المجازر مستمرة في غزة رغم احتدام الحرب الإسرائيلية – الإيرانية

انسحاب بري ملحوظ من مناطق في القطاع تواكبه سيطرة نارية بالمسيرات والقذائف

فلسطينيون يحملون مساعدات غذائية من مؤسسة مدعومة أميركياً في رفح جنوب غزة يوم (أ.ب)
فلسطينيون يحملون مساعدات غذائية من مؤسسة مدعومة أميركياً في رفح جنوب غزة يوم (أ.ب)
TT

المجازر مستمرة في غزة رغم احتدام الحرب الإسرائيلية – الإيرانية

فلسطينيون يحملون مساعدات غذائية من مؤسسة مدعومة أميركياً في رفح جنوب غزة يوم (أ.ب)
فلسطينيون يحملون مساعدات غذائية من مؤسسة مدعومة أميركياً في رفح جنوب غزة يوم (أ.ب)

منذ فجر الجمعة الماضي، خطفت الحرب الإسرائيلية – الإيرانية الأنظار من مشهد الحرب في غزة، لكن المجازر الإسرائيلية، وخاصة بحق منتظري المساعدات في القطاع، لم تتوقف، أو حتى تتراجع وتيرتها.

وتراوح متوسط أرقام الضحايا يومياً منذ يوم الجمعة الماضي بين 40 و70 ضحية، وارتفع في بعض الأحيان إلى نحو 100.

ورغم ما تشير إليه مصادر ميدانية تحدثت إلى «الشرق الأوسط» عن «انسحاب ملحوظ» لقوات برية إسرائيلية من مناطق في قطاع غزة، فإنها «ما زالت تسيطر نارياً بالمناطق التي تراجعت منها، حيث تستخدم الطائرات المسيرة والدبابات لإطلاق قذائفها تجاه كل من يتحرك في تلك المناطق».

ورصد فعلياً تراجع آليات الاحتلال من بعض أحياء الشجاعية والتفاح شرقي مدينة غزة، وكذلك في بعض المناطق من جباليا وبيت لاهيا شمال القطاع، إلى جانب بعض أحياء وبلدات خان يونس جنوبي قطاع غزة.

آليات إلكترونية

ووفقاً للمصادر الميدانية، فإن «قوات الاحتلال الإسرائيلي في بعض الأحيان تقوم بتسيير آليات إلكترونية تسير عن بُعد بغرض الإيحاء للفلسطينيين بأنها ما زالت موجودة في تلك المناطق، كما تقوم بعمليات نسف بشكل أقل بكثير مما كان عليه الوضع قبل الهجوم على إيران».

وتسبب القصف المدفعي في الأيام الأخيرة في سقوط العديد من الضحايا بعد محاولات عودة المواطنين لتفقد ما تبقى من منازلهم في المنطقة التي كانت توجد فيها القوات الإسرائيلية.

فلسطيني يسير بين أنقاض مبنى دمرته غارة إسرائيلية في دير البلح وسط غزة يوم الاثنين (أ.ب)

وأكدت وسائل إعلام عبرية أن الجيش الإسرائيلي سحب العديد من قواته بينها الفرقة 198، ولواء ناحال، بهدف نشرها على جبهات عدة، منها الضفة الغربية، وسوريا، ولبنان، وسط خشيةً من هجمات تنفذها خلايا تابعة لإيران على عدة مناطق حدودية.

ويتزامن ذلك مع غارات جوية أقل حدة عن السابق، لكن العدد الأكبر من الضحايا يسجل في نقاط توزيع المساعدات التي تقوم بتخصيصها «مؤسسة غزة الإنسانية» المدعومة أميركياً، وإسرائيلياً، أو بفعل استهداف طرق مرور شاحنات المساعدات.

غارات متواصلة وانقطاعات في الإنترنت

وتوضح المصادر الميدانية أن هناك انخفاضاً ملحوظاً في تحليق الطائرات الحربية والمسيرة في سماء قطاع غزة، لكن الغارات الجوية لم تتوقف في العديد من المناطق.

وقُتل منذ فجر الاثنين أكثر من 33 فلسطينياً أثناء انتظارهم للمساعدات، فيما أصيب أكثر من 200 بينهم نحو 50 في حالة شديدة الخطورة.

