إيلي كوهين... ماذا نعرف عن أشهر جاسوس إسرائيلي؟

نتنياهو أعلن استعادة ملفاته وصوره من سوريا بعد 60 عاماً على وفاته

TT

إيلي كوهين... ماذا نعرف عن أشهر جاسوس إسرائيلي؟

ملف الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين لدى أجهزة الأمن السورية قبل نقله لإسرائيل (لقطة من فيديو)
ملف الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين لدى أجهزة الأمن السورية قبل نقله لإسرائيل (لقطة من فيديو)

يعد إيلي كوهين أحد أهم وأبرز جواسيس إسرائيل في العالم العربي منذ تأسيس الدولة العبرية عام 1948، حيث استطاع نسج علاقات وثيقة مع شخصيات سياسية وعسكرية رفيعة المستوى في سوريا، قبل اكتشاف أمره وإعدامه في ستينيات القرن الماضي.

وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأحد، استرجاع نحو 2500 وثيقة وصورة ومقتنيات شخصية كانت ضمن «الأرشيف السوري الرسمي» الخاص بإيلي كوهين.

وجاء في بيان صادر عن مكتب نتنياهو «في عملية سرية معقدة نفّذها جهاز (الموساد) بالتعاون مع جهة استخباراتية شريكة، تمّ إحضار الأرشيف السوري الرسمي الخاص بإيلي كوهين إلى إسرائيل»، مضيفاً أنه يحوي «آلاف المواد التي احتفظت بها الاستخبارات السورية لعقود تحت حراسة مشددة».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يطلع نادية كوهين على صور ووثائق تخص إيلي كوهين استعادتها إسرائيل من سوريا (مكتب نتنياهو)

ولد إيلي كوهين في الإسكندرية بمصر عام 1924، وعندما بلغ العشرين من العمر، انضم إلى «منظمة الشباب اليهودي الصهيوني» في مصر. وبعد حرب 1948، أخذ يدعو مع غيره من أعضاء المنظمة لهجرة اليهود المصريين إلى فلسطين.

وفي عام 1949‏ هاجر والداه وثلاثة من أشقائه إلى إسرائيل بينما تخلّف هو في الإسكندرية‏. ‏وقبل أن يهاجر إلى إسرائيل، عمل لصالح إسرائيل وساعد شبكةً للمخابرات الإسرائيلية بمصر نفذت سلسلة من التفجيرات ببعض المنشآت الأميركية في القاهرة والإسكندرية‏ بهدف إفساد العلاقة بين مصر والولايات المتحدة الأميركية.

وفي عام 1954، تم إلقاء القبض على أفراد الشبكة في فضيحة كبرى عُرفت حينها بـ«فضيحة لافون». وبعد انتهاء عمليات التحقيق، كان إيلي كوهين قد تمكن من إقناع المحققين ببراءته، لكنه أصبح شخصاً مثيراً للشك لدى أجهزة الأمن، ثم خرج من مصر‏ بعد عام 1956‏.

صورة متداولة لإيلي كوهين فوق سطح منزله في دمشق

ملف نادية كوهين

عمل إيلي كوهين مترجماً ومحللاً لدى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وحاول الالتحاق بجهاز «الموساد» ثم فشل، ما دفعه للاستقالة من المخابرات العسكرية والعمل كمحاسب لدى بعض الشركات الخاصة في تل أبيب. وتزوج من إسرائيلية من أصل عراقي تدعى نادية.

والتقى نتنياهو وديفيد برنياع مدير الموساد، نادية كوهين، أمس الأحد، وشاركا معها الأرشيف الذي حصلا عليه، بحسب ما أفاد بيان مكتب نتنياهو.

وكان من بين الوثائق التي استعادتها إسرائيل من سوريا وأعلنت عنها، الأحد، ملف يحمل اسم «نادية كوهين» يتضمن تفاصيل مراقبة أجهزة الأمن السورية للحملة التي قادتها زوجته للمطالبة بالإفراج عنه في الستينيات قبل تنفيذ الحكم بإعدامه.

