث مجالات التعاون العسكري وتعزيز آليات التنسيق بما يخدم المصالح المشتركة ويواكب تطلعات البلدين.

وكان مدير إدارة التدريب في القوى الجوية والدفاع الجوي بوزارة الدفاع، العميد يحيى بيطار، قد استقبل في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني)، وفداً عسكرياً روسياً برئاسة اللواء البحري، كورنبينكو أوليغ فيكتوروفيتش، وضم الوفد عدداً من الخبراء العسكريين بمختلف الاختصاصات.

مدير إدارة التدريب في القوى الجوية والدفاع الجوي بوزارة الدفاع العميد يحيى بيطار مستقبلاً وفداً عسكرياً روسياً برئاسة اللواء البحري كورنبينكو أوليغ فيكتوروفيتش 2 نوفمبر (الدفاع السورية)

وبحسب حساب الوزارة، فإن الوفد الروسي بحث مع مسؤولي هيئة التدريب وإدارات المدفعية والقوى الجوية والملاحق والمدرعات، سبل تأهيل وتطوير هذه الاختصاصات بما يواكب متطلبات المرحلة ويعزز مستوى الكفاءة والجاهزية.

وكان وفد رسمي من وزارة الدفاع السورية يترأسه رئيس هيئة الأركان العامة اللواء علي النعسان، قد وصل إلى العاصمة الروسية موسكو، في الفترة نفسها.

وزيرا الخارجية أسعد حسن الشيباني والدفاع اللواء مرهف أبو قصرة ورئيس الاستخبارات العامة حسين السلامة والأمين العام لرئاسة الجمهورية ماهر الشرع رافقوا الشرع في زيارته إلى موسكو نهاية يوليو (سانا)

والتقى وزير الدفاع اللواء مرهف أبو قصرة، بنظيره الروسي أندريه بيلوسوف، في العاصمة الروسية موسكو، في 31 يوليو الفائت، حيث حضر حينها اللقاء كل من وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، ورئيس الاستخبارات العامة حسين سلامة، وأجرى الجانبان مباحثات بشأن عدد من القضايا العسكرية المشتركة، بما يخدم العلاقات السورية - الروسية.


«اتفاق غزة» رهن «مواءمات» مجلس الأمن

عناصر من «حماس» برفقة أعضاء من الصليب الأحمر الدولي يتبعون حفاراً بحثاً عن جثث الرهائن الإسرائيليين في غزة (أ.ف.ب)
عناصر من «حماس» برفقة أعضاء من الصليب الأحمر الدولي يتبعون حفاراً بحثاً عن جثث الرهائن الإسرائيليين في غزة (أ.ف.ب)
TT

«اتفاق غزة» رهن «مواءمات» مجلس الأمن

عناصر من «حماس» برفقة أعضاء من الصليب الأحمر الدولي يتبعون حفاراً بحثاً عن جثث الرهائن الإسرائيليين في غزة (أ.ف.ب)
عناصر من «حماس» برفقة أعضاء من الصليب الأحمر الدولي يتبعون حفاراً بحثاً عن جثث الرهائن الإسرائيليين في غزة (أ.ف.ب)

لحظات حاسمة ينتظرها اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، في مجلس الأمن، الاثنين، عند عرض مشروع قرار أميركي لاقى تأييداً عربياً وإسلامياً، وآخر منافس قدمته روسيا، وسط ضغوط إسرائيلية لتعديلات لصالحها، و«فيتو» محتمل من موسكو قد يُستخدم للحد من نفوذ واشنطن بالمنطقة.

ذلك المشهد الذي يجري خلاله الوسطاء جهوداً أحدثها اتصالات مصرية-روسية، بشأن المداولات الأممية الجارية، يشي بأن «(اتفاق غزة) لا يزال رهن مواءمات المشاورات الأممية، وأن ثمة ضغوطاً وتفاهمات قد تكون في صالحه لتدفعه للمرحلة الثانية، أو تجعله معلقاً يتحرك في محيط المرحلة الأولى دون تقدم، حال استخدمت روسيا (الفيتو)، أو استجابت واشنطن لضغوط إسرائيل»، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».

وتحدثت «هيئة البث الإسرائيلية»، الأحد، عن أن إسرائيل «تمارس ضغوطاً في اللحظات الأخيرة لتغيير صيغة الاقتراح الأميركي الذي سيُقر الاثنين في مجلس الأمن وتحاول تخفيف الصياغة».

ويُخول القرار الدول الأعضاء تشكيل «قوة استقرار دولية مؤقتة» تعمل مع إسرائيل، ومصر، والشرطة الفلسطينية المُدربة حديثاً للمساعدة في تأمين المناطق الحدودية، ونزع السلاح من قطاع غزة. وعلى عكس المسودات السابقة، يُشير هذا القرار إلى إمكان قيام دولة فلسطينية مستقبلية.

معارضة إسرائيلية لـ«الدولة الفلسطينية»

وأثيرت مخاوف إسرائيلية، الأحد، وقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تصريحات، الأحد: «معارضتنا لقيام دولة فلسطينية على أي أرض لم تتغير. سيتم تفكيك غزة، وستُنزع أسلحة (حماس)، سواء بالطرق السهلة أو الصعبة. لا أحتاج إلى تعزيزات أو تغريدات أو محاضرات من أحد»، في حين أكد وزير الدفاع يسرائيل كاتس، الأحد، أن «السياسة الإسرائيلية واضحة: لن تُقام دولة فلسطينية».