بينما قُتل أكثر من 20 فلسطينياً في غارات جوية وقصف مدفعي طال عدة مناطق بالقطاع، وسقط بعض الضحايا نتيجة استهداف مباشر لمجموعة من المواطنين في جباليا البلد، إلى جانب استهداف قارب صيد تسبب في مقتل صياد، وإصابة عدد آخر بجروح خطيرة عقب إطلاق البوارج الحربية قذائفها تجاههم.

وتتواصل المجازر في غزة على وقع استمرار الاتهامات لإسرائيل بتعمد قطع الإنترنت والاتصالات عدة مرات ولعدة أيام عن قطاع غزة.

وعادت خدمة الإنترنت مجدداً ظهر الاثنين، بعد ساعات على انقطاعها عن مناطق وسط وجنوب القطاع، وذلك بعد أن قطعت عدة أيام عن كل مناطق قطاع غزة، قبل أن تسمح القوات الإسرائيلية للطواقم الهندسية التابعة لـ«شركة الاتصالات الفلسطينية» بالدخول لمنطقة القصف وإعادة تفعيل الخدمة وسط تشويش وعمليات تقطيع مستمرة من حين إلى آخر.

فلسطيني يحاول الوصول إلى الإنترنت باستخدام شرائح إلكترونية في مدينة غزة يوم الخميس (رويترز)

كما تأثرت خدمة الاتصالات الثابتة والخلوية ببعض عمليات التقطيع، الأمر الذي ضاعف من أعداد الضحايا، بعد أن فشل التواصل السريع هاتفياً مع طواقم طبية لإنقاذ المصابين، وكذلك طواقم الدفاع المدني.

وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة التابع لحكومة «حماس» إن «الاحتلال الإسرائيلي قطع الاتصالات والإنترنت للمرة العاشرة عن قطاع غزة خلال الإبادة في جريمة تهدف لتعتيم الحقيقة، وتعميق الكارثة الإنسانية»، مؤكداً أن «ما كان يجري لا يمكن اعتباره خللاً فنياً أو عرضياً، بل نتاج جريمة مدروسة ومقصودة ترتكب مع سبق الإصرار، بهدف عزل القطاع عن العالم الخارجي وتغييب الحقيقة».

مخاوف مضاعفة

ولا يخفي السكان في قطاع غزة مخاوف مضاعفة من أن تستمر الحرب في إيران بشكل أطول، ما يدفع إسرائيل لارتكاب جرائم أكبر بحق السكان دون أن يكون هناك اهتمام إعلامي أو سياسي بما يجري.

ويقول المواطن نضال النجار (53 عاماً) من سكان حي النصر بمدينة غزة، إنه منذ بدء الحرب بين إسرائيل وإيران «لم يلاحظ أي حديث سياسي أو إعلامي عن المفاوضات التي كانت تجري في الدوحة لوقف الحرب».

وأضاف النجار لـ«الشرق الأوسط»: «الناس في غزة لا يعرفون الآن إن كان هناك تقدم أو توقف للمفاوضات، كما أنه لم تخرج أي بيانات من (حماس) لتوضيح الوضع للسكان»، ويتابع: «هذا يثير مخاوف الجميع هنا من أن ما يجري من عمليات قتل واستهداف يومي للمواطنين أصبح آخر اهتمامات العالم الذي كان على الأقل يندد بتلك المجازر». كما قال.

قس بلجيكي يتحدث في بروكسل بموازاة بدء نشطاء حقوقيين إضراباً عن الطعام لـ5 أيام من أجل غزة (إ.ب.أ)

ولم يختلف تقييم مريم الحسني (39 عاماً)، وهي من سكان مخيم الشاطئ، عن مواطنها، لكن لفتت كذلك إلى أن «صورة الحرب في غزة باتت غائبة بشكل كبير عن صدارة الإعلام العربي والدولي، بعد اشتعال الحرب بين إيران وإسرائيل».

وأضافت: «الاحتلال يرتكب جرائمه في صمت بحقنا، وهذا سيشجعه على مجازر أكبر في الأيام المقبلة، بينما العالم منشغل بالحرب الإسرائيلية – الإيرانية».