بعد رفض جهاز «الموساد» لإيلي كوهين، عاد للتواصل معه في بداية الستينيات حيث كان يبحث عن شخص لإرساله للتجسس في سوريا. رتبت له المخابرات الإسرائيلية قصة ملفقة أو ما يسمى قصة تغطية؛ يبدو فيها رجل أعمال سوري يحمل اسم كامل أمين ثابت يمتلك الكثير من الأموال ويعمل في الأرجنتين، وهناك انخرط وسط المجتمع العربي وكوّن العديد من العلاقات والصداقات.

وفي سوريا عمل طوال 4 سنوات لصالح «الموساد»، وكوّن صداقات وعلاقات قوية مع شخصيات سياسية وعسكرية رفيعة المستوى في سوريا وكان يرسل المعلومات إلى تل أبيب عن طريق الراديو والرسائل المشفرة. وفي عام 1965، افتضح أمر كوهين وألقي القبض عليه متلبساً ثم حكم بإعدامه، ونفذ الحكم يوم 18 مايو (أيار) 1965.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ونادية كوهين وديفيد برنياع مدير «الموساد» خلال إطلاعها على وثائق إيلي كوهين (مكتب نتنياهو)

وشملت المواد التي استعادتها إسرائيل من سوريا، وأعلنت عنها الأحد، وصية أصلية كتبها كوهين بخط يده قبل ساعات من إعدامه، وتسجيلات صوتية وملفات من استجوابه واستجواب من كانوا على اتصال به، ورسائل كتبها لعائلته في إسرائيل وصور من مهمته في سوريا.

كما تتضمن مقتنيات شخصية نُقلت من منزله بعد اعتقاله، منها جوازات سفر مزورة وصور له مع مسؤولين عسكريين وحكوميين سوريين رفيعي المستوى، إضافة إلى دفاتر لتدوين الملاحظات ويوميات تسرد مهام «الموساد».

نفذ حكم الإعدام في إيلي كوهين يوم 18 مايو 1965

ومنذ إعدام كوهين، لم تتوقف إسرائيل عن محاولة استعادة جثمانه من سوريا، حيث ظل مكان دفنه سراً، ويعتقد أن جثمانه نقل عدة مرات لأماكن مختلفة.

رفاته

كشفت عائلة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، في عام 2019، أن جهاز «الموساد» حاول في عملية معقدة داخل سوريا أن يهتدي إلى مكان دفنه، ونقل رفاته إلى إسرائيل، إلا أن العملية فشلت.

وروت صوفي كوهين، ابنة الجاسوس، أنها عرفت بأمر هذه العملية من الإفادة الصوتية التي سجلها عمها موريس، شقيق والدها، الذي عمل هو أيضاً في «الموساد». فقبل وفاته، قرر ترك رسالة صوتية يتحدث فيها عن شقيقه الجاسوس إيلي كوهين، و«بطولاته في اختراق مؤسسة الحكم السورية ووصوله إلى أعلى شرائح السلطة، وتمكنه من جمع معلومات خطيرة تخدم الجيش الإسرائيلي مثل الاستعدادات للحرب وغيرها».

صورة من فيلم بثته «روسيا اليوم» لجثمان إيلي كوهين في كفن بعد إعدامه في دمشق 1965

وكان الغرض من هذه الإفادة هو طمأنة أفراد العائلة بأن «الموساد» لم يهمل قضية إيلي كوهين، بل حاول تنفيذ عمليات كثيرة مغامرة للعثور على جثمانه، ولكن الظروف كانت أقوى منه.

ولم يكشف موريس كوهين كيف تمت عمليات البحث، وفي أي وقت، وإن كانوا قد تلقوا معلومات عن مكان دفن الجثة. لكنه روى في هذه الإفادة أن تحقيقات «الموساد» بيّنت أن الرئيس السوري في ذلك الوقت، أمين الحافظ، أمر بدفن الجثة داخل معسكر جيش قرب دمشق، وأن فرقة مدرعات تولت أمر حراسة القبر ليل نهار.