ووفقاً لما أوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الجمعة، فإن أبرز البنود التي تثير مخاوف إسرائيل في المسودة الجديدة تتمحور حول تضمين تمهيد لمسار يقود إلى «تقرير المصير الفلسطيني»، والدور الموسع للأمم المتحدة في الإشراف على توزيع المساعدات، وتوسيع صلاحيات «هيئة الحكم الانتقالية» المزمع تشكيلها لإدارة القطاع.

منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في مدرسة تحولت إلى مأوى بحي الرمال بمدينة غزة (أ.ف.ب)

وليست إسرائيل العقبة وحدها؛ فهناك مشروع قرار روسي يتحدى نظيره الأميركي، ولا ينص على إنشاء مجلس سلام، أو الانتشار الفوري لقوة دولية في غزة، وفقاً للنص الذي اطلعت عليه «وكالة الصحافة الفرنسية»، الجمعة.

ويدعو مشروع القرار الروسي الأمين العام للأمم المتحدة إلى «تحديد خيارات لتنفيذ بنود» خطة السلام، وتقديم تقرير على الفور يتناول أيضاً إمكانات نشر قوة استقرار دولية في غزة. ويحتاج القرار في مجلس الأمن إلى 9 أصوات مؤيدة على الأقل، وعدم استخدام روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا حقّ النقض (الفيتو) ليتسنى اعتماده.

اتصال بوتين - نتنياهو

ووسط تلك المخاوف، قال الكرملين، السبت، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ناقش خلال مكالمة هاتفية مع نتنياهو الوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك التطورات في غزة والبرنامج النووي الإيراني وسوريا.

وكتب السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز، في صحيفة «واشنطن بوست» أن «أي رفض لدعم هذا القرار هو تصويت لاستمرار حكم (حماس)، أو للعودة إلى الحرب مع إسرائيل، ما يحكم على المنطقة وشعبها البقاء في نزاع دائم».

وفي ظل تلك المخاوف، يتوقع عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، الأكاديمي المختص بالشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، أن يكون «اتفاق غزة» بالتأكيد رهن مشاورات اللحظات الأخيرة والمواءمات في مجلس الأمن، بشأن مشروع القرار الذي سيُنظر الاثنين، لافتاً إلى أن «الإشارة للدولة الفلسطينية بالطبع تُقلق إسرائيل، لكن ضغوطها بلا جدوى في ظل التفاهمات التي قد حدثت».

ويعتقد السفير الفلسطيني الأسبق لدى مصر، بركات الفرا، أن الضغوط الإسرائيلية «لن تفلح في إجراء تعديلات على القرار الذي تضمن إشارة لاحتمال قبول دولة فلسطينية مستقبلاً؛ لأن هذا يعني أن (الفيتو) الروسي قد يتحرك ويفسد القرار المحتمل، وخاصة أن نتنياهو غير راغب بالأساس في مسار الأمم المتحدة»، مشيراً إلى أن «اتصال بوتين بنتنياهو ربما في إطار تأكيد الحصول على ضمانات لتنفيذ القرار، حال لم تستخدم موسكو (الفيتو)»، وفق تقييم الفرا.

فلسطينيون يستعيدون جثة من تحت أنقاض منزل دُمر في غارة إسرائيلية ليلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)

وكان مشروع القرار المحتمل حاضراً في اتصال هاتفي جمع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، وأفاد بيان لـ«الخارجية المصرية»، الأحد، بأن الاتصال تناول المشاورات الجارية حول مشروع القرار بمجلس الأمن بشأن التطورات في غزة والترتيبات الأمنية، في ضوء المداولات الجارية داخل المجلس.

وأكد عبد العاطي أهمية أن يسهم القرار في تثبيت وقف إطلاق النار وتهيئة الظروف لتحقيق سلام عادل وشامل يُلبي تطلعات الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة.

وأعربت الولايات المتحدة، والسعودية، وقطر، ومصر، والإمارات، وإندونيسيا، وباكستان، والأردن، وتركيا، في بيان مشترك، الجمعة، عن «دعمها المشترك» لمشروع القرار الأميركي الذي يعطي تفويضاً لتشكيل قوة استقرار دولية، من بين أمور أخرى، مبدية أملها في اعتماده «سريعاً».

ويعتقد الفرا أن العرب لن يتجهوا لتأييد مشروع القرار الأميركي دون وجود توافقات وقبول مبدئي بأن القرار سيحفظ الاتفاق، مشيراً إلى أن الاتصال المصري - الروسي يأتي في اتجاه تقريب وجهات النظر بشأن مشروع القرار، وألا تعطل موسكو القرار.

في حين يتوقع أنور أنه في ظل التأييد العربي - الإسلامي والفلسطيني لمشروع القرار الأميركي، أن تمتنع روسيا والصين عن التصويت وألا تعطلا القرار، مشيراً إلى أنه في حال حدث العكس ستتجه واشنطن للقوة متعددة الجنسيات، فسيكون الاتفاق أمام وضع معقد للغاية في ظل عدم وجود مظلة أممية، وضبابية الصلاحيات، واحتمال حدوث صدام فلسطيني مع تلك القوات.