مقالات ذات صلة

لأول مرة في تاريخ إسرائيل... عدد الأكاديميين المهاجرين أكبر من القادمين

شؤون إقليمية موظف في مطار بن غوريون الدولي يجلس في صالة الوصول في يونيو 2025 (رويترز)

لأول مرة في تاريخ إسرائيل... عدد الأكاديميين المهاجرين أكبر من القادمين

كشفت معطيات «دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية» عن أن هجرة الأدمغة تتفاقم بشكل كبير منذ اندلاع الحرب على غزة، وبلغت حداً يشكل تهديداً استراتيجياً.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الخليج شددت منظمة التعاون الإسلامي على أن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من أرض دولة فلسطين (واس)

تحذير إسلامي من خطورة استمرار جرائم إسرائيل في الضفة

شددت منظمة التعاون الإسلامي، الأربعاء، على رفضها وإدانتها لأي محاولات لتهجير أبناء الشعب الفلسطيني، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية.

«الشرق الأوسط» (جدة)
المشرق العربي رأفت علوان (32 عاماً) على اليمين وعائلته يقفون خارج خيمتهم بينما ملابسهم ملقاة على غطاء بلاستيكي لتجف في مخيم مؤقت للنازحين الفلسطينيين أقيم على الشاطئ خلال صباح بارد في مدينة غزة (أ.ب) play-circle

وفاة 17 فلسطينياً بينهم 4 أطفال جراء المنخفضات الجوية في غزة

أعلن المتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزة، محمود بصل، أن أكثر من 17 بناية سكنية انهارت بشكل كامل منذ بدء المنخفضات الجوية في القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة )
تحليل إخباري قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير (أ.ب) play-circle

تحليل إخباري ضغوط على قائد الجيش الباكستاني بسبب «قوة غزة»

يواجه قائد جيش باكستان، الأقوى منذ عقود، أصعب اختبار لصلاحياته المكتسبة حديثاً، في ظل ضغوط واشنطن على إسلام آباد للإسهام بقوات في «قوة تحقيق الاستقرار» بغزة.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
المشرق العربي موجة أمطار جديدة تُغرق شوارع غزة المنكوبة play-circle 02:43

موجة أمطار جديدة تُغرق شوارع غزة المنكوبة

أجبرت الأمطار الغزيرة بعض السكان على دفع سياراتهم في شوارع قطاع غزة المغمورة بالمياه، بينما لجأ آخرون إلى عربات تجرّها الحمير لعبور السيول.

«الشرق الأوسط» (غزة)

إسرائيل تريد اتفاقاً مع سوريا «يخدم الطرفين»

 فلسطينيون يتزاحمون للحصول على حصص غذاء في خان يونس بجنوب قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتزاحمون للحصول على حصص غذاء في خان يونس بجنوب قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تريد اتفاقاً مع سوريا «يخدم الطرفين»

 فلسطينيون يتزاحمون للحصول على حصص غذاء في خان يونس بجنوب قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتزاحمون للحصول على حصص غذاء في خان يونس بجنوب قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)

عبّر وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، عن رغبة بلاده في إبرام اتفاق أمني مع سوريا يخدم الطرفين، لكنه قال إن أي اتفاق من هذا النوع «يجب أن يراعي الوضع بالجنوب»، في إشارة إلى رغبة تل أبيب في جعلها منطقة منزوعة السلاح.

وزعم ساعر في مقابلة مع قناة «العربية الإنجليزية»، أمس، أن تل أبيب، «ليس لها أطماع في أراضي سوريا»، مستدركاً أنها «لا تريد انطلاق أنشطة إرهابية من سوريا».

وفي الشأن اللبناني، قال ساعر إن لدى إسرائيل رغبة في «التطبيع مع لبنان»، عادّاً أن «الخلافات بسيطة، ويُمكن تجاوزها».

وتطرق وزير خارجية إسرائيل، إلى ملف غزة، زاعماً أن سلاح حركة «حماس» هو العقبة أمام الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق وقف النار.

من جهته، قال الوسيط المقرب من الإدارة الأميركية، بشارة بحبح، لـ«الشرق الأوسط»، إن المرحلة الثانية لاتفاق غزة ستبدأ الشهر المقبل.