ويضيف موريس أنه عندما تولى الحكم حافظ الأسد، عام 1971، أمر بنقل رفات شقيقه إيلي إلى قبر آخر فوضعوه في برميل، ودفنوه، وصبوا فوقه كمية كبيرة من الباطون.

صورة للجاسوس الإسرائيلي لإيلي كوهين ضمن وثائق استعادتها إسرائيل من سوريا (لقطة من فيديو)

وأشار موريس، في التسجيل، إلى أن محققي «الموساد» سمعوا رواية أخرى تقول إن بعض الجنود أحرقوا جثة إيلي كوهين، لكن المخابرات الإسرائيلية لم تقتنع بهذه الرواية، باعتبار أن هذه الجثة هي كنز ثمين يمكن استخدامه في المساومات والمقايضات بين دمشق وتل أبيب.

ويضيف موريس كوهين أن القناعة السائدة لدى «الموساد»، آنذاك، هي أن نظام الأسد ما زال يحتفظ برفات إيلي كوهين في مكان سري لا يعرفه إلا قلة قليلة من كبار رجالاته. ويعتقد بأن القبر يقع في منطقة سرية قرب الحدود السورية اللبنانية.

صورة هوية للجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين (لقطة من فيديو)

وادعت مصادر سياسية في تل أبيب، الجمعة، أنه خلال لقاء مباشر بين مسؤولين أمنيين إسرائيليين وصفوا بأنهم «رفيعو المستوى»، ونظرائهم من السلطة السورية الجديدة، خلال الأشهر الأخيرة، أبلغ السوريون نظراءهم الإسرائيليين أنهم يسعون للعثور على رفات الجاسوس إيلي كوهين، الذي نُفذ فيه حكم بالإعدام في دمشق، في أواسط ستينيات القرن الماضي.

«أسطورة»

واعتبر مكتب نتنياهو، في بيان، الأحد، أن كوهين «أسطورة، مع مرور الزمن ها هو يظهر كأعظم عميل في تاريخ الدولة».

وأضاف أن استعادة الأرشيف الخاص به يعكس «التزام إسرائيل الثابت بإعادة جميع مفقودينا وأسرانا ورهائننا» في إشارة ضمنية إلى الرهائن الذين ما زالوا محتجزين في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

صورة من وثائق باللغة العربية تخص قضية الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين استعادتها إسرائيل من سوريا (لقطة من فيديو)

وأشار بيان رئاسة الوزراء إلى أن الحصول على هذه المتعلقات هو تتويج لـ«عقود من الجهد الاستخباراتي والعملي والتقني من قبل (الموساد) للعثور على أي معلومة تتعلق بإيلي كوهين بهدف كشف مصيره ومكان دفنه».

وأوضح أن محاولات عديدة جرت على مر السنين بينها تلك التي نفذت «داخل دول معادية» لمعرفة ما حصل لكوهين.

وفي صيف 2018، أعلنت الدولة العبرية أنّها استعادت ساعة يد كوهين التي كانت جزءاً من «هويته العربية الزائفة»، وذلك بفضل «عملية خاصّة نفّذها (الموساد) في دولة عدوّة».

مسلسل على «نتفليكس»

وحولت شبكة «نتفليكس»، قصة حياة إيلي كوهين لمسلسل مثير من 6 حلقات بعنوان «الجاسوس... قصة حياة إيلي كوهين».

مجموعة من الصور للجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين كانت في ملفه بسوريا (لقطة من فيديو)

ولعب الممثل البريطاني ساشا بارون كوهين دور الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين (لا صلة تربط بينهما رغم الشبه الكبير)، في المسلسل الذي عرض عام 2019.