الجيش اللبناني يعثر على نفق لـ«حزب الله» في الجنوب

خلال معاينة دبلوماسيين نفقاً لـ«حزب الله» حيّده الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني (مديرية التوجيه)
خلال معاينة دبلوماسيين نفقاً لـ«حزب الله» حيّده الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني (مديرية التوجيه)
TT

الجيش اللبناني يعثر على نفق لـ«حزب الله» في الجنوب

خلال معاينة دبلوماسيين نفقاً لـ«حزب الله» حيّده الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني (مديرية التوجيه)
خلال معاينة دبلوماسيين نفقاً لـ«حزب الله» حيّده الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني (مديرية التوجيه)

عثر الجيش اللبناني على أحد الأنفاق التي بناها «حزب الله» في بلدة تولين بجنوب لبنان، إثر كشف قام به بناء على طلب من لجنة «الميكانيزم» مستخدماً الحفارات، وفق وسائل إعلام لبنانية أشارت إلى أن الموقع كان قد تعرّض لقصف إسرائيلي قبل ذلك.

وهي ليست المرة الأولى التي يقوم بها الجيش اللبناني بالكشف عن مواقع بناء على طلب لجنة «الميكانيزم» أو إثر تهديد إسرائيلي، في إطار التنسيق بين المؤسسة العسكرية ولجنة الإشراف على اتفاق وقف الأعمال العدائية (ميكانيزم) وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل). وحصل هذا الأمر الأسبوع الماضي مع إجراء الجيش اللبناني تفتيشاً دقيقاً لأحد المباني في بلدة يانوح الجنوبية، إثر تهديد إسرائيل بقصف المنزل، حيث لم يتم العثور على أسلحة. وأعلن الجيش الإسرائيلي إثر انتشار الجيش اللبناني أنه علق في شكل مؤقت الضربة التي كان قد هدد بها على ما اعتبره بنية تحتية عسكرية تابعة لـ«حزب الله» في البلدة.

ويأتي ذلك في وقت استمر فيه القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان حيث استهدفت غارة، الأربعاء، بلدة كفركلا. وأعلنت «الوكالة الوطنية للإعلام» (الرسمية) أن الغارة استهدفت تلة ساري بين محلتي العزية والشخروب، من دون الإشارة إلى وقوع إصابات.

متري: الجيش اللبناني جاهز للانتقال إلى مراحل لاحقة

ووصف نائب رئيس الحكومة طارق متري، لجنة الـ«ميكانيزم» بـ«مساحة نقاش وإطار للإشراف والتحقق من احترام الاتفاقات»، مؤكداً التزام لبنان بها منذ اليوم الأول، في مقابل استمرار الخروقات الإسرائيلية.

وفيما يتعلق بسلاح «حزب الله»، قال متري خلال مشاركته في افتتاح الجلسة الأولى من المؤتمر الثامن لمركز كارنيغي - الشرق الأوسط، في بيروت: «إن قائد الجيش العماد رودولف هيكل اقترح خطة من خمس مراحل، تنطلق من تعزيز قدرات الجيش»، مؤكداً أن «بسط سلطة الدولة في المنطقة المحيطة بالليطاني يشهد تقدماً تدريجياً، مع اقتراب الجيش من إنهاء مهمته جنوب (نهر) الليطاني تمهيداً للانتقال إلى مراحل لاحقة».

عناصر من الجيش اللبناني يقفون على آلية عسكرية في بلدة علما الشعب الحدودية يوم 28 نوفمبر الماضي (رويترز)

وعن إعادة الإعمار، أوضح متري أن المجتمع الدولي يشترط بسط سلطة الدولة مدخلاً أساسياً للدعم، معرباً عن أمله في أن تلعب الدول العربية دوراً داعماً عبر علاقاتها الدولية.

الجلسة الثانية بمشاركة مدنيين من لبنان وإسرائيل

ويأتي ذلك قبل يومين من جلسة جديدة للجنة «الميكانيزم»، المكلفة مراقبة وقف إطلاق النار، مقررة في 19 ديسمبر (كانون الأول)، وهي الجلسة الثانية التي سيشارك فيها رئيس الوفد اللبناني، السفير سيمون كرم، بعد مشاركته مع مدني إسرائيلي في الجلسة السابقة مطلع ديسمبر الحالي، في أول محادثات مباشرة بين البلدين. وكان رئيس الجمهورية جوزيف عون قد التقى كرم، الأربعاء، وزوّده بتوجيهاته عشية الاجتماع المقبل للجنة.