ساشا بارون كوهين في لقطة من مسلسل «الجاسوس» (نيويورك تايمز)

قال ساشا بارون كوهين، في لقاء أجري معه عام 2019، «تعرفت على إيلي كوهين من واقع وصف الشخصية المكتوبة في سيناريو المسلسل، وأحسست أنه يمثل الجانب المتطرف للغاية الذي لا أعرفه من شخصيتي. وكانت المخاطر عالية جداً بالنسبة لطبيعة عمله؛ ذلك لأن مقابل الفشل لديه كان إما السجن أو الإعدام. وكان إيلي كوهين يشكّل أعظم (ممثل واقعي في الحياة) شهدته سنوات القرن العشرين».


مقالات ذات صلة

اجتماع طارئ للجامعة العربية الأحد لرفض اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

شمال افريقيا لقطة عامة لمدينة هرجيسا عاصمة وأكبر مدن أرض الصومال (أ.ف.ب)

اجتماع طارئ للجامعة العربية الأحد لرفض اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

أعلنت الجامعة العربية اليوم (السبت) اجتماع طارئ على مستوى المندوبين الدائمين غدا (الأحد) لرفض اعتراف إسرائيل بأرض الصومال.

«الشرق الأوسط» (مقديشو)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (ا.ف.ب)

ترمب يؤكد أنه لن يحذو حذو إسرائيل في الاعتراف بـ«أرض الصومال»

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، رفضه الاعتراف باستقلال أرض الصومال، وذلك عقب اعتراف اسرائيل رسمياً بالجمهورية المعلنة من طرف واحد والمنفصلة عن الصومال.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أفريقيا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز) play-circle 00:32

نتنياهو: إسرائيل تعترف بجمهورية أرض الصومال «دولة مستقلة ذات سيادة»

أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن بنيامين نتنياهو اعترف، اليوم الجمعة، بجمهورية أرض الصومال «دولة مستقلة وذات سيادة».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية سلاح الجو الإسرائيلي يجهز وحدة جديدة لمنع حدوث توغلات برية (أ.ف.ب)

إسرائيل: تشكيل وحدة تدخل سريع جديدة لمنع حدوث توغلات برية على غرار هجوم «حماس»

كشف سلاح الجو الإسرائيلي، اليوم الخميس، عن وحدته الجديدة نسبيا المخصصة لمنع حدوث توغلات برية إلى إسرائيل على غرار هجوم 7 أكتوبر.

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي عنصر في العمليات العسكرية السورية أمام مدخل قاعدة حميميم الروسية في محافظة اللاذقية - 29 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

تقرير: سوريا تريد تحقيق توازن بين الوجودين التركي والروسي

نقل تلفزيون «آي 24 نيوز» الإسرائيلي عن مصادر سورية، أن دمشق تريد تحقيق توازن بين الوجودين التركي والروسي على أراضيها للوصول لاتفاقية أمنية مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

العراق يدخل عام 2026 مثقلاً بأزمات متداخلة

صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
TT

العراق يدخل عام 2026 مثقلاً بأزمات متداخلة

صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)

يعيد العراق تدوير أزمات متداخلة مع بداية عام 2026، في مقدمتها تأخر دفع رواتب نحو 8 ملايين موظف ومتقاعد، وتعثر تشكيل حكومة جديدة، وعودة الجدل الحاد حول تحويل محافظة البصرة الغنية بالنفط إلى إقليم، في مشهد يعكس عمق الاختلال السياسي والمالي في البلاد.

ومع اقتراب نهاية عام 2025، لم يتسلم موظفو الدولة رواتبهم للشهر الأخير، في سابقة تُثير قلقاً واسعاً لدى شريحة تعتمد غالبيتها على الدخل الحكومي، في بلد يشكل فيه القطاع العام العمود الفقري للاقتصاد.

وتؤكد وزارة المالية مراراً أن «الرواتب مؤمّنة»، وتنفي وجود أزمة سيولة، إلا أن هذه التصريحات لم تعد كافية لتهدئة مخاوف الموظفين والمتقاعدين والمستفيدين من شبكة الحماية الاجتماعية، في ظل شلل سياسي مستمر.

تتزامن الأزمة المالية مع انسداد سياسي حاد، نتيجة فشل القوى السياسية في التوافق على شاغلي الرئاسات الثلاث: رئاسة البرلمان، ورئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء.

ويقول محللون إن غياب حكومة كاملة الصلاحيات يُقيد قدرة الدولة على اتخاذ قرارات مالية حساسة، بما في ذلك إدارة الإنفاق العام، وضمان انتظام الرواتب، في وقت تتراكم فيه الديون وتتراجع ثقة الشارع بالمؤسسات.

وينظر إلى هذا التعثر باعتباره امتداداً لأزمة بنيوية أعمق؛ حيث لم تنجح الطبقة السياسية، منذ سنوات، في بناء آليات مستقرة للحكم، رغم الموارد النفطية الكبيرة التي يمتلكها العراق.

«إقليم البصرة»

إلى جانب الرواتب والحكومة، برزت في أواخر 2025 أزمة جديدة تمثلت في إعلان مجلس محافظة البصرة عزمه التصويت على بدء إجراءات تحويل المحافظة إلى إقليم فيدرالي.

ورغم أن الدستور العراقي يتيح تشكيل الأقاليم، فإن التجربة بقيت محصورة عملياً في إقليم كردستان، الذي يتمتع بوضع خاص تشكّل قبل سقوط نظام صدام حسين عام 2003.

وعلى مدى العقدين الماضيين، قوبلت دعوات مماثلة في محافظات أخرى برفض سياسي واسع، بدعوى أنها تُمهّد لتقسيم البلاد. وكانت الدعوات لتحويل محافظات غربية، مثل الأنبار، إلى إقليم، قد واجهت حملات تخوين واتهامات بالسعي إلى إنشاء «دولة سنية» أو تنفيذ أجندات إقليمية.

لكن مسألة البصرة تختلف، وفق مراقبين، ليس من زاوية الهوية السياسية أو الطائفية، بل بسبب وزنها الاقتصادي، فالمحافظة الجنوبية تنتج أكثر من 80 في المائة من النفط العراقي، ما يجعل أي خطوة نحو إقليم مستقل نسبياً مصدر قلق لبغداد.

حقل «غرب القرنة 2» النفطي جنوب مدينة البصرة في العراق (رويترز)

النفط في قلب الصراع

وتخشى الحكومة الاتحادية من أن يؤدي تحويل البصرة لإقليم إلى تقليص سيطرتها على أهم مورد مالي للدولة، في وقت تعاني أصلاً نزاعات مزمنة مع إقليم كردستان حول عائدات النفط والمنافذ الحدودية.

ويرى خبراء أن فتح «جبهة مالية» جديدة مع إقليم نفطي بحجم البصرة قد يضع الدولة أمام اختبارات قاسية، خصوصاً إذا ترافقت مع استمرار الاضطراب السياسي.

في المقابل، يُحذر آخرون من أن منطق الأقاليم، إذا تمدد، قد يفتح الباب أمام صراعات داخلية على الموارد، بما في ذلك المياه، في بلد يعاني أصلاً شحاً مائياً وتغيرات مناخية متسارعة.

وبين تأخر الرواتب، وانسداد الأفق السياسي، وتصاعد الجدل حول الأقاليم، يبدو العراق مقبلاً على عام جديد من دون حلول جذرية.

ويقول مراقبون إن ما يجري ليس سوى «تدوير للأزمات»؛ حيث ترحل المشكلات من عام إلى آخر من دون معالجات بنيوية، في ظل خلل مركب سياسي واقتصادي بات يُهدد الاستقرار الاجتماعي في بلد يعتمد ملايين من مواطنيه على الدولة مصدراً وحيداً للدخل.