وتضمّ لجنة مراقبة وقف إطلاق النار كلاً من لبنان وإسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة والأمم المتحدة. ونصّ اتفاق وقف إطلاق النار على وقف الأعمال القتالية وانسحاب «حزب الله» إلى شمال نهر الليطاني، وصولاً إلى نزع سلاحه في كل لبنان، وعلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من المواقع التي تقدّم إليها خلال الحرب الأخيرة. إلا أن إسرائيل تُبقي على وجودها في خمسة مواقع استراتيجية داخل الأراضي اللبنانية، بينما يرفض «حزب الله» نزع سلاحه.


لبنان: جلسة تشريع تصطدم مجدداً بـ«فيتو» قانون الانتخابات

البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)
البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)
TT

لبنان: جلسة تشريع تصطدم مجدداً بـ«فيتو» قانون الانتخابات

البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)
البرلمان اللبناني في إحدى جلساته (إعلام مجلس النواب)

على وقع الانقسام السياسي الحاد، يعقد مجلس النواب اللبناني، الخميس، جلسة تشريعية حسّاسة، ليس بسبب القوانين المدرجة على جدول أعمالها، بل بفعل تغييب مشروع قانون قدّمته الحكومة واقتراح قانون معجل مكرر قدمته كتل نيابية لتعديل قانون الانتخابات النيابية، وهو ما فجّر مواجهة مفتوحة بين رئيس المجلس نبيه بري، الساعي إلى تأمين النصاب وتمرير ما يعدها «قوانين ملحّة»، وبين كتل نيابية وازنة أعلنت المقاطعة احتجاجاً على تهميش مطلبها بتعديل قانون الانتخاب الذي تعده مدخلاً لأي إصلاح حقيقي.

ومن المقرر أن تنعقد الجلسة التشريعية عند الساعة الحادية عشرة قبل ظهر الخميس، وعلى جدول أعمالها 17 مشروع قانون واقتراح قانون أبرزها «الموافقة على إبرام اتفاقية قرض البنك الدولي للبنان» بقيمة 250 مليون دولار مخصصة لإعمار جزء مما هدمته إسرائيل في حربها الأخيرة على لبنان. بالإضافة إلى اقتراح قانون يُعفي المتضررين من الاعتداءات الإسرائيلية من ضرائب ورسوم، وتعليق المهل المتعلقة بالحقوق والواجبات الضريبية، ومعالجة العقارات وأقسامها المهدمة جراء الحرب.

وغيّب رئيس المجلس عن الجلسة التشريعية مشروع القانون المعجّل الذي أحالته الحكومة الرامي إلى تعديل قانون الانتخاب، لا سيما إلغاء ما تُعرف بـ«الدائرة 16» التي تخصص ستة مقاعد نيابية لتمثيل المغتربين في قارات العالم. كما رفض إدراج اقتراح القانون المعجل المكرر الذي تقدّم به عدد من النواب لإلغاء المقاعد الستة التي تمثل الاغتراب والسماح للمغتربين بالتصويت لـ128 نائباً في أماكن إقامتهم.

رئيس البرلمان نبيه بري (رئاسة البرلمان)

ويخوض برّي معركة سياسية شرسة لتأمين النصاب القانوني للجلسة التشريعية لتمرير القوانين التي يستعجل إقرارها، في حين تعمل الكتل المقاطعة للجلسة على فقدان النصاب وكسب «معركة تطييرها» مرّة جديدة، للضغط على رئيس المجلس لتغيير موقفه من قانون الانتخاب. وترى هذه الكتل أن تغييب قانون الانتخابات ليس تفصيلاً تقنياً بل خيار سياسي مقصود، وترى أن الإصرار على تشريع مجتزأ يعيد إنتاج المنظومة نفسها، ويمنح غطاءً سياسياً لاستمرار النهج القائم. ويبدو أن رهان برّي على تأمين النصاب تحقق، عبر إعلان كتلة «الاعتدال الوطني»، (تكتل نيابي يضم عدداً من النواب المستقلين غالبيتهم من شمال لبنان)، مشاركتها في الجلسة. وقالت الكتلة في بيان أصدرته بعد الاجتماع الاستثنائي الذي عقدته مساء الأربعاء، إنها «قاطعت الجلسة السابقة لإعطاء فرصة وإبرام تسوية تتعلق بقانون الانتخابات، لكن للأسف لم تصل إلى النتائج المرجوة». ورأت أن الاستمرار في التعطيل «يحمّل البلد تبعات تعطيل قوانين تهم المواطنين». وإذ أعلنت مشاركتها في الجلسة جددت مطالبتها برّي بـ«إدراج مشروع قانون الانتخابات على جدول الجلسة».