لبنان «يدير المخاطر» وسط تهديدات إسرائيلية وغياب الضمانات

عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)
عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)
TT

لبنان «يدير المخاطر» وسط تهديدات إسرائيلية وغياب الضمانات

عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)
عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)

يقف لبنان على مشارف انتهاء عام 2025 من دون أن يكون قد حسم موقعه بين منطق الحرب ومنطق الاستقرار. فالسنة التي توشك على طيّ صفحاتها لم تشهد توسّعاً شاملاً للمواجهة، لكنها لم تُنتج في المقابل أي معادلة ردع سياسية أو أمنية قابلة للصمود، في ظل رفض «حزب الله» البدء بالمرحلة الثانية من خطة حصرية السلاح في شمال الليطاني، مقابل تهديدات إسرائيلية متواصلة.

ويتحرّك لبنان سياسياً ودبلوماسياً في التعامل مع التهديدات الإسرائيلية، ضمن هامش ضيّق ترسمه توازنات خارجية، وتبرز مقاربة تعتبر أنّ ما يعمل عليه لبنان هو منع الانفجار الكبير، حسبما تقول مصادر نيابية، مشيرة إلى أن ما يجري يبدو كأنه «إدارة مؤقتة للمخاطر، في ظل غياب الضمانات الدولية، وتشابك المسارات الإقليمية، واستمرار العجز الداخلي عن إنتاج قرار سيادي جامع»، في وقت تعمل لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية (الميكانيزم) أداة ضبط، في مقابل بقاء إسرائيل خارج أي التزام سياسي ملزم، ما جعل الالتزام اللبناني أحادي الاتجاه.

تجنّب الحرب سابق لأوانه

يرى عضو «كتلة اللقاء الديمقراطي» (الحزب التقدمي الاشتراكي)، النائب بلال عبد الله، أنّ «الحديث عن تجنيب لبنان الحرب بشكلٍ نهائي لا يزال سابقاً لأوانه»، وأنّ «توصيف المرحلة بترحيل التصعيد وحده لا يكفي لشرح تعقيد المشهد».

ويشير إلى أنّ لبنان «يقوم بما يتوجّب عليه ضمن أقصى طاقته السياسية والدبلوماسية»، لافتاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ آلية المتابعة الدولية «تتطلّب تنفيذاً سياسياً في جزءٍ أساسي منها، وهو ما تعمل عليه الدولة اللبنانية ضمن الإمكانات المتاحة».

النائب بلال عبد الله (الوكالة الوطنية)

وتبرز إشكالية أساسية، تتمثّل بالتزام لبناني مقابل فراغ في الضمانات، ويشدّد عبد الله على أنّ «كل ما هو مطلوب رسمياً من لبنان يتم الالتزام به، في وقت يتكبّد فيه (حزب الله) خسائر يومية على الأرض»، معتبراً أنّ «الخطاب عالي النبرة مسألة منفصلة عن الوقائع الميدانية والسياسية».

ويرى أنّه «حتى اليوم، لم يأتِ أي موقف غربي أو عربي يحمل ضمانة جدية تمنع إسرائيل من توجيه ضربات إضافية، ما يعني عملياً أنّ الاستقرار المطروح ليس إلا هدنةً مفتوحةً على الاحتمالات». من هنا، يعتبر أنّ «الحديث عن استقرار طويل الأمد غير واقعي في المرحلة الحالية»، وأنّ سقف الممكن يقتصر على وقف الاعتداءات، لا أكثر».

تحولات إقليمية

لا يفصل عبد الله المسار اللبناني عن محيطه، فيؤكد أنّ «الواقعية السياسية تفرض على لبنان الاستمرار في القيام بواجباته كدولة، ضمن (الميكانيزم)، لكن من دون أوهام حيال نتائجه». ويستحضر نموذج غزّة بوصفه دليلاً على هشاشة التفاهمات، مشيراً إلى أنّ «أي قراءة سياسية نهائية تبقى رهينة التطورات الإقليمية والدولية»، معتبراً أنّ «غياب الضوابط الواضحة والضمانات الملزمة للجم إسرائيل، يترك الميدان مفتوحاً أمام احتمالات متعددة، وأنّ لبنان سيظل ساحة متأثرة بالحسابات الإسرائيلية أكثر مما هو محكوم بتفاهمات مستقرة».