وعلمت «الشرق الأوسط» أن نقاشاً مستفيضاً ساد اجتماع كتلة «الاعتدال الوطني»، وأكد مصدر في الكتلة أن «الآراء انقسمت بين من يؤيد المشاركة ومن يفضّل المقاطعة»، مشيراً إلى أن الكتلة «أخذت بعين الاعتبار تمني رئيسَي الجمهورية والحكومة جوزيف عون ونواف سلام، على النواب عدم مقاطعة الجلسة». ولفت المصدر إلى أن النواب «ارتأوا أن هناك قوانين تهمّ الناس بينها القانون المتعلق بمطار القليعات الذي يشكل حاجة ملحة لمنطقة عكار وشمال لبنان، ولا بد من السير به سريعاً».

وبينما حسمت كتلتا «القوات اللبنانية» و«الكتائب» مسبقاً مقاطعتهما الجلسة، التحقت بهما مساء الأربعاء، كتلة «تحالف التغيير»، (يضم مجموعة نواب برزوا بعد انتخابات 2022 تحت مسمى «قوى التغيير»). وأعلن النائب ميشال دويهي أن الكتلة «ستقاطع الجلسة التشريعية اعتراضاً على عدم إدراج اقتراح قانون الانتخابات المعجل المكرر الذي يتيح للمغتربين الاقتراع مكان إقاماتهم». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أنها «المرة الأولى منذ 32 عاماً، لا يدرج اقتراح قانون معجل في أول بنود الجلسة التشريعية، بالإضافة إلى مشروع قانون معجّل قدمته الحكومة لتعديل قانون الانتخابات الحالي»، معتبراً أن ذلك «يعكس صراعاً سياسياً بين فريقين، وهذا مؤشر على مدى الاستهتار بقوانين مهمّة تمس جوهر الحياة العامة».

من جهته، أعلن نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب، أن الانتخابات النيابية «تحتاج إلى توافق سياسي حول القانون». وأكد بعد لقائه رئيس الجمهورية جوزيف عون، أنه «إذا كان هناك إصرار على تصويت المغتربين لـ128 نائباً وأردنا فتح مهل لتسجيلهم، فإن ذلك يعني حتمية تأجيلٍ تقنيٍّ للانتخابات حتى شهر أغسطس (آب) من أجل احترام المهل القانونية»، مشيراً إلى أن المناكفات السياسية لا تخدم الاستحقاق الانتخابي.

في المقابل، يدفع رئيس مجلس النواب الذي يمسك بأوراق ضغط قوية، باتجاه تأمين النصاب القانوني لانعقاد الجلسة، ويرى أن شلل المجلس يفاقم الانهيار ولا يخدم أي طرف. وسبق ذلك تسريب معلومات تفيد بأن برّي «يربط التوقيع على قانون تشغيل مطار القليعات في شمال لبنان بمشاركة كتلة «الاعتدال الوطني» في جلسة الخميس، وهو ما حمل هذه الكتلة، كما يبدو، على الحضور بخلاف مقاطعتها للجلسة السابقة.

وكتب رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، على حسابه عبر منصة «إكس»: «يحاول الرئيس بري ابتزاز نواب الشمال في بند مطار القليعات، علماً أن بند مطار القليعات كان قد أقر في الجلسة الماضية، وأصبح بحكم النافذ انطلاقاً من النظام الداخلي للمجلس النيابي، الذي ينص في المادة 60 على أن إذا لم تقفل الهيئة العامة، لأي سبب من الأسباب محضر جلسة ما، فإن هيئة مكتب المجلس تجتمع وفقاً للأصول وتصدق على المحضر». وأضاف جعجع: «جميعنا نريد مطار القليعات، وقد ناضلنا كثيراً في سبيل الوصول إليه، لكن لا يجوز أن نترك الرئيس بري يستخدمه لابتزازنا، ولمزيد من الابتزاز في عمل المجلس النيابي».