فرصة لم تُستثمر

في المقابل، تنطلق مقاربة عضو كتلة «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية)، النائب فادي كرم، من خلفية سياسية مختلفة، ترى في 2025 فرصة إصلاحية لم يُحسن لبنان استثمارها. ويعتبر أنّ «عام 2025 شهد مساراً عاماً يميل إلى الإيجابية، مع نية واضحة لإخراج لبنان من الواقع الذي عاشه طوال الثلاثين سنة الماضية»، لكنه يربط تعثّر النتائج بـ«الإكثار من الحديث عن التريّث والتباطؤ، ما أضرّ بالمسار الإصلاحي، لا سيّما في ما يتصل ببناء الدولة وحصر السلاح».

النائب فادي كرم (الوكالة الوطنية)

ويرى كرم أنّ «الخطوات التي اتُّخذت خلال 2025 كانت بطيئة، وأنّ أي مقاربة تقوم على الاكتفاء بالكلام أو بتأجيل حسم ملف السلاح مع الواقع قد تدفع خطر الحرب إلى الخلف لفترة محدودة، لكنها لا تُلغي احتماليته». ومن هنا، يربط الضمانة الوحيدة للاستقرار بـ«حصر السلاح بشكل كامل وعلى كل الأراضي اللبنانية»، معتبراً أنّ أي تجزئة في هذا المسار تعني عملياً ترحيل أسباب الحرب لا معالجتها».

وإذ ينوّه كرم بعمل الجيش اللبناني، معتبراً أنّه «مؤسسة قادرة»، يشدّد على أنّ فاعليته تبقى مشروطة بـ«القرار السياسي». ويرى أنّ «استمرار وجود السلاح غير الشرعي، مع رفض تسليمه، يفرض على الدولة اتخاذ خطوات أمنية واضحة، تبدأ برفع الغطاء السياسي، من دون أن يعني ذلك الذهاب إلى صدام داخلي»، ويضيف: «عندما تحسم الدولة أمرها، يصبح الطرف غير الشرعي هو من يعيد حساباته، وليس العكس».

ويحذّر كرم من أنّ لبنان في نهاية 2025، لم يخرج بعد من دائرة خطر التصعيد الإسرائيلي، معتبراً أنّ «الحديث المتزايد عن استهداف إيران، يضع (حزب الله) تلقائياً في قلب أي مواجهة مقبلة، ما يجعل لبنان ساحة محتملة لأي تصعيد إقليمي، بصرف النظر عن حساباته الداخلية».


إسرائيل تغلق حاجزاً عسكرياً شمال رام الله

مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)
مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)
TT

إسرائيل تغلق حاجزاً عسكرياً شمال رام الله

مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)
مركبات عسكرية تعمل خلال غارة إسرائيلية على بلدة قباطية قرب جنين (رويترز)

أغلقت القوات الإسرائيلية، صباح اليوم (السبت)، حاجز عطارة العسكري، شمال رام الله بالضفة الغربية.

وأفادت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) بأن «الاحتلال أغلق الحاجز منذ ساعات الصباح الأولى، ما تسبب في عرقلة حركة المواطنين، خاصة القادمين والمغادرين من قرى وبلدات شمال غربي وغرب رام الله، ومن المحافظات الشمالية».

وفق تقرير صادر عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في شهر أكتوبر (تشرين الأول)، فإن العدد الإجمالي للحواجز الدائمة والمؤقتة التي تقسم الأراضي الفلسطينية بلغت ما مجموعه 916 ما بين حاجز عسكري وبوابة.